عزيزي الشاب، هذه نصيحةُ محب لك مشفقٍ عليك، مريدٍ لك الخير، إذ قال قدوتنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة".
أيها الشاب، اعلم - وفَّقك الله أن دين الإسلام دين وسطية واعتدال، ولهذا دعانا إلى العقيدة الصافية النقية التي تحقق لنا السعادة في الدنيا والآخرة، وإلى الأخلاق الكريمة النزيهة والتي منها الرحمة والحكمة والإحسان، وأمرنا بالتآخي والاجتماع، وحذَّرنا من الفرقة والنزاع، وحثنا على حسن التعامل مع الخلق على اختلاف طبقاتهم وشرائحهم، وأكَّد لنا حفظ الحرمات وصيانة النفوس المعصومة من المسلمين وغير المسلمين المسالمين، يقول الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}، فهذا أمرٌ بالعدل؛ أي الإنصاف والإحسان إلى الناس وصلة الرحم، والنهي عن المعاصي والبغي وهو العدوان على الناس في الدماء والأموال والأعراض، وقال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، فإذا كان هذا مع غير المسلمين الذين لم يُسلموا لرب العالمين فكيف بالمسلمين؟!
عزيزي الشاب بلَّغك الله سبيل الهدى إذا تأملت جيدا في الآيات السابقة، تبين لك فساد طرق داعش وأخواتها من القاعدة وغيرها، وانحرافها عن شريعة الله أحكم الحاكمين، لأن هذه التنظيمات الإرهابية تسير في طريق مغاير لطريق حفظ الدماء والأموال والأعراض الذي أمر به الله عز وجل، ألا ترى كيف تستبيح داعش الأنفس المعصومة التي أمر الله بحفظها؟ ألا تنظر في أفعالهم كيف يقتلون ويذبحون ويروِّعون؟ بل ماتت ضمائرهم وانقلبت فطرتهم حتى أصبحوا يتباهون بسفك الدماء وقطع الرؤوس، وينشرون مناظر القطع والذبح على رؤوس الأشهاد؟
أفهذا من دين الإسلام؟! أتدري عزيزي الشاب كيف عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة رضي الله عنه عندما قتل رجلا مشركا نطق بالشهادة عندما هوى إليه بسيفه؟ أتدري أن هذا الرجل كان في جيش المشركين يقاتل المسلمين حتى قتل منهم نفرا، ثم فرَّ بعد أن انهزم المشركون فلحق به أسامة فلما أدركه ورفع عليه السيف نطق بالشهادة فقتله، فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم عتابا شديدا حتى قال أسامة رضي الله عنه: تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم! فهذا رسول الله وخليله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، هو أحقُّ أن تستجيب له من داعش التي تخالف هديه وتناقض سنته وتستبيح الدماء بلا خوف ولا رادع.
عزيزي الشاب، ألا ترى كيف تجرأت داعش على تكفير المسلمين؟ بل اعتبرت المسلمين أشد من الكفار الأصليين وأولى بالقتل والذبح، حيث اعتبرتهم مرتدين. هل تعلم أنَّ من عقيدة داعش اعتبار جميع ديار المسلمين ديار كفر وردة، بما في ذلك مكة والمدينة، وأن قتال جيوش المسلمين أولى من قتال غيرهم، بدعوى أنها جيوش كفر وردة، وأن كل من لا يتبرأ من هذه الحكومات من جماهير المسلمين من علماء وخواص وعوام فهو كافر مرتد؟!
ألا يدلك ذلك على أن تنظيم داعش مجرد أداة لضرب المسلمين والفتك بهم، شأنه شأن الخوارج في كل زمان وعصر؟! أيرضى عاقل بعد ذلك أن يكون أداة في أيدي هؤلاء يستغلونه في قضاء مآرب تخالف شريعة الله تعالى؟!
عزيزي الشاب، ألا ترى كيف شوهت داعش صورة الإسلام النقية ونفَّرت الناس منه؟ أتدري أن نبينا عليه الصلاة والسلام كفَّ عن قتل عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين، وقال: "دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"؟ فامتنع عليه الصلاة والسلام عن قتل هذا المنافق لئلا يكون ذلك سببا في تنفير الناس عن الإسلام، بينما تجاهر داعش بقتل الأبرياء ليل نهار، وتصوير الإسلام للعالم على أنه دين تقتيل وذبح وتدمير! ألا يؤكد لك هذا مدى مخالفة داعش للشرع؟ ألا يبين لك ذلك العواقب الوخيمة للطريق الذي يسلكونه؟ وأنه طريق لا يرضاه الله ولا رسوله، بل هو جالب لسخط الله تعالى وغضبه.
عزيزي الشاب، اعلم حفظك الله أن لداعش وأخواتها أساليب متنوعة لإغوائك، مستغلين في ذلك حماسك للإسلام ورغبتك في نصر المستضعفين، فقد يحاولون التأثير عليك بالأناشيد الحماسية والكلمات العاطفية والكتب الفكرية والمشاهد المرئية والشعارات البراقة، كإقامة الخلافة وغيرها، وتحقير النعم التي تعيشها من أمن وأمان وعيش طيب كريم، ليجعلوك تنقم على واقعك وتنظر إليه نظرة قاتمة، فلا ترى فيه نعمة ولا خيرا، ويحاولون بث اليأس والقنوط في نفسك إذا رأيت منكرا أو خطأ، وتزهيدك في استعمال الكلمة الطيبة في العلاج، وتزيين العنف لك، وإيهامك بأنه الوسيلة المثلى للإصلاح والتغيير، متلاعبين بدلالة الأدلة الشرعية وبتفسيرها حسب أهوائهم ومبادئهم الهدامة، فاعرض عن وسوساتهم، وثق بالله تعالى وتوكل عليه، واجتهد في طلب العلم النافع واكتساب الثقافة الإيجابية، ونشر الخير في مجتمعك والمحافظة عليه والالتفاف حول ولاة أمرك، واعلم أن العبرة ليست بالنية الطيبة فقط، فكم من مريد للخير لا يبلغه، ولا في الغاية النبيلة فقط، فالغاية لا تبرر الوسيلة، وإنما بإصابة الحق الذي نطق به الشرع مع إخلاص الدين لله.
عزيزي الشاب، هذه نصيحتي إليك أحببت أن أضعها بين يديك، حتى لا تكون أداة هدم لبلدان المسلمين، فأنت ثروة الحاضر وعُدَّة المستقبل ومعقد الآمال، أسأل الله تعالى أن يحفظك من كل سوء ومكروه ومن كيد داعش وأخواتها، اللهم آمين.