اليقين وأثره في راحة القلب واستقراره


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده له فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد؛

 فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

 مرحبا بكم إخواني المستمعين مع هذا الدرس الذي هو بعنوان: (اليقين وأثره في راحة القلب وطمأنينته واستقراره).

 القلوب -إخواني الأفاضل- تتقلب ولا تستقر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» ([1])،وقيل ما سمي القلب قلبا إلا لكثرة تقلبه فهو أشد تقلبا من القدر على النار ولكن القلوب إنما تستقر باليقين، وتضطرب بالشك والريب والوسوسة، شفاء القلوب واطمئنانها بتحقيق اليقين فيها بل حياة القلب وشعوره باللذة في يقينه، قال ابن القيم رحمه الله([2]): اليقينَ الذي هو أعظمُ حياة القلب، وبه طمأنينتُه وقوَّتُه ونشاطُه وسائرُ لوازم الحياة لكفاه شرفًا وفضلًا، ولهذا مدح الله سبحانه أهلَه في كتابه، وأثنى عليهم بقوله: ﵟوَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵔﵜ.

فإذا باشر القلب اليقين امتلأ نورا، وانتفى عنه كل ريب وشك، وعوفي من أمراضه القاتلة، وامتلأ شكرا لله وذكرا ومحبة وخوفا، فحي عن بينة صار حيا عن بينة، واليقين والمحبة هما ركنا الإيمان وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية وعنهما تصدر وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما قوتها بل جميع منازل السائرين ومقامات العارفين إنما تصح بهما -أي باليقين والمحبة- وهما يثمران كل عمل صالح وعلم نافع وهدى مستقيم، فاليقين أفضل مواهب الرب لعبده، ولا تثبت قدم الرضا إلا على درجة اليقين، فاليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وفيه تفاضل الناس وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون وعمل القوم إنما كان عليه، وإذا تزوج الصبر باليقين ولد بينهما حصول الإمامة في الدين، قال تعالى - وبقوله يهتدي المؤمنون-: ﵟوَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤ﵞ ﵝالسَّجۡدَة : ﵔﵒﵜ، وخص سبحانه أهل اليقين بانتفاعهم بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين: ﵟوَفِي ٱلۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ ٢٠ﵞ ﵝالذَّارِيَات : ﵐﵒﵜ، وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين فقال: ﵟوَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵔ - ﵕﵜ،  وأخبر عن أهل النار بأنهم لم يكونوا من أهل اليقين فقال: ﵟوَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ ٣٢ﵞ ﵝالجَاثِيَة : ﵒﵓﵜ، فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح، وهي حقيقة الصديقية وهو قطب رحى هذا الشأن الذي عليه مداره، واليقين يحمل على الأهوال وركوب الأخطار وهو يأمر بالتقدم دائما فإن لم يقارنه العمل حمل على المعاطب.

 ولأهمية اليقين إخواني الأفاضل للعبد أثنى الله عز وجل على عباده لوصولهم إليه وبعدهم عن ضده، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﵟذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵒ - ﵕﵜ، فاليقين هنا إيمان بالغيب إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وإيمان بالقضاء والقدر دون أن يخالط ذلك شك أو ريب، دون أن يترك الأمر الذي أمره الله عز وجل به؛ لأنه لم تظهر له حكمته أو العلة من ورائه بل هو ممتثل لما أمره ربه سبحانه وتعالى ليقينه أن الله سبحانه وتعالى متصف بالعلم والحكمة، وأنه لا يأمر عبثا ولا ينهى عبثا، وإنما يأمر لمصلحة بل كل أوامره ونواهيه مشتملة على جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، فما من أمرٍ أمر به سبحانه وتعالى إلا ومصالحه معلومة معروفة مقدمة على مفاسده، وما من نهي إلا ومفاسده أعظم من منافعه: ﵟوَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٤ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵔ - ﵕﵜ.

 وأما مجالات اليقين: فالأول قبول ما ظهر من الحق تعالى، والذي ظهر منه سبحانه أوامره ونواهيه وشرعه ودينه الذي ظهر لنا منه على ألسنة رسله فنتلقاه بالقبول والانقياد والإذعان والتسليم للربوبية، والدخول تحت رق العبودية.

 الثاني من مجالات اليقين: قبول ما غاب من الحق وهو الإيمان بالغيب الذي أخبر به الحق سبحانه على لسان رسله من أمور المعاد وتفاصيله والجنة والنار وما قبل ذلك من الصراط والميزان والحساب وما قبل ذلك من تشقق السماء وانفطارها وانتثار الكواكب ونسف الجبال وطي العالم وما قبل ذلك من أمور البرزخ ونعيمه وعذابه، فقبول هذا كله تصديقا وإيمانا وإيقانا هو اليقين بحيث لا يخالج القلب فيه شبهة ولا شك ولا ريب ولا تناس وغفلة عنه، فإنه إن لم يستهلك يقينه أفسده وأضعفه.

 الثالث من المجالات -مجالات اليقين-: الوقوف على ما قام بالحق سبحانه من أسمائه وصفات وأفعاله، وهو علم التوحيد الذي أساسه إثبات الأسماء والصفات وضده التعطيل والنفي والتجهم، فهذا التوحيد يقابله التعطيل، فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ونعوت كماله وتوحيده، وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق علم الأمر والنهي وعلم الأسماء والصفات والتوحيد وعلم المعاد واليوم الآخر، ومن حقق اليقين في قلبه تحققت له جملة كثيرة جدا من الثمرات وأذكر بعضها:

 الأولى: قد أخبر سبحانه أن هذه الإمامة في الدين إنما تنال بالصبر واليقين فقال سبحانه: ﵟوَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ ٢٤ﵞ ﵝالسَّجۡدَة : ﵔﵒﵜ، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين وهذه هي الثمرة الأولى، وأنقل لكم كلام ابن القيم رحمه الله حول هذه النقطة قال رحمه الله([3]): وَجمع سُبْحَانَهُ بَين الصَّبْر وَالْيَقِين إِذْ هما سَعَادَة العَبْد وفقدهما يفقده سعادته، فَإِن الْقلب تطرقه طوارق الشَّهَوَات الْمُخَالفَة لأمر الله وطوارق الشُّبُهَات الْمُخَالفَة لخبره، فبالصبر يدْفع الشَّهَوَات وباليقين يدْفع الشُّبُهَات، فَإِن الشَّهْوَة والشبهة مضادتان للدّين من كل وَجه، فَلَا ينجو من عَذَاب الله إِلَّا من دفع شهواته بِالصبرِ وشبهاته بِالْيَقِينِ وَلِهَذَا أخبر سُبْحَانَهُ عَن حبوط أَعمال أهل الشَّهَوَات والشبهات، فَقَالَ تَعَالَى: ﵟكَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنكُمۡ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرَ أَمۡوَٰلٗا وَأَوۡلَٰدٗا فَٱسۡتَمۡتَعُواْ بِخَلَٰقِهِمۡ فَٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِخَلَٰقِكُمۡ كَمَا ٱسۡتَمۡتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُم بِخَلَٰقِهِمۡ وَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵙﵖﵜ فَهَذَا الِاسْتِمْتَاع بالخلاق هُوَ استمتاعهم بنصيبهم من الشَّهَوَات، ثمَّ قَالَ: ﵟوَخُضۡتُمۡ كَٱلَّذِي خَاضُوٓاْۚ ﵞ وَهَذَا هُوَ الْخَوْض بِالْبَاطِلِ فِي دين الله وَهُوَ خوض أهل الشُّبُهَات، ثمَّ قَالَ: ﵟأُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ﵞ فعلق سُبْحَانَهُ حبوط الْأَعْمَال والخسران بِاتِّبَاع الشَّهَوَات الَّذِي هُوَ الِاسْتِمْتَاع بالخلاق وباتباع الشُّبُهَات الَّذِي هُوَ الْخَوْض بِالْبَاطِلِ.

فهذه أربعة أصول تضمنتها هذه الآية أحدها الصبر وهو حبس النفس عن محارم الله وحبسها على فرائضه وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره.

الثاني: اليقين وهو الإيمان الجازم الثابت الذي لا ريب فيه ولا تردد ولا شك ولا شبهة بخمسة أصول ذكرها سبحانه في قوله تعالى: ﵟلَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵗﵗﵑﵜ، وفي قوله: ﵟوَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا ١٣٦ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵖﵓﵑﵜ، وفي قوله: ﵟءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵕﵘﵒﵜ، والإيمان باليوم الآخر داخل في الإيمان بالكتب والرسل، وجمع بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر رضي الله عنه في قوله: «الْإِيمَان  أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»([4]) ، فهذه الأصول الخمسة من لم يؤمن بها فليس بمؤمن، واليقين أن يقوم الإيمان بها حتى تصير كأنها معاينة للقلب مشاهدة له، نسبتها إلى البصيرة كنسبة الشمس والقمر إلى البصر، ولهذا قال من قال من السلف: اليقين الإيمان كله.

 الأمر الثالث الذي تضمنته الآية: هداية الخلق ودعوتهم إلى الله ورسوله، قال تعالى: ﵟوَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ٣٣ﵞ ﵝفُصِّلَت : ﵓﵓﵜ.

 الأصل الرابع: قوله: ﵟيَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا ﵞ، وفي ذلك دليل على اتباعهم ما أنزل الله على رسوله، وهدايتهم به وحده دون غيره من الأقوال والآراء والنحل والمذاهب بل لا يهدون إلا بأمره خاصة، فحصل من هذا أن أئمة الدين الذين يقتدون بهم هم الذين جمعوا بين الصبر واليقين والدعوة إلى الله بالسنة والوحي لا بالآراء والبدع، فهؤلاء خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته وهم خاصته وأولياؤه، ومن عاداهم أو حاربهم فقد عادى الله سبحانه وآذنه بالحرب، قال الإمام أحمد رحمه الله في خطبة كتابه في الرد على الجهمية([5]): الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين.

 إذًا هذه هي الثمرة الأولى اليقين سبب لحصول الإمامة في الدين مقرونا بالصبر.

 الثمرة الثانية: باليقين يدرك العبد آيات الله، ويفهم معانيها ويقف على أسرارها وحكمها، قال الله سبحانه: ﵟ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ لَوۡلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوۡ تَأۡتِينَآ ءَايَةٞۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّثۡلَ قَوۡلِهِمۡۘ تَشَٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَيَّنَّا ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ١١٨ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵘﵑﵑﵜ ، وقال عز وجل: ﵟوَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٤ﵞ ﵝالجَاثِيَة : ﵔﵜ، وقال عز وجل: ﵟثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ١٨ إِنَّهُمۡ لَن يُغۡنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗاۚ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۖ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُتَّقِينَ ١٩ هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ٢٠ﵞ ﵝالجَاثِيَة : ﵘﵑ - ﵐﵒﵜ، فإذا أردت أن تقف على معاني آيات الله على معاني نصوص الوحي كتابا وسنة، وأن تقف على الحكم والعلل والمقاصد فلا بد من أن يكون قلبك مليئا باليقين بالله سبحانه وتعالى.

 الثمرة الثالثة: قال صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ، ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيرًا لَهُ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا لَهُ»([6])، فاليقين يجعل المسلم المؤمن مطمئنا راضيا بقضاء الله وقدره، شاكرا لنعم الله سبحانه وتعالى راضيا بما قسمه الله عز وجل له، لا يحسد غيره ولا يسعى إلى ما أعطى الله عز وجل غيره، بل هو قنوع راضٍ بما آتاه الله، قال ابن القيم رحمه الله([7]) : وقيل: إذا استكمل العبدُ حقيقةَ اليقين صار البلاءُ عنده نعمة، والمحنةُ مِنْحة فالعلمُ أولُ درجات اليقين؛ ولهذا قيل: العلمُ يستعملُك، واليقينُ يَحْمِلُك، فاليقينُ أفضلُ مواهب الربِّ لعبده، ولا تثبتُ قدمُ الرضا إلا على درجة اليقين، قال الله تعالى: ﵟمَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ١١ﵞ ﵝالتَّغَابُن : ﵑﵑﵜ.

وقال ابن القيم كذلك في زاد المعاد وهو يتكلم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج حرّ المصيبة وحزنها ([8]) : وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. قَالَ تَعَالَى: ﵟمَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ ٢٢ لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ ٢٣ﵞ ﵝالحَدِيد : ﵒﵒ - ﵓﵒﵜ.

 الثمرة الرابعة: تحقيق الاطمئنان في القلب، وبه يجد حلاوة الإيمان ولذّته وبه يستسلم العبد لربه ولوحيه، فيقابل الأمر بالامتثال، والنهي بالاجتناب، والخبر بالتصديق والقبول دون أن يثير حوله الشكوك أو يبحث عن حكمة ترضيه أو علّة تقنعه، بخلاف أهل الشك الذي ربما لم يفعل الأمر حتى تبين له الحكمة، ولا يجتنب بالنهي حتى تبين له العلة، فإن اقتنع أقبل وإن لم يقتنع أعرض، أو يقابل خبر الله سبحانه وتعالى والعقيدة الصحيحة بالتشكيك ومقابلتها بآراء الرجال وبعقله وما يدعيه هو من أدلة عقلية، ويثير حولها الشبهات، أما من امتلأ قلبه باليقين بعبودية ربه سبحانه وتعالى فإنه يعلم تمام العلم أن ما من أمرٍ أمرَ الله عز وجل به إلا ومصلحته أعظم من أي مفسدة أخرى تلحق به، وما نهى عن شيء إلا والمفسدة المترتبة على الفعل أعظم من أي مصلحة تظهر لهذا الرجل، وما أخبر الله عز وجل به من أخبار فهي صادقة ثابتة، وإن لم يستطع عقله أن يتصورها أو أن يصدقها، وبعضهم ممن وقع في مرض الشك واختل عنده اليقين يجد في نصوص الشرع تعارضا وعدم قبول، وغصة في حلقه بسبب هذه النصوص ووحشة في قلبه؛ فلذلك قال ابن القيم رحمه الله([9]): وهذا كله من ثمرات اليقين؛ فإن القلب إذا استيقن ما أمامه من كرامة الله وما أعد لأوليائه بحيث كأنه ينظر إليه من وراء حجاب الدنيا، ويعلم أنه إذا زال الحجاب رأى ذلك عيانا  زالت عنه الوحشة التي يجدها المتخلفون، ولان له ما استوعره المترفون .

 

 وهذه المرتبة هي أول مراتب اليقين: أن يعلم علم اليقين أن ما أمر الله عز وجل فإنما أمر به لمصلحة العباد، وما نهاهم عنه فإنما نهاهم عنه لمصلحتهم ولما يحتويه من مفاسد.

 الثمرة الخامسة: اليقين يؤدي إلى زيادة الإيمان والإقبال على الطاعات واجتناب المعاصي والآثام ليقينه بالأجر المترتب على الفعل والإثم المترتب على الجناية.

 الثمرة السادسة: تحقيق قوة التوكل على الله، فكلما ازداد يقين العبد بربه قوي توكله عليه، قال الله سبحانه: ﵟفَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلۡحَقِّ ٱلۡمُبِينِ ٧٩ﵞ ﵝالنَّمۡل : ﵙﵗﵜ ، قال ابن القيم في مدارج السالكين([10]) : فَالْحَقُّ: هُوَ الْيَقِينُ، وَقَالَتْ رُسُلُ اللَّهِ: ﵟوَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاﵞ ﵝإِبۡرَاهِيم : ﵒﵑﵜ، وَمَتَّى وَصَلَ الْيَقِينُ إِلَى الْقَلْبِ امْتَلَأَ نُورًا وَإِشْرَاقًا، وَانْتَفَى عَنْهُ كُلُّ رَيْبٍ وَشَكٍّ وَسَخَطٍ، وَهَمٍّ وَغَمٍّ. فَامْتَلَأَ مَحَبَّةً لِلَّهِ، وَخَوْفًا مِنْهُ وَرِضًا بِهِ، وَشْكْرًا لَهُ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَإِنَابَةً إِلَيْهِ، فَهُوَ مَادَّةُ جَمِيعِ الْمَقَامَاتِ وَالْحَامِلُ لَهَا.

وتأمل حال نبينا صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وهما في رحلة الهجرة لما دخلا الغار ووصلا إليهما أهل قريش حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا، فقال صلى الله عليه وسلم -وقلبه مليء باليقين بالله سبحانه وتعالى أنه ينصره ولا يخذله وهو معهم-: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»([11]) .

الثمرة السابعة: أن اليقين سبب لتوفيق الله لعبده للجواب الصحيح عند سؤال الملكين في القبر، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تكلم عن حال أهل القبور وأنهم يسألون قال: «مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، إِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ ... فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ، هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ، فَنَمْ صَالِحًا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوِ الْمُرْتَابُ، فَيقُولُ: لَا يَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُه» ([12]) .

 الثمرة الثامنة: استجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ» ([13]).

 نأتي الآن إلى سؤال مهم: كيف نحقق اليقين؟

أولا: التحصين بتعلم الاعتقاد الصحيح مع معرفة الباطل والرد عليه، ولذلك إخواني الأفاضل اليقين يحتاج إلى مجاهدة في طلب العلم والتبحر فيه، فكلما زاد علمك الصحيح وفهمك زاد يقينك، ويتم ذلك من خلال تعلم العقيدة الصحيحة والتوحيد السليم، ومن ذلك توحيد الربوبية والأدلة على وجود الله سبحانه وتعالى وقدرته، وتعلم توحيد الألوهية ومقتضياته وما الذي يترتب عليه ومعرفة الأسماء والصف ومعانيها وما يترتب عليها، ثم معرفة الشرك وأفراده وأنواعه، والشبهات المثارة حول كل هذه الأمور والرد عليها، فكلما عظم علمك بهذه الأمور عظم يقينك بالله سبحانه وتعالى.

 الأمر الثاني الذي يوصلك إلى اليقين: الرقابة على ما تسمع وتشاهد من علم، إن هذا العلم دين فاعرفوا عمن تأخذون دينكم، فلا بد من أن يكون أخذك للعلم من مصادره الصحيحة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، وأن تأخذ العلم عن أهله من أهل الثقة كما قال ذلك الرجل من التابعين: من سعادة الحدث والأعجمي إذا نسك أن يدل على صاحب سنة.

 ثالثا: التربية الإيمانية العقلانية للوصول إلى اليقين، وذلك عن طريق تحقيق الإيمان مع الاستدلال الشرعي والعقلي لتتحقق لك البصيرة، خصوصا مع الأبناء فتجالسهم وتبين لهم العقيدة الصحيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وكان صغيرا: «يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ: أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ»([14]) ، فتبين له الاعتقاد الصحيح ووجه الاستدلال على هذا الاعتقاد، ثم تتدرج معه في ردّ الباطل شيئا فشيئا فيحصل له اليقين بإذن الله تعالى.

 رابعا: الدعاء بالثبات على الحق، وأنت في سورة الفاتحة تسأل ربك سبحانه وتعالى: ﵟٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ﵞ ﵝالفَاتِحَةِ : ﵖﵜ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الله ويقول: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»([15]) ، فالعبد في وسط هذه الهجمات وسط الأعداء أعداء الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وجنود إبليس وأهل البدع والضلال يحتاج أن يكون ثابتا ولن يثبته إلا الله سبحانه وتعالى، فإن العبد ضعيف والشبهات خطافة والحق عزيز يحتاج العبد إلى أن يبحث عنه وأن يسأل الله عز وجل الثبات عليه.

 خامسا:  تلاوة كتاب الله بتدبر، فهو الحبل المتين الموصل إلى اليقين قال الله عز وجل: ﵟوَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ١٠١ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵑﵐﵑﵜ، لا تجعل تلاوتك للقرآن الكريم مجرد تلاوة لطلب البركة فقط، أو تقرأه يوم الجمعة أو تقرأه في رمضان بل اجعل لك وردا يوميا تقرأه بتدبر وتفهم، وانظر في كلام أهل العلم كيف يمكن لك أن تتدبر كلام الله سبحانه وتعالى، وأن تعلم ما خاطب الله عز وجل به الناس عموما وما خاطب به أهل الإيمان خصوصا، ولا يحصل ذلك إلا بالقراءة تدبر وتفهم.

 سادسا: معرفة أسماء الله وصفاته وتدبر معانيها، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ»([16]) ليس المقصود حفظها فقط، وإنما معرفة معانيها والنظر في لوازمها والتعبد لله سبحانه وتعالى بها، فلكل اسم من أسمائه لله عز وجل عبودية خاصة، قال ابن القيم رحمه الله([17]): فالسير إلى الله من طريق الأَسماءِ والصفات شأْنه عجب، وفتحه عجب صاحبه قد سيقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعب ولا مكدود، ولا مشتت عن وطنه ولا مشرد عن سكنه.

ولذلك أقول إخواني الأفاضل كل من انحرف في الدين ونسب إلى الله عز وجل ما لا يليق به تعالى الله عز وجل عما يقولون علوا كبيرا إنما سببه جهلهم بالله، كمن يتكلم مثلا عن معضلة الشر فيقول إن كان الله عادلا رحيما فلماذا وجد الشر في هذا العالم، وقد نسي أن هذا الرب سبحانه وتعالى عليم خبير له الحكمة البالغة فيما يفعل، فالشر ليس إلى الله عز وجل أفعاله كلها خير بل ربما ابتلى العبد ليحقق له منفعة ومصلحة، ابتلى العبد ليختبره فهذا لا يصله العبد إلا إذا علم أسماء الله عز وجل ومعانيها ومقتضياتها وعلم أفعال الله عز وجل، ويكون ذلك بدراسة الأسماء الحسنى وتدبرها وتعلم مضامينها.

 سابعا مما يحقق لك اليقين: دراسة السيرة النبوية ودلائل النبوة والشمائل المحمدية، فالرضا به صلى الله عليه وسلم نبيا ركن من أركان بلوغ اليقين، وهذه الدراسة توصلك إلى اليقين تعلم كيف نشأ هذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف رعاه الله عز وجل ثم كيف أوحى إليه بوحيه وكيف نشر الله عز وجل به الإسلام، ثم توفاه الله عز وجل وقد أدى الأمانة وأتم به النعمة وبلغ الرسالة كما أمره الله عز وجل، بل حفظ الله عز وجل رسالته إلى اليوم، وهذا فيه دلالة لمن كان يفقه ويعقل على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى صدق ما جاء به.

ثامنا: دراسة محاسن الشريعة الإسلامية وكمالها، فمن وقرت عظمة الإسلام في قلبه فلن يتزحزح اليقين بأي سبب كان، ومن قارن بين الإسلام وبين الملل المحرفة أو بين الملل الوثنية علم ما تميز به هذا الإسلام من محاسن عظيمة جدا ودلته على أن هذا الإسلام هو دين الحق، وأن الله عز وجل لن يقبل دينا غيره؛ لأنه الدين الصحيح الباقي إلى قيام الساعة.

 تاسعا: الحذر مضعفات اليقين وقوادحه وعدم الاستماع للمشككين وقراءة كتبهم أو الاستماع لمحاضراتهم أو الدخول معهم في مناقشات ومناظرات بدعوى الفضول أو بدعوى أني أستطيع أن أرد عليهم، وربما أورث ذلك كله شكًّا يضعف يقينك إن لم يهلكك، فلا تجعل من نفسك عرضة لأمثال ذلك، جاء عن بعض السلف رحمهم الله أنه جاءه رجل قال: إني جئت لأناقشك وأجادلك في آية وكان من أهل البدع والانحراف قال: اذهب إلى شاك مثلك فناظره، أما أنا فعلى يقين من ديني، وجاءه رجل آخر ليناظره قال: اسمع مني آية قال: ولا نصف آية وهو كان من العلماء رحمه الله ووضع يده في أذنه، فكيف بنا نحن في زماننا وقد انتشرت وفتحت علينا وسائل التواصل الاجتماعي، والكتب موجودة في كل مكان فنستمع للخوارج ونستمع لأهل الإرجاف والشك، وللملحدين بحجة الرد عليهم والاستماع لما عندهم، فهذا باطل فعلى المسلم أن يحفظ دينه وألا يعرض دينه لأمثال هؤلاء المرضى.

 وعكس اليقين إخواني المستمعين ما هو؟ الشك والريب وهو مرض يصيب القلب، يشعره بالضيق ويوقعه في حيرة قاتلة وله أثره في منع الاستسلام للشرع، بل هذا الشك والريب سبب للدخول في الحيرة والكفر بالله سبحانه وتعالى وإنكار ما أرسل به رسله، قال الله عز وجل: ﵟ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱلسَّاعَةُ لَا رَيۡبَ فِيهَا قُلۡتُم مَّا نَدۡرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَ ٣٢ﵞ ﵝالجَاثِيَة : ﵒﵓﵜ، فالشك في الدين يتعارض مع التسليم والانقياد قال الله عز وجل: ﵟإِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْﵞ ﵝالحُجُرَات : ﵕﵑﵜ ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «أشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَأنّي رَسُولُ الله، لا يَلْقَى الله بِهِما عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ إلاّ دَخَلَ الجَنَّةِ»([18]) ، فالشك والريب في دين الله يتعارض مع تحقيق الإيمان ومع تحقيق توحيد الله سبحانه وتعالى والرضا بالإسلام دينا ويتعارض مع الرضا بالله ربا ومع النبي صلى الله عليه وسلم رسولا، فقد اليقين سمة الهالكين كما قال تعالى: ﵟ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّٗا وَمَا نَحۡنُ بِمُسۡتَيۡقِنِينَﵞ، الشك يقود العبد إلى الكفر بما أنزل الله وعدم التصديق، وإذا تأملتم كتاب الله ونظرتم في ردود أقوام الأنبياء الذين كفروا برسالات الرسل تجد ذلك جليا، وأنقل لكم بعضا:

 قال الله عز وجل: ﵟأَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِﵞ ﵝإِبۡرَاهِيم : ﵙﵜ، البينات ما هي هنا؟ اليقين الوحي الأدلة الظاهرة البينة ما موقفهم؟ قال تعالى: ﵟجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ ٩ ۞ قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي ٱللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ ١٠ﵞ ﵝإِبۡرَاهِيم : ﵙ - ﵐﵑﵜ، طلبوا اليقين لكن للأسف أي يقين يريدون؟ يريدون اليقين الذي يناسب عقولهم ولو جاءهم لما قبلوا به، وعند سماع بعض شبه الملاحدة في زماننا تراهم يريدون أدلة على وجود الله عز وجل تتناسب مع عقولهم هم لا مع الإيمان الذي أراده الله عز وجل من العباد، بل هم يريدون إلها يصنعون صفاته كما يريدون هم، وهذا مستحيل لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم فأنت مخلوق ضعيف مربوب، لا تتحكم في الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون لكن ما قدروا الله حق قدره سبحانه وتعالى، وقال سبحانه: ﵟ قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِينَا مَرۡجُوّٗا قَبۡلَ هَٰذَآۖ أَتَنۡهَىٰنَآ أَن نَّعۡبُدَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ ٦٢ﵞ ﵝهُود : ﵒﵖﵜ، فالذي جعلهم يردّون الحق واليقين هو ماذا؟ هو شكهم وعدم يقينهم، وللأسف ظهر في زماننا من أدخل الناس في شكوك في أصول اعتقادهم عن طريق فلسفات ونظريات مستوردة كما هو الحال فيما يطلقون عليه اليوم (نسبية الحقيقة) يقولون الحقيقة نسبية، وهذا شعار يمرر تحته الباطل والشبهات بل والكفر، ومنشأ هذا الباطل هو بعض المذاهب الفلسفية الباطلة وتلقفته بعض التيارات الفكرية المنحرفة والإلحادية وما يطلق عليه تيار ما بعد الحداثة الذي يشكك في الحقيقة والعقل والهوية، فيرى كل شيء غير مستقر ليس عندهم أساس ثابت، ولا توجد لديهم حقائق ثابتة يمكن للعقل أن يستند عليها وليس عندهم معيار يفصل بين الصواب والخطأ، كل شيء عندهم مقبول ونتيجة ذلك إبطال العقائد التي جاءت بها الرسل، وعدم تحقيق أي يقين في حياة الإنسان، وبالتالي يصبح بلا غاية ولا هدف في الحياة، نسبية الحقيقة معناها أن الحقيقة مختلفة من شخص لآخر ومن وقت لآخر، فالحقيق موزعة من حيث الاحتمال المفتوح كل يرى الحقيقة على هواه، فما تراه أنت حق وما يراه الآخر المخالف لك كذلك حق، فليس لك الحق الحكم على من خالفك بأنه على غير حق ولو كان على باطل واضح جلي، ويمثلون بأمثلة يخلو منها الفهم والمنطق يقولون مثلا: العسل يراه أحدهم حلوا والآخر يراه مرا وهذه مغالطة منطقية، العسل حلو في ذاته والذي تذوقه مرا فلعلة فيه منعته من الوصول للحقيقة مثل وجود الشمس في كبد السماء في النهار الظهر، فأنت تراها وكل الناس يرونها لكن من وضع حائلا بينه وبين الشمس فلا يقبل قوله بأنها غير موجودة، ومن خطر هذا التيار الفلسفي المنحرف أنهم جعلوا العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي الإنساني متغيرة بتغير العصور فالاعتقاد في الله سبحانه وتعالى من منظورهم يكون بحسب مدركات الإنسان ووعيه، فمن اعتقده متصفا بالكمال فلا بأس وإن اعتقد فيه النقص تعالى الله عما يقولون فلا بأس، وإن اعتقده لا حقيقة له ولا وجود وإنما هو مفهوم بلا حقيقة فلا بأس وهذا كله من أعظم الكفر.

 ثانيا: تمييع الخطاب الديني وسلب معانيه ومقاصده وحكمه، فلا يوجد لديهم أي مدلول صريح لأي نص شرعي، فجميع النصوص تحتمل معاني بعدد فهوم البشر، قال الله: ﵟوَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵓﵔﵜ  والله أنا أفهم من الصلاة الدعاء مثل ذاك الذي الآن خرج عندنا موجود حي إلى الآن يعتقد الحج الصعود للجبال الخروج إلى الجبال والتأمل في أعالي الجبال والجلوس في جلسات اليوقا في أعالي الجبال، وأن يعتكف في الكهوف ومع الخفافيش وفي ظلمة الليل البهيم يراه حجا، وآخر يرى الصوم صمتا وكلٌّ يفسر بما يريد، فهذا للأسف الشديد من الباطل لأن النتيجة هي الانسلاخ من هذه الشريعة وكفر بالله وبشريعته، والرد على هذا المذهب ونقضه قد ألفت فيه مؤلفات كثيرة لكن على وجه الاختصار: أن هذا المذهب هادمٌ للدين والأخلاق ولكل نظام اجتماعي، ففيه لا انتظام لدين ولا معاش ولا قيام لدولة لاختلاط الحق بالباطل الكفر والإسلام صواب الشر والخير صواب الجريمة وغيرها صواب الخلق وسوء الخلق صواب، ولا يمكن بذلك أن تستقر حياة ولا معاش ولا قيام لدولة ولا قيام لدين.

 الثاني: هذا المذهب لا سبيل لعاقل أن يتمذهب به لأن التناقض ملازم له، ومن ذلك تراهم يرمون من لا يوافقهم بالرجعية والتخلف وهذا سمعناه والسؤال أين النسبية المدعاة؟ أنتم تقولوا لا توجد حقيقة ثابتة لا توجد حقيقة مطلقة طيب النسبية تقتضي عدم اتخاذ أي موقف سلبي أو إيجابي في أي قضية، فأنت قولك تراه حقا وأنا قولي أنا أراه حقا وأنت تراه باطلا لكن النظرية النسبية تقتضي أنت على حق وأنا على حق، فلماذا تنكر علي.

 الرد الثالث: من قال لا توجد حقيقة نسبية نسأله هل كلامك حقيقة مطلقة؟ الذي يقول لا توجد حقيقة مطلقة كلامك هذا حقيقة مطلقة فإن قال نعم سقطت قاعدته؛ لأنه أقر بوجود حقيقة مطلقة وإن أجاب بالنفي قيل له فلا يمكنك الإلزام به، فهي مقولة تسقط نفسها بنفسها.

 رابعا: مقتضى قولهم تصويب كل قول، وهذا تصويب مخالفكم كيف ذلك؟ وهذا إذا قلت له إن قولكم باطل فمقتضى نسبية الحقيقة أن يقول صدقت، وهذا إقرار بباطل مذهبهم فمن شهد على قوله بالبطلان كان كافيا لرد مذهبه.

 خامسا: لا يمكن أن تستقيم حياة الناس مع هذا المذهب، وستفسد فسادا عظيما لأنه مذهب يسوغ لكل أحد أن يفعل ما يراه حقا حتى لو كان قتل الأبرياء والأطفال واغتصاب النساء وغير ذلك، فمتى ما اعترض عليه بأن فعله جريمة سيجيبك بأنه يراه متعة ليس بجريمة، وسيكون فيه حجة للخوارج وغيرهم في قتل المسلمين بغير حق.

 سادسا: الحس والواقع والإجماع البشري يشهد على بطلان هذا المذهب، فيشهد الجميع في كل أقطار الأرض العقلاء أتكلم عن العقلاء ليس عن المجانين بأن الظلم سيء، ويشهدون أن الصدق حسن بر الوالدين حسن طيب إلى آخره، هذا الاتفاق كاف للرد على هذا المذهب.

 سابعا: من المعلوم أن من الحقائق ما هو مطلق فهي ثابتة غير متغيرة، ومن الحقائق ما هو نسبي وهي المتوقفة عن المتغيرات أو الأذواق، فالنتائج المتعلقة على العلوم التجريبية المتغيرة متغيرة، تتغير حسب تغير العلم، وكذلك الحكم المبني على الذوق فهي حقائق نسبية لذاتها، فلا تخلط هذا بالحقائق المطلقة الثابتة، ولذلك لو قال الإنسان هل يوجد عندنا حق مطلق؟ الجواب نعم هناك حق مطلق ثابت لا يعتريه أيّ باطل حسا وواقعا وشرعا، الآن من جهة الحس وجود الشمس في النهار حقيقة مطلقة أو لا؟ الكذب سيء أم أنه غير سيء؟ هذا محل اتفاق من جهة الشرع، وجود الله حق لا مرية فيه، نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حق لا مرية فيها، هل يمكن الوصول للحق؟ الجواب نعم ولذلك أمر الله باتباع الحق، ولا يتم ذلك إلا بالبحث عنه الوصول إليه، ومصدر الحق هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أحقه وفطر الناس عليه ويسر أسباب الوصول إليه، قال الله سبحانه: ﵟ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ ١٤٧ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵗﵔﵑﵜ ،وقال سبحانه: ﵟ وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ ٨٢ﵞ ﵝيُونُس : ﵒﵘﵜ، فالحق إخواني المستمعين ثابت موجود بغض النظر عن التزامنا به، والحق الذي أوجب الله اتباعه واضح لا لبس فيه، ويجب على المسلم أن يبحث عن هذا الحق وأن يعمل به لإمكانية الوصول إليه، وقد يسر الله عز وجل الوصول إليه، قال سبحانه: ﵟ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٦٩ﵞ ﵝالعَنكَبُوت : ﵙﵖﵜ، فإذا ما وقع الشك في قلب العبد المسلم كيف يتصرف؟ فعليه بجملة من الوصايا ونختم به:

 الأولى: اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ليخلصه من مرض الشك يلجأ إلى الله هذا مرض، فإن القلوب تمرض كما الأبدان تمرض القلوب بالشهوات والشبهات، وتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى.

 ثانيا: التوبة إلى الله فلعل الشك ابتلاء بسبب ذنب وقعت فيه.

 الوصية الثالثة: دواء الشك بعدم تفخيمه في القلب بل المرور عليه وعدم الالتفات إليه.

 الرابعة: الاستعاذة بالله من الشيطان والإكثار من ذكر الله لأن الله قال: ﵟأَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ ٢٨ﵞ ﵝالرَّعۡد : ﵘﵒﵜ، والاستعاذة بالله من الشيطان لأن هذا الشك وهذه الوسوسة من الشيطان الرجيم.

الوصية الخامسة: المبادرة إلى العلاج فور وقوع الشك في القلب لقطعها، وعدم التهاون في ذلك.

 الوصية السادسة: اطلب الحق واقبله مع الإخلاص لله سبحانه وتعالى.

 الوصية السابعة: سبب الشك هو الجهل ودواؤه العلم، وأخذه من مصادره الصحيحة وأخذه عن الثقات من حملته، وأعجب كل العجب من كاتب كتب مرة في تويتر يقول: أفضل من يؤخذ عنه الدين هم الفلاسفة، والله لقد غششت الناس بقولك، فإما أن تكون جاهلا بحقيقة هذه الفلسفة أو أنك تريد أن تغش المسلمين، أفضل طريق للعلم هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تأخذ هذا العلم عن أهل الذكر الذين قد أخذوا الكتاب والسنة من مصادرها الصحيحة، وفهموها بالطرق الصحيحة التي جعلها العلماء واستنبطوها لبيان طرق الاستنباط.

 الوصية الثامنة: إذا حصل عندك شك فرد المتشابه إلى المحكمات، ورد الشك إلى اليقين، إن جاءك رجل يشككك في اليوم الآخر وفي وقوع يوم القيامة لأن عقله لا يكاد يصدق ذلك فاعلم أنه على تهلكة، وأن قوله هذا من المتشابه بل من أضعف المتشابه وعندك يقين وهو ما ذكره الله في كتابه، وأنت توقن أن كتاب الله حق وأن ما فيه صدق فتجعله هو اليقين الذي ترد إليه هذه الشبهات.

 التاسعة: ترك الاستماع لأهل الشك والريب وعدم قراءة كتبهم والنظر في علومهم فأغلى ما تملك يا أخي المسلم هو دينك.

 أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لكل خير، وأن يعلمنا ما جهلنا، أكتفي بهذا القدر، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ليعينه على الثبات هذا الدين حتى يلقاه.

 سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفر وأتوب إليك.

 

 


 

([1]) رواه الترمذي (2140)، وابن ماجه (3834).

([2]) مفتاح دار السعادة (1/435).

([3]) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (ص16).

([4]) رَوَاهُ مُسْلِم (8).

([5]) الرد على الزنادقة والجهمية (ص6).

([6]) رواه مسلم (2999).

([7]) مفتاح دار السعادة (1/436-437).

([8]) زاد المعاد (4/174).

([9]) مفتاح دار السعادة (1/419).

([10]) مدارج السالكين (2/375).

([11]) رواه البخاري (3653)، ومسلم (2381).

([12]) رواه البخاري (86)، ومسلم (905).

([13]) رواه الترمذي (3479).

([14]) رواه الترمذي (2516).

([15]) رواه الترمذي (3522).

([16]) رواه البخاري (2736)، ومسلم (2677).

([17]) طريق الهجرتين (ص215).

([18]) رواه مسلم (27).