موقفُ الملائكةِ من البشرِ
موقفُ الملائكةِ من البشرِ
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيين والمرسلين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله وبعد،،
مُقدّمةٌ :
إن الإيمانَ بالملائكةِ أصلٌ من أصولِ الاعتقادِ ،لا يتمُ الإيمانُ إلا به ،والملائكةُ عالمٌ من عوالم الغيب التي أُمرنا بالإيمان به،والحديثُ عنهم من أسباب تقوية الإيمان،والملائكةُ لهم صفاتٌ خَلْقيةٌ وخُلُقيَّةٌ ،ولهم قدراتٌ هائلةٌ،ويعبدونَ اللهَ ولا يعصونَه أبداُ ، ولهم أعمالٌ ووظائفٌ كثيرةٌ كَلَّفَهُمُ اللهُ بها ، ولهم موقفٌ من الإنس والجنِّ ، ولهم حقوقٌ علينا ، وعلينا واجباتٌ تجاههم .
أمَّا صفاتُهُم الخَلْقيةُ : فالله خلقهم من نورٍ ، كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً ، خلقهم اللهُ قبل البشر، قال تعالى (وإذ قال ربُّك للملائكةِ إني جاعلٌ في الأرض خليفةً)البقرة (30) جعلَ اللهُ لهم أجنحةً،وجبريلُ له ستمائة جناح ،والملائكةُ لا يوُصفونَ بالذكورةِ والأنوثةِ،ولا يأكلونَ ولا يشربونَ ، ولا يتعبُون ، منازلُهُم السماء ، وينزلون إلى الأرضِ بأمرِ الله وخاصةً في ليلةِ القدرِ ، والملائكةُ خلقُ كثيرٌ لا يعلمُ عددُهُم إلا اللهُ ، ولهم أسماءُ لم نعرفْ منها إلاّ القليلَ .
وأما صفاتُهُم الخُلُقيَّةُ : فهم كرامٌ بررةٌ ، ومن أخلاقهِمِ الحياءُ وفيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"" ألا استحيي من رجلٍ تستحيي منه الملائكةُ "" [1]
أعطَى اللهُ الملائكةَ القدرة على أن يتشكلوا بغير أشكالهم ، فجبريلُ تشكّل في صورةِ بشرٍ لمريمَ ، قال تعالى ( فأرسلنا إليها روَحنا فتمثَّل لها بشراً سويّاً )وهكذا ....
أمرهُم اللهُ بالسجودِ لآدم ( فسجد الملائكةُ كلُّهُم أجمعون ...) ص 73 . ولمَّا توفِّي غسلوه وألحدوا له ، وقالوا : هذه سُنَّةُ آدمَ في ولده)[2]
وعلاقةُ الملائكِة بذريَّة آدم علاقةٌ وثيقَةٌ ، فهم يقومون عليه عند خلقِه ، ويُكَلّفونَ بحفظه بعد خروجه إلى الحياةِ ، ويأتونه بالوحي من الله ، ويراقبون أعماله وتصرَفاتهِ ، وينزعون روحهُ إذا جاء أجلُه ، ويرافقونه في قبره ، ويستقبلونَ المؤمنين يوم القيامةِ ، ويسوقون الكافرين ويعذّبونهم في النّار .
وسنتكلّم في أربع نقاطٍ ومسائلَ هي :
(1)موقفُ الملائكةِ من المؤمنين
(2) واجبُ المؤمنِ تجاه الملائكة
(3) بيوتٌ لا تدخلُها الملائكة ، وأشخاصٌ لا تقربُهم الملائكةُ ، ومجالسُ لا تحضرُها الملائكةُ .
(4) موقفُ الملائكةِ من الكفّارِ والفسَّاقِ .
(1) موقفُ الملائكةِ من المؤمنين :
محبَّتُهم للمؤمنين وتسديدُهم للخير :
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" إن الله تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبداً نادى جبريلَ إن الله قد أحبَّ فلاناً فأحبَّهُ ، فيُحبُّهُ جبريلُ ، ثم ينادي جبريلُ في السماء : إن الله قد أحبَّ فلاناً فأحبَّوه ، فيُحبَّه أهلُ السماء ، ويوضعُ له القبول في الأرضِ "" [3]
صلاتُهم على المؤمنين :
أي دعاءهُم لهم واستغفارهم لهم : قال تعالى ( هو الذي يُصلِّي عليكم وملائكتُه )الأحزاب (43)
وهناك أعمالٌ تُصلِّي الملائكةُ على صاحبها وتستغفر له وتدعوا له بالخير ومنها :
1) معلمُّ الناسِ الخيَر :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"" إنّ اللهَ وملائكتَهُ ، حتى النملةُ من جحرها ، وحتى الحوتُ في البحر ، ليصلَّون على معلمِ الناسِ الخيَر"" [4]
2) الذين يُصَلُّون في المساجد :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"" أنّ الملائكةَ تصلِّي على الذي يأتي المسجدَ للصلاة ، فتقُول : اللهم صِّل عليه ، اللهم ارحمْه، ما لم يؤذِ فيه ، ما لم يُحدِثُ فيه )[5]
3) بل تصلِّي على الصف الأول في الجماعة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"" إنّ الله وملائكتَه يصلُّون على الصفِّ الأول "" [6]وعند الترمذي( إن الله وملائكتَه يُصلّون على الصفِّ المتقدَّم )[7]
4) بل الذي يمكثُ في مصلاّهُ بعد الصلاةِ :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ""الملائكةُ تُصلِّي على أحدِكُم مادامَ في مصَّلاهَ الذي صلَّى فيه ما لم يُحدثُ ،أو يقُم : اللهم أغفر له ، اللهم ارحمْه )[8]
5) الذين يُسدُّون الفُرَجَ بين الصفوف :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"" إنّ الله تعالى وملائكتَه يُصلُّون على الذين يَصلون الصفوفَ ومن سدِّ فُرجةً رفعه اللهُ بها درجةً "" [9]
6) الذين يتسحِّرون :
قال رسول الله صلة الله عليه وسلم"" إنَّ الله تعالى وملائكتَه يُصلُّون على المتسحِّرين"" [10]
7) الذين يُصَلُّونَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"" ما من عبدٍ يُصلِّي عليَّ،إلاّ صلِّت عليه الملائكةُ،مادام يُصلِّي عليَّ،فليقُل العبدُ من ذلك أو ليكثر )[11]
8) الذين يعودونَ المرضَى :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "" ما من امرئٍ مسلمٍ يعودُ مسلماً إلا أبتعث الله سبعين ألف ملك ، يصلَّون عليه في أي ساعات النهار كان ، حتى يُمسي ، وأي ساعاتِ الليل كانَ ، حتى يُصبح "" [12]
وغيرُها من الأعمال .
ومن موقف الملائكةِ من المؤمنين : التأمينُ على دعائهم :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم"" دعوةُ المرءِ مستجابةٌ لأخيه بظهر الغيب،عند رأسه ملكٌ يُؤمِّنُ على دعائِه ،كلَّما دعا له بخير قال : آمين،و لك بمثله "" ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه وفي صحيح مسلم عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت ( لا تدعوُ على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكةَ يُؤَمنّوُن على ما تقولون )
استغفارُهُم للمؤمنين :
قال تعالى ( الذين يحملونَ العرشَ ومَنْ حولَه يُسِّبحُونَ بحمدِ ربِّهم وُيؤمنونَ به ، ويستغفرون للذين آمنوا ) غافر (7)
شهودُهُم مجالسَ العلم وحِلَقِ الذكرِ ، وحفهُم أهلَها بأجنحتِهِم :
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم قال "" إنّ لِلهِ ملائكةً يطوفونَ في الطُرقِ يلتمسون أهل الذكرِ ، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله ، تنادَوا : هلُمُّوا إلى حاجتكم ، قال : فيحُفُّونَهم بأجنحتهم إلى السماءِ الدنيا ) [13]
وعند مسلم ( وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله ... ) الحديث
تسجيلُ الملائكةِ الذين يحضرونَ الجمعة حتى يجلس الإمامُ على المنبر :
في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"" إذا كانَ يومُ الجمعةِ كانَ على كلَّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملائكةٌ يكتبون الأول فالأولَ ، فإذا جلس الإمامُ طووا الصحفَ وجاءوُا يستمعون الذكر "[14]
يُبلِّغُون الرسولَ عن أمَّتِه السلامَ :
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن للهِ ملائكةً سياحيينَ يُبلِّغونَي عن أمَّتي السلامَ ) [15]
يقاتلون مع المؤمنين ويُثبِّتُونَهم في جهادهم :
واللهُ عزّ وجلَّ أمدَّ المؤمنين في بدرٍ بالملائكةِ وعلى رأسهم جبريلُ : قال تعالى (إذْ تستغيثُونَ ربَّكمُ فاستجابَ لكم أنيِّ مُمِدُّكم بألفٍ من الملائكةِ مردفين )الأنفال (9) وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدرٍ"" هذاجبريلُ آخذٌ برأسِ فرسهِ ،عليه أداةُ الحربِ ) البخاري وكذلك في غزوة الخندق قال تعالى (فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها (الأحزاب (9)
شهودُ الملائكةِ لجنازةِ الصالحين :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ رضي الله عنه "" هذا الذي تحرَّكَ له العرشُ وفُتحت له أْبوابُ السماءِ ، وشهدهُ سبعونَ ألفاً من الملائكةِ … )[16]وقولُه في عبد الله بن حِرامٍ والد ِجابر رضي الله عنهما ( مازالت الملائكةُ تظلُّه بأجنحتها حتى رفعتمُوه ) [17]
ما في موافقةِ الملائكةِ من أجر وثواب :
في الصحيحين أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنُوا ، فإنَّ من وافقَ تأمينهُ تأمينَ الملائكةِ غفَر له ما تقّدم من ذنبه)[18]وفي البخاري ( إذا قال الإمامُ أمين فإنّ الملائكة تقول في السماءِ أمين فمن وافق تأمينهُ تأمينَ الملائكةِ غُفر له ما تقدّم من ذنبه ) .[19]
وإذا كان هذا موقفُ الملائكةِ من المؤمنين ، فتجبُ علينا تجاهُهم واجباتٌ .
(2) واجبُ المؤمنِ تجاه الملائكةِ :
أ ) أوّلُ واجب هو محبَّتُهُم وموالاتُهُم كلَّهمُ لأنهَّم جميعاً عبادُ اللهِ عاملين بأمرِه ، قائمين بعبادته على الوجه الأكملِ ، ولأنّهم يُحبّوننا ويُصلّون علينا ويسددوننا إلى كلِّ خيرٍ ، ويستغفرون لنا ويشهدون مجالس الخيرِ بإذن الله تعالى .
ب) البُعدُ عن الذنوب والمعاصي لأنَ الملائكةَ لا تُحبُّها ولا تقربُها .
جـ) عدمُ إيذائِهِم بالروائحِ الكريهةِ لأنها تتأذى ممَّا يتأذى منه بنو آدم كما في الصحيحين .
د ) عدم البصقِ عن اليمين أثناء الصلاةِ لأنَّ عن يمين المصلِّى ملكاً :
في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "" إذا قام أحدُكم إلى الصلاةِ فلا يبصقْ عن أمامه فإنَّه إنَّما يناجيِ اللهَ مادام في مصلاه ، ولا عن يمينه فإنَّ عن يمينهِ ملكاً ، وليبصق عن يسارِه أو تحتَ قدمه فيدفنهُا )[20] .
هـ) الامتناع عن كلِّ ما يمنعُ قربَ الملائكةِ أو دخولهمُ بيوتنَاَ أو مجالسَنَا .
(3) بيوتٌ ومجالسُ وأشخاصٌ لا تقربُهم الملائكةُ :
قال النوويُّ رحمه الله( إنّ سبب امتناعِ الملائكةِ من دخول بيتٍ فيه صورة كونُها معصيتهً فاحشةً وفيها مضاهاةٌ لخلقِ الله ، وسبب امتناع الملائكةِ عن دخول بيت فيه كلبٌ لكثرةِ أكلِ النجاساتِ ، ولأن بعضَها يسمَّى شيطاناً ، وسبب امتناع الملائكةِ من دخولِ بعضِ البيوتِ لرائحتها الخبيثةِ لأن الملائكةَ تتأذّى ممَّا يتأذى منه بنو آدم،وكذلك إذا وُجدَ الشيطانُ في مكانٍ بسبب معصيةٍ ارتكبت فلا تدخلُه الملائكة لأنَّ الملائكةَ ضدُّ الشياطين .... ) [21]
وقال المناويُّ رحمه الله :( ومن حضرتُه الشياطينُ تباعدت عنه الملائكةُ ) [22]
وقال ابنُ حجر رحمه الله: (يُحرموا بركةَ الملائكةِ بعدم مخالطتهم لهم إذا ارتكبوا النُّهى ...) [23]
وقال المناويُّ رحمه الله : ( عندما نقولُ إنّ الملائكةَ لا تدخلُ بيوتَ كذا وكذا ، فلا نقصد كلَّ الملائكةِ ، وإنما نعني ملائكةَ الرحمةِ،والذين يطوفونَ على العباد للزيارة واستماع الذكر والاستغفارِ ونحوهم ، وأمَّا الملائكةُ الحفظةُ فيدخلونَ في كل بيتٍ ،و لا يفارقونَ ابنَ آدم في كل حالٍ لأنهم مأمورون بإحصاءِ أعمالهِ و كتابتهِا، و كذلك ملائكةُ الموتِ ... ) [24]
وإلى استعراضِ بعض البيوتِ والمجالسِ والأشخاصِ الذين لا تقربُهُم الملائكةُ
(1) بيتٌ فيه كلبٌ : والنصوصُ كثيرةٌ في ذلك زمنها :
قوله صلى الله عليه وسلَّم ( لا تدخلُ الملائكةُ بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ ) [25]
وقوله ( إنّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتاً فيه كلب ) [26]
قال ابنُ حجر رحمه الله( حديث 5949 ) : لا تدخلُ ظاهُرة العمومُ وقد يستثنى من ذلك الحفظةُ فإنَّهم لا يفارقون الشخصَ في كل حال ... وقولُه ( بيتاً فيه كلب ) المرادُ بالبيت المكانُ الذي يستقرُّ فيه الشخصُ سواء كانَ بناءً أو خيمةً أو غير ذلك ..
بل أنَّ الوحيَ ( جبريل ) لا يدخل البيتَ الذي فيه كلبٌ أو صورة ٌ فقد روى مسلمٌ في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قصَّةَ مواعدةِ رسول الله جبريلَ ، فلم يأتي جبريلُ ، والتفت رسولُ الله فإذا جروٌ تحت سريره ، فأمر بإخراجه ، فجاءَ جبريلُ فقال : (منعني الْكلبُ الذي كانَ في بيتك ، إنّا لا ندخلُ بْيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ )
بل مع حرمانِ دخول الملائكةِ البيتَ فإنَّه ينقصُ من أجر صاحب البيت قيراطان من الأجرِ :قال صلى الله عليه وسلم "" من اقتنى كلباً إلا كلبَ ماشيةٍ أو ضارياً نقصَ من عمله كلَّ يوم قيراطان "" [27]
أي ينقص من أجر عمله ويُحَبطُ بقدرِ قيراطين عن كل يوم من الأيامِ التي اقتناهُ فيها .
(2)رفقةٌ معهم كلبٌ : لا تصحبُهُم الملائكةُ .
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تصحبُ الملائكةُ رفقةً فيها كلبٌ أو جرسٌ )[28]قال النوويَّ رحمه الله( ففيه كراهةُ استصحاب الكلب أو الجرسِ في الأسفار ، وأن الملائكة لا تصحبُ رفقةً فيها أحدُهما ، والمراد بالملائكةِ ملائكةُ الرحمةِ والاستغفار لا الحفظة )
(3) رفقةٌ معهم جرسٌ أو بيتٌ فيه جرسٌ :
ومرَّ معنا الحديثُ قبل قليل وكذلك قولُه صلى الله عليه وسلم ( الجرسُ مزاميرُ الشيطان )[29]
ومعنى مزامير الشيطان أي صوتَه ونغمتهَ واضلالَه ومنه حديث أبي بكر : أمزامير الشيطانِ في بيت رسول الله .
قال النووي رحمه الله: ( وأما الجرسُ فقيل سببُ منافرةِ الملائكةِ له أنهَّ شبيه بالنواقيس ، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها ، وهذا الذي ذكرناه من كراهيةِ الجرس على الإطلاق هو مذهبنا ومذهبُ مالك وآخرين ) [30]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تصحبُ الملائكةُ ركباً معهم جُلجُلُ )[31]
والجلجُلُ : جرسٌ صغيرٌ يُعلّقُ في أعناق الإبل والدواب .
قال ابنُ حجر رحمه الله) فيحرمُوا بركةَ الملائكةِ بعد مخالطتهم لهم إذا ارتكبوا النهيَ و استصحبوا الجرسَ ) [32]
(4) رفقةٌ فيها جلدُ نَمِر :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" لا تصحبُ الملائكةُ رفقةً فيها جلدُ نَمِر ""[33]
(5) لا تدخلُ الملائكةٌ بيتاً فيه صورةٌ أو تمثالٌ :
في القرآن ورد تحطيمُ إبراهيمَ عليه السلام للأصنامِ والتماثيل ، وفي السُنّةِ ورد أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حطّم الأصنامَ التي كانت حول الكعبةِ وعلى الصفا والمروة ، وجاءت النصوصُ الدّالةُ على تحريم التماثيل والصَّورِلأنها تعد ذريعةَ للوقوع في الشرك،ولأن فيها مشابهةً لخلقِ الله تعالى،ولأن فيها مشابهةً وتشبهاً بالكفّار .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إنّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتاً فيه تماثيلُ أو صورةٌ)[34]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إنّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتاً فيه كلباٌ أو صورةٌ)[35]
قال المناويَّ رحمه الله( الصُّوَرُ أي ذواتِ الأرواح ، وإن لم يكن لها ظلٌ عند الجمهورِ ، لا صورةَ ما لا روح فيه كالشجر ... )[36]
قال النوويَّ رحمه الله: ( أمَّا من صنع الصَّوَر لتُعبدَ فهو كافرٌ ... وأما من لم يقصد بها العبادةَ ولا المضاهاة فهو فاسقٌ صاحبُ ذنب كبيرٍ ولا يكفُر كسائر المعاصي )[37]
قال ابنَ بطالٍ رحمه الله( في هذه الأحاديثِ دلالةٌ على أنه صلى الله عليه وسلم كانَ ينقضُ الصورةَ سواء كانت مما له ظلٌ أم لا .وسواء كانت مما تُوطَأ أم لا،سواءٌ في الثياب و في الحيطانِ و في الفُرشِ والأوراقِ وغيرها ... ) [38]
وقال ابنُ بطال رحمه الله بعد ذلك ( تماثيلُ : الشيءَ المصوّرُ أعمَّ من أن يكون شاخصاً أو نقشاً أو دهاناً أو نسجاً ... ) [39]
وهذا ما فهمه السلفُ قبل ذلك ومنهم أبو هريرة رضي الله عنه :
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه دخل داراً بالمدينة،فرأى أعلاها مصوراً بصُوَرٍ،فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى ( ومن أظلمُ ممَّن ذهب يخلُقُ كخلقي ، فليخلقُوا ذرَّةً ... ثم دعا أبو هريرة رضي الله عنه بتورٍ من ماءٍ فغسل يديه ... ) .
قال ابنُ بطالٍ رحمه الله( فهم أبو هريرة أن التصويَر يتناولَ ماله ظلٌ وما ليس له ظلٌ ، فلهذا أنكر ما يُنقشُ في الحيطان ِ ) .
قال النووي رحمه الله ( قال أصحابنا وغيرُهم العلماء : تصويُر صورة الحيوانِ حرامٌ شديدُ التحريم وهو من الكبائر... وصُنعتُه حرامَ بكل حالٍ سواء ما كانَ في ثوبٍ أو بساطٍ أو درهمٍ أو دينارٍ أو فلس أو إناءٍ أو حائطٍ أو غيرها أما تصويُر صورةِ الشجرِ ورحالِ الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورةُ الحيوانِ فليس بحرامٍ ... ) [40]
في الصحيحين عن ابن عباسٍ رضي الله عنه أنّ رجلاً قال له : إني أصوّرُ هذه الصور فأفتني فيها ؟ فقال له : ادنُ منِّى ، فدنا حتى وضع يده على رأسه وقال : أنبئكَ بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعتُه يقول "" كلُّ مصِّورٍ في النّار يُجعلُ له بكل صورةٍ صوّرها نفسٌ فيعذّبُه في جهنَّم "" قال ابن عباس رضي الله عنهما( فإن كنتَ لابد فاعلاً فصُورِ الشجر وما لا روحَ فيه )
وأخيراً فائدةٌ : كلَّ صورةٍ قُطع رأسُها فلا تُسمَّى صورةٌ :
عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "" الصُّورةُ الرأسُ ، فإذا قُطعَ الرأس فلا صورةَ "" [41]
قال الألباني رحمه الله: ( ويشهدُ له حديث أبي هريرة ( قال جبريل : فمُر برأس التمثالِ الذي في البيتِ يُقطعْ فيصيرُ كهيئةِ الشجرة..... ) فهذا صريحٌ في أن قطع رأس الصورة يجعلُه كلا صورةَ ، وكذلك في الصورة المطبوعةِ على الورق أو القماش .
(6) لا تحضُرُ الملائكةُ مجلساً لا يُذكرُ فيهِ اللهُ :
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "" لا يقعدُ قومٌ يذكرونَ اللهَ إلاّ حفّتهُمُ الملائكةُ،وغشيتهُم الرحمةُ و نزلت عليهم السكينةُ ،وذكرهم اللهُ فيمن عنده ) [42]فإذا لم يذكرِ اللهُ ابتعدت الملائكةُ وحضرتِ الشياطينُ .
لا تحضرُ الملائكة مجلساً فيه انتصارٌ للنفس :
في سنن أبي داود ( بينما رسول الله جالسٌ ومعه أصحابُه ، وقع رجلٌ بأبي بكرٍ ، فآذاهُ ، فصمتّ عنهُ أبو بكر،ثم آذاهُ الثانية ، فصمت عنه أبو بكر ، ثم آذاهُ الثالثة ، فانتصر منه أبو بكر فقال رسول الله حين انتصر أبو بكر ، فقال أبو بكر : أوجدت عَليَّ يا رسول الله ؟ فقال رسول الله "" نزلَ ملكٌ من السماءِ يُكذِّبُه بما قال لك ، فلمّا انتصرتَ وقع الشيطانُ ، فلم أكُن لأجلسَ إذْ وقع الشيطانُ "" [43]
والانتصارُ للنفس جائزٌ لمن ظُلِمَ ولكنَّه يمنع حضورَ الملائكةِ
(8) أشخاصٌ لا تقربُهُم الملائكةُ : السكرانُ والجنُبُ والمتضمِّخ بالزعفران :
أما السكران : فهو مرتكبٌ لكبيرةِ وهو شربُ الخمر ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول ( الخمر أمُّ الفواحشِ وأكبرُ الكبائرِ،من شربها وقعَ على أمِّهِ وخالتهِ وعمَّتِه) [44]
ويوجدُ نصٌ صريحٌ في مفارقةِ الملائكةِ لمرتكب هذه الكبيرة
فعن بُريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاثةٌ لا تقربُهُم الملائكةُ : السكرانُ و المتضِّمخ بالزعفرانِ والجنُبُ )[45]
(9) وأمّا: الجنُبُ :
فهو الذي يجبُ عليه الغُسلُ بالجماع سواءُ أنزلَ أم لم يُنزل ، أو بخروج المنيَّ بالاحتلام أو العادةِ السرِّيةِ أو بشهوةٍ ما .
والمقصودُ هنا من يجعلُ تركَ الاغتسالِ من الجنابةِ عادةً له ولا يتوضأ قبل النوم إذا أراد أن يُؤخرَ الاغتسالَ إلى الصبح .
وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يغسلُ فرجَه ويتوضأ ثم ينامُ في الجنابةِ ، ولمّا سأل عمرُ رسول الله أنه تُصيبُهُ الجنابةُ من الليلِ ؟ فقال له توضأ واغسل ذكرك ، ثم نَمْ ) [46]
فإذا توضأ الجنبُ قَربَتْ منه الملائكةُ :
فعن عمّارٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ثلاثةٌ لا تقربُهُم الملائكةُ : جيفةُ الكافرِ ، والمتضمّخ بالخَلُوق ، والجنبُ إلا أن يتوضأ )[47]
(10) وأما المتضمِّخ بالزعفران ( الَخلُوقِ ) : وهو طيبٌ مركَّبٌ تغلبُ عليه الحمرةُ والصفرةُ وهو من طيب النساء .
قال عّمارُ بنُ ياسرٍ رضي الله عنه :قدمتُ على أهلي ليلاً وقد تشققت يدايَ ، فخلَّقُوني بزعفران ، فعدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلَّمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ السلامَ ولم يُرحّب بي ، قال : اذهب فاغسل عنك هذا ، فغسلتُه ثم جئتُ فسلمتُ عليه فردَّ عليَّ ورحّبَ بي ، وقال : إن الملائكةَ لا تحضرُ جنازةَ الكافرِ بخير ، ولا المتضمخ بزعفرانَ،ولا الجنُبَ)[48]
قال المناويُّ رحمه الله ( من حضرته الشياطينُ تباعدت عنه الملائكةُ ، والمتلطخُ بالزعفرانِ لا تحضرُهُ لحرمةِ ذلك على الرجلِ لما فيه من الرعونةِ والتشبُّهِ بالنساء ... ) [49]
وقال ابنُ حجر رحمه الله( اختُلفِ في النهي عن التزعفُر هل هو لرائحتِه لكونه من طيب النساء أو للونه ) [50]
(11) ومن البيوتِ التى لا تدخلُها الملائكةُ : بيتٌ فيه روائحُ كريهةٍ :
مثلُ روائحِ النجاساتِ والزبالاتِ والسجائرِ ورائحةِ الثومِ والبصلِ وما شابهها :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أكلَ من هذه البقلةِ : الثومِ والبصلِ والكراتِ ، فلا يقربنا في مساجدنا ، فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى مما يتأذى منه بنو آدم ) [51]
وقال أيضاً ( إيّاكمُ وهاتين البقلتين المنتنتين أن تأكلوهما وتدخلوا مساجدنا ، فإن كنتمُ لابد آكلوهما ، اقتلوهما بالنّارِ قتلاً )[52] وكذلك وجودُ النجاساتِ بتركها مدَّةً طويلةً حتى تظهرَ رائحتها مما يمنع دخول الملائكةِ :
فعن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يُنقَعْ بولٌ في طستٍ في البيتِ ، فإنَّ الملائكةَ لا تدخلُ بيتاً فيه بولٌ منتقَعٌ) [53]
فهذه بعضُ البيوتِ التى لا تدخلها الملائكةُ ،وبعضُ المجالس والأشخاص التي تقربُها الملائكةُ ، فينبغي على المؤمن أن يتخلص ممَّا يمنع من حضورِ وقرب الملائكةِ منه ، فإذا حضرتِ الملائكةُ وقرُبَتْ نَفَعهُ الله ُ بهم وباستغفارِهِمِ وتسديدهمٍ .
قد علمنا سابقاً موقفَ الملائكةِ من المؤمنين فما هو موقفهم من الكفّار والفساقِ ؟
(4) موقف الملائكةِ من الكفّار والفسَّاقِ :
دلتِ النصوصُ على أن الملائكة لا يُحبُّونَ الكفرةَ الظالمين، بل يعادونهم ويحاربونهم ،كذلك دلت النصوص على لعنِ الملائكةِ لبعض العصاة من المؤمنين كالمرأةِ التي لا تستجيبُ لزوجها إذا دعاها إلى فراشه كما في صحيح البخاري ، وكذلك لعنُهُم للَذي يشيرُ إلى أخيه بحديدة في صحيح مسلم وهكذا في ذنوبٍ دلت عليها النصوص .
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين ،،
[1] أخرجه مسلم حديث:4519
[2]الحاكم والطبراني عن أُبيِّ – صحيح الجامع (5207) .
[3] متفق عليه : أخرجه البخاري حديث:3052ومسلم حديث:4879
[4]صحيح الجامع (2/133) عن أبي أمامة
[5] أخرجه البخاري حديث:467 ,ومسلم حديث:1094
[6]أحمد . وأبو داود . وابن ماجه , صحيح الجامع (2/133)
[7] أخرجه الترمذي ,صحيح الجامع (2/134)
[8]صحيح الجامع (6/21)
[9]صحيح الجامع (2/135)
[12]صحيح الجامع (5/159)
[13] أخرجه البخاري حديث:6054,ومسلم حديث:4961
[14] أخرجه البخاري حديث:3054,ومسلم حديث:1462
[15] أخرجه الدارمي حديث:2727, وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (2174)
[16] أخرجه النسائي حديث:2038عن ابن عمر – صحيح الجامع (6/72)
[17] أخرجه البخاري حديث:1199,ومسلم حديث:4623
[18][18] أخرجه البخاري ومسلم
[19] أخرجه البخاري
[20] أخرجه البخاري حديث:400,ومسلم حديث:884
[21]شرح مسلم (14/84) .
[22]فيض القدير (2/395)
[25]رواه الستّة إلا أبا داود
[26]الطبراني صحيح الجامع (1962 )
[27]متفق عليه – صحيح الجامع (6077)
[28]مسلمَ بشرح النووي (14/94).
[29]مسلم ,صحيح الجامع (3107)
[30]شرح مسلم (14/94)
[31]صحيح الجامع (7343) والصحيحة (1873)
[32]فتح (5949)
[35]متفق عليه .صحيح الجامع ( 1963)
[36]فيض القدير (2/324)
[37]شرح مسلم (14/91)
[40]شرح مسلم (14/81)
[41]صححَّه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3864) ( والصحيحة (1921)
[42]حم . مسلم صحيح الجامع (7757)
[43]الصحيحة (2376)
[44]طب –صحيح الجامع (3345) والصحيحة (1853) وهو حسنٌ
[45]البزّاد– صحيح الجامع (3060) والصحيحة (1804) .
[46]صحيح سنن أبي داود (221) .
[47]د . صحيح الجامع (1959) وصحيح الترغيب (168) .
[48]رواه أحمد وأبو داود– وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1960) وصحيح الترغيب (168) .
[49]فيض القدير (2/395) .
[50]فتح (5846) .
[51]م.ت.ن.صحيح الجامع (6089) .
[52]طب . صحيح الترغيب والترهيب .
[53]طب . ك . وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (147) .