التكفير وخطورته وضوابطه


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛

 فهذه وقفات مهمة في باب عظيم من الأبواب التي زلت فيها الأقدام، ونحى فيها من نحى، ومال عن الطريق وعن الصواب وعن الجادة التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، فوقع في منزلق عظيم لفساد الاعتقاد الذي حلّ به في هذا الباب، وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة أمة وسطا كما قال الله سبحانه: ﵟوَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاﵞالبَقَرَةِ : ﵓﵔﵑﵜ، ومن تمام الوسطية التي عليها أهل السنة صحة الاعتقاد على وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى به، واستقاء ذلك من نصوص الكتاب ونصوص السنة عملا بهدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما درج عليه سلف هذه الأمة رضوان الله تعالى عليهم، وأخذ ذلك علماء الإسلام كابرا عن كابر بل أخذه الصغير والكبير، ولا زال الأمر في هذا الباب أعني باب الأسماء والأحكام كما يسميه أهل السنة لا زال الباب فيه على الجادة حتى نبتت نابتة فتكلمت في ذلك، بما لم يفهموا فيه مراد الله سبحانه وتعالى ولا مراد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فحرفوا دين الإسلام، ومالوا في ذلك عما أمر الله سبحانه وتعالى به، فانحرفت بهم الأهواء والظنون، ولا زالوا في ذلك الغيّ حتى كفَّرُوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستحلوا دماءهم وأموآلهم وأعراضهم، وهم الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو راض عنهم فكيف قد حلّ لأيّ كان أن يستحل ذلك فيهم رضي الله عنهم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بإكبارهم وإجلالهم وتوقيرهم واحترامهم رضوان الله تعالى عليهم، وهكذا الذي درج عليه أهل السنة وهذا الذي تعلموه وعلموه فكانوا وسطا بين من غلا في هذا الباب فكفَّر من لم يأمر الله سبحانه وتعالى بتكفيره، وبين من  غلا في الجانب الآخر فأدخل في هذا الدين من أخرجه الله سبحانه وتعالى عنه، والواقع يا إخوة يثبت ما كان قد حذَّر منه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نحلة الخوارج الذين اعتقدوا تكفير أهل الإسلام وأهل القبلة، ولذلك كان ينبغي في هذا الباب الرجوع إلى نصوص القرآن ونصوص السنة على وفق ما فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى وفق ما فهمه سلف هذه الأمة وعلماء هذه الأمة، فصانوا بذلك الدماء، وصانوا بذلك الأعراض وحفظوا أنفسهم من منزلق عظيم يجر إلى هاوية تردي إلى نار جهنم والعياذ  بالله سبحانه.

 وقد جاءت نصوص القرآن والسنة بالأمر بالإيمان بالله سبحانه والاستسلام له، وانعقدت ألسنة أهل وقلوبهم وأعمالهم على ما أمر الله سبحانه وتعالى به، فانقاضوا لله سبحانه وتعالى بذلك، وعلموا الناس ونشروا فيهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 وهذه القضية العظيمة أعني الكلام على باب التكفير قضية عظيمة يجب على المؤمن فيها الوقوف والتريث والنظر وطرح الاستعجال لكي يحفظ نفسه من مغبة الهوى في ذلك، فالنفوس قد تتوقُ أحيانا إلى استعجال بعض المسائل واستحسانها دون التأمل والنظر، وهذا ما كان من أسباب أن يتردى العبد في مزالق الهوى، ويبعد عما أمر الله سبحانه وتعالى به، وقد حرم الله سبحانه وتعالى الأعراض وحرم الله سبحانه وتعالى الدماء، والله سبحانه وتعالى قد بعث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ببيان هذا الدين صغيره وكبيره وتوضيحه حتى قال سلمان الفارسي رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: «لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ» ([1])، فمن علم أصحابه وأمته أحكام قضاء الحاجة فلا شك ولا ريب أن يعلمهم وأن يبين لهم سبيل حفظ الأعراض وحفظ الأموال وحفظ الدماء، فإن باب التكفير يترتب عليه من الأحكام الدنيوية ما قد تزول به الأعراض أو تزول به الدماء أو تزول به الأموال وغير ذلك من الأحكام المعلومة.

 ومن تأمل بداية الفتن منذ مقتل الفاروق رضي الله عنه وما تلا ذلك من الفتن على هذه الأمة، ثم مقتل الحييّ عثمان رضي الله عنه الذي قالوا فيه ما قالوا وكذبوا فيما كذبوا به، وما امتحنه في ذلك عبد الله ابن سبأ اليهودي فألّب الناس على عثمان رضي الله عنه، ودعاهم إلى الخروج عليه، ثم ما حصل بعد ذلك من الخلاف الذي حصل في زمن علي رضي الله عنه، وما قد حصل على إثر ذلك من خروج طائفة باغية أعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على حين فرقة من الناس، فاستغلوا ذلك، وهو ديدنهم في كل زمان وفي كل عصر يستغلون خلاف المسلمين فيما بينهم ليكون ذلك سببا في نشر طريقتهم ونشر مذهبهم، ومن المعلوم أن هذا الشرع قد جاء بأشد التحذير من الكفر بالله سبحانه وتعالى، وليس المراد في الكلام على خطورة التكفير نفي الكفر ولا جحده، ولا نفي التكفير فقد أجمع أهل السنة على أن التكفير حكم شرعي ثابت بالكتاب والسنة، وأنه قد جاءت النصوص الشرعية بتثبيت هذا الحكم وبيانه وإجلائه، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ١٥٠ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ١٥١ﵞ النِّسَاء : ﵐﵕﵑ - ﵑﵕﵑﵜ ، وقال الله سبحانه: ﵟلَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَﵞالمَائـِدَة : ﵗﵑﵜ، وقال الله سبحانه: ﵟلَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٧٣ﵞ المَائـِدَة : ﵓﵗﵜ، فالكفر والتكفير حكم ثابت بنصّ الكتاب والسنة، ولكن كان الواجب على أهل الإسلام أن يستقوا حكم ذلك من كتاب الله سبحانه ومن سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الذي حصلت فيه مزلّة الأقدام، ولذلك كان هنالك تفسير للتكفير وكان هنالك بيان لأنواعه وأحكامه وكان هنالك بيان لخطورته، وكان هنالك بيان لموانعه والتي سيأتي ذكرها بحول الله سبحانه وتعالى.

 والكفر في اللغة: هو الجحود وقيل هو الستر والتغطية، وأما الكفر عند أهل السنة: فهو ترك ما أمر به دين الإسلام جحودا أو تكذيبا أو إعراضا أو استكبارا، وليس الكفر متعلقا بالتكذيب كما قد فهمته بعض الطوائف، فإنه كما أن الإيمان ليس هو التصديق فقط فإن الكفر ليس هو التكذيب فقط، وهي قاعدة مهمة عند أهل السنة؛ ولذا قد جاءت طوائف قد تكلمت في هذه المسألة، وترتب على الكلام في تعريف الإيمان عندهم الخلل في الكلام على مسائل الكفر والتكفير، وحصل من ذلك زلل عظيم حتى جنحت بعض الطوائف إلى تكفير أهل القبلة، وجنحت طوائف أخرى إلى توسيع الدائرة حتى شهدت في ذلك لإبليس ولفرعون بأنهم من أهل الإيمان والعياذ بالله سبحانه.

 ومما يوضح ذلك ما قاله أبو الحسن الأشعري في أصحاب بشر المريسي قال: «يقولون أن الإيمان هو التصديق؛ لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان، ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعاً، وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي، وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية، وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفراً ولا يجوز أن يكون إيماناً إلا ما كان في اللغة إيماناً وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر ولكنه عَلَمٌ على الكفر؛ لأن الله عز وجل بين لنا أنه لا يسجد للشمس إلا كافر» ([2])، وكان ابن الرواندي ومن ذهب مذهبه يرى أن الكفر محصور في الجحد والتكذيب، وحكى عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق عن بعض الطوائف قولهم: «الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط وأن الكفر هو الجهل به فقط»([3])، وهذا ولا شك من أبطل الباطل الذي يترتب عليه كثير من الفساد في الأقوال وفي الأعمال، ولولا ضيق المقام لاستطردنا في الكلام على ذلك، ومما يدل على بطلان هذه الأقوال أن القرآن قد أخبر عن أعمال هي من الكفر بالله تعالى تخالف ما قد ذكره بعض هؤلاء كما في إخباره عز وجل عن كفر من استهزأ بالله تعالى وبرسوله وبآياته في قوله عز وجل: ﵟقُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥ لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡﵞالتَّوبَة : ﵕﵖ - ﵖﵖﵜ، ولذلك كان عامة أهل السنة عندهم أن الإيمان تصديق مع موافقة وموالاة وانقياد، وهو معنى قولهم: الإيمان قول مع عمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومما يدل كذلك على فساد قول من حصر الكفر بالتصديق أنه مما علم من الدين بالضرورة أن قلب المؤمن إذا كان قد اعتقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأحبه وعظمه فلابد أن يمنعه ويحجزه ذلك عن سبه ولعنه وتكذيبه، ومن حصل منه سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو تكذيبه أو لعنه كان ذلك من أعظم الأدلة القطعية على كفره به وبما جاء به، وإنما أذكر هذه المقدمة لتوضيح قضية عظيمة وهي أن التحذير من باب التكفير والولوج فيه يضاده كذلك التحذير من الاستهانة بفعل الأفعال الكفرية التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها والتي أخبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أنها تعارض ما جاء به من الوحي والحق، وقد جاءت الشريعة بتحريم التكفير بغير مسوغ شرعي كما قال الله تعالى في كتابه: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا تَبۡتَغُونَ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٞۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَتَبَيَّنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا ٩٤ﵞالنِّسَاء : ﵔﵙﵜ، فأخبر الله سبحانه وتعالى بوجوب التثبت وتحريم العجلة في ذلك أعني في قول القائل في غيره لست مؤمنا، ثم أخبر الله سبحانه وتعالى بمنته فقال: ﵟكَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبۡلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمۡ فَتَبَيَّنُوٓاْۚ ﵞ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ»([4]) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا»([5])، قال العلامة ابن الوزير اليماني رحمه الله تعالى: «وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى، بل جميع القرآن والشرائع والمعاد الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار، وإنما يقع الإشكال في تكفير من قام بأركان الإسلام الخمسة المنصوص على إسلام من قام بها إذا خالف المعلوم ضرورة للبعض أو للأكثر لا المعلوم له، وعلمنا من قرائن أحواله أنه ما قصد التكذيب أو التبس ذلك علينا في حقه، وأظهر التدين والتصديق بجميع الأنبياء والكتب الربانية مع الخطأ الفاحش في الاعتقاد، ومضادة الأدلة الجلية عقلا وسمعا ولكن لم يبلغ مرتبة الزنادقة المقدمة، وهؤلاء كالمجبرة الخلص المعروفين بالجهمية عند المحققين» ([6])، ويقول رحمه الله تعالى: «وفي مجموع ذلك ما يشهد لصحة التغليظ في تكفير المؤمن وإخراجه من الإسلام مع شهادته بالتوحيد والنبوات وخاصة مع قيامه بأركان الإسلام، وتجنبه للكبائر وظهور أمارات صدقه في تصديقه لأجل غلظ في بدعة لعل المكفر له لا يسلم من مثلها أو قريب منها، فإن العصمة مرتفعة وحسن ظن الإنسان بنفسه لا يستلزم السلامة من ذلك عقلا ولا شرعا، بل الغالب على أهل البدع شدة العجب بنفوسهم والاستحسان لبدعتهم» ([7])، ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: «اعْلَمْ أَنَّ  مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ» ([8])، وهذا الذي ذكروه إنما هو يوضح هذه القضية العظيمة ويبينها ويبين خطرها؛ لأن النفوس إذا مالت إلى الهوى واستحسنت بعض المسائل واستحسنت بعض المسائل واستحسنت الأقوال تلخص من ذلك حصول تلك الفتن التي ترتب عليها استحلال الأعراض والأموال والدماء كما سبق ذكره، والواجب على العبد المؤمن أن يتوخى في ذلك، وأن يكون كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: «تَلَقَّ الْحَقَّ إِذَا سَمِعْتَهُ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا» ([9])، فلا يكن تابعا لهواه بل يكون تابعا لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكثير من تلك المسائل التي يحكم بها على بعض أهل القبلة بالكفر هي من المسائل التي تكون خطأ في الذهن لا في الشرع، فترى أن القائل يحكم على مسألة في ذهنه بأنها من الكفر الذي نبه الله سبحانه وتعالى عليه، وعند التمحيص والتفتيش يتبين أن ذلك إنما هو من باب الخطأ الذي يكون في العقل، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفرأ في الشرع» ([10])، وانظر في حال أهل الأهواء تراهم مختلفين في فيما قعدوه وفيما أصلوه في هذا الباب، فترى أنهم متناقضين في ذلك مختلفين في ذلك أعظم الاختلاف، يقول العلامة ابن الوزير: «المخالفون للصَّحابة والسلف من أهل الكلام  اختلفوا في جميع القواعد التي بَنَوْا مخالفة السلف عليها، ونقض بعضهم على بعضٍ أشد النقض، حتَّى كَفَوْا أهل السنة مؤنة الرَّدِّ عليهم»([11]).

 وحتى نستوضح بعض المسائل المتعلقة بهذا الباب نقول إن الكفر أنواع، فينقسم الكفر باعتبار إخراجه من الملة وعدم إخراجه من الملة إلى كفر أصغر ويسمى بالكفر العملي، وهو ما سماه الشارع كفرا ولم يبلغ بصاحبه إلى حد الخروج من الملة، والنوع الثاني كفر أكبر ويسمى الكفر الاعتقادي، وهو ما سماه الشارع كفرا وبلغ بصاحبه إلى حد الخروج من الملة، فالأول لم يبلغ بصاحبه إلى حد الخروج من الملة والثاني بلغ بصاحبه إلى حد الخروج من الملة، وسمي الأول كفرا عمليا باعتبار أنه في الغالب يكون من أعمال الجوارح، وسمي الأكبر بالاعتقادي؛ لأنه يكون في الغالب مع اعتقاد فاعله ذلك الفعل، وإنما قلنا في الغالب لقضية مهمة جدا، وهي أن الكفر يكون بالأقوال ويكون بالأعمال ويكون بالاعتقادات، وليس الكفر محصورا في الاعتقاد فقط، ولذا كان من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك عاداه وكذبه وشتمه وأبغضه كان كافرا بإجماع المسلمين، قال بعض أهل العلم:

والكفر بالفعل وبالقول ثبت... في محكم التنزيل آيات أتت

كذاك بالقلب ونصه ظهر... في مصدر التشريع آيٌ وأثر

 فليس الكفر خاصا بأعمال القلوب بل يكون الكفر بالقلب، ويكون الكفر باللسان ويكون الكفر كذلك بأفعال الجوارح، إذا تبين لك هذا فاعلم أن الكفر الأكبر أنواع وأقسام، أوصلها بعض أهل العلم إلى ثمانية أنواع، وبعضها قد يدخل في بعض، والخلاف في عدّها ليس من باب الخلاف في ثبوتها، وإنما من باب خلاف التنوع والتفريع، قال بعض أهل العلم:

والكفر نوعان فكفر أكبر...والثاني منهما فذاك الأصغر

وأكبر النوعين أقسام أتى... دوّنها الحذّاق فاقرأ يا فتى

الأول الإنكار والتكذيب... وأولِه الجحود يا أريب

ثالثها العناد واستكبار ... والرابع النفاق  يا أخيار

والخامس الشك فكن مصدقا... بملة الإسلام تُحرز التقى

والسادس الإعراض عن شرع أتى... عن سيد الخلق صريحا مثبتا

والسابع الإلحاد ثم الثامن... فردّة صريحة يا مؤمن

 وهذه الأنواع الثمانية تتفرع عن أربعة أنواع من أنواع الكفر، وبعضهم يوصلها إلى خمسة، ومعرفة الفرق بين هذه الأنواع يحفظ من الزلل في إطلاق التكفير على أهل الإسلام، فكفر الجحود كما قال العلامة حافظ الحكمي([12]) :«هو ما كان بكتمان الحق وعدم الانقياد له ظاهرا مع العلم به ومعرفته باطنا ككفر فرعون وقومه بموسى ، وكفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى في كفر فرعون وقومه :ﵟوَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاﵞ النَّمل : ﵔﵑﵜ ، وقال تعالى في اليهود : ﵟفَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦﵞ البَقَرَةِ : ﵙﵘﵜ ، وقال تعالى :ﵟوَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ١٤٦ﵞ البَقَرَةِ : ﵖﵔﵑﵜ» ، ولا فرق في ذلك بين أن يجحد الدين كله أو يجحد حكما من أحكامه المعلومة منه بالضرورة.

 الثاني: كفر التكذيب، قال الله تعالى: ﵟوَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ١٩ﵞ الحَدِيد : ﵙﵑﵜ، وقال الله سبحانه: ﵟ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلۡعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٤٩ﵞالأَنعَام : ﵙﵔﵜ.

 النوع الثالث: كفر الإعراض ككفر أبي طالب الذي لم يجحد ولم يكذب ولكنه أعرض، يقول الله سبحانه: ﵟ وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمۡ خَيۡرٗا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ ٢٣ﵞالأَنفَال : ﵓﵒﵜ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ([13]).

 والنوع الرابع: كفر العناد والاستكبار، وذلك ككفر إبليس الرجيم، قال الله تعالى: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِﵞ غَافِر : ﵖﵕﵜ، وقال الله: ﵟإِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٤ﵞالبَقَرَةِ : ﵔﵓﵜ، والأنواع الأخر: الشك والنفاق والإلحاد والردة تدخل فيما سبق ذكره.

 ثم ننتقل إلى بيان قضية عظيمة وقضية مهمة، وهي أن أهل السنة يفرقون بين التكفير المطلق والتكفير المعين، وهذا مزلق عظيم من المزالق التي انزلقت وهوت بها أقدام الخوارج، فكفَّروا بذلك أهل القبلة واستحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم ظلما منهم وعدوانا، فحصل منهم ما حصل بسبب جهلهم بهذه القضية العظيمة، ولذلك كانت من أبرز سمات الخوارج تكفيرهم لأهل القبلة، فنقول هنا فيما ذكرناه أن التكفير نوعان: تكفير مطلق وتكفير مقيد، فالتكفير المطلق له صورتان:

 الصورة الأولى: تعليق الوصف بالكفر بقول أو بعمل أو باعتقاد، كقول قائل من أشرك بالله فقد كفر، ومن سب الرسول فقد كفر، ومن فعل كذا فقد كفر ومن اعتقد كذا فهو كافر، هذا تعليق لوصف الكفر بقول أو بعمل أو باعتقاد، قال الله تعالى: ﵟٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوۡلِيَآءَ ٱلشَّيۡطَٰنِۖ إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا ٧٦ﵞالنِّسَاء : ﵖﵗﵜ، فعلق الله وصف الكفر بالفعل وهو قتالهم في سبيل الطاغوت.

 النوع الثاني من أنواع التكفير المطلق: وهو تعليق وصف الكفر بطائفة أو بفرقة من الناس فتقول مثلا اليهود كفار والمجوس كفار، قال الله تعالى: ﵟ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ١٠٥ﵞالبَقَرَةِ : ﵕﵐﵑﵜ، فعلق الله سبحانه وتعالى وصف الكفر بطائفة وهم اليهود والنصارى والمجوس.

 وأما تكفير المعين وانتبه إلى هذه القضية، وأما تكفير المعين فهو: تعليق وصف الكفر بشخص بعينه، كما قال الله سبحانه: ﵟ وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ وَٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٣٤ﵞ البَقَرَةِ : ﵔﵓﵜ، فإبليس الرجيم أخبر الله سبحانه وتعالى عنه أنه كان من الكافرين، فتبين من ذلك أن ثَمّ أمران يجب التفريق بينهما:

 الأول: تعليق وصف الكفر بإطلاق، والثاني: تعليق وصف الكفر بتعيين، ومن لم يفرق بين هاتين المسألتين وقع في مزلة عظيمة، وحصل منه الخلط في هذا الباب، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، قَدْ تَنْتَفِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ» ([14]).

 ثم هنا قضية مهمة أيضا وهي: أنه يجب التفريق بين من كان كفرهم أصليا ومن كان كفرهم طارئا حادثا، فالكفار الذين كفرهم أصلي وهم الذين لم يدخلوا في دين الإسلام، فهؤلاء كفرهم معلوم، وأما الكلام على باب التكفير والتحذير منه فهو فيما يتعلق بالكفر الطارئ الحادث وهو الكفر الذي يحدث بعد الإسلام، وهو الذي يحصل فيه الخلط بين كثير من الناس.

 كذلك مما يتعين التنبيه عليه في هذا الباب أن التكفير له موانع، وهي أربعة موانع عند أهل السنة:

الأول: وهو الجهل، وذلك أن الشريعة قد رتبت أحكامها على وجود التكليف، ومتى ما انعدم التكليف فقد انعدمت المحاسبة والمؤاخذة، قال الله سبحانه وتعالى: ﵟرَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاﵞالبَقَرَةِ : ﵖﵘﵒﵜ، وهذا عام، أقول فالمانع الأول وهو الجهل، فمن جهل حكما من الأحكام الشرعية عن غير تفريط لم يكن مؤاخذا بما قد جهله من تلك الأحكام.

 المانع الثاني: وهو الخطأ، فمن تلفظ خطأ بكفر أو فعل كفرا خطأ فإنه لا يؤاخذ على ذلك الفعل، ولا يقع عليه اسم الكفر.

 المانع الثالث: وهو الإكراه، فمن أكره على الكفر فلا ينطبق عليه حكم الكفر ما دام لا يستطيع أن يتخلص من ذلك الإكراه، كما حصل ذلك لعمار رضي الله عنه، وأهل بيته ياسر وعمار وأمه رضي الله عنهم أجمعين، فكانوا يؤذون على كلمة الكفر حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: «فَإنْ عَادُوا فَعُدْ» ([15])، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه : ﵟمَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِهِۦٓ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ١٠٦ﵞالنَّحل : ﵖﵐﵑﵜ.

 المانع الرابع: التأويل، ويسمى أيضا بالشبهة، وهو أن يتأول الإنسان فيشتبه عليه فعل يظنه ليس بكفر، فيعذر لأجل تلك الشبهة التي قامت في حقه، وذلك لضعف احتمال انعقاد العلم.

 ولذلك هنا تأتي قضية مهمة جدا وهي أنه لا يحل لأحد أن يحكم على احد بالكفر حتى يقيم الحجة ويبين المحجّة ويزيل الشبهة، قال ابن تيمية رحمه الله: «فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ، وَمَنْ ثَبَتَ إيمَانُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ» ([16])، ولذلك كانت القاعدة العظيمة في هذا الباب (الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة) ، يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: «فما تنازع العلماء في كونه كفراً، فالاحتياط للدين التوقف وعدم الإقدام، ما لم يكن في المسألة نص صريح» ([17]).

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بما تقدم إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.

 والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 

([1]) رواه مسلم (262).

([2]) مقالات الإسلاميين (ص140)

([3]) الفرق بين الفرق (ص140).

([4]) رواه البخاري (6045).

([5]) رواه البخاري (6104)، ومسلم (60).

([6]) إيثار الحق على الخلق (ص377).

([7]) إيثار الحق على الخلق (ص385).

([8]) مجموع الفتاوى (12/468).

([9]) رواه أبو داود (4611).

([10]) درء تعارض العقل والنقل (1/242).

([11]) العواصم والقواصم (5/102).

([12]) أعلام السنة المنشورة (ص229).

([13]) رواه مسلم (153).

([14]) مجموع الفتاوى (12/487).

([15]) حلية الأولياء (1/140).

([16]) مجموع الفتاوى (12/501).

([17]) الدرر السنية (8/ 217).