حق الجار
حق من الحقوق العظيمة التي حث عليها الإسلام وهو من الإيمان ويؤدي إلى تماسك المجتمعات وترابطها, ودوام المودة بينها ألا وهو (حقّ الجار).
قال تعالى{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا } النساء:36.
ولقد بالغ جبريل عليه السلام في وصية على الجار حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ”رواه البخاري (6015), ومسلم(2625).
فعلى الجار أن يحسن إلى جاره بكل أنواع المعروف والإحسان قولاً وفعلاً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ “رواه مسلم(47).
وكلما كان الجار لجاره أكثر إحساناً كلما كان عند الله أخير ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” وخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ”. رواه الترمذي وقال حديث حسن (1944).
ولقد بلغ من حرص الإسلام على الجار أن حث على تكثير الطعام وإهدائه للجار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ ” رواه مسلم(2625).
وعليه فليحذر المسلم من أذى جاره بقول أو فعل فكم يورث أذى الجار من نقص في الإيمان وتصدع في البنيان؛ ولهذا حذر الإسلام من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم :” وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ ” قيل يا رسول الله لقد خاب وخسر من هذا ؟ قال :” الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ“.رواه البخاري(6016).
ولذلك من عظيم حق الجار أنه يوم القيامة يتعلق بجاره لم ؟
الجواب في قول النبي صلى الله عليه وسلم:”كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ : يَا رَبِّ ، سَلْ هَذَا لِمَ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي وَمَنَعَنِي مَعْروفَهُ“رواه البخاري في الأدب المفرد(111).
وتأملوا هذه القصة التي تبيّن لنا خطر أذية الجار فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها, غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها
قال:” هِيَ فِي النَّارِ “. قال:يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها . قال:” هِيَ فِي الْجَنَّةِ “رواه أحمد (9673).
فعلى كل جار أن يحسن لجاره بالكلمة الطيبة والأفعال الحسنة وتقديم الهدية وبذل الوسع في المعاونة وتفقد الأحوال, محباً له ما يحبه لنفسه معاملاً عيالَه بما يحب أن يعامل عيالُه, فإن صدر من أحد الجيران أذى فعليك بحسن الظن والصبر وكما قيل:ليس من حسن الجوار كف الأذى ولكنه الصبر على الأذى.
ولا تقابل إساءة الجار بالإساءة بل قابلها بالإحسان فكم من كلمة طيبة دفعت شراً كبيراً وألفت بين القلوب المتنافرة.
وإياك أن تتطلع على عورة جارك فأنت أمين على بيته كما أنه أمين على بيتك وما أجمل قول عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي … حتى يوارى جارتي مأواها
وليعلم أن من أشد الإيذاء أن يعاكس محارم جاره أو يتحرش بزوجته أو يقع عليها فعن عبد الله قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم :أي الذنب أعظم عند الله؟
قال:” أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ “.
قلت:إن ذلك لعظيم. قلت ثم أي ؟
قال:” وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ “.
قلت ثم أي قال:” أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ “رواه البخاري(4477).
فالزنا بلا شك من كبائر الذنوب وزاد عظماً وكبراً لما كان في حق من يجب عليك الوفاء له وصون عرضه ولهذا لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الزنا ؟ قالوا : حرامٌ ؛ حرمه الله ورسوله. فقال : ” لأن يزني الرجل بعشر نسوة، أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره ” وسألهم عن السرقة ؟ قالوا: حرام؛ حرمه الله عز وجل ورسوله. فقال: ” لأن يسرق من عشرة أهل أبياتٍ، أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره” الأدب المفرد(103).
وأسأل الله تعالى أن يألف بين قلوب الجيران ويبعد عنهم الحسد والبغضاء.