فوائد قرآنية - (١٣) أجمع سُوَر القرآن للخير
إنَّ من سُوَر القرآن العظيمة سورة قصيرة مكية، عدد آياتها ثلاث آيات، ذات معانٍ عميقة، وعلى قِصَرها جَمعت علوماً كثيرة، ففيها بيان أحوال الإنسان من حيث الخسارة والربح، وفيها أسباب السلامة من الخسران، وفيها صفات الناجين عند الله، وفيها بيان نعوت الكمال ونهايته، وفيها أصول الإيمان على سبيل الإجمال، وفيها طرق إصلاح النفس ووسائل إصلاح الغير، وفيها ضوابط الدعوة إلى الله، وأخلاق الداعية إلى الله، إلى غير ذلك مما يُدرَك بالتأمل في هذه السورة العظيمة؛ ولذلك قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: "لو فكَّر الناس كلهم في سورة العصر لكفتهم"([1])، وفي لفظ: "لو تدبَّر الناس هذه السورة لوسعتهم"([2]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عقب ذكره لقول الشافعي على سورة العصر: "وهو كما قال؛ فإنَّ الله تعالى أخبر فيها أنَّ جميع الناس خاسرون إلا مَن كان في نفسه مؤمناً صالحاً، ومع غيره موصياً بالحق، موصياً بالصبر"([3]).
وفي شرح ما قرره الإمام ابن تيمية وبيَّنه قال تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله: "وبيان ذلك: أنَّ المراتب أربعة، وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله:
أحدها: معرفة الحق.
الثانية: عمله به.
الثالثة: تعليمه من لا يُحسنه.
الرابعة: صبره على تعلمه، والعمل به، وتعليمه.
فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة".
ثم قال رحمه الله وغفر له: "وهذا نهاية الكمال؛ فإنَّ الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه، مُكمِّلاً لغيره، وكماله بإصلاح قوَّتَيْه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إيَّاه، وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل.
فهذه السورة -على اختصارها- هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره، والحمد لله الذي جعل كتابه كافياً من كل ما سواه، شافياً من كل داء، هادياً إلى كل خير"([4]).
([1]) الاستقامة لابن تيمية (2/259).
([2]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (14/451).
([3]) الاستقامة لابن تيمية (2/259).
([4]) مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/152-154).