إصلاح القلوب


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد؛

 فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة؛

 إخواني الأفاضل حديثنا الليلة عن أمر شأنه عظيم، هو الأساس الذي تبنى عليه السعادة في الدارين ألا وهو القلب وإصلاحه، لو نظرنا إلى حياة الناس وإلى من ابتلي بمرض في قلبه أجاركم الله جميعا من هذه الأسقام والأوجاع فإنه لا تستقيم له الحياة بقلبٍ مريض، لا قدر الله قد يصاب بجلطة أو بسكتة أو بذبحة تؤدي إلى وفاته، القلب به الحياة حياته في الدين وحياته في الدنيا، حياتك الدينية كذلك مبنية على سلامة قلبك في الدنيا وعلى سلامة قلبك في الآخرة، إذا ما لقيت الله سبحانه وتعالى، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل لما قال: ﵟيَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ٨٩ﵞ ﵝالشُّعَرَاء : ﵘﵘ - ﵙﵘﵜ، هل فكرت يوما وأنت تقرأ هذه الآية ما هو هذا القلب السليم الذي لن ينجو أحد إلا إذا أتى الله به؟ هل فكرت في أقسام القلوب؟ وأن القلوب قد تنقسم إلى قلب سليم وقلب سقيم وقلب حي وقلب ميت، وإذا كان القلب بهذه الأهمية فكيف السبيل إلى إصلاحه وتقويته وصحته لأجل تحقيق السلامة؟

 

 استمع معي أخي الحبيب، نبينا صلى الله عليه وسلم قال في حديث له: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»([1])، هذا الحديث صريح في الدلالة على أهمية العناية بأمور القلوب وسلامتها من الآفات التي قد تعرض لها فتمرضها أو تميتها، وهل يمكن أن يموت قلب الإنسان وهو حي؟ نعم ،إذا كفر بربه وأعرض عن آياته وإيمانه بربه فإن قلبه قد مات، هذا الحديث يدلك على أن القلب هو الأصل فهو ملك الأعضاء والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت الجنود، وإذا خبث الملك خبث الجنود، لماذا علينا أن نهتم بأمر قلوبنا؟

 أولا: لأن قلبك هو محل إيمانك بالله سبحانه وتعالى، الإيمان إقرار وتصديق في القلب وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان، أساس الإيمان هو في قلبك، ألم تسمع قول الله سبحانه وتعالى: ﵟقَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ ٱلۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡﵞ ﵝالحُجُرَات : ﵔﵑﵜ، فالإيمان أساسه في قلبك وهو الإقرار والتصديق بوحدانية الله سبحانه وتعالى وبأركان الإيمان، وأعظم ما أمر الله عز وجل به عباده الإيمان به، قال الله عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵖﵓﵑﵜ، ونجاتك في الدارين إنما هو بتحقيقك الإيمان بالله تعالى، ولا يتحقق لك الإيمان إلا بسلامة قلبك، جاء في المسند([2])  عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»، القلب لماذا يجب أن أعتني به؟ لأنه محل التقوى،

جاء في الحديث عند مسلم([3])  قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا؛ وَيُشِيرُ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ».

 ثانيا: القلب محل نظر الخالق سبحانه وتعالى إلى عبده، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم([4])  في صحيحه: « إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم »، وتأملوا إلى قول الله سبحانه وتعالى مع أهل الإيمان وإلى قوله مع أهل النفاق، قال سبحانه في سورة الفتح: ﵟ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨ﵞ ﵝالفَتۡح : ﵘﵑﵜ ، لما علم صدق ما في قلوبهم جازاهم بأن رضي عنهم وأنزل السكينة في هذه القلوب، وأثابهم فتحا قريبا، لما علم صدق الإيمان في قلوبهم، لكن تأمل في نفس السورة لما ذكر أهل النفاق قال الله عز وجل: ﵟسَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاﵞ ﵝالفَتۡح : ﵑﵑﵜ هل قبل الله استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم؟ الجواب لا، والسبب الاستغفار عمل من أعمال الجوارح ولا بد أن يكون أساسه القلب وهو الإنابة والتوبة والندم على الفعل لكن قلوبهم كانت خالية، وإنما طلبوا هذا الطلب من باب الكذب والمداهنة والمداراة، فلم يقبل الله عز وجل منهم ذلك لأن الله يعلم ما في قلوبهم.

 ثالثا: استقامة القلب استقامة الجوارح، وانحراف القلب انحراف الجوارح كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»، وهنا ذكر أهل العلم قاعدة في السلوك والتصرف فقالوا: صلاح الظاهر دليل على صلاح الباطن، وصلاح الباطن يظهر أثره على الجوارح والظاهر، ولذلك بعض الناس قد يضحك عليه الشيطان تراه متهاونا في الصلاة متهاونا في الفرائض، ربما ارتكب بعض المحرمات، فإذا ما نوصح وكلم قال الحمد لله الإيمان في القلب، وما دام أن القلب نظيف وطاهر فما يضر مثل هذه الأمور، نقول كلا، بل لو كان قلبك سليما عامرا بذكر الله عامرا بالإيمان عامرا بالخوف من الله سبحانه وتعالى لظهر أثر ذلك على جوارحك وعلى عملك.

رابعا: لماذا يجب أن أهتم بقلبي؟ لأن القلب أساسٌ للزيغ والانحراف، إذا لم تتداركه بالعلاج، الزيغ الانحراف يبدأ من القلب إذا مرض واستفحل فيه المرض، تأمل ماذا قال الله عز وجل في سورة آل عمران: ﵟفَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵗﵜ لكن أهل الألباب أهل الصلاح أهل الإيمان دائما يدعون الله عز وجل فيقولون كما قال تعالى: ﵟوَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٧ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ٨ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵗ - ﵘﵜ.

 خامسا: لماذا يجب علي أن أهتم بقلبي وبصلاحه؟ لأن القلب قد يمرض وقد يستفحل به المرض حتى يصل به إلى مرحلة الموت، قال الله تعالى: ﵟيُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٩ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵙ - ﵐﵑﵜ، ليس المرض هنا مرض حسي ليس المقصود به السكتة وليس انسداد الشرايين ونحو ذلك، بل هو مرض معنوي من أمراض القلوب، الرياء من أمراض القلوب، العجب والكبر والحسد والحقد والغل، هذه كلها أمراض تصيب القلب.

سادسا: لماذا يجب أن أهتم بقلبي وبإصلاحه؟ لأن النجاة يوم القيامة لا تكون عند لقاء الله عز وجل إلا بقلب سليم: ﵟيَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ٨٩ﵞ ﵝالشُّعَرَاء : ﵘﵘ - ﵙﵘﵜ، لما تقف عند هذه الآية وتتفكر فيها ينبغي عليك أن تحاسب نفسك، كيف أستطيع أن أقابل ربي بقلب سليم،  ما هي الوسائل التي تجعلني أصلح من حال قلبي.

 سابعا: اهتمام نبينا صلى الله عليه وسلم بأمر القلب، نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيمانا، المؤيد بالوحي من الله سبحانه وتعالى الذي كان يصلي في الليل حتى تتفطر قدماه ولما سئل في ذلك قال: «أفَلاَ أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»([5])  ، كان يهتم بأمر قلبه فكان يدعو ومن ضمن دعائه: «اللهم اجعل في قلبي نورا»([6]) ، وكان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع»([7]) ، وكان يقول: «اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ»([8])  ، وكان يدعو ويقول: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»([9]) .

 نأتي إلى المحور الثاني كيف الطريق إلى إصلاح القلب؟ حتى ألقى الله بقلب سليم أذكر أمران، الأمر الأول مجمل والأمر الثاني تفصيل لكن على وجه الاختصار.

 المجمل ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان يقول رحمه الله: «وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه الشهوات التي هي المعاصي والذنوب-، ومن كل شبهة تعارض خبرهأي مسائل العقيدة-، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة غير الله معه ومن خوفه ورجائه والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذل له، وإيثار مرضاته في كل حال»، هذه كلها أعمال قلوب، بعض الناس يقول ما هي أعمال القلوب: النية عمل القلب الخوف من الله عمل القلب الرجاء من أعمال القلوب، الإنابة والذل لله سبحانه وتعالى هذه من أعمال القلوب كلها لله، قال: «والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده، فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى: إرادة ومحبة، وتوكلا، وإنابة، وإخباتا، وخشية، ورجاء، وخلص عمله لله، فإن أحب أَحَبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم» ([10])، يعني إذا جاء الخبر من الله ومن رسوله استسلم وانقاد ولم يقدم عليه قول أحد كائنا من كان كما قال تعالى: ﵟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ ﵞ ﵝالحُجُرَات : ﵑﵜ هذا على وجه الإجمال.

 أما على وجه التفصيل كيف أستطيع أن أصلح قلبي وأن أحافظ عليه؟

 أولا: الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى لأن القلوب بيد الرحمن يقلبها كيفما شاء وكان من دعاء الصالحين: ﵟ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ٨ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵘﵜ، ونبينا صلى الله عليه وسلم مما صح عنه في الدعاء أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك قلبا سليما»([11])، وكان يكثر صلى الله عليه وسلم من قول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقيل له: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء»([12]) ، ووالله الذي ينظر في الفتن وفي الشبهات والشهوات التي فتحت على الناس أبوابها على مصراعيها بسبب ما يسمى بالعولمة ونحوها يحتاج إلى أن يسأل الله عز وجل الثبات على الحق، وأنت تدعو في كل ركعة من ركعات صلاتك: ﵟ ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ﵞ ﵝالفَاتِحَةِ : ﵖﵜ تحتاج من الله عز وجل أن يثبتك على هذا الإسلام وأن يثبت عن السنة حتى تلقاه، إذًا أولا الدعاء وادع بقلب خاشع ملح على الله عز وجل مستشعرا لأهمية طلبك.

 ثانيا: مما يصلح قلبك قراءة القرآن وتدبره والنظر في مقاصده وحكمه، يقول الله عز وجل: ﵟ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ ٣٧ﵞ ﵝق : ﵗﵓﵜ لما تسمع القرآن أو تقرأ القرآن ألق سمعك واحضر حضور من يخاطبك به من تكلم به سبحانه وتعالى ما السبب لأن آيات القرآن رسائل من الله لنا، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «إِذَا سَمِعْتَ في القرآن: "يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" فَارْعَهَا سَمْعَكَ؛ فَإِما خَيْرٌ تؤمرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ تُنْهَى عَنْهُ»([13]) .

 ثالثا: مجاهدة النفس في إصلاح القلب وعمارته بمحبة الله ومحبة ما يحبه، وبغض ما يبغضه الله من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ومن تم له هذا فقد استكمل إيمانه، قال صلى الله وسلم: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان» ([14]) ، فإذا كان القلب صالحا وليس فيه إلا إرادة الله سبحانه وتعالى أنك تريد الله تريد اليوم الآخر تريد أن تحقق رضا الله سبحانه وتعالى تريد أن تصل إلى الله عز وجل: ﵟفَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠ﵞ ﵝالكَهۡف : ﵐﵑﵑﵜ فإنك ستسارع إلى تحقيق مرضاة الله سبحانه وتعالى، وستكف عما يكرهه ويبغضه عز وجل.

 رابعا: مما يسلم قلبك الابتعاد عن الذنوب والمعاصي، والابتعاد عن الشبهات والبدع هذان أمران قد جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم في حديث واحد محذرا، قال صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا»، تعرفون الحصير؟ الحصير الذي يصنع من النخل من سعف النخل، قال: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ»، وهذا ماذا؟ القلب العامر بذكر الله الذي فيه السكينة من الله سبحانه وتعالى الذي ملئ محبة لله سبحانه وتعالى، والآخر يقول صلى الله عليه وسلم: «وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»([15])، وليحذر المسلم من الصغائر لأن الصغائر مما تستهونها النفوس وتستمرؤها الأحوال والناس يستمرؤونها فيفعلونها على أساس أن الله غفور رحيم كل ما تنصح إنسان بشيء في ذنب إن الله غفور رحيم، نعم، ولكن الله شديد العقاب، واستمراؤك للذنب يزيده ذنبا، أحد من ابتلي بالنظر إلى المسلسلات والأفلام وقد تركها، يقول: وجدت في نفسي قسوة قلب فلا أكاد أفتح المصحف إلا وأتمنى الوقت الذي أنهي فيه الحزب أو الآية أو الصفحة التي يقرأها وإذا جيت أصلي خلف الإمام لا أخشع ولا أشعر بخشوع فركعتي الأولى هي مثلها الأخيرة، وما أن ينتهي الإمام من التسليم إلا وأنصرف من الصلاة حتى الذكر ما أجلس ولا أقول بالذكر ولا أصلي النوافل يقول حتى جلست أحاسب نفسي على ذلك، فوجدت أني أقبل على شيء هو السبب في ذلك وهو النظر إلى ما حرم الله، وهذه من الأمور التي استهونها كثير من الناس أن ينظر إلى ما حرم الله عليه، ألم يقل ربك سبحانه وتعالى: ﵟقُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡﵞ ﵝالنُّور : ﵐﵓﵜ ألم يخاطب رب العالمين النساء وقال لهن: ﵟوَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّﵞ ﵝالنُّور : ﵑﵓﵜ فهل أنت ممتثل هذا الأمر لما تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفاز أو ما هو أبعد من ذلك بأن تشاهد العرايا وغير ذلك، ثم تأتي بعد ذلك تريد أن تفتح المصحف أو تصلي وقلبك خاشع، قلبك قد ملئ بالذنوب والمعاصي فيحتاج إلى صقل وتنقية وتنظيف ونخل وغربلة حتى يرجع حيا طريا مقبلا على ربه سبحانه وتعالى، فالذنوب والمعاصي من أسباب انتكاسة القلب ومرضه، وكذلك الشبهات والبدع فإنها تصد القلب عن الله وعن الوصول إليه، وربما أماتت القلب خصوصا إذا توغل العبد في هذه الشبهات فيما يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى أو بالإيمان، لذلك لا تلقي سمعك لكل أحد بعض الناس وصل إلى درجة الإلحاد، والكفر بالله ينكر وجود الله سبحانه وتعالى ويستدل على ذلك ببعض النظريات الغربية لأجل أن يطعن في دين الله سبحانه وتعالى، وعندنا القرآن هو اليقين هو الأساس هو الثابت، وتلكم النظريات إذا عارضت ديننا وعارضت كتاب ربنا لا نقبلها، فيجب على المسلم أن  يبعد نفسه عن ذلك.

 كذلك مما يصلح قلبك: التفكر في عاقبتك ومآلك والتفكر في الموت وزيارة قبرك ، المقابر فإنها تذكر الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة »([16]) ، أنت يوم القيامة ستأتي بين يدي الله سبحانه وتعالى لن يغني عنك أحدﵟيَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذٖ شَأۡنٞ يُغۡنِيهِ ٣٧ﵞ ﵝعَبَس : ﵔﵓ - ﵗﵓﵜ.

 من أمراض القلب: الطمع من أمراض القلب الحسد من أمراض القلب الجشع والغل، هذا كله سيذهب عنكم ولن ينفعك، يوم القيامة ستأتي بعملك حسدت الآخرين على أموالهم حسدت أخاك على منصب الذي قد حصله أو الترقية التي نالها لن تجد ذلك يوم القيامة أمامك، بل تجد سوء ما فعلت وحسن ما فعلت، ففكر في عاقبة أمرك بإذن الله تعالى يتحرك قلبك إلى ما فيه الصلاح.

 سادسا: الإكثار من ذكر الله، قال تعالى: ﵟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ ٢٨ﵞ ﵝالرَّعۡد : ﵘﵒﵜ اطمئنان قلبك وسكينته من أعظم النعم عليك، ترتاح حتى في حياتك الدنيا ترتاح تضع رأسك على المخدة وتنام لا تحقد على أحد ولا تغل على أحد ولا أن قلبك فيه شك وريب تفكر باستمرار وعندك وسواس، قلبك مطمئن أنت تعرف تعبد من، تعرف الغاية المطلوبة منك تضع رأسك على المخدة وأنت تذكر أذكار النوم، تريد أن تصلي صلاة الفجر أو تقوم قيام الليل، وقيام الليل كذلك مما يرقق القلب ويلينه.

سابعا وأخيرا: طلب العلم الشرعي في المساجد يصلح القلوب، كيف ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بينهم، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»([17]) ، السكينة تنزل في أي جزء فيك في قلبك، كما قال تعالى: ﵟهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡﵞ ﵝالفَتۡح : ﵔﵜ .

 الوسائل كثيرة لكن أكتفي بهذا القدر المسئولية عليك في محاسبة نفسك، ما هي حالك مع قلبك وما هي حال قلبك مع ربك، ما هي حال قلبك في عبادتك وإقبالك على الله، ما هي حالك في خشوعك في صلاتك عند قراءتك القرآن عند تلاوتك عند دعائك وخشوعك إن كنت مقبلا على الله فأنت في نعمة واستمر وأكثر ليزداد إيمانك، وانظر في الأمور التي يزداد بها الإيمان، فكلما ازداد إيمانك كلما سلم قلبك، فإن وجدت غير ذلك فانظر إلى الأسباب التي تصدك عن الله وعن الوصول إليه ونيل رضاه ثم عالجها قبل أن تأتي لحظة لا تستطيع فيها الرجوع.

 أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لكل خير، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمته فإنه لا يملكها إلا أنت، اللهم إنا نسألك قلبا سليما وقلبا خاشعا يا ذا الجلال والإكرام.

 هذا والله أعلم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 

 


 

([1]) رواه البخاري (52)، ومسلم (1599).

([2]) رقم (13048).

([3]) رقم (2564).

([4]) رقم (2564).

([5]) رواه البخاري (4837)، ومسلم (2820).

([6]) رواه البخاري (6316)، ومسلم (763). 

([7]) رواه الترمذي (3482)، والنسائي (5442)، وأبو داود (1548)، وابن ماجه (250).

([8]) رواه البخاري (744)، ومسلم (598).

([9]) رواه الترمذي (3522).

([10]) إغاثة اللهفان (1/7-8).

([11]) رواه أحمد (17133).

([12]) رواه الترمذي (3482)، والنسائي (5442)، وأبو داود (1548)، وابن ماجه (250).

([13]) الزهد للإمام أحمد (866).

([14]) رواه أبو داود (4681).

([15]) رواه مسلم (144).

([16]) رواه أحمد (1236).

([17]) رواه مسلم (2699).