آداب دخول المنزل والخروج منه
الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نبينا محمدًا وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد
إن من جملة الآداب والأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يعتني بها، ويحرص عليها، ما يتعلق بآداب دخول المنزل والخروج منه، لِما له من أثر طيب على أهل البيت والأسرة.
نعمة المسكن:
ينبغي على المسلم أن يشكر الله تعالى على نعمة المنزل، ونعمة السكن، فكم من أناس قد حُرموا هذه النعمة، فلا بيت لهم يؤويهم، ولا مسكن عندهم يسكنوا إليه، ولهذا قال تعالى في هذا الشأن منبهاً على هذه النعمة: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُيُوتِكُمۡ سَكَنٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ بُيُوتٗا تَسۡتَخِفُّونَهَا يَوۡمَ ظَعۡنِكُمۡ وَيَوۡمَ إِقَامَتِكُمۡ وَمِنۡ أَصۡوَافِهَا وَأَوۡبَارِهَا وَأَشۡعَارِهَآ أَثَٰثٗا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ ٨٠ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ ٨١﴾ [سورة النحل 80 - 81].
ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى نِعمه على الناس في بيوتهم ومساكنهم، فجعلَ لهم مِن بيوتهم سكنًا يسكنون فيها من التعب؛ ثم ذكر لهم أنه جعل لهم بيوتًا يستطيعون حملها معهم ويَستَخفُّونها يوم سفرهم ويوم إقامتهم؛ فذكر البيوت الثقيلة التي لا تُحمل، والخفيفة التي تُحمل.
والنبي ﷺ كان يشكر الله تعالى على هذه النعمة فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ وَلاَ مُئْوِىَ)، أي: لا موطن له، ولا مسكن يأوي فيه.
الاستئذان قبل دخول المنزل:
فإذا أراد المسلم أن يدخل بيتاً عليه أن يستأذن، فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَوْفِ بَيْتٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ)([1]).
ذِكر الله عند الدخول:
ويستحب أن يذكر الله تعالى عند الدخول، لما له من فوائد وآثر حميدة، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ t أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: (إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ)([2]).
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بذكر الله هو قول: "بسم الله"، وهذا هو الصواب والصحيح، أما قول الدعاء المشهور عند العامة: (اللهم إني أسلك خير المولج وخير المخرج....) فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ.
فضل تحية الإسلام عند الدخول:
وإلقاء التحية عند الدخول له أجر عظيم عند الله عز وجل، فعن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ كُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ)([3]).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله ﷺ: (يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ)([4]).
وعن جَابِر رضي الله عنه قال: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً ([5]).
إذن من كمال الأدب لمن دخل بيته أن يُسَمّ الله تعالى، ثم يُسَلّم على أهل البيت، فإن لم يسمعوا ولم يشعروا بدخوله استُحبّ له أن يتنحنح أو يطرق الأرض برجليه حتى لا يتفاجأ أهله به فيرتاعوا، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا دخل الرجل بيته؛ استحب له أن يتنحنح أو يُحرك نعليه"([6]).
تطييب الفم بالسواك ونحوه
وذلك اتباعا لهدي النبي ﷺ فقد كان النبي ﷺ إذا دخل بيته بدأ بالسواك ([7])، لما فيه من كمال التنظف والتزين وإظهار الاهتمام للأهل.
مشروعية صلاة ركعتين
ومن السنّة أيضاً عند الدخول؛ صلاة ركعتين لقوله ﷺ: (إذا خرَجت من مَنْزلك فَصَلّ ركعتين يمنعانكَ من مخرجِ السوءِ، وإذا دَخَلْتَ إلى منزلك فصَلّ ركعتين يمنعانكَ من مدخل السوء)([8]).
دعاء الخروج من المنزل
ويسنّ أيضاً عند الخروج أن يدعو بما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ قَالَ - يَعْنِي - إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ، وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ)([9]).
وكان ﷺ يقول أيضا عند خروجه من المنزل وهو رافع بصره إلى السماء: (اللهم إنّي أعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلّ أو أُضَلّ، أو أَزِلّ أو أُزَلّ، أو أَظْلِمَ أو أُظْلَمَ، أو أَجَهَلَ أو يُجهَلَ عَلَيّ)([10]).
قال الطِّيْبِي رحمه الله : إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَاشِرَ النَّاسَ وَيُزَاوِلَ الْأَمْرَ فَيَخَافُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
- فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدِّينِ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَضِلَّ أَوْ يُضَلَّ.
- وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا:
· فَإِمَّا بِسَبَبِ جَرَيَانِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ بِأَنْ يَظْلِمَ أَوْ يُظْلَمَ.
· وَإِمَّا بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَالْمُصَاحَبَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ.
فَاسْتُعِيذَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِلَفْظٍ سَلِسٍ مُوجَزٍ، وَرُوعِيَ الْمُطَابَقَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَالْمُشَاكَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ " ا.هـ ([11]).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
* * *