تصريح ذهبي من وزير إيطالي
لا يخفى أن ما شهدته فرنسا من الهجمة الإرهابية التي استهدفتها هو اعتداء مشين يرفضه الإسلام، فالنصوص الشرعية أشهر من أن تذكر في هذا، وتقريرات العلماء في ذلك كثيرة معلومة مسطرة في كتب المذاهب الفقهية المشهورة، وكالعادة فقد انبرى الكتّاب والمثقفون والمختصون لإبداء الآراء حول هذه الجريمة، متفاوتين في أطروحاتهم بين الموضوعية والاعتدال في الطرح، وبين السلبية والخلط بين الأمور..
ومما لفت الأنظار الكلمة الجميلة التي أشار إليها وزير خارجية إيطاليا، والتي أكدت ضرورة تجنب الخلط بين الإرهاب والدين الإسلامي، وهو ما بدى أيضاً في الموقف الفرنسي الذي رفض الخلط بين الإسلام والإرهاب، حيث صرح الرئيسي الفرنسي بأن مرتكبي الأعمال الإرهابية ليس لهم أي صلة بالإسلام.
وهذه شهادات حق في موضعها، لأن الإسلام يرفض الإرهاب والتطرف، بل الإسلام والتطرف كلمتان متضادتان لا يمكن أن تتفقا بحال من الأحوال، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال، جاء لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وجعل هداية الناس للخير وإرشادهم إلى طريق السعادة وتحبيب قيم الخير والفضائل إلى نفوسهم غاية أسمى..
وأقام في سبيل ذلك أسساً فريدة في التعامل الإنساني، فلم يأت الإسلام للقتل والتدمير والهدم، بل جاء لإرساء دعائم السعادة والخير وجلب المصالح للناس ودفع الضرر عنهم، فهو دين الرحمة والعدل والحق والفضيلة والسماحة والسلام والعلم والحضارة، ولهذا لما عاين المنصفون هذه الحقائق ووقفوا على محاسن هذا الدين وجماله وكماله وعدله ورحمته ومقاصده العظمى دخلوا فيه أفراداً وأفواجاً..
حيث سطر التاريخ شهادات كثيرة عن عظمة هذا الدين الحنيف على ألسنة غير المسلمين من فلاسفة وأدباء وشعراء ومؤرخين وسياسيين وغيرهم، ولذلك فمن الواجب على الدول ومن يرسم السياسات فيها والواجب على المؤسسات ودوائر الثقافة والإعلام والكتاب والمثقفين عدم الخلط بين الإسلام والإرهاب.
ومع تلك الكلمة الجميلة التي أدلى بها الوزير الإيطالي وغيره من الساسة والكتاب والإعلاميين في الغرب، والتي تؤكد ضرورة الفصل بين الإسلام والإرهاب، فإنه يؤسفنا أن نرى بعض المثقفين العرب والمسلمين يستخدمون مصطلحات غير موفقة تربط بين الإسلام والإرهاب، من مثل مصطلح «التطرف الإسلامي»..
وهو مصطلح مغلوط يسيء إلى الإسلام وأهله، ولا يعبر عن حقيقة الإرهاب وأسبابه ومخرجاته الحقيقية، بل من شأنه أن يسهم في تكريس ثقافة العداء ضد الدين الإسلامي، وتصويره بأنه مصدر للإرهاب والتطرف، والأسوأ أنه يؤدي إلى خدمة حركات اليمين المتطرف في الغرب..
والتي تسعى إلى التأثير على الرأي العام هناك واستغلال مثل هذه الأحداث لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، بل وخدمة الإعلام الإسرائيلي الذي سارع باستغلال هذه العملية الإرهابية للتحريض ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ومحاولة إثارة الغرب ضدهم، وقد وصف الرئيس الإسرائيلي الجريمة بـ «الإرهاب الإسلامي»، في توظيف مشين للحدث..
فعلى كتابنا ومثقفينا في مختلف الأقطار العربية والإسلامية التفطن لمثل هذا، وأن يسهموا بأقلامهم وأصواتهم في إظهار نقاء الإسلام وصفائه، وفضح معالم الإرهاب وأجنداته الدخيلة، وتكريس ثقافة الفصل بين الإسلام والإرهاب، وأن يحذروا كل الحذر من الألفاظ والمصطلحات التي تدعم التطرف بوجه من الوجوه ، أو التي تربط بين الإسلام والإرهاب.
والدور المنوط بالمؤسسات الدينية وبالعلماء والدعاة في هذا الباب كبير جداً، والحمل عليهم ثقيل لتصحيح المسارات، ووضع النقاط على الحروف، ومن هنا فإني أدعوهم إلى التركيز على بعض المخرجات المهمة التي تساعد في ذلك، منها، حسن التعريف بالدين الإسلامي الحنيف، وبيان الصور المشرقة للحضارة الإسلامية، وإبراز محاسن الإسلام في مختلف الجوانب، وإظهار قيمه الإنسانية ومقاصده العظيمة..
والرد على الشبهات التي تطال الإسلام، وإزالة التصورات الخاطئة عنه، وتعزيز ثقافة الحوار والكلمة الطيبة والكتابة النافعة المفيدة بدلاً من أساليب الثورة والعنف والتطرف، وبيان سماحة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، والتأكيد على مبدأ تأليف قلوبهم، وتحبيب الإسلام إليهم، وأن الإسلام شرع من أجل ذلك البر بهم، والإحسان إليهم، وحسن التعامل معهم، وحذر من تنفيرهم من الدين، وتكريس حرمة الدماء..
وبيان أنها معصومة بالإسلام والإيمان، وأنها معصومة أيضاً بالمسالمة والأمان، وتكريس حرمة الاعتداء على الدول غير المسلمة التي دخلت مع الدول الإسلامية في عقد السلم والأمان بالمعاهدات الدولية ونحوها، وقد أكد الفقهاء على ذلك غاية التأكيد، وبيان خطورة الطرح الاستفزازي الذي يسيء إلى الإسلام والمسلمين، والذي تمارسه بعض الأقلام الطائشة في الغرب..
ومدى التأثيرالسلبي والخطير لذلك في تنمية روح الإرهاب والتطرف واستجلاب الممارسات الإرهابية، والتصدي للتطرف والغلو بأنواعه، وتفنيذ الشبهات المثارة في هذا الباب، وإعداد البحوث والدراسات الموضوعية التي تبين المخرجات الحقيقية للإرهاب، وتعالج الأفكار المنحرفة بلغة راقية ومقنعة، وتضع الحلول الوقائية والعلاجية المناسبة لذلك.
نسأل الله سبحانه أن يوفق الدول الإسلامية ومؤسساتها وعلماءها ومثقفيها لتكريس الصورة المشرقة للإسلام، وحسن إيصال رسالة الإسلام للعالم، والتصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف.