آداب تحية الإسلام
الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، وبعد
إنّ دين الإسلام، دين شامل لكل مجالات الحياة، فما من خيرٍ للفرد والمجتمع إلا وجاء بيانه والحث عليه، وما من شرّ على الفرد والمجتمع إلا وجاء التحذير منه، فهو دين صالح لكل زمان ومكان.
وإن من الشرائع التي تميز بها الإسلام على غيره من الأديان، مشروعيةُ "السّلام" التي اختص اللهُ بها هذه الأمة، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ قال: (مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ) ([1]).
بل جعلها النبي ﷺ حقاً من الحقوق التي تجب للمسلم على أخيه المسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (حَقّ الـمُسلِمِ عَلى الـمُسلِمِ سِتّ) وذكر منها: (إِذا لَقِيتَهُ فَسَلِّم عَلَيه) ([2]).
السلام اسم من أسماء الله جل وعلا
سمّا الله عز وجل نفسه بالسلامِ فقال في محكم التنزيل: ﵟهُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٢٣ﵞ ﵝالحَشۡر : ﵓﵒﵜ. وعن عبد الله - ابن مسعود - رضي الله عنه قال: كنا نصلي خلف النبيِّ ﷺ فنقول "السلامُ على الله" فقال النبي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ..) ([3]).
وقال ﷺ: (السَّلامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ، فأفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُم)([4]).
فاسم الله سبحانه وتعالى السلام؛ يدل على أنه عز وجل سالم من جميع العيوب والنقائص؛ بكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
الابتداء بالسلام سُنّة، وإجابته واجبة
وقد بين العلماء أنّ الابتداء بالسلام سُنّة مؤكدة حث عليها الإسلام، أما الرّدّ فهو واجبٌ، لقوله تعالى: ﵟوَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵖﵘﵜ.
وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على ذلك كابن عبد البر والقرطبي رحمهم الله تعالى.
فضل تحية الإسلام
تعدُّ تحيةُ الإسلامِ سبباً من أسباب دخول الجنة، ومدعاة للألفة والمحبة بين المسلمين، جاء في الحث عليها نصوص كثيرة مبينة فضلها وعظيمَ أجرها على العبد، فمن ذلك:
1. إخباره ﷺ بأن الذي يبدأ أخاه بالسلام؛ أقربُ إلى رحمة الله جل وعلا، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ) ([5]).
2. والسلام سبب لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات لاسيما إذا اقترن مع اللفظ المصافحة. فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إِلاّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا) ([6])، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ، تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا، كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ) ([7]).
مِن آداب التحية
إن تحية الإسلام يتعلق بها آدابٌ يحسن التّجمّل بها، والتخلق بسمتها، حث عليها النبي ﷺ وأرشد إليها فمن ذلك:
1. ما أخبر به ﷺ فيما صح عنه أنه قال: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الرَّاجِلِ، وَالرَّاجِلُ عَلَى الْجَالِسِ، وَالأَقَلُّ عَلَى الأَكْثَرِ، فَمَنْ أَجَابَ السَّلامَ كَانَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ، فَلا شَيْءَ لَهُ) ([8])، وفي الحديث الآخر قال ﷺ: (يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) ([9]).
2. ومن الآداب: استحباب تبليغ السلام من شخص لآخر، فإن النبي ﷺ قال لعائشة رضي الله عنها: (إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلامَ) فقالت عائشة رضي الله عنها: وعليه السلام ورحمةُ اللهِ ([10]).
وقد أتى رجل إلى النبي ﷺ فقال: إِنَّ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلامَ، فَقَالَ: (وَعَلَيْكَ، وَعَلَى أَبِيكَ السَّلامُ) ([11]).
3. وكان من هديه ﷺ إعادة السلام ثلاثاً إذا لم يُسمِع، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: كان إذا سَلَّمَ؛ سَلَّمَ ثلاثاً، وإذا تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ؛ أَعادَها ثَلاثاً ([12]). فالحديث - كما قرر العلماء - فيه مشروعية إعادة السلام إذا استأذن على قوم فلم يسمع الجواب، أو إذا مر بقوم فسلم عليهم فسمعه البعض ولم يسمعه آخرون وكان قصده أن يُسمِع الجميع، فإن له أن يُعيد السلام ولا يزيد على ثلاث.
4. وكان ﷺ إذا سلّم يراعي من حوله في رفع الصوت، فكان من هديه أنه (يجيءُ من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان)([13]).
5. مشروعية تجديد التحية إذا فصل بين المسلمين حائل أو شيء أثناء مسيرهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: (إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ، أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا)([14]).
6. عدم بدء أهل الكتاب وغير المسلمين بالسلام لقوله ﷺ: (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام..) فإن سلم عليك غير المسلم فترد عليه بقولك: (وعليكم) لقوله ﷺ: (إنّ اليهود إذا سلم عليكم أحدهم؛ فإنما يقول "السام عليكم" فقولوا وعليكم)([15]) لأن معنى قولهم: "السام" أي: الموتُ العاجل.
ولا يَجوز سبهم وشتمهم على ذلك، بل الواجب هو التلطف والرفق ورد السلام بمثل ما أخبر به ﷺ ففي الصحيحين، أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله ﷺ ، فقالوا: "السام عليكم" قالت عائشة: ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فقال رسول الله ﷺ: (مهلا يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كلِّه) فقلت: يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله ﷺ: (قد قلت وعليكم)([16])، وهذا مِن تمام العدل والتسامح مع غير المسلمين.
- ولو مرّ المسلم على مجلس فيه مسلمون ومشركون فله أن يُسلم عليهم، وذلك تعظيماً لحق الإسلام، فإن النبي ﷺ: (مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود فسلم عليهم)([17]).
- مسألة: لو بدأ غير المسلم بالسلام، فهل يُرد عليه؟
- الحالة الأولى: إذا تحقق لدى المسلم أن الكافر قال له " السام عليكم " فإنه يرد عليه فيقول: وعليكم .
- الحالة الثانية: أما إذا تحقق لديه أنه ألقى عليه تحية الإسلام من غير لبس، فقد قال ابن القيم رحمه الله: "... فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة: أن يقال له وعليك السلام؛ فإن هذا من باب العدل والله يأمر بالعدل والإحسان"([18]).
وهذا داخل في عموم قوله تعالى: ﵟوَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵖﵘﵜ.
7. لو دخل المسجد وفيه أناس، فهل يبدأ بالسلام عليهم، أم بتحية المسجد؟
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وَمِنْ هَدْيِهِ ﷺ أَنّ الدّاخِلَ إلَى الْمَسْجِدِ يَبْتَدِئُ بِرَكْعَتَيْنِ تَحِيّةَ الْمَسْجِدِ ثُمّ يَجِيءُ فَيُسَلّمُ عَلَى الْقَوْمِ فَتَكُونُ تَحِيّةُ الْمَسْجِدِ قَبْلَ تَحِيّةِ أَهْلِهِ فَإِنّ تِلْكَ حَقّ اللّهِ تَعَالَى، وَالسّلامُ عَلَى الْخَلْقِ هُوَ حَقّ لَهُمْ وَحَقّ اللّهِ فِي مِثْلِ هَذَا أَحَقّ بِالتّقْدِيمِ"([19]).
8. حكم سلام الرجال على النساء الأجنبيات والعكس.
لا بد من التفريق بين السلام بالقول، والمصافحة باليد.
فالسلام بالقول، مشروع إذا أُمنت الفتنة، ولا يكون رد السلام بخضوع في القول، كما تفعله بعض الفتيات إذا ردّت على الهاتف، فتردّ – بعضهن – بميوعة وتكسّر، فهذا لا يجوز لقوله تعالى تأديباً لأمهات المؤمنين: ﵟفَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا ٣٢ﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵒﵓﵜ.
أما المصافحة باليد فمحرم لا يجوز لقوله ﷺ: (لأن يُطعن في رأس أحدكم بِمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له)([20]).
9. ومن الآداب أن يبدأ الإنسان بالسلام قبل أن يتكلم مع أخيه لقوله ﷺ فيما صح عنه: (السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه)([21]).
وعن جابر رضي الله عنه، أن النبي ﷺ ، قال: (لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام)([22]). وفي هذا عقوبة لمن أهمل تحية الإسلام ولم يبدأ بها.
والنبي ﷺ استأذن عليه رجلٌ وهو في بيت فقال: ألجُ؟ فقال النبي ﷺ لخادمه: (اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل)، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي ﷺ فدخل([23]).
10. ومنها: كراهة السلام أثناء قضاء الحاجة، فلا ينبغي إلقاء السلام على إنسان يقضي حاجته من بول أو غائط، ولا يجوز كذلك لهذا أن يرد السلام، فإن رجلاً سلم على النبي ﷺ وهو يقضي حاجته، فلم يرد عليه حتى توضأ، وقال له: (إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر) أو قال: (على طهارة)([24]).
فينبغي علينا أن نتأدب بآداب الإسلام، وأن نحرص على إفشاء السلام على من عرفنا وعلى من لم نعرف، والنبي ﷺ سئل: أيّ الإسلام خير؟ فقال: (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)([25]).
ولنعلم أن التحية إذا كانت قاصرة على المعرفة، فإن ذلك من علامة قرب الساعة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة)([26]).
([1]) رواه ابن ماجه
([2]) رواه مسلم.
([3]) متفق عليه.
([4]) رواه البخاري في الأدب المفرد.
([5]) رواه أبو داود.
([6]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
([7]) رواه الطبراني في الأوسط.
([8]) رواه أحمد.
([9]) رواه البخاري.
([10]) متفق عليه.
([11]) رواه أحمد وأبو داود.
([12]) رواه البخاري.
([13]) رواه الترمذي.
([14]) رواه أبو داود.
([15]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
([16]) رواه البخاري ومسلم.
([17]) متفق عليه.
([18]) أحكام أهل الذمة ج1 ص425 ، 426.
([19]) زاد المعاد ج2 ص376.
([20]) رواه الطبراني
([21]) رواه ابن عدي وابن السّني في عمل اليوم والليلة.
([22]) رواه البيهقي في شعبه.
([23]) رواه أبو داود.
([24]) رواه مسلم.
([25]) متفق عليه.
([26]) رواه أحمد.