من نعم الله تعالى على أبناء الإمارات، نعمةُ الوَحدة التي أدَّت إلى اجتماعِ كلمتِهم وتآلُفِ قلوبِهم، حتى أصبحوا بحمد الله كالبنيان المرصوص، وأصبح اتِّحادُهم مضرباً للمثل في هذا العصر الحديث، يفتخر به العرب والمسلمون في كلِّ مكان، ويجعلون منه أملاً مشرقاً في وَحدةٍ عربيَّةٍ من المحيط إلى الخليج، وبارقةَ أملٍ في وَحدةٍ إسلاميَّةٍ كبرى، وإنَّها لوحدةٌ لم تكن لتقوم بعد فضل الله سبحانه وتعالى إلا بأسبابٍ وتضحياتٍ وجهودٍ بُذلت بجدٍّ واجتهادٍ وتفانٍ، حتى انبلج فجرُ الوحدةِ الإماراتيَّةِ بأنوارها المشرقة في ربوع هذا الوطن الغالي، مؤذنًا بمستقبلٍ مشرقٍ كان خيراً وسلاماً على أبنائه بحمد الله وتوفيقه.
فالمتأمِّلَ في هذا الإنجازِ الحضاريِّ والتاريخيِّ الباهر، والمستقرئ لمقوِّماتِه وأسبابِه، يجدُ الجوابَ واضحاً لا يحتاجُ إلى كثير عناء، متمثِّلاً في مجموعةٍ من المقوِّمات والأسباب التي جعلها الله تعالى مفاتيح هذه الوحدة المباركة، بل يجدُ كثيراً من ذلك منصوصاً عليه في خطابات القادة المؤسسين.
فأوَّلُ هذه المفاتيح: وحدةُ الدِّينِ والعقيدةِ، فهذا المفتاحُ هو أعظمُ مفاتيح الوَحدة، ولا أدلَّ على ذلك من مقولة مؤسِّس الدولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، حينما قال: «كان أوُّلَ المرتكزات: اتِّخاذُ وحدةِ العقيدة نهجاً لحياتنا، ومنهاجاً نقتبس من هديه، فليس في الدُّنيا ما هو أعزُّ وأكرمُ من وثاق الإسلام بين أبناء الوطن الواحد».
المفتاح الثاني: وحدة النسيج العربي، سواء في إطار اللسان العربي الواحد، أو منظومة الأخلاق العربية الكريمة؛ من السماحة والشهامة والكرم وغيرها، أو العادات والتقاليد الاجتماعية الأصيلة في الأفراح والأتراح والمناسبات المتنوعة، أو قوة الروابط الاجتماعية وعمق صلاتها المتينة بسبب الأنساب المتقاربة بالتزاوج والمصاهرة.
المفتاح الثالث: وحدة التاريخ والأرض، واستظهار مآثر الأجداد السَّالفين الذين جمعوا كلمتهم، وبنوا دولةً عظمى ضربت بأطنابها في مشارق الأرض ومغاربها، وأسَّسوا حضارةً مشرقةً قلَّ لها نظير، فأبناءُ اليوم هم أحفادُ أولئك العظماء، والأرضُ التي كانت مهدَ تلك الحضارة هي هذه الأرض نفسها، فكيف لا يستطيع أبناء اليوم أن يبنوا مجداً جديداً، وقد سبقهم إلى ذلك جدودٌ عظام، إذا تحلَّوا بما تحلوا به من المقومات والأسباب؟
المفتاح الرابع: وحدةُ الهموم والتطلعات والمصير المشترك، واستشعارُ المسؤولية الكبرى تجاه أبناء الوطن خصوصاً، وتجاه الأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة عموماً، والقناعة التَّامة بأنَّه لا سبيل لتحقيق عزِّ هذه الأمَّة وعزِّ أبنائِها وتحقيق التضامن على المستوى الوطني والعربي والإسلامي، إلا بالوحدة الجامعة للشتات والمقويِّة لأسباب النهوض والارتقاء.
المفتاح الخامس: وحدة الإيمان الرَّاسخ بمبدأ الاجتماع والتآخي، سواء على مستوى القيادة أو الشعب، وذلك باعتبار الوحدة فريضة إسلامية يجب الالتزام بها، امتثالاً لقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا}، وباعتبارها ضرورة واقعية يجب تحقيقها لمواجهة التحديات وتحقيق الطموحات......
والناظرُ في خطابات مؤسِّس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، يجدُ هذا المبدأَ العظيمَ ماثلاً متأصِّلاً متجذِّراً، ينطق بما بذله رحمه الله مع إخوانه الحكام من الجهود الحثيثة من موقعهم كقادةٍ، لتحقيق هذه الفريضة الشرعية والضرورة الواقعية، كما أنَّ الناظر في طبيعة الشعب الإماراتي يلمس قناعته التامة، بمختلف مكوناته وقبائله، بالمشروع الوحدوي وما تضمنه من المصالح الكبرى.
المفتاح السادس: وحدة المعدن الأصيل والعقول الراجحة لقادة هذا الوطن وشعبه المخلص، الذين غلَّبوا صوت الشرع ولغة العقل ومقتضيات المصالح العليا، وآثروا نكران الذات وتقديم التنازلات على جميع المصالح الشخصية التي تُمثِّلُ عقبةً كؤوداً أمام أيِّ وحدة منشودة، فما انفصمت وحدةٌ بعد قيامها ولا انكسرت آمالٌ وحدويةٌ بعد السعي لها في غالب الأحيان، إلا بسبب المصالح الشخصية القاصرة، ولذلك يقول العلاَّمة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «أكبرُ أسباب النِّزاع: تقديمُ المصالح الشخصية على المصالح العامة، فهذه أكبر البلايا التي يأتي بسببها الشر للمسلمين، وهي أضَرُّ أدواء هذا العالم».
المفتاح السابع: وحدة القلوب بين الحكام والمحكومين، والعلاقة المتميزة بينهم التي تمثلت في الولاء للقيادة، والالتفاف حولها، ومناصرتها، والتعاون معها، وإيلائها الثقة، ودعم جهودها في تحقيق الحلم الوحدوي المنشود.
وأخيرًا، فإنَّ الواجب علينا المحافظة على مفاتيح الوحدة، والحرص على أسباب الاجتماع والتلاحم، ودفع المهددات المختلفة التي من شأنها المساس بوحدتنا وإضعاف صفِّنا، لنبقى جميعاً متآخين متراصِّين، آمنين مطمئنِّين، في أكناف بيت متوح