من قيم زايد (2)
"وليس في الدنيا ما هو أقوى وأقوم من الإستعانة بالله في الدين والدنيا.." (1)
موعظة بليغة، وكلمة عظيمة مليئة حكمة وعلماً، ألقاها الله على لسان الوالد الراحل، والقائد الحكيم، والحاكم الناصح،الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وغفر له، ووسع له في قبره.
ومن وقف على هذه العبارة،وتأمل فيها،فإنه ينبهر من قوة لفظها،ودقة صياغتها، وعمق معناها.
ولكن ليس هذا بغريب على من يقول:"القرآن يعطينا قواعد الكلام، ووضوح المنطق، ويضيء لنا طريق المستقبل"
ويزداد القارىء تعجباً عندما يرى أن هذه الجملة تقارب-في معناها وجزالة لفظها-قول بعض علمائنا السابقين في التوكل:"من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله"
وهذه الكلمة التي نطق بها حكيم العرب على وجازتها تضمنت منزلة الاستعانة بالله مع بيان جهتها.
أما فضلها ففي قوله -رحمه الله-:"وليس في الدنيا ما هو أقوى وأقوم من الاستعانة بالله"
وأما جهتها ففي قوله-رحمه الله-:"..في الدين والدنيا"
صدق الشيخ زايد-رحمه الله-بهذه الكلمة ونصح:"ليس في الدنيا ما هو أقوى وأقوم من الاستعانة بالله في الدين والدنيا"؛لأن حقيقة الاستعانة بالله سبحانه وتعالى هي:الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة التامة به عزوجل.
حقاً،إن من يستعين بالله يكون قوياً، وعلى منهج أقوم.
كيف لا! والاستعانة بالله توحيد وإيمان، وتعلّق ومحبة للرحمن.
وفيها الافتقار إلى الله والإعلان عن عدم الغنى عن تأييده عز وجل.
وفيها الاعتراف التام بالعجز عن القيام بشيء إلا بعونه وتسديده.
وفيها اليقين التام بكفاية الله.
وفيها سكون القلب إلى الله، والاطمئنان إليه تعالى، وتفويض الأمور إليه جل وعلا، والرضى بتصرفه وتدبيره سبحانه، وحسن الظن به عز وجل، وتسليم الأمور إليه تعالى وتقدس.
وبإدراك هذه المعاني وتمكنها من قلب المسلم،وثباتها في نفسه، يُعلَم أن المستعين بالله من أقوى الناس بل وأشرحهم صدراً، وأعظمهم سروراً، وأطيبهم عيشاً.
ومتى تحققت هذه المعاني في القلب،فتح الله على عبده المستعين به أبواب رحمته، وتتابعت عليه المَكرُمات،وتيسرت له قضاء الحاجات، ودُفعَت عنه الشرور والمضرات، ونال ما يطلب، وظفر بما يبتغي، وانقلب بنعمة من الله فضل في أموره كلها.
ومن جميل ما جاء في كلمة الشيخ زايد-رحمه الله-التنبيه على أن الاستعانة بالله تكون في الأمور الدينية والشؤون الدنيوية،
وبمثل هذا جاءت النصوص الشرعية.
قال تعالى:(إياك نعبد وإياك نستعين)
فذكر تعالى"الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها؛لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى؛فإنه إن لم يُعِنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي"(2)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(...احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز..)(3)
فأرشد-صلى الله عليه وسلم-أمته إلى الحرص على الأمور النافعة-وهذا يعمّ الأمور الدينية والدنيوية- مع الاستعانة بالله؛لأن الحرص على ما ينفع لا يتم للعبد ولا يكمل إلا بالاستعانة بالله.
وفي هذا الحديث:التنبيه على أصل شرعي آخر وهو:اعتبار بذل الأسباب الشرعية أو المباحة عند مباشرة الأمور والقيام بها؛لأن تركها أو إهمالها يُعَدّ عجزاً بل هو تفريط،وخلل في العقل، وانحراف في الفطرة.
ومن يتأمل حياة زايد الخير-خصوصا في مرحلة بناء الدولة وتأسيسها-فإنه يرى عجباً في تحقيق الإنجازات الكبيرة في فترة وجيزة.
وظني أن هذه الأمور ما تَمّت إلا لِما قام في قلبه-رحمه الله- من عناية بهذه الأصول الشرعية،من الاستعانة بالله،والتوكل عليه، وبذل الأسباب المناسبة لِما كان يطمح إليه،هكذا نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً، فإن كلمته:"ليس في الدنيا ما هو أقوى وأقوم من الاستعانة بالله في الدين والدنيا " لا تأتي من فراغ، ولا ينطق بها من لم ير ثمرة الاستعانة بالله في نفسه، أو يلمس خيرها في دنياه ودينه.
فاللهم اغفر لوالدنا الشيخ زايد بن سلطان، واجزه بفضلك أعالي الجنان، وضاعف ثوابه على ما بذَله من معروف وإحسان.
_________________________
1-الفرائد من أقوال زايد(1/359)
2-تيسير الكريم الرحمن(39)
3-رواه مسلم رقم(2664)