الحقوق الواجبة على كل مسلم


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله لا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فنحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام،  ونشكر القائمين على مركز رياض الصالحين بدبي على جهودهم العلمية، ومحاضرة اليوم بعنوان: (الحقوق الواجبة على المسلم).

 الله عز وجل أنعم على الإنسان في هذه الدنيا وأكرمه إذا أدى مسئوليته على الوجه المطلوب منه، فالله عز وجل عنده لهذا الإنسان من التكريم في الآخرة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل إذا قام الإنسان بهذا الواجب، وحمل هذه الأمانة بصدق وإخلاص فإنه سيقدم على خير أكثر مما تركه في الدنيا ﵟوَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٦٠ﵞ ﵝالقَصَص : ﵐﵖﵜ.

 هذا الإنسان لم يخلق في هذه الدنيا عبثا لم يخلق ليأكل ويشرب ويتنعم ويشتهي ليس كذلك، الله عز وجل يقول: ﵟإِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢ﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵒﵗﵜ، هذه الأمانة التي حملها الإنسان هي أمانة المسؤولية أمام الله عز وجل وأمام خلقه، فهو مسئول عن تصرفاته مسئول عن حركاته وأعماله مسئول عن جميع ما يصدر منه، يحاسب عليه فإن أحسن فله الأجر والثواب عند الله وإن أساء فانه متوعد بالعقاب، ولهذا قال الله عز وجل بعد هذه الآية: ﵟوَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵒﵗ - ﵓﵗﵜ ؛ لأن هؤلاء ضيعوا هذه الأمانة ﵟوَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵓﵗﵜ لماذا لأنهم حفظوا هذه الأمانة أمانة المسؤولية، المسؤولية أمام الله عز وجل وأمام خلقه بأن ينظروا إلى أعمالهم يحاسبوا أنفسهم يقفوا عند تصرفاتهم، فإذا كان فعلوا حقا حمدوا الله عز وجل عليه واستمروا على هذا الحق، وإذا عملوا سيئا تركوه وتابوا منه هذه المسؤولية تتلخص في الحقوق الواجبة حقوق أوجبها الله عز وجل على هذا الإنسان، هذه الحقوق هي التي بينها الله عز وجل بقوله:ﵟ وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ٣٦ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵖﵓﵜ، هذه الأمانة في هذه الآية من سورة النساء لخصت لنا الحقوق الواجبة على الإنسان، الله عز وجل بين في هذه الآية: ﵟوَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالٗا فَخُورًا ٣٦ﵞ، هذه الحقوق العشرة في هذه الآية الكريمة هي التي حملها هذا الإنسان كلف بها وبالقيام بها، وكل إنسان عاقل فإنه لا يعفى من هذه الحقوق إلا إذا فقد العقل كما قال صلى الله عليه وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ،وَعَنِ الْمَجْنُونِ يَفِيقَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ»([1]) ، إذًا عدا هؤلاء الثلاثة فإنه مكلف بهذه الحقوق فإن أداها على الوجه المطلوب فإنه يثاب عليها وعاقبته حميدة في الدنيا والآخرة، أما إذا ضيع هذه المسؤولية وضيع هذه الحقوق الواجبة عليه فإنه يكون مؤاخذا عند الله عز وجل.

 نتكلم عن هذه الحقوق العشرة في هذه الآية الحقوق الواجبة على الإنسان.

هذه الحقوق أولها قال عز وجل: وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ ﵞ هذا الحق الأول حق الله على عباده الذي خلقهم من أجله من أجل عبادته، رزقهم أوجدهم من العدم أنعم عليهم بالنعم، حقه سبحانه وتعالى مقدم على سائر الحقوق، فحقه عز وجل أن يعبد ولا يشرك به شيئا، هذه العبادة الله عز وجل ليس بحاجة إليها، العباد هم المحتاجون إلى هذه العبادة؛ لأنهم فقراء إلى الله عز وجل العبادة سبب لعفو الله عز وجل عنهم، سبب لإكرامه لهم وإنعامه عليهم في الدنيا والآخرة، فالعباد هم محتاجون لهذه العبادة لأن الله عز وجل غني عن هذه العبادة كما قال عز وجل:ﵟإِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ٨ﵞ ﵝإِبۡرَاهِيم : ﵘﵜ،  وجاء في الحديث القدسي الصحيح يقول الله عز وجل: «يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا دَخَلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»([2]) ، إذًا المسلم يعلّق قلبه بالله عز وجل ولا يلتفت إلى غير الله عز وجل، فإذا تعلّق قلبه بالله ملأ الله عز وجل قلبه غنا ونورا وإيمانا، وإذا أعرض قلبه عن الله أظلم هذا القلب وقسا وانقطع عن الله عز وجل فلا يستجاب له دعاء يرفع له عمل ويكون من الخاسرين، إذًا هذا هو المقصود من العبادة عبادة الله عز وجل، والعبادة في لسان العرب: الذل والخضوع، ذل لله وخضوع له مع المحبة والإجلال؛ لأن العبادة غاية الذل مع غاية الحب لله عز وجل، والعبادة بتعريفها الشامل والواسع الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية الله: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، فكل ما يحبه الله عز وجل ويرضاه من الأعمال الظاهرة على  الجوارح والباطنة في القلوب فإنه عبادة لله عز وجل، فما لا يرضاه الله فإنه ليس عبادة لله ولو كان الإنسان يريد التقرب به إلى الله عز وجل، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله والله لا يحب الكفر ولا يحب الشرك ولا يحب البدع والمحدثات ولا يرضاها، وإنما سبحانه يحب الطاعات يحب الاتباع والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بما شرعه الله عز وجل هذا هو الذي يرضاه الله ويحبه هذا هو العبادة ﵟ وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ ﵞ ثم قال: ﵟ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖﵞ، فالعبادة لا تصح بالإخلاص لله عز وجل لذلك قال: ﵟ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ ﵞ فنبه سبحانه وتعالى على ذلك ما يفسد هذه العبادة الشرك فإن الإنسان لو عبد الله في الليل والنهار وأتى بكل عبادة يعرفها لكنه أشرك بالله شيئا فإن عبادته لا تنفعه مهما أتعب نفسه فيها، والله عز وجل يقول: ﵟ وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٦٥ﵞ ﵝالزُّمَر : ﵕﵖﵜ، فالشرك لا تصح معه عبادة، فالذي يعبد الله ويعبد غيره لا تنفعه عبادته ولا تصح عبادته، كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» ([3])،  فالله عز وجل لا يقبل عملا فيه شرك وقوله: وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ ﵞ شيئا هذه نكرة في سياق النهي تعم جميع أنواع الشرك الأكبر والشرك الأصغر والشرك الخفي، فمن تعلق بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر فقد أشرك بالله، وبالتالي تكون عبادته هباء منثورا كما قال عز وجل: ﵟوَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا ٢٣ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵓﵒﵜ، فالله سماه عملا لكنه هباء منثور؛ لأنه لم يخلص لله عز وجل، هذا الحق الأول من الحقوق الواجبة على كل إنسان وهو حق الله الذي خلق العباد من أجله، ويبين هذا قوله صلى الله عليه وسلم في معاذ رضي الله عنه قال: كُنْتُ رِديفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حمار فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ، وَسَعْدَيْكَ، أَتدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟»قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ، وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: « أتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَ من لاَ يُشركُ بهِ شَيْئًا»([4])، إذًا هذا الحق من الحقوق الواجبة على كل إنسان، هو حق الله أعظم الحقوق أكبر الحقوق وألزمها، حق الله هو الأساس الذي إذا ضاع ضاعت جميع الأعمال وضاعت جميع الحقوق، وإذا وجد هذا الحق وصلح استقامت الأمور، صلحت الأعمال، فالله عز وجل بدأ به أولا، أول هذه الحقوق الواجبة حق الله عبادة الله وعدم الإشراك به شيئا هذا الحق الأول الأول هو الأساس هو القاعدة، ولذلك يجب على الناس ويجب على المسلمين من باب أولى أن يتعلموا التوحيد يتعلموا العقيدة ويدرسوها، يعملوا بالتوحيد يتعلموا ضد التوحيد وهو الشرك بأنواعه، أن يجتنبوا الشرك بأنواعه هذا الحق الأول من الحقوق الواجبة، ثم قال عز وجل: ﵟوَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاﵞ هذا الحق الثاني: حق الوالدين ﵟوَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاﵞ أي أحسنوا بالوالدين إحسانا، فجاء حق الوالدين بعد حق الله مباشرة؛ لأن أعظم المحسنين إليك من الخلق أيها الإنسان هم الوالدان، ربياك صغيرا حملتك أمك كرها ووضعتك كرها ضاقت من المشقة في تربيتك وإماطة الأذى عنك، أرضعتك من ثديها قامت عليك، كذلك والدك يكد ويكدح ويكتسب ويعرض نفسه للأخطار من أجل أن يطعمك ويغذيك ويلبسك، فكل من الوالدين تضافرا في إنتاجك أيها الإنسان وفي تكوينك بعد الله عز وجل حتى صرت بشرا صرت رجلا، مهما عملت أيها الإنسان من البر بوالديك فإنك لن تقوم بحقهما، كان رجل يطوف بالكعبة وهو حامل أمه على ظهره وهي كبيرة السن يطوف بها بالكعبة، فرأى هذا الرجل ابن عمر رضي الله عنهما في الطواف قال: يا ابن عمر هل تراني قد وفيتها حقها؟ قال: لا ولا بزفرة زفراتها، ولكنك محسن والله يجزي على الإحسان([5]) ، إذًا حق الوالدين عظيم ولهذا جاء بعد حق الله عز وجل: ﵟوَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡـٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗاﵞ جاء في الترتيب حق الوالدين بعد حق الله عز وجل وبعد حق رسوله صلى الله عليه وسلم، هكذا قال عز وجل: ﵟوَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵓﵒﵜ، فجعل أيضا سبحانه وتعالى عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله وهو معصيتهما وعدم الإحسان إليهما هذا العقوق، العقوق خطير جدا حري بمن عقّ والديه أن يعاجل بالتوبة إلى الله عز وجل، هذا هو الحق الثاني حق الوالدين.

 الحق الثالث في الآية: ﵟوَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰﵞ، حق ذي القربى في الآية، والقرابة هم الذين تربطك بهم قرابة نسب من جهة الأب أو من جهة الأم، هؤلاء هم القرابة، والله عز وجل قال: ﵟوَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰﵞ، فهؤلاء الأرحام لهم حق أيضا حق الصلة، الصلة بين أبناء الأعمام والإخوة وأولاد الإخوة أو لا تربطك بهم القرابة من جهة الأب والأخوال والخالات والأجداد والجدات أيضا من قبل الأم تربطك بهم قرابة هؤلاء أرحام تجب صلتهم، حق ذي القربى قال عز وجل: ﵟوَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰﵞ والأرحام يوصلون ولو قطعوا ولو قطع الرحم يجد صلتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِىءِ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»([6])، إذًا صلة الأرحام وبر الوالدين تكون بالكلام اللين وبالزيارة والنفقة إذا احتاجوا، إدخال السرور عليهم توقيرهم احترامهم، كل هذا يدخل في حقوق الوالدين وحقوق الأرحام ذي القربى.

 ثم ذكر الله عز وجل حق اليتامى والمساكين الحق الرابع الخامس واليتامى والمساكين، واليتيم هو الصغير الذي مات أبوه وهو صغير أبوه الذي يقوم برعايته، فله حق هذا اليتيم والمسكين أيضا الذي يجد ما يكفيه، فيعطى من الناس الزكاة وما يكفيه، ويأتي الحق السادس والسابع أيضا والثامن حق الجار في هذه الآية الجار هو من يسكن إلى جانب سكنك أو قريبة منك، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق الجار القريب المسلم له حق  القرابة، وحق الإسلام وحق الجوار، وجار له حقان الجار المسلم غير القريب له حق الإسلام وحق الجوار، وجار له حق واحد وهو الجار الكافر، فهؤلاء الجيران لهم حقوق أيضا ذكرها أهل العلم، والصبر عليهم وكف الأذى عنهم، وأيضا الوقوف معهم في الأحزان ومشاركتهم في الأفراح وإجابة الدعوة وغير ذلك مما ذكر عند أهل العلم من حقوق الجيران.

 يأتي الحق التاسع في الآية وهو حق ابن السبيل،  المسافر المنقطع عن الناس أفلس وهو في السفر ليس عنده شيء يبلغه السفر أو يعيده إلى أهله، فيعطى من الزكاة ويعطى من الصدقات ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيا في بلده يعطى؛ لأنه ابن السبيل والله عز وجل ذكره في هذه الآية: ﵟوَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡجَارِ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِﵞ، قال: ﵟوَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِﵞ فهو الحق التاسع الواجب على الإنسان.

 أما الحق العاشر والأخير في هذه الآية: الله عز وجل قال: ﵟوَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۗﵞ حق ملك اليمين من الأرقاء حق أيضا العمال والخدم في البيوت، هؤلاء لهم حق الإنفاق عليهم عدم وتكليفهم من الأعمال ما لا يطيقون إذا كلفهم يعينهم، كل هذا يدخل فيه العمال والخدم والسائقون وغيرهم من عمال المنازل، وهكذا أيضا يدخل في ذلك ما يملكه الإنسان من البهائم هؤلاء أيضا لهم حق الإنفاق عليه وسقيهم وإطعامهم، وإذا ذبح ذبيحة أيضا يحسن الذبحة، آداب وحقوق ذكرها الإسلام، الإحسان إلى هؤلاء الرفق بهم وتأمين ما يحتاجونه أيضا من العمال والخدم وكذلك من البهائم ما يحتاجونه من العلف والماء، ولا يجوز تحميلهم ما لا يطيقون، هذا هو دين الإسلام دين العدالة والرحمة.

 هناك حقوق أخرى أيضا واجبة على المسلم: حق الضيف، حق المسلم على المسلم إجابة دعوة ورد السلام واتباع الجنازة، وهكذا إلى غيرها حقوق كثيرة يجب على المسلم أن يتعلم هذه الحقوق وأن يقوم بأداء هذه الحقوق؛ لأنه مسئول أمام الله عز وجل.

 هذه الحقوق هي من الأمانة ومن المسؤولية التي حملها الإنسان، وحملها المسلم من باب أولى فيجب علينا أن نتعلم هذه الحقوق، وهذه مدخل لبقية الحقوق وهي إشارة إلى بيان أهمية القيام بهذه الحقوق؛ لأنها فرض على الإنسان، فرض على كل مسلم أن يتعلم هذه الحقوق، ويقوم بهذه الحقوق ولا يقصر في أن يتحمل مسؤوليته اتجاه من هم أصحاب هذه الحقوق، وهناك حق الله عز وجل وقد أشرنا وفصلنا فيه؛ لأنه أعظم الحقوق أيضا هناك حق للإسلام نصرة الإسلام والعمل بالإسلام، تعلم دين الإسلام والدفاع عن الإسلام، نشر الإسلام هذا الدين العظيم، هناك أيضا حق للنبي صلى الله عليه وسلم، حق النبي صلى الله عليه وسلم اتباعه والتأسي به، طاعته صلى الله عليه وسلم والعمل بأوامره واجتناب ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، حب صحابته وآل بيته وزوجاته، هذا من حقوقه صلى الله عليه وسلم علينا، كثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم هذا من الحقوق له صلى الله وسلم، وهكذا أيضا هناك حقوق للضيف ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، الواجب تعلم هذه الحقوق حق اليتيم وحق الخدم وهكذا حقوق كثيرة.

 هذه إشارة فقط إلى بعض الحقوق، وهي مفتاح أيضا وفيها ترغيب للمسلم أن يقوم بأداء هذه الحقوق الواجبة عليه، فهي مسؤولية الأمانة التي كلفه الله عز وجل  بحملها هذا الإنسان والمسلم من باب أولى.

 نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا دولة الإمارات وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه وأن يرزقهم البطانة الصالحة.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


 

([1]) رواه أبو داود (4398).

([2]) رواه مسلم (2577).

([3]) رواه مسلم (2985).

([4]) رواه البخاري (2856)، ومسلم (49).

([5]) رواه البخاري في الأدب المفرد (11).

([6]) رواه البخاري (5991).