الحــورُ العِيــن
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيين والمرسلين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله أما بعد،،
مُقدّمةٌ :
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( قال الله عزّ وجلَّ , أعددت لعباديَ الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذُنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر). مصداق ذلك في كتاب الله)فلا تعلم نفسٌ ما أُخفيَ لهم من قُرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون ([1]
وفي صحيح مسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال ( شهدتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً وصفَ فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في حديثه : فيها مالا عين رأت …. الخ )[2]
وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( مَوضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ) [3]
قال ابنُ القيم رحمه الله ( كيف يُقدرُ قدرُ دارٍ غَرسَها الله بيده وجعلها مقراً لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم وُملكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيبٍ وآفةٍ ونقص ، فإن سألت عن أرضها وتُربتها فهي المسك والزعفران ، وإن سألت عن بنائها فَلَبِنَةٌ من فضّةٍ ولَبِنَةٌ من ذهب وإن سألت عن وجوه أهلها وحُسنهم فعلى صورة القمر ، وإن سألت عن سماعهم فغناءُ أزواجهم من الحور العين ، وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهمَّ الكواعبُ الأتراب اللاتي جرى في أعضائهنَّ ماءُ الشباب ، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود ، وللرمّان ما تضمنته النهود ، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور ، وللرِّقةِ واللطافةِ ما دارت عليه الخصور،تجري الشمس من محاسن وجهِها إذا برزت،ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت،إذا قاَبَلت حِبَّها فقل ما تشاء ُ في تقابل النيِّريْنِ ، وإذا حادثَتهُ فما ظنك بمحادثة الحِبَّين ، وإن ضمّها إليه فما ظنُك بتعانق الغصنين ، يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاّها لمعانها ، ويرى مُخَّ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حُلَلها ، لو اطّلعَتْ على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً ، ولَطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ، ونصيفُها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها ، لا تزداد علــى طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً ، ولا يزداد لهـا طول المدى إلا محبةً ووصالا ، مُبرَّأةً من الحبل والولادة والحيض والنفاس ، مُطهرَّةً من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس ، لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها ، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً ، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً ، وإذا انتقلت من قصرٍ إلى قصرٍ قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها ، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة ، وإن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة ، وإن غنَّت فقيا لذة الأبصار والأسماع ، وإن قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل... ) انتهى كلامه.[4]
الحور العين من نعيم الجنة .
الحديث عن الحور العين يزيد الإيمان ويحث المسلم إلى المسارعة إلى طاعة الله .
وصف الحور العين في القرآن الكريم :
وصف الله سبحانه حُور الجنة بأحسن الصفات،وحلاّهن بأحسن الحُلى،وشوَّق الخُطَّاب إليهن حتى كأنَّهم يرونهن رؤية العين .
والحـــور : جمع حوراء ، وهي المرأة الشابة الحسناء ، الجميلة البيضاء ، شديدة سواد العين .
والعيـــن : جمع عيناء ، وهي المرأة الواسعة العين مع شدة سوادها وصفاء بياضها .
قال تعالى (فيهنَّ قاصراتُ الطرفِ لم يطمثهنَّ إنسٌ قبلهم ولا جان) الرحمن 56 ، والمفسرون كلهم على أن المعنى : قصَرْنَ طرفَهُنَّ على أزواجهن فلا يطمعن إلى غيرهم . لم يطمثهن : أي لم يمسّهنَّ ولم يطأهنّ إنسٌ قبلهم ولا جان .
وقال تعالى (كأنَّهُن الياقوتُ والمرجان) الرحمن58 . قال الحسن وعامة المفسرين رحمهم الله: أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان ، شبههنَّ في صفاء اللون وبياضه بالياقوت والمرجان . [5]
وقال تعالى ( إنّا أنشأناهُنَّ إنشاءا ، فجعلناهُن أبكارا ، عُرُباً أترابا) الواقعة (35،37) .
قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره : ( أي إنا أنشأنا نساء أهل الجنة نشأةَ غير النشأة التي كانت في الدنيا فجعلناهن أبكاراً صغارهن وكبارهن،وعموم ذلك يشمل الحور العين و نساء أهل الدنيا .
عُرُباً : جمع عَرُوب وهي المرأة المتحبِّبة إلى بعلها و حسنه يأتها ودلالها وجمالها ومحبَّتها . والأتراب : أي في سنٍ واحدةٍ ثلاثٍ و ثلاثين سنة،التي هي غاية ما يتمنَّى أكمل سن الشباب ) انتهى كلامه
وقال تعالى ( فيهنَّ خيراتٌ حِسان) الرحمن70 ، فهن خيرات الصفات والأخلاق ، حسان الوجوه والأجسام .
وقال تعالى ( إنّ للمتقين مفازا ، حدائق وأعنابا، وكواعبَ أترابا) والكواعب جمع كاعب و هي الناهدة،أي بارزات النهود . قال قتادة ومجاهد والمفسرون رحمهم الله: قال الكلبي : هنَّ اللواتي تكعّب ثديهن ، والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى أسفل .
وصف الحور العين في السنّة :
قال ابن القيم رحمه الله : فاسمع الآن وصفهن عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
قال صلى الله عليه وسلم (إن أول زُمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكبٍ دُرّيٍ في السماء ، لكل امرئٍ منهم زوجتان اثنتان ، يُرى مُخَّ سُوقهما من راء اللحم ، وما في الجنة أعزب )[6]
وقال صلى الله عليه وسلم (لو اطَّلَعَتْ امرأةٌ من نساء الجنةِ إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ، وأضاءت ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها )[7]
وقال صلى الله عليه وسلم (إنَّ أزواج أهل الجنة ليُغَنّين لأزواجهنَّ بأحسن أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قط ، إنَّ مما يُغنين به : ( نحن الخيرات الحسان،أزواجُ قومٍ كرام ). ينظرون بقُرَّةِ أعين،وإنَّ مما يُغنين به : ( نحن الخالدات فلا نُمتنه،نحن الآمنات فلا نَخفْنَه ،نحن المقيمات فلا نظعنْه ) [8]
قال ابن القيم رحمه الله:
غناءُ الحور بالأصوات والألحــانِ |
|
أوَ ما سمعت سماعَهُم فيها |
|
|||
فإنَّه مُلئت به الأذنان بالإحســــانِ |
|
واهـاً لذيَّاك السمـــاعُ |
|
|||
من مثل أقمارٍ علــى أغصــــان |
|
واهـاً لذيَّاك السمـــاعُ |
|
|||
خيراتٌ كاملاتُ الحسن والإحسـان |
|
نحنُ النواعمُ والخوالدُ |
|
|||
وكذاك طوبى للذي هو حظنا لفظان |
|
طوبى لمن كنَّا لــه |
|
|||
|
|
|
ثـم يقـول |
|||
|
ذياَّك الغنا عن هذه الألحـانِ |
نزّه سماعـك إن أردت سمــاعَ |
|
|||
|
ذا وذا ياذلَّـة الحرمــان |
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتُحرمُ |
|
|||
|
في قلبِ عبدٍ ليس يجتمعان |
حُبُّ الكتـاب وحُبُّ ألحـان الغنـا |
|
|||
|
|
|
|
|
|
|
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تؤذي امرأةٌ زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيلٌ يوشك أن يفارقكِ إلينا)[9]
فالحوراءُ تغار على زوجها الذي في الدنيا وتشتاق إليه .
وقال صلى الله عليه وسلم (إنّ للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤة واحدةٍ مجوفةٍ طولها ستون ميلاً فيها أهلون يطوف عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضهم بعضاً )[10],وهذه الخيام غيرُ الغرف والقصور .
وفي قوله تعالى (إنّ أصحاب الجنة اليوم في شُغُلٍ فاكهون ) يس55 ، قال عكرمة وابن مسعود والأوزاعي ومقاتل وأبو الأحوص وابن عباس : أي شغلهم افتضاض العذارى .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إنّ الرجل ليصلُ في اليوم إلى مائة عذراء )[11]
وقال صلى الله عليه وسلم ( يُعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع ، قيل يا رسول الله أَوَيطيق ذلك ؟ قال يُعطى قوة مائة )[12]
قال ابن القيم رحمه الله( لا يلحقهم بذلك جنابة فيحتاجون إلى التطهر ولا ضعفٌ ولا انحلال قوة ، بل وطؤهم وطءُ التلذذ ونعيم لا آفة فيه بوجهٍ من الوجوه )[13]
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنةِ لسوقاً يأتونها كل جمعة ، فتهُب ريحُ الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالاً ، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً ، فيقولون : والله وأنتم لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً)[14],فنساءُ الجنة لا يزددن إلا حسناً وحباً وطيباً وتودداً لأزواجهن في الجنة .
ما جاء في اشتياق الصالحين إليهن :
قال ابن القيم رحمه الله ( والصالحون في هذه الدار بعدما علموا بما جاء في كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في شأنهن ، يكونون في أشد الشوق والحب لهن مما له أكبر الأثر في إقبالهم على طاعة مولاهم وأن يُقِر أعينهم بهنّ )
قال ربيعة بن كلثوم رحمه الله( نظر إلينا الحسن ونحن حوله شباب فقال : يا معشر الشباب أَما تشتاقون إلى الحور العين ؟
وقال لي ابن أبي الحواري : حدثني الحضرميُ قال : نمت أنا وأبو حمزة على سطح ، فجعلتُ أنظر اليه يتقلب على فراشه إلى الصباح ، فقلت يا أبا حمزة ما رقدت الليلة ، فقال إني لمّا اضطجعتُ تمثلت لي حوراء حتى كأني أحسست بجلدها وقد مس جلدي ، قال: فحدثت به أبا سلمان فقال : هذا رجلٌ كان مشتاقاً.
وقال عطاء السلمي لمالك بن دينار : يا أبا يحيى شوّقنا ، قال : يا عطاء : إن في الجنة حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها ، لولا أن الله تعالى كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا ، لماتوا من حسنها ، فلم يزل عطاء كمداً من قول مالك أربعين يوماً . [15]
فعلى المؤمن إذا أراد هذا النعيم من الجنّة أن يجتهد في طاعة الله ويحافظ على دينه فإن سلعة الله غالية
وآخر دعوانا أن الحمد للـه رب العالمـن
[1]فتح 6/318 رقم 3244 ـ م 2174
[2] أخرجه مسلم حديث:5160
[7]البخاري فتح6/15 حديث 2796 ، والترمذي(1651 )
[8]الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1561) ورقم ( 1557)
[9] أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في الصحيحة رقم (173 ) صحيح الجامع (7069)
[10] متفق عليه :أخرجه البخاري حديث:4601, وأخرجه مسلم حديث:5177
[11] أخرجه البزار والطبراني صححه الألباني في الصحيحة (367)
[12] أخرجه الترمذي وصححه وقال الألباني في المشكاة (5636) إسناده حسن بل هو صحيح .
[13]الفوائد صـ269
[14] أخرجه مسلم(2178)
[15]ذكره القرطبي في التذكرة صـ556