إنما يتقبل الله من المتقين


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد؛

 اليوم نتكلم على قول الله عز وجل: ﵟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٧ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵗﵒﵜ، هذه جزء من آية ذكرها الله عز وجل في قصة ابني آدم لكن السلف رحمهم الله كما ذكرنا كانوا لا يمرون على الآيات مرورا عابرا دون أن يتأملوا ويتدبروا فيها، هذه الآية يشتد منها خوف السلف على نفوسهم ﵟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٧ﵞ خافوا ألا يكونوا من المتقين الذين يتقبل منهم، وأصح الأقوال في التفسير هنا تفسير المتقين قالوا: أي المتقين لله في ذلك العمل، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صفات أهل الإيمان الخوف من عدم قبول العمل، يخافون من أن عملهم الذي يقومون به غير مقبول، ليس فقط أدى العمل وأنا أديت المهمة التي علي وهذا حال كثير من الناس أنه يؤدي العمل ويظنه مثل التكليف مثل العمل الوظيفي إذا قام به انتهى الأمر، لا، أنت لا تدري هل قبل عملك أم لم يقبل، أنت تعمل لأجل أن تحظى بالأجر والثواب ومحبة الله سبحانه وتعالى، فأركان العمل هي المحبة والخوف والرجاء، تحب الله سبحانه وتعالى وترجو ثوابه وتخاف عقابه، ليس مجرد أن أؤدي العمل ثم أنصرف.

 جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: ﵟوَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّ قُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌﵞ ﵝالمُؤۡمِنُون : ﵐﵖﵜ، قالت عائشة: «أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ ، قَالَ:  لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ ، وَيُصَلُّونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ»([1]) ، طبعًا هم لا يخافون أن الله عز وجل يظلمهم فيفعلون الفعل والله عز وجل لا يعطيهم الأجر والثواب ولا يقبله أبدا، لأنهم يوقنون أن الله عز وجل حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين العباد، يوقنون أن الله عز وجل عادل بل يعاملنا بفضله ليس بعدله، رب العالمين يعاملنا الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، فإذا كان هذا حاله سبحانه وتعالى في تعامله معنا نحن الضعاف هل يعقل أن نأتي بالعمل كما أراده الله ثم لا يقبله أبدا، وإنما كانوا يخافون من أن يأتي شيء يبطل أعمالهم وهم لا ينتبهون، ولذلك كان الخوف موجودا من عدم قبول العمل، ها هو نبي الله وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن يدعو ربه قائلا: ﵟوَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵗﵒﵑﵜ، فكان مهتما عليه الصلاة والسلام بقبول عمله ليس فقط مجرد أداء عمل؛ لأنه إنما يتقبل الله من المتقين، جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: « كُونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهَتمامًا مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، أَلَمْ تَسْمَعُوا اللَّهَ يَقُولُ (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)»([2])، فتأملوا رحمكم الله إلى هذا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يوجه المسلمين إلى اهتمامهم ليس بالعمل فقط بل بقبول العمل، ومن اهتم بقبول العمل اهتم بإتقانه.

 وجاء سائل لابن عمر رضي الله عنهما سائل طلب منه أن يساعده بشيء من المال فقال عبد الله لابنه: أعطه دينارا فأعطاه فقال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال عبد الله بن عمر: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت أتدري ممن يتقبل الله إنما يتقبل الله من المتقين ([3]).  

 ابن مالك المقري يقول: سمعت أبا الدرداء يقول: لئن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحبّ إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: ﵟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٧ﵞ.

 إذا علم أن الله تقبل منه ركعة فهذا معناه أنه من أهل التقوى وهو لا يدري بنفسه أهو من أهل التقوى أم لا، فإذا كان هذا حال الصحابة رضوان الله عليهم فكيف بحالنا نحن مع تقوى الله عز وجل ومع قبول العمل وكثرة النظر فيه مع كثرة المشاغل التي تشغل القلب بل تشغل حتى الجوارح.

 ذكر الذهبي([4]) عن فضالة بن عبيد قال: لأَنْ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، لأَنَّهُ تَعَالَى يَقُوْلُ: ﵟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٧ﵞ.

 إذًا نحتاج أن نؤكد ونرسخ جانب التقوى في قلوبنا حتى يتقبل الله منا، أما تغدو يوم القيامة على ربك سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم العدل وهو يحاسبك على عمل كنت ترجو ثوابه فلا تجد له أي ثواب بل وزر وإثم؛ لأنك لم تكن متقيا لله فيه هذا من أعظم الخسارة.

 إذًا إخواني لأجل أن يقبل الله عز وجل عمل لقبول العمل شرطان ذكرهما العلماء استنباطا من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم:

 الشرط الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يكون العمل لله تعالى وحده لا شريك له، لا ترجو بهذا العمل أي أحد من خلق الله إلا الله سبحانه وتعالى.

 الشرط الثاني: المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أن يكون العمل على وفق ما فعله النبي صلى الله وسلم وبينه، فالعبادة لا تتم إلا بأمرين: الإخلاص لله وهو ما تضمنته شهادة أن لا اله إلا الله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما تضمنته شهادة أن محمدا رسول الله، ولهذا جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم ركنا واحدا في حديث ابن عمر لما قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، هذا الركن الأول ثم قال: «وَإِقَامِ الصَّلَاةِ» ([5])، إذًا هذه العبادة حتى تكون مقبولة لابد أن تبنيها على هذين الركنين: الإخلاص لله عز وجل والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.

 من الأدلة التي تبين هذين الشرطين: قول الله سبحانه وتعالى: ﵟٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ ٢ﵞ ﵝالمُلۡك : ﵒﵜ، هذه الآية بين الله عز وجل فيها أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ليبتلينا بماذا؟ بحسن العمل ليس بأكثره لم يقل بأكثركم عملا بأحسنكم عملا، ما معنى أحسن العمل؟

 قال الفضيل بن عياض رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﵟأَحۡسَنُ عَمَلٗاۚﵞ هو: قال: أخلصُه وأصوبُه، قالوا يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إنَّ العملَ إذا كان خالصاً، ولم يكن صواباً، لم يقبل، وإذا كان صواباً، ولم يكن خالصاً، لم يقبل حتّى يكونَ خالصاً صواباً، ثم قال: والخالصُ إذا كان لله - عز وجل -، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّة ([6]) .

وقال الله عز وجل في آخر سورة الكهف: ﵟفَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠ﵞ ﵝالكَهۡف : ﵐﵑﵑﵜ، فقوله: فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗاﵞ هذا شرط المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون العمل صالحا أي مشروعا، ﵟوَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ﵞ هذا الشرط الأول وهو الإخلاص.

 نتكلم أولا عن الشرط الأول: الإخلاص، الإخلاص هو أن تجعل هذا العمل لله سبحانه وتعالى صلاتك صومك حجك نذرك صدقتك صدقك تركك للذنوب والمعاصي برك بوالديك إتقانك لعملك، كل عبادة ذكرها الله في كتابه وشرعها النبي وشرعها الله في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وبلغنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم فتجعلها لله عز وجل، وهذا ما أمر الله به في كتابه قال تعالى: ﵟإِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ ٢ أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُﵞ ﵝالزُّمَر : ﵒ - ﵓﵜ، قال ابن كثير: أَيْ لَا يُقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا أَخْلَصَ فِيهِ الْعَامِلُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ([7]) .

 وقال سبحانه: ﵟوَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلۡقَيِّمَةِ ٥ﵞ ﵝالبَيِّنَة : ﵕﵜ، إذًا رب العالمين سبحانه وتعالى ما أمر العباد إلا بإخلاص العبادة لله عز وجل، والإخلاص يقتضي أن تكون العبادة كلها لله تعالى، فلا يصرف العبد منها شيء لغير الله.

 قال تعالى: ﵟقُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٦٣ﵞ ﵝالأَنۡعَام : ﵒﵖﵑ - ﵓﵖﵑﵜ، النّسك هو الذبح، ولذلك قال الله تعالى: ﵟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢ﵞ ﵝالكَوۡثَر : ﵒﵜ.

ﵟقُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ﵞ يقول بعض أهل العلم: ذكر الصلاة لأنها أشرف العبادات العملية وذكر الذبح لأنه اشرف العبادات المالية، ولذلك جعلها الله عز وجل في آية واحدة: ﵟ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ ٢ﵞ ﵝالكَوۡثَر : ﵒﵜ.

ﵟقُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٦٣ﵞ ﵝالأَنۡعَام : ﵒﵖﵑ - ﵓﵖﵑﵜ ، ومحياي: ما يكون في حياتي كلها.

 وروى البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»([8]) ، فهذا حق الله سبحانه وتعالى الذي خلقك والذي يرزقك والذي يرفع الضر عنك وينفعك ويشفيك ويعافيك أن تعبده، يقول الله عز وجل: ﵟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ٢١ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵑﵒﵜ، ومما يضاد الإخلاص في العمل الرياء، الرياء أن أعمل العمل لأجل أن يقول الناس عني أني عابد وأني عامل وأني مجتهد، جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تبارك وتعالى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» ([9])، إذًا أي عمل ستقوم به ولو كان صوابا على السنة لكن قلبك لم يكن خالصا لله عز وجل في فعله، وإنما فعلته لترائي الناس ولأجل أن يذكرك الناس فاعلم أن العمل هذا غير مقبول، رب العالمين غني عن عمل أشركت معه غيره، وهذا الأمر خطير يحتاج فعلا إلى عناية بالقلب عناية بجانب الإخلاص لأجل أن تكون من المتقين الذين الله يتقبل منهم، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: -وتأملوا معي في هذا الحديث([10])  الذي يبين لك ما سبق يقول:-  « إنَّ أوَّلَ النّاسِ يُقْضى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ -طبعا نحن نعرف ثواب الشهادة في سبيل الله رجل قدم دمه وروحه في المعركة لأجل نيل الشهادة عند الله سبحانه وتعالى -، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتّى اسْتُشْهِدْتُ - يعني الإنسان قد يكذب على أقرب الناس إليه ويصدقه لكن تكذب على رب العالمين العليم بما في الصدور هذا محال-، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجْهِهِ حتّى أُلْقِيَ في النّارِ» الله المستعان.

 العمل هنا عمل مشروع جهاد وفق أحكام الشريعة الإسلامية ووفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم لكن نحن ما نعرف ما في القلب، فهذا الرجل لم يكن مخلصا في جهاده لله سبحانه وتعالى فلم يتقبل الله منه.

 الشرط الثاني: المتابعة، المتقون لا يعبدون إلا الله ولا يعبدون الله إلا بما شرع الله في كتابه أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، رب العالمين لمّا قال: ﵟ وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ﵞ ﵝالذَّارِيَات : ﵖﵕﵜ، إذًا لماذا قد خلقك الله لأجل أن تعبده، طيب العبادة هل تركك الله عز وجل دون بيان لها وجعلها لعقلك ولهواك واختيارك الجواب: لا.

 رب العالمين سبحانه وتعالى شرع لنا العبادة وبينها في القرآن وبينها في السنة؛ ولذلك العلماء يقولون في العبادات: العبادات الأصل فيها التوقف، والأصل فيها المنع ولا يشرع من العبادات إلا ما دل عليه الدليل، فإذا لم يوجد دليل فلا توجد عبادة، ولذلك رب العالمين عاب على من شرع في الدين ما ليس من الدين، قال الله عز وجل: ﵟ أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٢١ﵞ ﵝالشُّورَى : ﵑﵒﵜ ، وقال الله عز وجل: ﵟقُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ ٥٩ وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ ٦٠ﵞ ﵝيُونُس : ﵙﵕ - ﵐﵖﵜ .

 جاء في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث روته عائشة رضي الله عنها في البخاري ومسلم متفق عليه- قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وقال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»([11])، ما الفرق بين الحديثين؟ نأخذ الثاني من أحدث في ديننا يعني من أتى بعبادة في ديننا ليس لها أصل وتعبد الله عز وجل بها لم يكن تعبده مقبولا، الحديث الثاني: من عمل عملا أي مشروع في شريعتنا لكن ليس عليه أمرنا أي على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو رد أي مردود عليه غير مقبول لا يقبله الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما ننظر في السنة نرى أن نبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الصلاة ماذا قال للصحابة؟ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ([12])  لدرجة أنه صلى مرة على المنبر وهو مكان مرتفع والصحابة حول النبي صلى الله عليه وسلم كل يراه ثم لما نزل قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، والصحابة رووا لنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر من طريق أكثر من صحابي وهو يروي لنا صفة الصلاة، ولذلك لما جاء ذاك الصحابي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فصلى ركعتين ثم جاء وسلم: السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وَعَلَيكَ السَّلاَم، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ذهب الرجل وصلى ثم رجع السلام عليكم ورحمة الله قال: « وَعَلَيكَ السَّلاَم، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فرجع وصلى ثم رجع مرة أخرى، في الثالثة قال: ارجع فصلي قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني([13]) ، طيب الرجل صلى أم لم يصل؟ الرجل صلى لكن صلاته لم تقع على الطريقة النبوية السنية الصحيحة؛ ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»؛ لأن صلاته لم تكن على وفق الهدي النبوي، جاء في بعض الآثار وهذا الحديث محل خلاف بين المحدثين في صحته ضعفا أو تحسينا لكن جاء في بعض الآثار يقول: (إن الرجل ليصلي ستين سنة لا يقبل الله له صلاة لعله إذا أتم الركوع لا يتم السجود وإذا أتم السجود لا يتم الركوع). والسبب أنه لم بالعمل كما أراد الله سبحانه وتعالى، من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد أي مردود، وفي الحج لما حج النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة وجاء وفد وعدد كبير من الصحابة من كل الجهات يقول الراوي كلهم يريد أن يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم وقف وقال: « لِتَأْخُذُوا  عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ([14])، وهذا فيه دلالة على أن العبادات توقيفية، ما معنى توقيفية؟ أي لا تعمل العبادة إلا على وفق ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم.

 روى البيهقي بسند صحيح عن سعيد بن المسيب: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُكْثِرُ فِيهَا الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ يُعَذِّبُنِي اللهُ عَلَى الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ يُعَذِّبُكَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ([15]) .

 فلأنه خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الصلاة، فالسنة أنه بعد طلوع الفجر ما يصلي إلا ركعتين هذا زاد، طبعا زاد بنية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى لكن كان فعله مخالفا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى.

 إذًا إخواني إنما يتقبل الله من المتقين أخلصوا في أعمالكم لله، وتابعوا في أدائها نبيكم صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتفوزوا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 

([1]) رواه الترمذي (3175)، وابن ماجه (4198)، وهو في السلسلة الصَّحِيحَة (162).

([2]) الإخلاص والنية لابن أبي الدنيا (ص38).

([3]) تاريخ دمشق (31/146).

([4]) سير أعلام النبلاء (3/116).

([5]) رواه البخاري (8) ومسلم (16).

([6]) جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/71).

([7]) تفسير القرآن العظيم (7/74).

([8]) رواه البخاري (2856)، ومسلم (49).

([9]) رواه مسلم (2985).

([10]) الحديث رواه مسلم (1905).

([11]) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718)، -واللفظ الأول لمسلم-.

([12]) رواه البخاري (631).

([13]) الحديث رواه البخاري (793)، ومسلم (397).

([14]) رواه مسلم (1297).

([15]) السنن الكبرى للبيهقي (4131).