عام الخير في بلد الخير
تتميز دولة الإمارات بأنها قمة شامخة في العطاء الحضاري والإنساني، حتى عُرفت ببلد الخير، وعُرف مؤسسها، طيب الله ثراه، بزايد الخير، واشتهر المجتمع الإماراتي بكونه مجتمع خير وعطاء، قيادة وشعباً، ومن مظاهر هذا السمت الحضاري المتميز ما أعلن عنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، من أن عام 2017 عام الخير، بمرتكزاته الثلاثة، التي تشمل ترسيخ المسؤولية المجتمعية في القطاع الخاص، وروح التطوع في المجتمع، وخدمة الوطن في الأجيال.
وهذه المبادرة الوطنية ذات أهمية كبرى، فالعمل الخيري والتطوعي من أسباب تقدم الأمم ونهضتها، وله ثمراته في مختلف الجوانب، فهو من وسائل تنمية الصحة النفسية لدى الأفراد، ويحقق لهم السعادة، ويعطيهم الشعور بالرضا، والإحساس بالإسهام، ويثري مواهبهم العقلية والمعرفية.
ويساعدهم على التفاعل الإيجابي مع المجتمع والحياة، عبر الانخراط في الأنشطة المفيدة، ويغرس فيهم السلوكات الحميدة، وقيم المواطنة الصالحة، ويعودهم على المسؤولية بدل اللامبالاة، والاندماج بدل الانطواء، وينمي فيهم قيمة العلم والعمل، وقد دعمت الدراسات المختلفة أهمية هذا النشاط الإنساني، والتي تنسجم مع الفطرة، التي جُبل عليها الإنسان، باعتباره كائناً اجتماعياً.
وتتجلى فوائد المبادرة أيضاً في إطار المجتمع ككل، باعتبارها عاملاً من عوامل تقوية النسيج المجتمعي، ودعم الأمن الاجتماعي، وترسيخ الاستقرار والطمأنينة في المجتمع، وتعبئة الطاقات البشرية والمادية للصالح العام.
وتوطيد العلاقات الإيجابية بين الأفراد، وبناء علاقة الإنسان بالإنسان على أساس الرحمة والتكافل والإحسان، وإرساء دعائم التسامح والتعايش، ومكافحة التطرف والإرهاب والجرائم، إضافة إلى تدعيم مكانة دولة الإمارات محلياً وعالمياً في المجال الخيري والإنساني.
كما يعتبر العمل الخيري مكوناً استراتيجياً، لتحقيق التنمية المستدامة في العالم، باعتباره شكلاً مهماً من أشكال النشاط الاقتصادي التطوعي، الذي يسهم في تنمية المجتمع وتطويره، وحل مشكلاته، والتغلب على تحدياته، وقد اقتضت تحديات الواقع المعاصر من دول كثيرة أن تتجه نحو مزيد من العناية بالعمل التطوعي الفردي والمؤسسي، وإدراجه في ركائز التنمية الشاملة، للتغلب على المشكلات، وبناء حياة أفضل لمجتمعاتها.
والعمل الخيري، كما أفهم، يشمل كل عمل نافع يتطوع به فرد أو مؤسسة عامة أو خاصة، يلخصه الحديث النبوي: «أحب الناس إلى الله أنفعهم»، فكلما كان الإنسان أكثر نفعاً كان أكثر قرباً من الله تعالى، ومجالات ذلك متعددة، وصوره شتى، ويبدو لي أنه يمكن تقسيم العمل التطوعي إلى الأنواع الآتية بحسب اجتهادي القاصر.
والتي يمكن الاستفادة منها في وضع برامج تخدم استراتيجيات المبادرة، أبرزها التطوع الفكري، وأعني به تطوع الفرد أو المؤسسة بأفكار بنَّاءة ومقترحات خلاقة، تفيد المجتمع في جانب من جوانب الحياة، فلا يخفى أن أساس أي عمل ناجح فكرة ناجحة، وأن الإنجاز الهائل العظيم قد ينبثق من فكرة صغيرة متميزة من عقل أو عقول مبدعة.
ومن المقترحات الداعمة لهذا النوع من التطوع تخصيص جهة أو جهات لتلقي الأفكار المتميزة، تحت مسمى رعاية الفكر والإبداع أو غير ذلك، فإذا كانت الجمعيات الخيرية مثلاً تستقبل التبرعات النقدية أو العينية فإن هذه الجهات تستقبل الأفكار الابتكارية، التي يتطوع بها الأفراد لخدمة المجتمع وتنميته، وربما احتاج ذلك إلى وضع برامج لتنمية مهارات التفكير الابتكاري، ووضع مقاييس للأفكار التي تخدم المجتمع.
كما أن هناك التطوع المعرفي، وأعني به تدوير المهارات المعرفية بين فئات المجتمع بقيام بعضهم بتنوير بعض، عبر متطوعين يمتلكون مهارات تخصصية يبثونها في الراغبين بامتلاكها تحت مظلة جهات راعية، كتعليم لغات أو تقنيات أو اقتصاد معرفي أو مهارات أو خبرات في أي مجال مفيد كان، عبر آليات تحقق هذا الهدف بالشكل الصحيح.
فيصبح المجتمع بذلك مصنعاً معرفياً يتكافل في الارتقاء في شتى الميادين، ثم التطوع الاقتصادي والخيري، وأعني بالتطوع الاقتصادي إنشاء وابتكار مشاريع خدمية وتنموية تطوعية ذات نفع جم وقابلية للاستمرار، وأعني بالتطوع الخيري الإحسان المادي، وخاصة لذوي الحاجة، والتفاعل مع المبادرات الوطنية الإنسانية.
ويأتي أيضاً التطوع الخدمي، وأعني به تقديم خدمات تطوعية في أي نطاق كان، سواء في نطاق الأسرة أو المدرسة أو المؤسسات أو الحي أو البيئة أو غير ذلك، فالأسرة مثلاً هي المؤسسة الأولى لصناعة الأجيال، ومن الأهمية بمكان تحليها بثقافة العمل التطوعي والقيم الاجتماعية التكافلية، ولنا في رسولنا، صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة.
فقد كان من هديه الشريف في البيت خدمة أهله، وكذلك إماطة الأذى عن الطريق، وإضفاء المظاهر الجمالية على الأحياء والمناطق والبيئة، فإن الله جميل يحب الجمال، إلى غير ذلك من الصور الكثيرة، ويمكن تنظيم حزمة من البرامج، التي تخدم هذا النوع من التطوع.
وأخيراً التطوع الإلكتروني، وأعني به ابتكار مسارات لدعم العمل التطوعي في الفضاء الإلكتروني، عبر مخرجات تحقق المنفعة للمجتمع، فلا يخفى أن من سمات عصرنا الطفرة التقنية وبروز الفضاءات الإلكترونية، التي أصبحت ذات أهمية حيوية في مسيرة التنمية والحياة، ليصبح عمل الخير بذلك منظومة وطنية متكاملة مستديمة، تسهم في خدمة الأفراد والمجتمع والوطن، وترتكز على أسس متينة من المعرفة والإبداع والابتكار وحب العلم والعمل، متمنين أن يكون عام الخير انطلاقة جديدة في آفاق الحضارة والريادة في بلد الخير والعطاء.