حكم تقليد الموسيقى بأصوات البشر ، واستعمال ذلك في الأناشيد
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ؛
فقد انتشر في الآونة الأخيرة ما يُسمَّى بالأناشيد الإسلامية -زعموا- وهكذا قالوا ، فنسبوها إلى دين الإسلام الذي جاء من عند الله عز وجل ، على لسان نبيه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه ـ
وزادوا على ذلك تقليد بعضهم لأصوات الموسيقى بأصواتهم ، وانتشر ذلك بين المسلمين ، بزعم إيجاد البديل للمسلم عن الأغاني وآلات اللهو ، والله المستعان ـ
فزعموا أنهم بمُشابهة أصواتهم لأصوات الموسيقى ، أنَّهم قد خرجوا بذلك عن حكم أهل العلم في الموسيقى ، فنقول بياناً لذلك مُستعينين بالله تعالى :ـ
أولاً لا بُدَّ أن نعلم أنَّ الشريعة الإسلاميَّة قد جاءت من عند حكيم خبير ، كما قال تعالى عن كتابه العزيز : (الر * كتابٌ أحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير) ، ولذلك كان من توفيق الله تعالى لأهل العلم أن يُوفِّقهم للنظر إلى الشريعة الإسلاميَّة من هذه الكُلِّيَّة ، فإنَّ الأحكام الشرعيَّة صادرةً من الله تعالى ، وهو سبحانه حق وأحكامه كلُّها حق ، ولا يُمكن أن يقع التناقُض فيما يصدر عن العليم الحكيم تبارك وتعالى ، الذي له العلم المُطلق والحُكم المُطلق والحكمة المُطلقة ـ
ثم من جهة أُخرى نقول: إنَّ هذه الشريعة صالحة ومُصلحة لكل زمان ومكان، فلا تنزل نازلة من النَّوازل الجديدة إلا ونجد لها ما يدلُّ على حكمها من الكتاب أو السُّنَّة، وهذا يتفاوت العلماء في استنباطه بقدر تفاوتهم في فضل الله تعالى عليهم من العلم ، وكذلك بقدر تفاوتهم في معرفة نصوص الشريعة وطرق الاستنباط منهاـ
ومما ورد به الشرع: ( إلحاق النظير بالنَّظير ) أو بعبارة أخرى : ( إلحاق الشيء بما يُماثله ) ، وهذه مسألة مهمَّة يغفل عنها الكثير من المُنتسبين إلى العلم، وخصوصاُ طلاب العلم ، فتجد أحدهم يقول عن بعض المسائل : (أنها جائزة ؛ لعدم وجود دليل على حُرمتها) ، دون النظر والبحث عمَّا يُماثلها من المسائل الأخرى ـ
ولذلك كان الحقُّ في ذلك؛ هو أن ننظر ونبحث عمَّا يُماثل هذه المسألة من المسائل الآخرى، ثمَّ نُلحق حكمها بما يُماثلها من هذه المسائل، وقد دلَّ كتاب الله تعالى وسُنّةَ رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، كما قال تعالى : (كما بدأنا أول خلقٍ نُعيدُه) فألحق حكم النظير بنظيره ـ
وهذا ليس هو قياس الشبه الذي تكلم عنه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه إعلام الموقعين، فذلك قياس مذموم، وإن كان هنالك اختلاف في التسمية عند أهل العلم ، وليس هنا موضع بسط ذلك ـ
وفي الصحيحين أنَّ رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ أختي نذرت أن تحج ، وإنها ماتت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان عليها دَيْنٌ أكنتَ قاضيه ؟ ) . قال : نعم . قال : ( فاقض دَيْنَ الله ، فهو أحقُّ بالقضاء) . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم قضاء دَيْنِ الله تعالى مثل حكم قضاء دين العباد ، فألحقه بنظيره من الأحكام ، وهذا من أنواع القياس المعتبر الذي جاءت به الشريعة.
ولكي لا نُطيل في هذه المسألة نقول:
إنَّ هذه الأصوات الصادرة عن هؤلاء الأشخاص، والتي يُحاكون ويُشابهون فيها أصوات الموسيقى، فإنَّ حكمها يجب أن يأخذ حكم الموسيقى؛ وذلك أنَّ النظر هنا ليس إلى الآلة التي صدر منها الصوت، ولكن النظر يكون إلى ما انتهى إليه الصوت، فوجب إلحاق حكم هذه الأصوات بحكم نظيرها من الأشياء وهي الموسيقى، فتكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليكونَنَّ أقوام من أمتي يستحلُّون الحر والحرير والخمر والمعازف )ـ
وهنا سؤالٌ نطرحه لهؤلاء الذين يُقومون بتقليد أصوات الموسيقى أو يستخدمون الحاسب الآلي في تحويل صوت الآدمي ليُشابه صوت الموسيقى ، فنقول لهم:
لماذا اخترتم أن تجعلوا أصواتكم تُماثل صوت الموسيقى، ولم تكتفوا بها مُجرَّدةً عن هذه المُماثلة ؟ ولا شكَّ أنَّ الإجابة سوف تكون خارجة عن الاستدلال والنظر الصحيح، ونحن نخشى أن يكون هذا ممَّا يدلُّ صراحةً على أنَّ هذه المماثلة مقصودة ـ
ثمَّ إنَّ كثيراً من الناس إذا سمع هذه الأصوات لأول وهلة ؛ ظَنَّ أنَّها من الموسيقى، بل إنَّ البعض يحتار في كونها موسيقى أو لا ؟ وهذا فيه فتح باب شرٍّ عظيم ، حيث أنَّ البعض قد يستمع إلى الموسيقى ويظنُّ أنَّ هذا الصوت هو صوت آدمي، أو قد يستمع إلى الموسيقى بحجَّة أنَّه لا يعلم هل هي موسيقى أو صوت آدمي؟
فيجب الحذر من هذه الأشياء، ويجب البعد والحذر منها، وتحذير المسلمين من شرِّها، وبيان حكمها لهم ـ
وفي الختام نقول لإخواننا من المسلمين والمُسلمات:
والله !! لا يجتمع في قلب العبد المؤمن كتاب الرحمن ومزمار الشيطان، ومن المعلوم أنَّ القلوب كالأوعية والأواني تمتلئُ بما يغلب عليها، ومَن أكثر من هذه الأشياء فإنَّه يُوشِك أن يترك الاستماع إلى القرآن، لما اعتاده من هذه الملاهي المُحرَّمةـ
ونحن والله كم رأينا وسمعنا عن أُناسٍ لمَّا اشتغلوا بهذه الملاهي أو ما يُسمَّى بالأناشيد الإسلامية بزعمهم، أنهم قد انشغلوا بها عن تلاوة كتاب الله تعالى والاستماع إليه؟ فالحذر الحذر من كل ما يَصُدُّ العبد عن كتاب الله تعالى وسُنَّة نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ـ
والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه
حامد بن خميس بن ربيع الجنيبي
غفر الله له ، ولوالديه ، ولمشايخه ، وأهل بيته