محمد صلى الله عليه وسلم
محمد صلى الله عليه وسلم هو الرجل الذي أنقذ الله به الأمة فأخرجها من براثن الشرك إلى توحيد الرب ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان, ومن الفساد والإفساد في المجتمعات إلى الأمن في الأوطان, ومن بذيء الخصال إلى مكارم الأخلاق, هو النور الذي أضاء الله به هذه الأمة, والروح الذي أحيا الله بسنته القلوب, وهو الذي دل أمته على خير ما يعتقدونه ويفعلونه ويقولونه ويتعاملون به, فما من خير إلا دلّ عليه, وهو الذي حذر أمته من شرّ ما يقولونه ويعتقدونه ويفعلونه ويتعاملون به, فما من شر إلا وحذر منه.
وكما قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي:” أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأت الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعت الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام”.[السيرة لابن هشام(2/179)].
فهو صلى الله عليه وسلم كما قال الله جل وعلا عنه:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة: 128].
نعم والله هو الذي يعزّ عليه كلّ ما يشق علينا ولذا علمنا ما يرفع عنا المصائب والمحن والهموم والأحزان.
نعم والله هو الحريص علينا فما ترك طريق رشد إلا دلّ عليه ولا طريق هلكة إلا حذر منه.
نعم والله هو رءوف بالمؤمنين رحيم بالعالمين كما قال تعالى{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء :107] فشملت أقواله وسننه كل معاني الرحمة رحمة الإنسان بنفسه, رحمة المعلم بطلابه, ورحمة الأم والأب بأولادهم ورحمة الإنسان بالحيوانات والنباتات.
وهو صلى الله عليه وسلم الذي ناداه الله بأزكى الصفات فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}.[الأحزاب :47]
فجمع صلى الله عليه وسلم من الصفات جميلها ومن الخصال عظيمها فاجتمع فيه أكمل صفات الخُلق والخِلقة البشرية “ فكان أحسن الناس وجهاً, أزهر اللون مشوباً بحمرة, رَجْلَ الشعر, حسن الجمّة, أكحل الشَّعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط, ربعة وليس بالطويل ولا بالقصير, أقنى الأنف أدعج العينين, حسن الثغر واسع الفم, حسن العنق, ضخم اليدين, واضح الصدر ,كث اللحية واسعها, بين كتفيه خاتم النبوءة.
وأما خلقه صلى الله عليه وسلم: فجمع أكرم الشمائل وأعظم الفضائل فمنها: شرف النسب, وحسن الصورة, وقوة الحواس, ووفور العقل, ودقة الفهم , وكثرة العلم, وفصاحة اللسان, والنطق بالحكمة, وكثرة العبادة, والزهد, والصبر, والشكر, والعفة, والعدل, والحياء, والأمانة, والمروءة, والعفو, والاحتمال والشفقة, والرحمة والكرم والشجاعة والوقار والصمت والمودّة والتواضع والاقتصاد والحلم وطيب النفس وسماحة الوجه وحسن المعاشرة وصدق اللسان والوفاء بالعهود, وبذل المجهود في رضى المعبود, والتزام آداب العبودية والقيام بحقوق الربوبية, واحتمال المشقات في جنب الله تعالى, وارتكاب الأهوال العظام في دعاء الخلق إلى الله تعالى , وشدة الخوف منه والرجاء فيه والمراقبة له والتوكل عليه والانقطاع بالكلية إليه, إلى غير ذلك مما تكل عنه الأقلام وتعجز دونه الأفهام ”. [القوانين الفقهية(429)].
فمن كان هذا شأنه كان واجب الأمة تجاهه صلى الله عليه وسلم عظيماً فأول ذلك ورأسه الإيمان به الذي هو فرض على الخلق كلهم قال صلى الله عليه وسلم:” والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار“.رواه مسلم(153).
ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم وجوب محبته بل تقديم محبته على محبة الناس أجمعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”.رواه مسلم(44).
ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم: نشر سنته فيجب على المسلمين نشر سنته ما استطاعوا لذلك سبيلاً في أنواع الوسائل المسموعة والمقروءة قال النبي صلى الله عليه و سلم: ” بلغوا عني ولو آية“. رواه البخاري(3461).
ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم إتباعه قال تعالى{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.[ الأحزاب:21]. وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }. [الأعراف: 158]
فأمر الله بإتباعه وجعل إتباعه دليل محبته قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.[ آل عمران:31],فالواجب التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم والسير على طريقته, فما أمر به يمتثل, وما نهى عنه يجتنب, وما لم يشرعه فلا يبتدع.
ومما يجب تجاهه صلى الله عليه وسلم الردّ على من ردّ سنته أو سعى في تشويهها من أهل البدع والأهواء والأفكار المتطرفة, وبيان حال من كذب عليه, والرد على المستهزئ به من غير المسلمين بالحكمة وبما يحصل به النفع ويرتفع به الضرر.
فبهذا تكون نصرته صلى الله عليه وسلم لا بالثورات والأباطيل أو الدفاع بالقول العليل كالمقاطعات للمنتجات أو الصراخ بالنداءات والحملات في المنتديات.
فقد رفع الله له شأنه فقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:4] فذكره مرفوع وسنته ظاهرة ومكانته علية ومحبته راسخة في قلوب البرية رغم أنوف الحاسدين والحاقدين والمستهزئين قال تعالى:{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }[الحجر:95], وكلّ من استهزأ به فهو عن كل خير من مبتور: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } [الكوثر:3], فلا يحجب نور الشمس غبار العابثين ولا يضر البحر رمي حجارة المتهوكين, وكما قال الشاعر:
ما يضر البحر أضحى زاخراً *** أن رمى فيه غلامٌ بحجر
وقال غيره:
لا يضر الفصل إقلال كما *** لا يضر الشمس إطباق الطفل.