القارعة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد؛
فحديثنا في هذه الليلة معاشر الأحبة عن سورة عظيمة من سور القرآن الكريم، ألا وهي سورة القارعة، يقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم: ﵟٱلۡقَارِعَةُ ١ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٢ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٣ يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ ٤ وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ ٥ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ نَارٌ حَامِيَةُۢ ١١ﵞ ﵝالقَارِعَة : ﵑ - ﵑﵑﵜ،
فالقارعة معاشر الأحبة اسم من أسماء يوم القيامة كالحاقة والصّاخة والطامة والغاشية والساعة وغير ذلك من الأسماء الكثيرة التي جاءت في النصوص الشرعية، وقد تعددت أسماء هذا اليوم وهو يوم القيامة في النصوص الشرعية للتنبيه على عظم هذا اليوم، وأنه يكون فيه ما يكون من أهوال وأمور عظام، وهذه السورة من السور المكية، والسور المكية تميزت بالتركيز على أصول العقائد والدعوة إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والجنة والنار ونحو ذلك، ومن ذلك ما جاء في هذه الآيات الكريمة في هذه السورة، فالقارعة اسم من أسماء يوم القيامة سميت بذلك لأنها تقرع قلوب الناس وتزعجها وتفزعها بأهوالها، قال الله تعالى: ﵟوَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ ٨٧ﵞ ﵝالنَّمل : ﵗﵘﵜ، فهي تقرع القلوب بعد قرع الأسماع، وهذه القارعة هي قارعة عظيمة لا نظير لها قبل ذلك لذلك قال الله عز وجل بعدها ﵟمَا ٱلۡقَارِعَةُ ٢ ﵞ، وهذا الاستفهام للتعظيم والتفخيم والتهويل، يقول الله سبحانه وتعالى ما هي هذه القارعة التي تذكرها هذه الآيات؟ ثم قال: ﵟوَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ ٣ ﵞ، وهذا فيه تكرار للاستفهام، وهذا لزيادة التفخيم والتعظيم لهذا اليوم العظيم، فأي شيء أخبرك عن هذه القارعة فما أعظمها وما أشدها على الناس، ثم بين سبحانه وتعالى متى تكون هذه القارعة، فقال جل وعلا: ﵟيَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ ٤ ﵞ أي: أنها تكون في ذلك الوقت وفي ذلك الحين يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، أي حينما يخرجون من قبورهم، فمن شدة الفزع والهول يكونون كالفراش المبثوث في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم مما هم فيه، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﵟكَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ ٧ﵞ ﵝالقَمَر : ﵗﵜ كالجراد المنتشر الذي يموج بعضه في بعض، والفراش هي الطيور الصغيرة التي تتزاحم عند وجود النار في الليل، وهي ضعيفة يموج بعضها في بعض، لا تدري أين تتوجه، فإذا أوقد لها نار تهافتت إليه لضعف إدراكها وطيشها، فهم في ضعفهم وحيرتهم وانتشارهم يشبهون هذا الفراش في ضعفه وحيرته وتراكمه وسيره إلى غير هدى، وفي تشبيه الناس يوم البعث بالفراش مناسبات كثيرة كما قال بعض أهل العلم، وفيها ما فيها من المناسبات الكثيرة البليغة كالطيش والانتشار والكثرة والضعف والذلة والمجيء بغير رجوع والقصد إلى الداع والإسراع وركوب بعضهم بعضا والتطاير إلى النار إلى غير ذلك مما فيها من التشبيه الجميل والتشبيه الذي يناسب هذا المقام، ولو تصورت أخي الفاضل وأختي الفاضلة لو تصور كل واحد منا هذا المشهد، لو تصورنا المشهد في خروج الناس من قبورهم على هذا الوجه لتصورت أمرا عظيما لا نظير له، يخرجون كلهم في آن واحد من زمن آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة، يخرجون من هذه القبور التي قد انتشرت في شرق الأرض وغربها، يخرجون من القبور ومن غير القبور كالذي مات في قيعان البحار والذين ماتوا في فلوات الأرض وأكلتهم السباع والوحوش وما أشبه ذلك، كلهم سيخرجون مرة واحدة يصولون ويجولون في هذه الأرض، كما قال الله تعالى: ﵟ يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ ٤٣ﵞ ﵝالمَعَارِج : ﵓﵔﵜ مجيبين لدعوة الداعي، مهطعين لا يتمكنون من الاستعصاء والالتواء لنداء المنادي، بل يأتون أذلاء مقهورين للقيام بين يدي رب العالمين، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» ([1])، فهذه حال الناس -معاشر الفضلاء- هذه حال الناس أهل العقول، وأما الجبال العظيمة الجبال الصلبة الراسية تكون كما أخبر الله سبحانه وتعالى، فتكون كالعهن المنفوش أي: كالصوف المنفوش وقيل كالقطن المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والتمزق تطير به أدنى ريح، قال تعالى: ﵟتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِﵞ ﵝالنَّمل : ﵘﵘﵜ ثم بعد ذلك تكون هباء منثورا، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد، كما قال الله عز وجل: ﵟوَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا ٢٠ﵞ ﵝالنَّبَإ : ﵐﵒﵜ وقال سبحانه: ﵟوَبُسَّتِ ٱلۡجِبَالُ بَسّٗا ٥ فَكَانَتۡ هَبَآءٗ مُّنۢبَثّٗا ٦ﵞ ﵝالوَاقِعَة : ﵕ - ﵖﵜ وقال عز شأنه: ﵟوَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا ١٠٥ فَيَذَرُهَا قَاعٗا صَفۡصَفٗا ١٠٦ لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجٗا وَلَآ أَمۡتٗا ١٠٧ﵞ ﵝطه : ﵕﵐﵑ - ﵗﵐﵑﵜ، فهذه معاشر الفضلاء هذه حال الجبال الصم الراسيات، قال الله عز وجل: ﵟفَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ ١٣ وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ ١٤ فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ ١٥ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ ١٦ وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ ١٧ يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ ١٨ﵞ ﵝالحَاقَّة : ﵓﵑ - ﵘﵑﵜ، نعم عباد الله لا تخفى منكم خافية في ذلك اليوم العظيم، فأعدوا لهذا اليوم ما تعدون، وأعدوا للسؤال جوابا وليكن الجواب صوابا، نسأل الله أن يعافينا وإياكم من كل سوء وشر.
وقال سبحانه وتعالى: ﵟفَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ٤٢ يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ ٤٣ خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ٤٤ﵞ ﵝالمَعَارِج : ﵒﵔ - ﵔﵔﵜ، نعم لقد وعدنا الله سبحانه وتعالى هذا اليوم، وأنذرنا وحذرنا وأرسل إلينا الرسل وأنزل عليهم الكتب ليهدوننا إلى سواء السبيل، ولكن منا من أطاع ومنا من عصى، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من الطائعين الفائزين.
وقال سبحانه وتعالى: ﵟفَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ ٱلۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا ١٧ ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا ١٨ﵞ ﵝالمُزَّمِّل : ﵗﵑ - ﵘﵑﵜ، وقال عز شأنه: ﵟإِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ ١ يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ ٢ﵞ ﵝالحَج : ﵑ - ﵒﵜ، وهذا معاشر الفضلاء هذا فيه تنبيه وزجر لكل من سوّلت له نفسه مخالفة أمر الله عز وجل، تذكر يا عبد الله، تذكري يا أمة الله، تذكروا هذا اليوم يوما يجعل الولدان شيبا، تشيب فيه الولدان وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن الأمر شديد ولكن عذاب الله شديد، وما يرونه من أهوال وأحوال وأمور عظام وأحداث جسام تهون وتشيب له الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، فحينئذ معاشر الفضلاء حينئذ تنصب الموازين، وينقسم الناس إلى قسمين إلى سعداء وأشقياء، قال الله عز وجل: ﵟ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ نَارٌ حَامِيَةُۢ ١١ﵞ قسم الله سبحانه وتعالى هنا الناس إلى قسمين: القسم الأول: الذين ثقلت موازينهم ورجحت حسناتهم على سيئاتهم، فهؤلاء هم الناجون، والقسم الثاني: من خفت موازينه ورجحت سيئاته على حسناته أو لم تكن له حسنات أصلا كالكافر نسأل الله العافية والسلامة، يقول عز وجل: ﵟ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ ﵞ أي أنه في حياة طيبة في حياة راضية، ليس فيها نكد ليس فيها صخب ليس فيها نصب ولا تعب، كاملة من كل وجه وهذا يعني العيش في الجنة جعلنا الله وإياكم من أهلها، هذا العيش لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين، ولا يحزنون ولا يخافون فهم في أنعم عيش وأطيب بال وأسر حال، فهي عيشة راضية ﵟ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ ﵞ وهو إما أنه كما قلنا إنه الكافر، أو أنه من رجحت سيئاته على حسناته ﵟ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ نَارٌ حَامِيَةُۢ ١١ﵞ كما قال الله عز وجل، وفي قول الله عز وجل: ﵟوَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ ﵞ فالمقصود به إما أنه الكافر أو من رجحت سيئاته على حسناته؛ لأن حسنات الكافر يجازى بها في الدنيا ولا تنفعه في الآخرة، أو أنه المسلم الذي قد أسرف على نفسه بالسيئات والمعاصيﵟ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ ﵞ والأم هنا بمعنى التي يرجع إليها ويصير إليها في المعاد وهي الهاوية، والهاوية اسم من أسماء النار نعوذ بالله منها ومن شرها ومن سمومها، والهاوية من أسماء النار يعني: أن مآله إلى نار جهنم، قال ابن جرير([2]) : وإنما قيل للهاوية أمه لأنه لا مأوى له غيرها، وقيل إن المراد بالأم هنا أم الدماغ، والمعنى أنه يلقى في النار على أم رأسه كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنها.
وجاء عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: «إِذَا قُبِضَتْ نَفْسُ الْعَبْدِ تَلَقَّاهُ أَهْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَمَا يَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ فِي الدُّنْيَا، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ لِيَسْأَلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْظِرُوا أَخَاكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةٌ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ؟ فَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ هَلَكَ، فَيَقُولُونَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِيَّةُ، قَالَ: فَيُعْرَضُ عَلَيْهِم أَعْمَالُهُمْ، فَإِذَا رَأَوْا حَسَنًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: هَذِهِ نِعْمَتُكَ عَلَى عَبْدِكَ فَأَتِمَّهَا، وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِعَبْدِكِ» ([3])، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى([4]) : وإذا كانت الآية تحتمل معنيين لا يترجح أحدهما على الآخر، ولا يتنافيان فإنه يؤخذ بالمعنيين جميعا، فيقال يرمى في النار على أم رأسه، وأيضا ليس له مأوى ولا مقصد إلا النار نسأل الله العافية والسلامة.
قال الله عز وجل: ﵟ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ ﵞ وهذا من باب التفخيم والتعظيم لهذه الهاوية، أتدري ما هي هذه الهاوية؟ إنها شيء عظيم إنها نار حامية في غاية ما تكون من الحرارة واللهب والسعير، جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا» ([5])، نسأل الله العافية والسلامة، وفي هذا معاشر الفضلاء في هذه الآيات وفي هذه النصوص الشرعية فيها من التخويف والتحذير لك يا ابن آدم من هذا اليوم العظيم، فالناس لا يخرجون عن هذين الحالين إما رجل ترجحت حسناته على سيئاته أو رجل ترجحت سيئاته على حسناته، نسأل الله أن ينجينا وإياكم منها.
ثم بين أهل العلم رحمهم الله تعالى في هذه الآيات ما دلت عليه من مسائل عظيمة، ومن مسائل جليلة القدر، ومنها ما دلت عليه هذه الآيات من الإيمان بالميزان يوم القيامة أن أعمال العباد توزن كما جاء في الأثر، والميزان هو ميزان حقيقي له كفتان ولسان، توزن فيه أعمال العباد فيرجح بمثقال ذرة من خير أو شر، ينصب الميزان يوم القيامة لوزن أعمال العباد، والوزن يكون بعد الحساب لأن المحاسبة إنما هي لتقرير الأعمال والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها، وقد استفاضت النصوص الشرعية وجاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء في كلام سلف هذه الأمة من الأدلة الكثيرة على ثبوت الميزان، فمن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﵟوَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ ٤٧ﵞ ﵝالأَنبِيَاء : ﵗﵔﵜ، وقال سبحانه وتعالى: ﵟفَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩ﵞ، وفي هذا إثبات لهذا الميزان الذي يكون يوم القيامة، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ»([6])، فإذًا هذه أدلة ظاهرة واضحة الدلالة على ثبوت الميزان يوم القيامة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ردا على من أنكر هذا الأصل من أصول أهل السنة الذي آمنوا به والذي أيقنوا وصدقوا به، وما خالف فيه إلا بعض أهل البدع من الجهمية والمعتزلة فأنكروا الميزان وزعموا أن الوزن هو العدل، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: «الْمِيزَانُ هُوَ مَا يُوزَنُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَهُوَ غَيْرُ الْعَدْلِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)، (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ)، وَقَوْلِهِ: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) -ثم ساق بعض الأدلة والأحاديث التي فيها وزن الأعمال ثم قال بعد ذلك-: وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُوزَنُ بِمَوَازِينَ تَبَيَّنَ بِهَا رُجْحَانُ الْحَسَنَاتِ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَبِالْعَكْسِ فَهُوَ مَا بِهِ تَبَيَّنَ الْعَدْلُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْوَزْنِ الْعَدْلُ كَمَوَازِينِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ تِلْكَ الْمَوَازِينِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَيْفِيَّةِ سَائِرِ مَا أُخْبِرْنَا بِهِ» ([7])، فهذه المسألة معاشر الفضلاء أدرجها علماء أهل السنة في كتب العقائد ليبينوا ما تميز به أهل السنة عن أهل البدع، وهو أن أهل السنة يؤمنون بهذا الميزان وأنه ميزان حقيقي كما أخبر أهل السنة، ولم يخالف في هذا إلا بعض أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن قال بقولهم، وممن خالف في هذه المسألة ما جاء يعني في هذا العصر عن بعض أساطين أهل البدع من الإخوان المفسدين كسيد قطب ومن قال بقوله من المفسدين أنكروا هذه الحقيقة كما بينها أهل العلم، أنكروا حقيقة الميزان وذهبوا إلى قول أهل البدع الذين قالوا بأنه العدل، وهذا لا شك أنه دلالة على الضلال وعلى الانحراف؛ لذلك معاشر الأحبة تجنبوا هذه الفرق وهذه الضلالات من إخوان أو من سار على نهجهم أو من سار على دربهم، ولا تغتروا بمعسول كلامهم أو بجميل عباراتهم، فإنهم يقودون المسلم إلى الضلالات وإلى الانحرافات التي ذهب إليها كثير من أهل البدع لا كثرهم الله، فعلى المسلم أن يتقيد بما جاءت به النصوص الشرعية وما جاء في أقوال سلف هذه الأمة، ويجانب أهل البدع ويفارقهم في هذه المسألة وفي المسائل الأخرى التي دلت عليها النصوص الشرعية، فأهل السنة يثبتون هذه الحقيقة وهي أن الله سبحانه وتعالى ينصب الموازين يوم القيامة، وتوزن الأعمال وكما أخبر الله سبحانه وتعالى: ﵟوَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ﵞ ﵝالأَنبِيَاء : ﵗﵔﵜ، فهو ميزان حقيقي توزن به الأعمال وتوزن به الصحائف ويوزن به العامل، كما دلت عليه النصوص الشرعية كما سيأتي معنا في حديثنا.
ثم بعد أن ذكرنا هذا القول عن شيخ الإسلام ابن تيمية ننتقل إلى مسألة أخرى وهي أن النصوص الشرعية قد جاء فيها أنه ميزان وجاء في نصوص أخرى على صيغة الجمع وأنها موازين، فهل هو ميزان واحد أم أنها موازين متعددة؟ قال بعض أهل العلم إنه ميزان واحد وإنما جمع باعتبار الموزون؛ لأنه يوزن فيه الحسنات والسيئات، وتوزن فيه حسنات فلان وفلان وتوزن فيه حسنات هذه الأمة والأمة الأخرى، فهو مجموع باعتبار الموزون لا باعتبار الميزان وإلا فالميزان واحد، وهذا قول لبعض أهل العلم، ومن أهل العلم من قال إنها موازين متعددة لكل أمة ميزان ولكل عمل ميزان فلهذا جمعت هذه الموازين، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «والأظهر ـ والله أعلم أنه ميزان واحد ـ لكنه جمع باعتبار الموزون على حسب الأعمال، أو على حسب الأمم، أو على حسب الأفراد» ([8]).
ثم بعد ذلك ننتقل إلى مسألة أخرى كذلك، وهي ما هو الذي يوزن في هذه الموازين؟ فالذي قد قرره أهل العلم وأهل السنة وسلف هذه الأمة أن الذي يوزن هو كل من الأعمال والعامل وصحائف الأعمال، فالدليل على وزن الأعمال ما جاء في قوله تعالى: ﵟوَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٨ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ ٩ﵞ ﵝالأَعرَاف : ﵘ - ﵙﵜ، وقال تعالى: ﵟوَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ ٤٧ﵞ ﵝالأَنبِيَاء : ﵗﵔﵜ، وقال عز وجل: ﵟفَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ ٨ﵞ ﵝالزَّلزَلَة : ﵗ - ﵘﵜ، وهذا معاشر الفضلاء دليل على وزن الأعمال، وأما الدليل على وزن الصحائف فما جاء في حديث البطاقة مما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» ([9])، وهذا معاشر الفضلاء يدل على فضل كلمة التوحيد وثقلها في الميزان، وأن لا إله إلا الله لها ثقل عظيم في الميزان، فعلينا إن تكلمنا وقلنا ونطقنا بهذه الكلمة أن نستحضر معانيها ونعمل بما تقتضيه هذه الكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا معاشر الفضلاء من الأدلة على وزن صحائف الأعمال، وكذلك يوزن العامل كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﵟفَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا ١٠٥ﵞ ﵝالكَهف : ﵕﵐﵑﵜ، جاء في الحديث: «إِنَّهُ لَيَأتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» ([10])، وروى الإمام أحمد رحمه الله من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: « أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ» ([11])، فهنا معاشر الأحبة في هذه النقولات وفي هذه النصوص الشرعية فيها دلالة ظاهرة على أن الذي يوزن إنما هو الأعمال وصحائف الأعمال والعامل كذلك يوزن، وهذا الذي قد جاء في شرعنا المطهر، قال الله عز وجل: ﵟ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ ٧ ﵞ، أي: من رجحت حسناته على سيئاته فهو في عيشة منعمة وحياة طيبة وحياة هانئة سعيدة مطمئنة فهو في عيشة راضية ﵟوَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُه ﵞ أي بأن لم تكن له حسنات أصلا أو كانت له حسنات لكن السيئات قد رجحت وزادت حسناته، فإنه ماذا؟ فهو في معيشة سيئة وفي نار حامية ﵟوَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ﵞ قال الله عز وجل: ﵟنَارٌ حَامِيَةُۢ ١١ﵞ أي أنه يكون ممن ترجحت سيئاته على حسناته فيكب على وجهه في نار جهنم إن لم يتغمده الله رحمة منه وفضل، قال أهل العلم وهذا الأمر في قول الله عز وجل: ﵟوَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ ١٠ﵞ هذا فيه تعظيم لشأن هذه النار التي هي حامية شديدة الحرارة قد زادت حرارتها على حرارة نار الدنيا بسبعين ضعفا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا يسلمنا وإياكم منها.
ولم يذكر في هذه الآيات من تساوت حسناتهم وسيئاتهم ولكن الله سبحانه وتعالى قد بين هذا الأمر في سورة الأعراف، وأنهم أهل الأعراف وأنهم يحبسون على مكان يقال له الأعراف، وذكر الله سبحانه في ذلك الموضع في سورة الأعراف ما يجري بينهم وبين المؤمنين، وأنهم إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى في مثل هذه المواضع فائدة جميلة، وهي أن المؤمن في ذلك موقف حينما تستوي حسناته مع سيئاته ويحبس في ذلك الموضع يصيبه من الهم والغم والحزن ما يصيبه، وقد عرفنا وتعلمنا بأن المؤمن ما يصيبه من هم ولا غم ولا حزن إلا كفر به من خطاياه ومن سيئاته، فحينما يصاب بها الأمر ويصيبه من الهم ما يصيبه تزداد حسناته وتقل سيئاته، فترجح حسناته على سيئاته، وهذا من فضل الله عز وجل ورحمته، فيدخل بها الجنة ويكون مآله إلى الجنة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن رجحت حسناتهم على سيئاتهم، وأن يغفر لنا زلاتنا وأن يقيل عثراتنا، وأن يوفقنا وإياكم لسلوك سبيل أهل السنة والسير على درب الذين اصطفاهم الله سبحانه وتعالى والذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) رواه البخاري (6527)، ومسلم (2859).
([2]) ينظر: جامع البيان (24/576).
([3]) أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص149)، صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2758) موقوفا على أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
([4]) تفسير جزء عم (ص298).
([5]) رواه مسلم (2843).
([6]) رواه البخاري (6406).
([7]) مجموع الفتاوى (4/302).
([8]) تفسير جزء عم (ص299).
([9]) رواه الترمذي (2639).
([10]) رواه البخاري (4729)، ومسلم (2785).
([11]) رواه أحمد (3991).