الحوْرُ بعد الكوْر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيين ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله أما بعد،
* ظاهرةُ الرجوعِ والانتكاس بعد الالتزام والطاعة:
إنّ ظاهرةَ الرجوعِ عن الالتزام بهذا الدين قد انتشرت في المسلمين ، فكم من الناس يشتكي من قسوةِ قلبِه بعد أن كانَ قلبُه مطمئناً بذكرِ الله وطاعتِه ، وكم من الملتزمين يقول ( لا أجدُ لذةَ العبادات كما كنتُ أشعرُ بها ) وآخرُ يقول ( لا أتأثرُ بقراءةِ القرآن ) ، وثالث يقول ( أقعُ في المعصيةِ بسهولةٍ ) ، وقد كانَ يخشاها ، وكثيرون تبدوا آثارُ هذا المرضِ عليهم ومنها :
1- الوقوعُ في المعاصي وارتكاب المحرّمات بل والإصرار عليها بعد أن كانَ يخشاها .
2-الشعورُ بقسوةِ القلب فلا يتأثر بموعظةِ الموتِ ولا رؤيةِ الأمواتِ والقبور.
3-عدمُ إتقانِ العبادات ، فلا تَجدُ لذّةً في أداء الصلاةِ وتلاوة القرآن وغيرها ، وتّجدُ التكاسلَ عن الطاعات والعبادات بل و إضاعتَها بسهولةٍ ، بعد أن كان َيحرصُ عليها .
4-الغفلةُ عن ذكر الله فلا يحافظُ على الأذكارِ الشرعية بعد أن كان حريصاً عليها .
5- احتقارُ المعروف وعدمُ الاهتمام بالحسنات القليلةِ بعد أن كان يحافظ عليها .
6- الفزعُ والخوفُ عند نزول المصيبةِ أو حدوث مشكلة بعد أن كان قوياً ثابتَ الإيمان بقضاء الله وقدره .
7- التعلّقُ بالدنيا والشغفُ بها إلى درجة الشعور بالألم إذا فاتَه شيءٌ منها ، بعد أن كانَ يتطلع إلى الآخرةِ وما فيها من النعيم قال تعالى ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( الأعلى (17)
8- المغالاةُ في الاهتمام بالنفس مأكلاً ومشرباً وملبساً ومسكناً ومركباً ، وقد كانَ يهتمُّ بتحسين أخلاقهِ وزيادةِ التزامه وتمسكِّه بالدّين . وآثار هذه الظاهرةِ كثيرةٌ جداً .
* وقد تعوّذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور ، فعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذُ من وعثاءِ السفر وكآبةِ المنقلب ، والحوْرِ بعد الكوِر .. )(1).
قال النوويّ رحمه الله: (كلاهما روايتان ذكرهما خلائقُ من المحدثين ومن أهل اللغة وغريب الحديث) (2)
*فما معنى الحَوْرِ بعد الكَوْر ؟
قـال ابنُ الفارس رحمه الله: ( الحَوْر : الرجوعُ فيقالُ : حارَ إذا رجَعَ ، وقال اللهُ تعالى ) إنَّه ظنَّ أن لن يحورَ . بلى.. ( والعربُ تقولُ : الباطلُ حَوَرَ أي رجَعَ ونَقَصَ ، ويقالُ : نعوذُ بالله من الحَوْرِ ، وهو النقصانُ بعــد الزيادة ).(3)
قال ابنُ منظور رحمه الله في لسانِ العرب (4/217) : ( وفي الحديث : نعوذُ بالله من الحوْرِ بعد الكوْرِ ، معناهُ : من النقصانِ بعد الزيادة ، وقيل معناهُ : من فساد أمورِنا بعد صلاحها ...) .
وفسَّره الترمذيُّ رحمه الله بقوله ( ومعنى قوله ( الحورِ بعد الكونِ أو الكورِ ، وكلاهما له وجهٌ ، إنما هو الرجوعُ من الإيمان إلى الكفر ، أو من الطاعةِ إلى المعصيةِ .. )(4).
إذاً فالحورُ بعد الكورِ :
تغيرُّ حال الإنسانِ من الإيمان إلى الكفر ، أو من التقوى والصلاح إلى الفجور والسوء، أو من الهدايةِ إلى الضلال ، فهو درجاتٌ ودركات ، فإذا تراجع المرءُ إلى الوراء يخُشى عليه من سوءِ الخاتمـةِ .
*والمعلومُ أن الأعمالَ بالخواتيم: فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال " إنّ الرجلَ ليعملُ عملَ أهل النّار وإنه من أهل الجنّةِ ويعملُ عملَ أهل الجنّةِ وإنَّه من أهل النار ، وإنما الأعمالُ بالخواتيمِ "(5).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنّ الرجلَ ليعملُ الزمنَ الطويلَ بعمل أهل الجنّةِ ، ثم يُختَمُ له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجلَ ليعملُ الزمنَ الطويلَ بعمل أهل النار ، ثم يُختَمُ له عملُه بعمل أهل الجنّةِ " (6).
هذه النصوص وغيرُها تبينُ لنا أن العبرةَ ليست بما يعمله المرءُ في حياتهِ بل بما يختَمُ له ويموتُ عليه .
* فالموضوعُ خطيرُ جداً ، ومهمٌ في غايةِ الأهمية: فلا يشعر أحدُنا بأنه اجتاز القنطرةِ ووصل إلى برِّ الأمان بسبب التزامه ، وآمِنَ من الضلالةِ ، ومن الحوْرِ بعد الكوْر.
فالثابتُ من الله عز وجلَّ وحدهِ ، وهو تعالى ثبَّتَ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم ، فقال عزّ وجلّ ) ولولا أن ثبَّتناك لقد كدتَ تركنُ إليهم شيئاُ قليلاً ... ( الإسراء (74) .
ولذلك علّمنا صلى الله عليه وسلم بأن ندعوا الله تعالى أن يثبتنا على الدين ، وكان يقول " يا مثبّت القلوب ، ثبِّت قلوَبنا على دينك " أحمد وابن ماجه ، وكانَ كثيراً ما يقول في قَسَمِه " لا ومقلّبَ القلوب "(7).
وكـانَ مــن دعائه " اللهم مصّرفَ القلوب ، صرّف قلوبَنا على طاعتك .... "(8).
فلا بد للمؤمنِ أن يتحسسَ قلبَه ويعرفَ مرضَه وسببَ المرضِ ، ويشرعَ في العلاج قبل أن يقسوَ قلبُه وتسوءَ خاتمتُه ، فما هي أسبابُ الحوْر بعد الكوْر ؟ وما هي وسائلُ العلاج لذلك ؟
*أسبابُ الحوْرِ بعد الكوُر :
(1) ضعف الإيمان : هو قسوةُ القلبِ وسهولةُ الوقوع في المعاصي والتكاسلُ عن الطاعاتِ وعدمُ التأثر بالقرآن والصلاةِ ، وقلةُ الخوفِ من الله ، وكثرةُ الجدال والمراء وعدمُ استشعارِ المسئولية أمام الله تعالى وغيرها من المظاهر ، وذلك بسبب الابتعاد عن الرفقةِ الصالحة ومجالس العلم ، والانشغالِ بالدنيا وطولِ الأمل وارتكابِ المحرَّمات ، فإذا ضعفَ الإيمانُ تغيرَّ حالُ المسلم من الصلاح والاستقامةِ إلى الضلاِل والانحراف ، فلابد من علاج ضعيفِ الإيمان وذلك بالإخلاص وتدبّرِ القرآن والخوفِ من الله تعالى والتوبة ِ من الذنوب والمعاصي والخوف من سوء الخاتمةِ وتذكرِ الموتِ والآخرةِ .
(2) الابتعادُ عن الأجواءِ الإيمانية : مجالسُ العلم ، والمسجدُ ، والقرآن والرفقةُ الصالحةُ والقدوةُ وقيامُ الليل والأذكارُ وغيرها ، فالابتعادُ عن هذه الأجواءِ الإيمانية يؤدّي إلى التراجع والانتكاس ، فإذا ابتعدَ المرءُ عن إخوانهِ الصالحين فترة طويلةً لسفرٍ أو وظيفةٍ أو نحوِ ذلك فإنّه يفتقد الجوَّ الإيمانَّي فيضعُفُ ويتراجعُ عن التزامِه إذا لم يتداركْ نفسَه .
3 قال الحسنُ البصريُّ رحمه الله: ( إخواننا أغلى عندنا من أهلينا ، فأهلونا يذكّروننا الدنيا ، وإخواننا يذكّروننا بالآخرةِ ) فعلى المسلم أن يحافظ على التزامه بمجاهدةِ نفسهِ على التواجدِ في هذه الأجواء الإيمانية .
(3) ضغطُ البيئةِ والوسِط الذي يعيشُ فيه المسلمُ الملتزمُ : فهو يختلطَ بمن يتباهى بمعصيةٍ ارتكبها ، وآخرُ يترنمُ بألحانِ أغنيةٍ ، وثالثٍ يدُخّنُ ، ورابعٍ يقرأ مجلةً ماجنةً ، وخامسٍ لسانُه يغتابُ ويسبُّ ويستهزىُ بالمؤمنين فإذا حضر مجلساً أو دعوةً أو وليمةً ، وجد المنكراتِ ، ووجد أحاديث التجارة و الوظيفةِ والأموالِ والاستثمارات ومشكلات الدنيا وغيرها من الأمور التى تعمّقُ حبَّ الدنيا في القلب ، فيقسوَ القلبُ ، ويتراجعُ عن التزامه وصلاحه . وإذا ابتُلي بمالٍ أو زوجةٍ ضعيفةٍ الإيمان أو أولادٍ مثل أمِّهم ، ولم يستطعْ الثبات تراجع وترك الصلاح والاستقامة . وإذا اختلط مع أقاربه وجيرانهِ وزملائهِ في العمل ، وجد الكلماتِ الجارحةِ والسخريةِ الظاهرةِ والمبطّنةِ ووجد النصائح َ التى تصدَّه عن التزامه ، تراجع ونكص على عقبيه خسرَ الدنيا والآخرةِ .
(4) ضعفُ التربيةِ الذاتيةِ : إذا لم يتعاهد المسلمُ نفسُه بالرعاية والتربيةِ والمجاهدةِ ، تراجع وانتكس ، فلابد من ساعات يخلو فيها مع الله تعالى ، ويحاسبُ نفسه ويستغفر ويتوب ، وساعاتٍ يقضيها في تحصيل العلم الشرعي وتعلّمهِ ومطالعتهِ ومذاكرتهِ ، وساعاتٍ لمبادراتٍ فردية دعويةٍ ، وساعاتٍ لذكر الله تعالى وتلاوة القرآن ، حتى يحافظ على التزامة.
(5) ومن أسباب الَحوْرِ بعد الكَوْر : الاستهانةُ بالذنوب والمعاصي :
قال عبد الله بن مبارك:
رأيتُ الذنوبَ تَميتُ القلوبَ وقد يورثُ الذَلّ إدمانهُا
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ وخيرٌ لنفسِك عصيانُهـا
فالذنوبُ واحتقارها والإصرارُ عليها والاستهانةُ بها من أهم أسباب التراجع والانتكاس .
قال ابنُ القيم رحمه الله : ( إن من عقوبات الذنوب أنها تضعفُ سير القلب إلى الله والدار الآخرةِ أو تعوقُه أو تقطعُه عن السيرِ ، هذا إذا لم تردَّه عن وجهتِه إلى ورائِه ، فالذنبُ يحجبُ الواصلَ ويقطعُ السائرَ وينكسُ الطالبَ والقلبُ إنما يسيرُ إلى الله بقوّتِه ، فإذا مرضَ القلبُ بالذنوب ضعفت تلك القوةُ التي تُسَيِّرهُ)(9).
والاستهانةُ بالذنوب لها نتائجُ وخيمةٌ على المرءِ منها : أنها مدعاةٌ لزيادةِ الإثم ، وأنها ممَّا يبُعدُ المرءَ عن طريق التوبةِ، وأنها تدعو إلى عدم النفرةِ من أهلها فيتهاون في صُحبتهم ومجالستهم بلْ وقد تدعوه الذنوب إلى الابتعاد عن أهل الصلاح والتقوى ، وهذا وحده من أعظم أسباب التراجع والانحرافِ عن الصراط المستقيم.
(6) الغرورُ و الإعجابُ بالنفس لدى بعضِ الملتزمين : لاشك أن حضورَ مجالس العلم ومرافقةِ الصالحين تدلَّ على وجودِ الخيرِ في المرءِ ولكن إذا دخلَ الغرورُ والإعجابُ إلى النفسِ أثّر على صاحبِه فيشعرُ بالكمالِ ولا يرى حاجةً في الازديادِ من طرق الخيرِ والعمل الصالح وإذا أعجبَ المرءُ بنفسه زالَ من قلبِه خوف سوءِ الخاتمةِ ، وأمن من الضلالةِ بعد الهدى ، وهذا من علامةِ ضعف النفسِ وسببَ من أسباب التراجع والنكوص ، وإذا أعجب المرءُ بنفسِه انشغل بعيوبِ الآخرين وأهمل إصلاح عيوبِه فلابد من معالجةِ النفس ودفع الغرور بالتواضع والخوفِ وإصلاحِ العيوبِ والتوبةِ .
(7) الصديقُ والصاحبُ : فالجليسُ له دورٌ مهمٌ في تشكيل سلوكِ صاحبهِ والتأثيرِ عليه ، فإذا كان الصديقُ يشاهدُ الأفلام والمجلاّتِ الضارّةِ ويسمعُ الأغاني والموسيقى لابد أن يؤثر على صاحبه فقد يرى تلك المخالفات منه فيجاملُه ولا ينكر عليه ، وقد يراه مقصراً في العبادات ويتركَ السنن ، فقد يتأثر به ويتراجع عن التزامه .
فلذلك لابد من اختيار الرفيق الصالح الذي يعينُ على طاعة الله تعالى . وفي الحديث الصحيح " الرجلُ على دينِ خليله ، فلينظرْ أحدُكم من يخالل " .
(8) وهناك أسبابٌ أخرى للحوْر بعد الكوْر منها :
1- ضعفُ الجديةِ في الالتزام وعدمُ الصبرِ على مشاقِّه وابتلاءاتِه .
2- طولُ الأمل والغلوُّ والتشديدُ على النفس فوق طاقتها .
3- أمراضُ القلوب وآفاتُ اللسان .
4- ضعفُ الشخصيةِ والتبعيةُ للأشخاصْ .
5- رواسبُ الماضي وعدمُ التخلّصِ منها .
* فما هي وسائلُ العلاج ؟؟
أثناء ذكرنا لأسباب الَحوْر بعد الكَوْر : لا حظنا بعض وسائل العلاج لهذه الظاهرة فضعفُ الإيمان علاجه تقوية الإيمان والابتعادُ عن الأجواء الإيمانية علاجه المحافظة على هذه الأجواء الإيمانية وزيادتُها ، وضغطُ البيئةِ علاجُه الصبُر وزيادة الاستقامةِ واللجوءُ إلى الله تعالى ، وضعف التربية الذاتية علاجه الاهتمامُ بالتربية الذاتية وتنظيمُ الوقت ومجاهدة النفس ، والذنوبُ والمعاصي علاجُها التوبةُ والاستغفارُ وعدمُ الاستهانةِ بها . وأما أمراض القلوب وآفاتُ اللسان فالعلاج التخلّصُ منها والتوبةُ الصادقةُ ، أما الصديقُ والصاحبُ فعلاجه اختيارُ الرفقةِ الصالحةِ والصديقِ الصالح .
وهناك وسائل أخرى لعلاج الحَوْر بعد الكَوْر منها :
(1) الإخلاصُ والصدقُ مع الله أهم أسبابُ الاستقامةِ والصلاح :
قال ابنُ القيمّ رحمه الله ( إنّما يجدُ المشقةَ في تركِ المألوفاتِ والعوائدِ مَنْ تركَهَا لغير الله ، أمّا منْ تركها صادقاً مخلصاً من قلبه لله فإنّه لا يجدُ في تركها مشقةً إلا في أوّل وهلةٍ ليُمتحن أصادقٌ هو في تركها أم كاذبٌ فإن صبرَ على تلك المشقةِ قليلاً استحالت لذةً ).(10)
(2) الخوفُ من سوءِ الخاتمةِ : فالمؤمنُ الصادق لابد أن يخافَ من سوءِ الخاتمةِ ويحذرَ من أسبابها ،
3 قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام: ) .. توفّني مسلماً وألحقني بالصالحين ( يوسف (101) .
3وبكى سفيانُ الثوري رحمه الله ليلةً حتى الصباح فلمّا سألوه قال ( إنما أبكي خوفَ سوءِ الخاتمةِ ) (11)
قال الأمام البربهاري رحمه الله: ( واعلمْ أنه ينبغي للعبدِ أن تصحَبه الشفقةُ أبداً ، لأنه لا يدري على ما يموتُ ، وبما يخُتمُ له ، وعلى ما يلقى الله عزّ وجلَّ ، وإن عمل كلَّ عملٍ من الخيرِ )(12).
والخوفُ من سوءِ الخاتمةِ له نتائجُه الكثيرةِ فهو يدفع المرءَ للتسليم لله والتوجُّه له بالدعاء ، وهو يدعو للاجتهادِ في الطاعةِ وزيادةِ الاستقامةِ والصلاحِ وخوفِ التراجعِ والنكوص .
(3)الدعاءُ :الدعاءُ من الله تعالى بأن يُعيذنا من الحوْر بعد الكَور ، وقد مرَّ معنا في أول البحث أن من دعائه صلى الله عليه وسلم " ... ونعوذ بك من الحور بعد الكَوْر .. "(13), وقد كانَ كثيراً ما يدعو " يا مقلّبَ القلوب ثبّت قلبي على دينك " الترمذي , وأمرَنا أن نسأل الله أن يجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ الإيمان ليخلَقْ في جوفِ أحدكم كما يخلق الثوبُ ، فاسألوا الله أن يجدد الإيمانَ في قلوبكم "(14) ,فعلينا من الإكثارِ من الدعاء .
(4) المداومةُ على العمل الصالح والاستكثارُ منه : فإن العمل الصالح الذي يداوم عليه صاحبُه هو أحبُّ الأعمالِ لله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم " ... وأن احبَّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُها وإن قلَّ ... " (15).
فإذا داومَ المسلمُ على العمل الصالح فإنه يعيشُ في جوِّ الصلاحِ والاستقامةِ والخير ، فإذا أصابه الضعفُ والفتوُر فإن هذه الأعمال التي يداوم عليها تكون مدعاةً لاستفَاقتِه ورجوعِه وتداركِ نفسِه ، وينبغي أن يراعي المسلمُ في مسألة الأعمالِ الصالحة أموراً منها :
المسارعةُ إليها والمسابقة: قال تعالى )وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنّة .. ) . والاستمرارُ عليها والمحافظةُ ( وما يزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّه ... )(16).
والاجتهادُ فيها والإكثارُ منها والتنويعُ فيها حتى لا تملَّ النفسُ .
(5) العنايةُ بالمواعظ والرقائق التي تجدد الإيمان في القلب وتذكّرُ منازل الآخرة :
3 قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتخّولنا الموعظةَ في الأيامِ كراهةَ الساَمةِ علينا )(17)
فلابد للمسلم أن يأخذ نصيبَه من مجالس الوعظِ وكتبِ الرقائقِ والمواعظِ وأشرطتهِا أيضاً
(6) وهناك وسائلُ كثيرةٌ أخرى لعلاج ظاهرة الحورْ بعد الكوْر منها :
( ذكرُ الله تعالى – قِصَرُ الأمل – تعظيم حرمات الله – التفكّر في حقارة الدنيا – محاسبةُ النفس – العملُ و المشاركةُ الدعوية بالكلمة والكتاب والشريط والورقةِ ) .
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
نعوذ بالله تعالى من الحوْرِ بعد الكوْر ،
يا مقلب القلوب ثبّت قلوَبناَ على طاعتك ،
اللهم أحسِن خاتمتَنا
________________________
(1) رواه أحمد ومسلم (1343) والأربعة إلا أبا داود وفي رواية – الترمذي ( ... ومن الحوْرِ بعد الكونِ .. )
(2) شرح مسلم(9/119)
(3) معجم مقاييس اللغة (2/117)
(4) سنن الترمذي (5/498)
(5) رواه البخاري (6607)
(6) مسلمٌ (2651) وأحمد
(7) البخاري (7391).
(8) مسلم(2654)
(9) الجواب الكافي صـ140
(10) الفوائد (199)
(11) كتاب العاقبة لعبد الحق الأشبيلي (178) .
(12) شرح السنةِ (39).
(13) رواه أحمد ومسلم (1343) والترمذي والنسائي وغيرهم
(15) متفقٌ عليه في صحيح البخاري (6464) وفي مسلم (1816).
(16) البخاري (6137 ).
(17) البخاري (68).