خائن الوطن!
الخيانة من أشد الصفات الممقوتة والصفات الذميمة، فلا تكاد توجد صفة قبيحة جمعت أنواعاً من الشرور بحسب علمي مثل الخيانة، وقد جاءت نصوص الشرع تنهى عن هذه الخصلة أشد النهي، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}، وقال سبحانه:
{إن الله لا يحب الخائنين}، وبين النبي صلى الله عليه وسلم فداحة هذا الجرم وأن شؤمه يلاحق صاحبه في الدنيا والآخرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب»..
وكان من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: «أعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة»، أي بئست الصفة والخصلة التي يتصف بها إنسان، فكل ذلك دليل واضح على أن صاحب الخيانة قد بلغ مستوى خطيراً من الانحطاط لا يوصف.
إن أسوأ أنواع الخيانة خيانة الله ورسوله، وخيانة عباده، وخيانة النعم والوطن، وخائن الوطن هو خائن لله ورسوله، فإن الله تعالى أمر بالإحسان والوفاء والمحافظة على نعمة الوطن وبذل الحقوق لأهله وقيادته، وصاحب الخيانة ينقض ذلك كله، فهو بعيد عن الإحسان، متجرد عن الوفاء، ساع في زوال النعم، ممسك عن إعطاء الحقوق، ماش في طريق الهدم والخراب والدمار.
ولكن ما هي صفات خائن الوطن؟ ومن يكون؟ إن خائن الوطن هو الذي يتلاعب باسم الدين وبعقول الناس لمقاصد سياسية وأجندات خارجية وأطماع حزبية.. خائن الوطن هو الذي يحزِّب الناس ويكتِّلهم حول نفسه وحزبه ليفسد عليهم علاقتهم بوطنهم ومجتمعهم..
خائن الوطن هو الذي يدعو إلى الخروج على ولي الأمر والتحريض ضده ليتسنى له الوصول إلى الحكم وهدم النظام.. خائن الوطن هو الذي يدعو إلى الثورات والتظاهرات بدعاوى وأكاذيب الحرية وغيرها، ليجر الناس إلى الكوارث والويلات ويغرقهم في بحور الدماء والتطاحن.. خائن الوطن هو الذي يسعى لنشر الفتن في دولته، ويجتهد في زعزعة أمنها واستقرارها، ويبتهج إذا نالها سوء.. خائن الوطن هو الذي يختلق الإشاعات والأكاذيب، ويروج لها في الآفاق..
ويفرح بتشويه سمعة دولته والإساءة إليها.. خائن الوطن هو الذي يفر هارباً من وطنه، ويتعاون مع التنظيمات الحزبية والمنظمات الخارجية، يحرضها ضد دولته، ويمدها بالمعلومات المغلوطة، ويتباهى بتقاريرها المزيفة، ويؤثر أن يكون خنجراً موجهاً في ظهر وطنه.. خائن الوطن هو الذي يبيع وطنه ويخون ضميره من أجل تنظيم خاسر وحزب خائب.. خائن الوطن هو الذي يحب الفرقة، ويكره الاجتماع..
ويحب التباغض والتنافر، ويكره التلاحم والتراحم، فالنميمة غذاؤه، والكذب سلاحه، والغدر والخيانة طريقه.. خائن الوطن لا تجد له ولاء ولا انتماء مهما زعم خلاف ذلك وتغنَّى به ليل نهار، فالمواقف تكشفه، والمحن تُظهر خباياه، والواقع يجلِّي حقيقته الكاذبة، فالخيانة مرض عضال لا تخفى علاماته وأعراضه مهما تستَّر صاحبه وتخفَّى.
إن خيانة الوطن وإن كانت قبيحة في حد ذاتها، فإنها تزداد قبحاً وفجوراً حينما يكون الوطن الذي يسيء إليه المسيؤون هو دولة الإمارات التي ضربت أروع الأمثلة في الإحسان إلى أبنائها، والسعي في رقيهم وإسعادهم، حتى شهد بذلك كل عاقل ومنصف، فما أقبح جرم أولئك الذين يسيؤون إلى مثل هكذا بلد ترعرعوا في ربوعه، وأكلوا من خيراته، ونعموا في ظله بقيادة حكيمة رحيمة، أكرمتهم غاية الإكرام..
وأغدقت عليهم النعم، ووفرت لهم سبل العيش الكريم، ولم تبخل عليهم بشيء، فقابلوا الإحسان بالإساءة، والجميل بالنكران، وعضوا على اليد التي أحسنت إليهم بأنياب الغدر والخيانة، وآثروا العقوق، وتمادوا في ذلك أشد التمادي.
إن خيانة الوطن قبيحة، ولكنها تزداد قبحاً في وقت الشدائد والمحن، حينما يتكالب المتكالبون لنشر الفتن والفوضى في أوطان المسلمين، فيستغل خائن الوطن ذلك، وينضم إلى ركب المغرضين، ويصطف مع الحاقدين، ويتباهى بذلك جهاراً نهاراً، في وقت يتلاحم مجتمعه لصد الفتن، ويتراص أبناؤه لحماية وطنهم من الشرور والمحن، فما أقبح هذا الخائن الذي تفرد عن هذه الجموع الطيبة..
وتخلف عن مقاصدهم النبيلة، ووقف بكل وقاحة يرشق دولته بأحجار الحقد والخيانة، ويطيل لسانه بالشتم والإساءة، والأدهى أن تنقلب موازينه، وتعمي الحزبية بصيرته، فيرى الباطل حقاً والحق باطلاً، ويعتبر ما يفعله من إساءات بطولة وشجاعة!
إن خائن الوطن ليس له أحد، فقد خسر وطنه، وخسر أهله، وخسر قيمه وأخلاقه، وخسر نفسه، فلم يبق له إلا الخيانة التي تحيط به من أربع جهات، فما أحوجه إلى مراجعة نفسه..
وتصحيح مساره، فإن فرصة التصحيح متاحة ما دام أن الإنسان فيه رمق، والأمر ليس فقط دنيا تمر بلا محاسبة، بل هناك آخرة، ووقوف بين يدي الله تعالى، وهناك حساب وجزاء وثواب وعقاب، فليبادر هؤلاء إلى التوبة والأوبة، وليتخلصوا من شؤم الخيانة، قبل فوات الأوان وحلول الندم.