قيام ليل الشتاء.. غنيمة باردة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد
أيها الأحبة:
إنّ قيامَ الليل عبادة عظيمةٌ وعمَل جليل، دأبَ عليها الصالحون من هذه الأمة، ولزم القيام بها الصادقون من أهل هذه الملة، وقد أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وحث عليها ببيان ما لها من فوائد وعوائد حميدة، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بقيام الليل، فإنه دَأَبُ الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد" رواه الترمذي.
وقيام الليل من أفضل الصلوات بعد الصلاة المفروضة فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل" رواه مسلم.
وقد مدَح الله عبادَه المؤمنين، فذكر من أخلاقهم الحميدةِ التي نالوا بها بفضل الله جنّاتِ النعيم؛ أنهم كانوا يقومون الليل فقال: ﴿إنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءاخِذِينَ مَا ءاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّليْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 15-18]. فوصَفَهم الله تعالى بأنّهم قليلاً ما ينامون لإحياء ليلهم بالصلاة، ويختِمون ليلهم بالاستغفار عمّا قدّموا وأساؤوا.
وقال جلّ جلاله: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[السجدة:16، 17]، لشدة خوفهم من الله عز وجل؛ تَنَحّت جنوبهم عن مضاجع نومهم، وتوجهوا إلى الله عز وجل في ظلمة الليل سراَ فيما بينهم وبينه بالصلاة والمناجة خوفاً من عذابه، وطمعاً في ثوابه، فأعطاهم الله ذلك الثوابَ العظيم، ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمِعت ولا خطَر على قلبِ بشر، ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
وصلاة الليل عمل داوم عليه نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فإذا سُئل عن ذلك، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً".
وقيام الليل عملٌ يُدخل الجنة، فقد ثبت من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيّها الناس، أطعِموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنّةَ بسلام" رواه الترمذي.
وأخبرَصلى الله عليه وسلم ما لقائمِ الليل في الجنّة من النعيم المقيم، فقال: "إنّ في الجنة غرفًا، يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلامَ، وأطعَم الطعام، وصلّى بالليل والناس نيام" رواه المنذري في الترغيب والترهيب.
فلنبادر -أحبتي في الله- بالقيام بهذه العبادة الجليلة، ولنغتنم هذه الأجور العظيمة، لا سيما ونحن في فصل الشتاء، الذي يطول في الليل ويقصر فيه النهار، وقد كان سلف هذه الأمة يسبشرون بالشتاء لاغتنام ليله بالقيام، ونهاره بالصيام فهاهو ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
وعن الحسن رحمه الله أنه قال: "ونعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه".
وقال ابن رجب رحمه الله: "قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف، ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر" انتهى كلامه رحمه الله.
فأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لاغتنام هذه الليالي، وأن يعمر أوقاتنا بطاعته وذكره وشكره وحسن عبادته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه أخوكم/ أبوعبد الله، علي سلمان الحمادي
ليلة الخامس عشر من ربيع الأول لعام ثلاث وثلاثين وأربعمئة وألف.
الموافق7/ 2/ 2012م