حوار عاجل مع القرضاوي
نسخة (PDF)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد ورسوله. أما بعد :
فإن من نعم الله عز وجل على الأمة الإسلامية: العلماء الربانيين الصادقين، الذين يُحسنون تعليم الناس أحكام دينهم، ويربونهم على الأخلاق الحميدة التي تحفظ العلاقة بين الأسر والأرحام والجيران والمجتمع حكاما ومحكومين، ويحثونهم على ملازمة العقل والحكمة، والبعد عن الطيش والعواطف غير المنضبطة التي تضرهم في دينهم ودنياهم، ويُحذِّرون من سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال، والإضرار بمجتمعهم ودولتهم.
وفي المقابل فإنه من البلاء العظيم الذي تبتلى به الأمة الإسلامية: وجود علماء السوء، الذين يُحرِّفون أحكام دينهم، ويحثونهم على الفوضى في القول والعمل والسلوك، ويدعونهم إلى سفك دماء بعضهم البعض باسم الجهاد، ويؤلِّبون بعضهم على بعضهم بالنصائح الثورية غير المنضبطة التي تجلب الحقد والشحناء والبغضاء بين المجتمع المسلم، وتنمِّي الطائفية والحزبية، وتفتح باب التدخلات الأجنبية بحسب الأجندة المرسومة والمخطط لها، فعلماء السوء يتلونون بوجوه عدة، وفتاوى متضاربة، وأحكام طائشة، فلا تُبنى أحكامهم على تصور صحيح، ولا تنطلق من أسس شرعية يُراعى فيها دلالة النصوص ومقاصدها، فهم يوجِّهون ويوجَّهون بحسب رؤية التنظيمات الحزبية، والأجندات المشبوهة، والمقاصد المسمومة حتى يجلبوا على البلدان الإسلامية الخراب والدمار، فيقلبوا أمنها خوفا، ووحدتها فرقة وشتاتا، وغناها فقرا، وعزها ذلاّ، ومحبتها بغضا، بدعوى إحقاق الحق، ونصرة المظلوم، ومحبة الخير، وتحكيم الشريعة ، والحقيقة أنهم بأفعالهم لا يجلبون على الدولة المسلمة إلا العار والدمار.
ومن تلكم السهام التي وُجِّهت إلى الدول الإسلامية تلكم الكلمات التي صدرت من الدكتور يوسف القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة في يوم الأحد بتأريخ 4/3/2012م، حيث شنّ حملة شرسة ضد دولتنا دولة الإمارات العربية المتحدة باسم الانتصار للمظلوم زَعَم، حيث ذكر كلمات متنوعة في هجمته الشرسة على الدولة، غيّب فيها العقل والحكمة والاستدلال الصحيح بالشريعة، ولم يراع المقاصد الشرعية، ولا الآداب المرعية، بل بنى أحكامه على تصورات مغلوطة.
وحرصًا منِّي على بيان الحقِّ والحقيقة في ذلك، وذبًّا عن ولاة أمرنا وقيادتنا ومجتمعنا ودولتنا الغالية؛ كتبت هذه الكلمات ردًّا على مزاعمه، ذاكرًا كلماته المسمومة ثُمَّ مُعقِّبًا عليها بِمَا تيسَّر.
فكان مِمَّا قاله في كلمته:
أوَّلاً: ذكره الأموال التي رزق الله بها قيادتنا ودولتنا حيث قال:
(.. فلوس ربنا آتاها للناس جميعا ليست لهم وحدهم).
وأقول:
ما هذه الفرضيَّة المغلوطة يا دكتور؟! فمن قال من ولاة أمرنا بأنَّ الأموال لهم فقط لا يشاركهم فيها أحد؟
فأنت تعلم يا دكتور ويعلم غيرك جيِّدًا ما عليه قيادتنا منذ نشأة دولتنا على يد الشيخ زايد رحمه الله، ثُمَّ سيرها بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة، فهي من أكثر الدُّول بذلاً لمواطنيها، وإكرامًا للمقيمين فيها، ومساعدةً وعطاءً للشُّعوب والدُّول الأخرى لرفع الضَّرر عنهم.
ألا تنظر إلى ما منَّ الله سبحانه به على المجتمع الإماراتي من الخير والرَّغد والنَّعيم فضلاً من الله ونعمةً ثُمَّ بكرم قيادتنا وسخائهم؟
ألم تُشرق شمسُ عطاء هذه الدَّولة - يا دكتور - على الدُّول الأخرى التي تلقَّت المساعدات والعطاءات حتَّى أدَّى ببعض الدُّول إلى تسمية شوارعهم ومستشفياهم وغيرها باسم قيادة الدَّولة؟
ألم تلتق يا دكتور مع المقيمين لتسألهم عن العطاء الذي وجدوه في دولتنا التي لا ترضى أن ترفع سقف رواتب مواطنيها حتى ترفع معه سقف المقيمين فيها؟
ألم تقرأ الدراسات الرَّسميَّة للمؤسَّسات التي تقيِّم الدُّول في البذل والعطاء وتصنيفها لدولتنا في مقدِّمات الدُّول الخيريَّة والإنسانيَّة؟
أبعد هذا يصح أن تقول هذه العبارة في الأموال (ليست لهم وحدهم)!!
ثُمَّ أليس لولاة الأمر أموالٌ خاصَّة حالُهم حالُ غيرهم من النَّاس، وأنَّ المال الخاصَّ لا يصحُّ ولا يحقُّ الأخذ منه إلاَّ بإذن صاحبه؟
بل إنَّ قيادتنا تنفق حتَّى من مالها الخاصّ، فكم من المشاريع الدَّاخليَّة والخارجيَّة التي أقيمت على نفقة صاحب السُّمو رئيس الدَّولة من ماله الخاصّ؟
ألا تفرِّق بين الأموال الخاصَّة وأموال الدَّولة؟إذا كنت لا تفرِّق يا دكتور فأنا أرى لك أن تسمح للنَّاس أن يأخذوا من مالك كيف ما شاءوا لأنَّ المال مال الله!!فماذا تقول يا دكتور؟
ثانيا : قوله في حق ولاة أمرنا:( لا يستطيعون بالفلوس أن يتحكموا في رقاب الناس ).
وأقول:
أبشرِّك يا دكتور بأنَّ ولاة أمرنا أرفع وأرقى مِمَّا تريده وترمي إليه، فولاة أمرنا تربَّوا على احترام النَّاس وتقديرهم وتوقيرهم منذ نعومة أظفارهم، تربَّوا على مبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقه، تربَّوا على الأيادي البيضاء التي هي أيادي مؤسِّسي الدَّولة وعلى رأسهم الشَّيخ زايد رحمه الله.
ولاةُ أمرِنا أسروا قلوبنا بجميل أخلاقهم، وباستشعار المجتمع أنهم جزءٌ منهم، فهم والمجتمع واحد، يشاركوننا في أحزاننا وأفراحنا، يبذلون الغالي والنَّفيس من أجل رقيِّنا وتعليمنا وصحَّتنا ونهضتنا، فبالأخلاق الجميلة والشِّيم الكريمة هم حكمونا وأسروا قلوبنا.
ثُمَّ هم حكَّامنا لهم السَّمع والطَّاعة في منشطنا ومكرهنا ويسرنا وعسرنا كما أمر بذلك نبيُّنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم.
فلم يتحكَّموا برقابنا كما زعمت بهذه العبارة التَّحريضيَّة التي انطلقت منك وأنت في منبر الشَّريعة والحياة إلا كان المراد شيئا آخر فهذا فيه ما فيه.
ثالثا : قوله معنِّفًا قيادتنا في قضيَّة بعض إخواننا السُّوريِّين الذين طلبت منهم الدَّولة الخروج:
( حرام عليهم أن يضحُّوا بهذه الأسر، إذا كان هناك حوالي مائة أسرة، يذهبوا بها يرمونهم في الطرقات؟! أليسوا هؤلاء بشرا؟ )
وأقول : ما هذا الأسلوب يا دكتور، يرمون بهم في الطُّرقات؟!
أَولاةُ أمرنا يفعلون ذلك بزعمك؟
أَولاةُ أمرنا يا دكتور الذين أسَّسوا المؤسَّسات الإنسانيَّة التي ذاع صيتها في البلدان الأفريقيَّة والآسيويَّة يرمون النَّاس في الطُّرقات؟
أهكذا تُصوَّر الحقائق ويُنزَّل الحكم بالتَّحريم يا دكتور؟
أيُنزَّل الحكم يا دكتور قبل تَصوُّر المسألة تصوُّرًا كاملاً؟
أليس الحكم فرعًا عن تصوُّره كما هو مقرَّر عند العلماء والعقلاء؟
ألم تعلم صورة المسألة وهي أنَّ الإبعاد كان لمجموعةٍ قليلةٍ؟ فالجالية السُّوريَّة في الدَّولة تتجاوز مائة ألف نسمة!فيا ترى لماذا كان الإبعاد لهؤلاء فقط؟
ألم يتظاهر معهم جَمعٌ كبير، فلماذا لَم يُبعدوا إذن يا دكتور؟
أنا أخبرك: أُبعدت تلك المجموعة القليلة لأنَّهم أصرُّوا على مخالفة أنظمة الدَّولة، مع وقوعهم في مخالفاتٍ عدَّةٍ متكرَّرة وتعهُّدهم بعدم التِّكرار، لكنَّهم أعادوا الكرَّة ضاربين بأنظمة الدَّولة عرض الحائط، مِمَّا اضطرَّ الدَّولة إلى إبعادهم حفاظًا على المصلحة العامَّة، وإغلاقًا لباب الفوضى، بسبب كثرة الجاليات، وتنوُّع الجنسيَّات التي تربُوا على مائتين جنسيَّة، فقدَّمت الدَّولة المصلحة العامَّة على الخاصَّة.
ثُمَّ إنَّ المبعَدين خُيِّروا لتحديد الوجهة التي تناسبهم، لكيلا يقع أيٌّ منهم في أيِّ نوعٍ من الضَّرر.
أفيصحُّ حينئذٍ أن تقول حرام؟!
أين الأسُّس الشَّرعية والنَّظر في مقاصد الأدلَّة وإعمال قواعد المصالح والمفاسد؟ وأين مبدأ ارتكاب أخفِّ الضَّررين وتغليب المصلحة على المفسدة؟ لماذا غيَّبتَ كلَّ هذا يا دكتور؟
أين أنت من الوسطيَّة والاعتدال في الأحكام التي تنادي بها يا دكتور؟
ثُمَّ أين أنت من المبدأ الذي تنادي به من ضرورة الفتوى الجماعيَّة والبعد عن الفتاوى الفرديَّة خاصة في القضايا والأحداث المتعلِّقة بالمصالح والمفاسد حرصًا على مصلحة الأمَّة؟
أم يجوز لك ذلك؟! وفتواك الفرديَّة تنوب عن الفتوى الجماعيَّة؟
رابعًا: تطرُّقه لمسألة سحب الجنسيَّة من سبعة أشخاص، وهجومه الشَّرس على قيادة الدَّولة بقوله:
(..يعني إذا كان بعض الناس سلبوا منهم الجنسية وتركوهم ، هذا يعني شيء غريب ..)
وأقول هل تعرف الغريب يا دكتور؟
الغريب أنَّك لم تتطرَّق إلى ما قام به هؤلاء الأشخاص الذين سُحبت جنسيَّاتهم، مع أنَّ الدَّولة ذكرت عدَّة مسائل بسببها سُحبت جنسيَّاتهم، منها: القيام بأعمال تُهدِّد الأمن الوطنيَّ لدولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة من خلال ارتباطهم بمنظَّمات وشخصيَّات إقليميَّة ودوليَّة مشبوهة، ومنها ارتباط بعضهم بِمنظَّمات وجَمعيَّات مشبوهة ومُدرجة في قوائم الأمم المتَّحدة المتعلَّقة بمكافحة تَمويل الإرهاب.
ولَم تتطرَّق إلى ممارسات بعضهم على شبكات الانترنت وهجومهم الشَّرس على قيادتهم، والطَّعن المبطَّن في رئيس الدَّولة ووليّ عهده، والسَّعي بالنَّميمة بالتَّحريش بين إمارتي أبوظبي ودبي، وتأليب النَّاس على ولاة أمرهم، والتعدِّي على أجهزة أمن الدولة بتشويهها، ووصفها بالألقاب السَّيِّئة، والاستهزاء بها، والطَّعن والتشويه لمؤسسات الدَّولة، والكذب على الدَّولة بادِّعاء أنَّها تحارب الإسلام وتُعربِد في المساجد، و و و ...
فماذا تقول في هذه الانحرافات؟
وماذا تقول في باب التَّعزير المنوط بوليِّ الأمر والذي نصَّ عليه الفقهاء في كتبهم والذي يصل إلى القتل بحسب العلَّة الموجبة للتَّعزير كما لا يخفاك؟
أفلا يحقُّ لولي الأمر أن يعزِّر المجرم؟وما رأيك في تلك العلل المتعلِّقة بأولئك المعتدين هل تُدِينهم شرعًا؟
أم لك رأيٌ خاصٌّ يادكتور؟
أمَّا قولك:(فتركوهم) أي أنَّ الدولة تركت أذيتَّهم فلم تسجنهم ولم تجلدهم مع إساءاتهم؛ فنعم صدقت، لكن بعض هؤلاء السِّتَّة لم يتركوا الدَّولة ومؤسَّساتها، فهم يجلبون بخيلهم ورَجِلهم وتغريداتهم في التويتر بأنواعٍ عدَّةٍ من التُّهم ضدَّ الدولة ومؤسَّساتها.
فهذا حالهم الذي يجب أن تنكرها – أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر - يا دكتور إلاَّ إذا كان المشرب واحدًا فهذا بابٌ آخر.
خامسًا: تحدُّثه عن المجتمع الإماراتي بقوله:
( أهل بلدهم الذين يعاملونهم معاملة غريبة ، يمنعون منهم من يمنعون ، لا يجوز له أن يتحدث لا في الصحف ، ولا في التلفاز ، ولا في الإذاعة ، أي شيء هذا ؟ وبعضهم يسلبون منهم الجنسية ، وبعضهم يفعلون بهم ما يفعلون ، هذا حرام ، هذا لا يجوز ).
وأقول:
من خوَّلك يا دكتور لكي تتحدث باسم المجتمع الإماراتي؟
فالمجتمع الإماراتي عاقلٌ يدرك كيفيَّة بيان وجهة نظره لدولته وولاة أمره، فهو تعلَّم الآداب الشَّرعيَّة في تقديم النَّصيحة لهم، والأمور متيَّسرةً في الدُّخول على وليِّ الأمر، بل أحيانًا ينزل إلى الميدان مَن ينوب عن رئيس الدولة فيخصِّص مكانًا لاستقبال الناس والنَّظر في شؤونهم وقضاياهم، وفَتَح وليُّ الأمر أبوابًا نظاميَّة لتقديم أيِّ شكوى بعيدًا عن الفوضى والغوغائيَّة التي يريدها مروِّجوا الفتنة، فالقضاء بابه مفتوح، والمجلس الوطني بابه مفتوح، ومجلس الوزراء بابه مفتوح، ومؤسسات الاتصال الحكومي بابها مفتوح، فإن كان ولا بدَّ فبإمكانه أن يراجع الديوان لطلب مقابلة الحاكم وعرض مسألته، فالمجتمع بارك الله فيك في غنى عن أن تمثله في نصيحة أو في غيرها.
أما قولك: أهل البلد يعاملون معاملة غريبة؛ فإن كنت تقصد مميزة قائمة على الاحترام والتقدير؛ فنعم، وإن كنت تريد أن ولاة الأمر يظلمون مجتمعهم الإماراتي؛ فما أبعده من رأي ، ولعل هذا ما تريده، إذ حكايتك عن واقع المجتمع الإماراتي بأنه : ( لا يجوز له أن يتحدث لا في الصحف ، ولا في التلفاز) إلخ؛ دليل على مرادك، فإذن يا دكتور من الذي يتكلم في الإذاعة والصحف وغيرها؟ وأين مواطنوا الدولة؟
لا شكَّ بأن كلامك هذا مبالغة ظاهرة، مضمونه مخالف للواقع مخالفة صريحة،وتصويرك للمجتمع بهذه الصورة المجحفة فيه من الظلم ما فيه، وزعمك أن الحقوق فيه انتهكت وأن الأفواه كممت فيه ما فيه من التضخيم وإظهار الأمور على غير وجهها الحق، فإنَّ أي دولة لا تستغني عن نظام تضبط به مؤسساتها الإعلامية وغيرها والتي من خلالها تراعي المصلحة العامة للدولة والمجتمع، فإذا أراد شخص أن يدخل في الإعلام بأجندته الخاصة؛ ليسب رئيس الدولة، ويسفِّه بالقيادات والمسؤولين، وينتقد نقدًا مبنيًّا على أجنداته الحزبيَّة ورؤيته المغلوطة، ويطرح علاجًا فاسدًا يضرُّ أكثر مِمَّا ينفع؛ فلابد أن يُمنع مثل هذا، حتى لا يُفسد في المجتمع ويضرّ بمؤسساته وأفراده، هذا مقتضى الشّرع والعقل والحكمة والنظام يا دكتور، إلاَّ إذا كان الدكتور يستعدي بكلامه هذا المنظمات الخارجيَّة للنيل من قيادتنا ودولتنا كما يفعله بعض المفتونين في الدولة، فهذا باب آخر.