الرخص الشرعية في فقه الأسرة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد؛

فإن أحسن الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد؛ فنحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، محاضرة اليوم بعنوان: "الرخص الشرعية في فقه الأسرة".

 إن من أعظم المنن وأجلّ النعم نعمة الهداية لهذا الدين العظيم الذي جعل الله عز وجل فيه من التيسير والتخفيف ما ليس في غيره من الشرائع، وإن هذه السماحة والتيسير تتجليان فيما جاء به الشرع من رخص في العبادات والمعاملات وغيرها، مما قد رغب الشرع الحكيم بأخذها وجعل إتيانها مما يحبه الله عز وجل، فقد روى البيهقي وغيره والإمام أحمد في المسند من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» ([1]) ، فالإسلام رغب بأخذ هذه الرخص وجعل إتيان هذه الرخص مما يحبه الله عز وجل، ولما كان في إظهار هذه السماحة والتيسير فيه بيان لشيء من محاسن الإسلام نتكلم عن هذا الموضوع، عن موضوع الرخص في فقه الأسرة، وتأتي أهمية الكلام في موضوع الرخص في فقه الأسرة أن الكلام فيه فيه إظهار لسماحة هذا الدين العظيم ويسره لا سيما في هذا الزمن الذي هو في أمس الحاجة لإظهار هذه السماحة واليسر دعوة للدخول فيه من جهة وردا على من يزعم خلاف ذلك من جهة أخرى، كذلك هو متعلق بأحد طرفي الأحكام، فالأحكام الشرعية منها ما هو من قبيل العزائم، ومنها ما هو من قبيل الرخص، وكلامنا في هذه المحاضرة فيما يتعلق بأحد طرفي الأحكام وهو موضوع الرخصة، كذلك الكلام في هذا الموضوع -موضوع الرخص- في فقه الأسرة لأن الرخص تدخل في كثير من أبواب الفقه، كثير من هذه الرخص بحاجة إلى بيان، بيان وجه الرخصة فيها، إن هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يحتاجها المجتمع المسلم، الكلام عن الرخص من الموضوعات التي جمعت بين فني الفقه وأصول الفقه، نريد الكلام -من خلال هذه المحاضرة- عن الرخص الشرعية في فقه الأسرة، وبيان وجه الرخصة فيها.

 الألفاظ ذات الصلة بالرخصة: إذًا الرخصة الشرعية هي الحكم الشرعي الذي غُيِّرَ من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي، وذلك لسلامته من اعتراضات مع وضوحه في تبيين المعرف، هذا تعريف اختاره كثير من الأصوليين كالعلامة محمد الأمين الشنقيطي في كتابه مذكرة أصول الفقه([2])  قال: « الرخصة الشرعية: هي الحكم الشرعي الذي غُيِّرَ من صعوبة إلى سهولة لعذر اقتضى ذلك مع قياس سبب الحكم الأصلي » ، والرخصة الشرعية توجد ألفاظ ذات صلة بها بهذا التعريف، من الألفاظ ذات الصلة بالرخصة: العزيمة، العزيمة: هي الحكم الثابت لدليل شرعي خال من معارض، فالعزيمة لها علاقة بالرخصة لأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، كذلك من الألفاظ ذات الصلة بالرخصة تيسير، التيسير التهيئة التسهيل في لسان العرب، علاقة التيسير والتسهيل بالرخصة من جهة أن الرخصة فيها تيسير وتسهيل على المكلفين، ومن الألفاظ أيضا التي لها علاقة بالرخصة:رفع الحرج، الحرج هو ما أوقع على العبد مشقة زائدة عن المعتاد على بدنه أو على نفسه أو عليهما معا في الدنيا والآخرة أو فيهما معا حالا أو مآلا غير معارض بما هو أشد منه، أو بما يتعلق به حق للغير مساو له أو أكثر منه، هذا تعريف الحرج عند الفقهاء، فرفع هذا الحرج رفعه إزالته، فالصلة بين رفع الحرج والرخصة هي عموم وخصوص، كل رخصة فيها رفع للحرج، إذًا توجد علاقة بين رفع الحرج وبين الرخصة، هكذا أيضا النسخ له علاقة بالرخصة النسخ هو التبديل والإزالة في لغة العرب، عند العلماء النسخ: بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ، فالنسخ إذا كان من الأشد إلى الأخف فإنه يشترك مع الرخصة في وجود التيسير والتخفيف، هكذا أيضا من الألفاظ وهي كثيرة التخصيص وغيرها.

 هناك أسباب داعية إلى الترخيص في شرعنا هي سبب الرخص الشرعية من هذه الأسباب: الضرورة، الضرورة عرفها كثير من أهل العلم قالوا: الضرورة بلوغ الإنسان حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، وقالوا أيضا: الضرورة من تعريفاتها: الحالة التي تطرأ على الإنسان بحيث لو لم تراعى لجزم أو خيف أن تضيع مصالحه الضرورية، المصالح الضرورية المعروفة الضرورات الخمس: حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل، فمن الأسباب الداعية إلى الترخيص في شرعنا الضرورة، إذا وجدت الضرورة جاءت الرخصة في شرعنا، كذلك أيضا السبب الثاني: الحاجة، والحاجة عرفها العلماء: أنها ما لا يكون في محل الضرورة بل في محل الحاجة، ومنهم من قال: الحاجة ما افتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي بالغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراعى هذه الحاجة دخل على المكلفين الحرج والمشقة لكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة، هي أقل من الضرورة، أيضا السبب الثالث من أسباب الترخيص في شرعنا: الإكراه، اسم لفعل يفعله الإنسان بغيره فينتفي به رضاه أو يفسد به اختياره، ومنهم من قال: الإكراه حمل الغير على أن يفعل ما لا يرضاه، لا يختار مباشرته لو خلي ونفسه، ومن أجود تعريفات الإكراه: حمل الغير على ما لا يرضاه من قول أو فعل، لا يختار مباشرته لو ترك ونفسه، إذًا الإكراه أيضا من الأسباب التي تدعو إلى الترخيص في شرعنا، وهكذا أيضا: المرض من أسباب الترخيص المرض: هيئة غير طبيعية في بدن الإنسان تكون بسببها الأفعال الطبيعية والنفسانية غير سليمة، ودلت الأدلة على أن المرض سبب للترخيص في شرعنا، لذلك المريض يرخص له الفطر في نهار رمضان، وهكذا رخص كثيرة سببها المرض، هكذا أيضا السبب الخامس الذي يدعو إلى الترخيص في شرعنا: السفر، من أسباب الترخيص السفر وهذا واضح، يرخص للصائم في نهار رمضان إذا سافر يرخص له الفطر وعليه القضاء، وهكذا رخص كثيرة سببها السفر، أيضا من الأسباب التي تدعو إلى الترخيص: النسيان، النسيان: معنى يعتري الإنسان بدون اختياره يوجب الغفلة عن الحفظ فينسى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»([3]) ، كذلك الخطأ: أن يفعل فعلا من غير أن يقصده قصدا تاما، فتأتي الرخصة من الشرع، هذه أسباب يذكرها أهل العلم، الجهل أيضا من الأسباب التي تدعو إلى الترخيص في شرعنا الجهل: عدم العلم عما من شأنه أن يعلم هذا تعريف الجهل باختصار([4])  ، السبب التاسع أيضا من الأسباب إلى تدعوا إلى الترخيص: عموم البلوى، عموم البلوى تعريفها: شمول وقوع الحادثة مع تعلق التكليف بها بحيث يعسر احتراز المكلفين أو المكلف عنها، أو استغناء المكلفين أو المكلف عن العمل بها إلا بمشقة زائدة تقتضي التيسير والتخفيف، أو يحتاج جميع المكلفين أو كثير منهم إلى معرفة حكمها مما يقتضي كثرة السؤال عنه واشتهاره، هذا عموم البلوى، وأيضا هي سبب من أسباب الترخيص في شرعنا، والسبب العاشر: النقص، النقص: خلاف الزيادة والنقص هو خاصية صفة في المكلف طبيعية أو عارضة دائمة أو مؤقتة، تؤدي إلى إسقاط التكليف عنه كليا أو جزئيا أبديا أو مؤقتا، هذا النقص يشمل النقص الجنون العته النوم الإغماء السفه الصبا السكر، هذه كلها أسباب تدعو إلى الترخيص، والسبب الأخير الذي سنذكره من الأسباب التي تدعو إلى الترخيص في شرعنا: المشقة، المشقة تجلب التيسير، هذه قاعدة والمشقة: عناء أو حالة جهد وعناء وشدة قد توجب تخفيفا في تكاليف شرعية، فالمشقة سبب من الأسباب التي تدعو إلى الترخيص في شرعنا، هذه مقدمة لابد منها عن حقيقة الرخصة الشرعية والأسباب التي تدعو إلى الترخيص.

 نذكر الآن موضوع المحاضرة فكل ما سبق ذكره يتعلق بالرخصة الشرعية التي دل عليها الدليل العام أو الخاص، أما الرخص الفقهية الصادرة من الفقهاء، وهو تتبع الرخص والأخذ بأهون الأقوال وأيسرها من أقوال المجتهدين بقطع النظر إلى دليل الرخصة وقوته، هذا فيه خلاف بين الفقهاء، والراجح عدم جواز تتبع رخص الفقهاء، وذكر الحافظ ابن عبد البر رحمه الله الإجماع على عدم جواز تتبع رخص الفقهاء([5]) ، إذًا كلامنا حول الرخص الشرعية التي دل عليها الدليل، لا نتكلم عن الرخص الفقهية الصادرة من الفقهاء، الآن نذكر بعض الرخص الشرعية في فقه الأسرة والموضوع طويل لكن سنذكر ثمانية من الرخص الشرعية في فقه الأسرة.

 أولها: نظر الرجل إلى مخطوبته، والرخصة فيه، حكم نظر الرجل إلى مخطوبته، اختلف العلماء وأكثر العلماء على أنه يشرع لمن أراد خطبة امرأة أن ينظر إليها هذا قول عامة أهل العلم من المذاهب الأربعة، وحكى ابن قدامة رحمه الله في المغني اتفاق أهل العلم  عليه([6])، قال بعض أهل العلم من أراد نكاح امرأة ليس له أن ينظر إليها، وهذا مخالف للدليل فجمهور أهل العلم على مشروعية نظر الرجل إلى مخطوبته، ودليلهم ما روى جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ ، فَإِنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا ، فَلْيَفْعَلْ» ([7]) ، قال جابر : «فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها» ، هكذا جاء أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»([8]) ، وهكذا غيره أيضا أحاديث دلت على مشروعية نظر الرجل إلى مخطوبته، هذا هو القول الراجح وهو قول جمهور أهل العلم  ماهي الرخصة الآن؟ وجه الرخصة في نظر الرجل إلى مخطوبته ما هو وجه الرخصة؟ وجه الرخصة أنه يوجد حكم شرعي وهو وجوب غض البصر عن الأجنبية هذه العزيمة، وقد غير هذا الحكم من صعوبة الوجوب إلى سهولة الإباحة في مسألة نظر الرجل إلى مخطوبته مع وجود سبب الحكم الأصلي في المسألة المباحة حيث جاز للرجل النظر إلى مخطوبته مع كونها أجنبية عنه، وقد كان تغيير هذا الحكم لعذر إذًا هذا وجه الترخيص في نظر الرجل إلى مخطوبته، هذه مسألة الأولى.

 المسألة الثانية: نكاح نساء أهل الكتاب والرخصة فيه، حكم نكاح نساء أهل الكتاب اختلف العلماء، وأكثر العلماء على جواز نكاح نساء أهل الكتاب، وبعض أهل العلم قالوا يكره نكاح الحرائر الذميات من نساء أهل للكتاب، وبعضهم قال يحرم نكاح الحرائر والذميات من أهل الكتاب، هذه أقوال ثلاثة مشهورة، القول الثاني: يكره نكاح الحرائر والذميات من نساء أهل الكتاب هو الراجح، هذا قول بعض الحنفية وقول المالكية والصحيح عند الشافعية وقول بعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وشيخ الإسلام ابن تيمية([9])، هذا القول هو أقرب إلى الدليل وإلى مقاصد الشريعة يكره نكاح الحرائر والذميات من نساء أهل الكتاب، إذًا يجوز لكن مع الكراهة، واستدلوا بأدلة، من الآثار ما روي أن حذيفة تزوج يهودية فكتب إليه عمر: «أَنْ خَلِّ سَبِيلَهَا ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ كَانَتْ حَرَامًا خَلَّيْت سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنِّي لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَعَاطَوُا الْمُومِسَاتِ مِنْهُنَّ» ([10]) ، قال أصحاب هذا القول يكره النكاح نساء أهل الكتاب قياسا على كراهة أكل ذبائحهم بلا حاجة تدعو إليها، وهكذا قالوا أيضا مما يستدل به أن الزوج المسلم ربما يميل قلبه إلى الكتابية فتفتنه في دينه، وربما يكون بينهما ولد فيميل إلى دينها، وهكذا قالوا إن الزواج من الكتابية فيه سكون إلى الكوافر ومودة لهن، وقالوا أيضا أن الكتابية تتغذى من الخمر والخنزير تغذي به ولدها تذهب إلى الكنيسة، وهو يقبل ويضاجع ليس له منعها من ذلك، هذه أقوال ذكرها أهل العلم في كتبهم وفي حواشي شروحاتهم، هذه ملخص فقط لأدلة أصحاب هذا القول الأول، ولا شك أن الله عز وجل يقول: ﵟٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵕﵜ، إذًا الله عز وجل أحل المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، فظاهر الآية الدلالة على حل نكاح المحصنات يعني الحرائر العفائف، وهذه الآية وما فهمه سلفنا الصالح يرجح والله أعلم القول الذي ذكرناه: يكره نكاح الحرائر الذميات من نساء أهل الكتاب، يعني يجوز لكن مع الكراهة وهذا القول فيه جمع بين أدلة القائلين بالحل وأدلة القائلين بالحرمة، وهذا القول قول بعض الحنفية وقول المالكية أيضا، والصحيح عند الشافعية و قول بعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وشيخ الإسلام ابن تيمية، وترجيح هذا القول لأن القول بحل نكاح نساء أهل الكتاب مطلقا يترتب عليه زهد كثير من المسلمين في النساء المؤمنات كيف وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بذات الدين من المؤمنات، أيضا مما يقوي هذا القول أن نساء أهل الكتاب هن في الغالب يقمن في بلاد الكفر مما يترتب على الزواج منهن كثرة تردد الزوج وأولاده على تلك البلاد ومخالطتهم لأهلها مما قد يؤثر سلبا على دينهم وأخلاقهم، هذه أسباب وقرائن وعلل يذكرها أهل العلم في كتبهم، فهذه المسألة حكم نكاح نساء أهل الكتاب يجوز مع الكراهة على الراجح من الأقوال الثلاثة.

 طيب الآن ما هو وجه الرخصة في نكاح نساء أهل الكتاب؟ الرخصة في نكاح نساء أهل الكتاب ترد على القول بحل نكاحهن مطلقا وعلى القول بالحل مع الكراهة، وقال الكاساني رحمه الله: « الْأَصْل أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ الْكَافِرَةَ...إلَّا أَنَّهُ جَوَّزَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِرَجَاءِ إسْلَامِهَا» ([11]) ، وقال الإمام الشافعي رحمه الله كما في كتابه الأم([12]) : «وقد قيل هذه الآية في جميع المشركين ثم نزلت الرخصة بعدها في إحلال نكاح حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في إحلال ذبائح أهل الكتاب قال الله تبارك وتعالى: ﵟٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵕﵜ ، إذًا هذه الرخصة في نكاح نساء أهل الكتاب هذا وجه الرخصة.

المسائلة الثالثة من الأمثلة على الرخص الشرعية في فقه الأسرة: إقرار أنكحة الكفار بعد إسلامهم والرخصة فيه، إذًا ما هو حكم أنكحة الكفار بعد إسلامهم؟ تزوج في حالة الكفر وأنجب أولادا ثم دخل الإسلام هو وزوجته، فما هو حكم هذا الزواج بعد الإسلام فيما لو أسلم الزوجان؟ فاتفق الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن الزوجين الكافرين إذا أسلما معًا أنهما على نكاحهما، لا يسألون عن وجود شروط النكاح من ولي وشهود وصيغة ونحوها أثناء عقدهم سواء كان إسلامهما قبل الدخول أو بعده، سواء كانا كتابيين أو مشركين أو أحدهما كتابي والآخر مشرك سواء كانا في دار الإسلام أو في دار الحرب ما لم يوجد مانع من بقاء الزوجية ككون الزوجة محرمة بنسب أو رضاع، هذا كلام أهل العلم والمذاهب الأربعة، ودل على هذا السنة والإجماع، فحكم أنكحة الكفار بعد إسلامهم النكاح صحيح لا يجب عليهم عقدا جديدا إذا دخلوا الإسلام، ودلت السنة على ذلك أسلم خلق كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم نسائهم أقروا على أنكحتهم ولم يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح ولا عن كيفيته، هذا أمر علم بالتواتر والضرورة، فكان يقينا بل جاء عنه صلى الله عليه وسلم أمره من أسلم على عشر نسوة أن يختار منهن أربعا([13]) ، هكذا عن ابن عباس رضي الله عنها: «أن رجلا جاء مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله إنها قد كانت أسلمت معي، فردها عليه» ([14])  ، إذًا حكم أنكحة الكفار بعد إسلامهم أنها على نكاحها، أن الزوجين على نكاحهما، لا يجب عليهم عقدا جديدا إذا دخلا الإسلام ،وهكذا نقل الإجماع بعض أهل العلم كما قال ابن عبد البر: « أجمع العلماء أن الزوجين إذا أسلما معا في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما إلا أن يكون بينهما نسب أو رضاع يوجب التحريم، وأن كل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا أسلما معا وأصل العقد معفي عنه؛ لأن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا كفارا فأسلموا بعد التزويج وأقروا على النكاح الأول، ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام وهذا إجماع وتوقيف»([15]) ، إذًا هذه المسألة فما هو وجه الرخصة في أنكحة الكفار بعد إسلامهم؟ وجه الرخصة مما ذكرنا من كلام  العلماء في الرخصة في أنكحة الكفار بعد إسلامهم يتبين أن الرخصة في هذه المسألة من وجه واحد أنه يوجد حكم شرعي وهو أنه متفق على عدم صحة عقد النكاح إذا تخلفت عنه شروطه، وقد غير هذا الحكم من صعوبة عدم الصحة إلى سهولة الصحة في أنكحة الكفار بعد إسلامهم فيما لو أسلم الزوجان معا حيث صح نكاحهما مع وجود سبب حكم الأصل وهو عدم وجود شروط النكاح، وقد كان هذا التغيير لعذر فبالنظر في وجه الرخصة هذا يتبين أن صحة أنكحة الكفار بعد إسلامهم فيما لو أسلم الزوجان معا رخصة شرعية لدخولها في حد الرخصة الشرعية.

 المثال الرابع على الرخص الشرعية في فقه الأسرة: ضرب الدف والرخصة فيه، المسألة هي حكم ضرب الدف، اتفق عامة الفقهاء على عدم حل الدف إلا في مواطن معلومة، واختلفوا في تحديد هذي المواطن، فأكثر العلماء على أن هذه المواطن معلومة بالعد المواطن التي جاءت بها النصوص والآثار وهي: العرس والعيد وقدوم الغائب والختان هكذا ذكر، هذا هو المشهور عند المالكية كما في مواهب الجليل وحاشية الدسوقي وحاشية العدوي، كلهم ذكروا هذا القول وقول عند الشافعية أيضا كما في مغني المحتاج([16])، وقول عند الحنابلة أيضا كما في الشرح الكبير([17])  وهكذا في كتاب الفروع([18]) ، إذًا هذه هي المذاهب وهذا القول الأول: أن ضرب الدف لا يجوز إلا بما دل عليه الدليل، هناك قول ثانٍ أيضا أن ضرب الدف يجوز عند كل سرور حادث كالعرس والعيد والولادة وشفاء المريض ونحوها، هذا قول الحنفية، القول الأول هو الأرجح: أن الأصل أن الدف من المعازف لا يجوز إلا فيما دل عليه الدليل، فيما جاءت به الرخصة الشرعية، وجاءت الرخصة الشرعية في ضرب الدف على كلا القولين السابقين، وذكر بعض الفقهاء أن ضرب الدف رخصة، ومنهم من أشار إلى وجه الرخصة فيه، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وإنما علل الرخصة بكونه في يوم عيد فدل على أنه يباح في أيام السرور كأيام العيد وأيام الأفراح كالأعراس وقدوم الغياب ما لا يباح في غيرها من اللهو» ([19])  ، إذًا المثال الرابع ضرب الدف والرخصة فيه الأصل أن الدف من المعازف لا يجوز إلا فيما جاءت فيه الرخصة وجاء الرخصة أن الدف مشروع في يوم العيد وفي الأعراس، وهذا هو الشاهد الرخصة الشرعية في فقه الأسرة ضرب الدف رخصة للنساء في العرس وفي حفلة الزواج أيضا.

 مثال خامس من أمثلة الرخص الشرعية في فقه الأسرة العزل والرخصة فيه: عزل الزوج عن زوجته الحرة اختلف العلماء على ثلاثة أقوال مشهورة والقول الأول: وهو الصحيح قول أكثر أهل العلم إباحة عزل الزوج عن الحرة مع إذنها و تحريمه مع عدمه، إذا وافقت يعزل وإذا لم توافق لا يجوز، هذا مذهب الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية ومذهب الحنابلة كما في كتبهم، وقول ثاني كراهة عزل الزوج مطلقا عن الحرة أذنت أو لم تأذن، والقول الثالث: لا يجوز عزل الزوج عن الحرة مطلقا مع إذنها وعدمه، لكن القول الأول عليه الدليل حديث جابر رضي الله عنه قال: «كنا نعزل والقرآن ينزل»([20])  ، لو كان العزل محرما لحرمه القرآن، وجاء في رواية عند مسلم من حديث جابر: « كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا» ([21]) ، هذا القول الراجح: جواز العزل إذا أذنت المرأة الحرة، ووجه الرخصة واضح في هذا الباب، بعد أن أشرنا في المثال الخامس العزل والرخصة فيه علمنا أن الرخصة في العزل يمكن أن ترد على القول بعدم جواز العزل عن الحرة إلا بإذنها القول الراجح قول الجمهور، قال ابن قدامة رحمه الله: «ورويت الرخصة فيه عن علي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي، وخباب بن الأرت، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي» ([22]) ، وقال ابن القيم رحمه الله: «هذه الأحاديث صريحة في جواز العزل، وقد رويت الرخصة فيه عن عشرة من الصحابة» ([23]) ، ووجه الرخصة في العزل يوجد حكم شرعي وهو تحريم العزل عن الزوجة الحرة، وقد غير هذا الحكم من صعوبة التحريم إلى السهولة الإباحة عند إذن الزوجة بالعزل مع سبب الحكم الأصلي في صورة الإباحة، وكان تغيير هذا الحكم لعذر، إذًا هذا وجه الرخصة في العزل هذه خمسة أمثلة ذكرناها من الرخص الشرعية في الأسرة.

 المثال السادس: ترك القسم بين الزوجات والرخصة فيه: أولا المسألة: حكم ترك القسم بين الزوجات القسم في المبيت بين الزوجات، الأصل وجوب التسوية في القسم بين الزوجات، وجوب العدل بينهن في المبيت لعموم الأدلة التي فيها الأمر بالعدل بين الزوجات، فدلت الأدلة على وجوب العدل بين الزوجات في المبيت، لذلك قال ابن قدامة رحمه الله: «لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا» ([24]) ،  لكن يستثنى من هذه القاعدة إذا سافر أراد الزوج السفر وعنده أكثر من زوجة، وعمل القرعة بينهن ورجحت إحدى النساء، فهل على الزوج أن يقضي للمتخلفات عن السفر معه؟ فإذا سافر مع التي رجح سهمها عند القرعة أنها تسافر مع زوجها فهل إذا رجع من سفره يقضي لمن لم تسافر معه مثل مدة سفره مثلا عشرة أيام مع الزوجة هذه، ثم رجع هل يقضي المتخلفات عن السفر معه لكل واحدة منهن عشرة أيام؟ هذه المسألة، اتفق على الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن الزوج إذا سافر بإحدى زوجاته أنه إذا رجع لا يقضي لمن لم تسافر معه مدة السفر، قال القرطبي: ولم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة فيما مضى لها مع زوجها في السفر» ([25]) ، ودل الدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت: «كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه» ([26]) ،  فعائشة رضي الله عنها ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد السفر ولم تحك بأنه قضى لمن لم تسافر معه مدة سفره، ولو فعله لحكته رضي الله عنها، إذًا هذا الأصل فما هو وجه الرخصة في ترك القسم بين الزوجات بعد أن أشرنا إلى الاتفاق، ذكر الفقهاء أن هذه المسألة المستثناة رخصة من رخص السفر، وذكر ذلك الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله قال: إِذَا سَافَرَ بِهَا- أي إحدى زوجاته-  فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَاءٌ بَعْدَ عَوْدِهِ فَصَارَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ» ([27]) إذًا يوجد حكم شرعي وهو وجوب التسوية بين الزوجات هذه العزيمة، وقد غير هذا الحكم من صعوبة وجوب التسوية بينهن إلى عدم وجوب التسوية بينهن في صورة مستثناة وهي عند سفر الزوج بإحدى زوجاته فإنه لا يجب عليه أن يسوي بين من سافرت معه وبين المخلفات في القسم لهن بعدد أيام سفره بمن سافرت معه، هذا هو وجه الرخصة في هذا.

 المثال السابع من أمثلة الرخص الشرعية في فقه الأسرة: أخذ الزوجة من مال الزوج دون علمه والرخصة فيه، أولا ما هو حكم أخذ الزوجة من مال الزوج دون علمه إذا منع الزوج زوجته من النفقة أو لم يعطي زوجته وأولاده ما يكفيهم من غير سبب شرعي لكن لشح ونحوه هل للزوجة أن تأخذ من مال زوجها قدر نفقتها وأولادها من غير علم زوجها أو إذنه؟ اتفقت المذاهب الأربعة على أن للزوجة في هذا الحال أن تأخذ من مال زوجها قدر كفايتها وولدها من غير علم الزوج أو إذنه، وقد دل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، قالت عائشة: دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ -امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ? فَقَالَ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ، وَيَكْفِي بَنِيكِ»([28]) ، فأجاز لها النبي صلى الله عليه وسلم رخص لها، لذلك هنا ذكرنا اتفاق فقهاء المذاهب الأربعة على أن للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه إذا لم يعطها ما يكفيها وأولادها، قال ابن قدامة رحمه الله: «ظاهر الحديث-حديث هند بنت عتبة-  دل على أنه قد كان يعطيها بعض الكفاية، ولا يتممها لها، فرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه؛ لأنه موضع حاجة، فإن النفقة لا غنى عنها، ولا قوام إلا بها، فإذا لم يدفعها الزوج ولم تأخذها، أفضى إلى ضياعها وهلاكها، فرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في أخذ قدر نفقتها، دفعا لحاجتها» ([29]).

المثال الأخير في محاضرة اليوم من أمثلة الرخص الشرعية في فقه الأسرة: عدم وقوع طلاق المكره والرخصة فيه، أولا ما هو حكم عدم وقوع طلاق المكره يعني إذا طلق شخص مكره مجبر طلق امرأته وهو مجبر هل يقع طلاقه أو لا؟ فجمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة أن طلاق المكره لا يقع، قالت الحنفية بطلاق المكره لكن الجمهور على أن طلاق المكره لا يقع، واستدلوا بقول الله عز وجل: ﵟإِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵖﵐﵑﵜ  ، والشافعي ذكر قال: «وللكفر أحكام كفراق الزوجة، وأن يقتل الكافر ويغنم ماله فلما وضع الله عنه سقطت عنه أحكام الإكراه على القول كله؛ لأن الأعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وما يكون حكمه بثبوته عليه» ([30])  ، يعني إذا كان الإكراه على الكفر سقط لا يحاسب عليه فكيف هو الإكراه على الطلاق من باب أولى له  لا يحاسب عليه، هذا وجه الاستدلال من كلام الشافعي رحمه الله ، ودل على ذلك قول ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، إذًا هذه المسألة حكم عدم وقوع طلاق المكره، فالراجح قول جمهور أهل العلم أن طلاق المكره لا يقع، فما هو وجه الرخصة في عدم وقوع طلاق المكره. فعلى قول جمهور العلماء القاضي بعدم وقوع طلاق المكره وفي الحديث التجاوز عن المكره«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»  فيه إشارة إلى أن ذلك رخصة أنه لا يقع طلاقه، قال ابن قدامة رحمه الله في من طلق مكرها ولم يتأول قال: «لم يقع-يعني لم يقع طلاقه- ؛ لعموم ما ذكرنا من الأدلة، ولأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال، فتفوت الرخصة([31])» .

 هذه مسائل وهناك مسائل غيرها أيضا من الرخص الشرعية في فقه الأسرة نكتفي بهذه الثمان الأمثلة، وبينا من خلال هذه المحاضرة ومن خلال مقدمة هذه المحاضرة أهمية هذا الموضوع، وأن سماحة الإسلام والتيسير في شرعنا ظاهرة  من بيان هذه الرخص في العبادات والمعاملات وغيرها، لذلك رغب الشارع الحكيم بأخذ هذه الرخص في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»، فمن باب التيسير وبيان سماحة الإسلام وهذا من محاسن هذا الدين العظيم هذه الرخص الشرعية في العبادات وفي المعاملات، ومن ذلك الرخص الشرعية في فقه الأسرة وهو محاضرة اليوم، وأشرنا إلى الأسباب التي تدعو إلى الترخيص وما هي حقيقة الرخصة الشرعية، وذكرنا هذه الأمثلة الثمانية على الرخص الشرعية في فقه الأسرة: نظر الرجل إلى مخطوبته والرخصة فيه، النكاح من نساء أهل الكتاب والرخصة فيه، إقرار أنكحة المشركين بعد إسلامهم والرخصة فيه، ضرب الدف في العرس والنكاح والرخصة فيه، العزل والرخصة فيه، ترك القسم بين الزوجات والرخصة فيه، أخذ الزوجة من مال الزوج دون علمه والرخصة فيه، عدم وقوع طلاق المكره والرخصة فيه،  هذه أمثلة من الرخص الشرعية في فقه الأسرة هذا ما أردنا أن نذكره في محاضرة اليوم.

نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، أسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم .

 


 

([1]) رواه أحمد  (5873)، والبيهقي  (5199)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1060).

 

([2]) (ص60).

([3]) رواه ابن ماجه (2036) ، والبيهقي (11454).

([4]) كما في البحر المحيط للزركشي (1/100).

([5]) كما في جامع بيان العلم وفضله (2/185).

([6]) كما في المغني (9/489).

([7]) رواه أبو داود ( 2082 ).

([8]) رواه مسلم (1424).

([9]) الفروع المجلد الثامن.

([10]) رواه البيهقي (13762)، وابن أبي شيبة  (16163) بإسناد صحيح.

([11]) بدائع الصنائع (2/550).

([12]) الأم (5/7).

([13]) رواه الترمذي (1128).

([14]) رواه أبو داود (2238).

([15]) التمهيد (12/23).

([16]) المجلد 6.

([17]) المجلد 21.

([18]) المجلد 8.

([19]) نزهة الأسماع في مسألة السماع (ص36).

([20]) رواه البخاري (5208)، ومسلم (1440).

([21]) رواه مسلم (1440).

([22]) المغني (10/229).

([23]) زاد المعاد (5/130).

([24]) المغني (10/235).

([25]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/144).

([26]) رواه البخاري (2593)، ومسلم (2770).

([27]) أسنى المطالب (3/238).

([28]) رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714).

([29]) المغني (11/357).

([30]) الأم (3/236).

([31]) المغني (10/354).