قصة وعبرة: هذا ما سيسأل عنه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 
القسم: 

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، والصلاة والسلام المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛

فالإنسان في بعض الأحيان يكون في نعم لكن لا يشعر بها، وقد يكون سببًا من الأسباب مساسه وقربه من هذه النعمة ، ونعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة، وآلاءه علينا غزيرة، سوف نقرأ معكم هذه القصة، ونتأمل فيها أمرًا مهمًا وفوائد كثيرة.

 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال -في قصة جميلة- يذكرها أن عمر خرج من بيته فوجد أبا بكر، ثم وجدهما النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا أَخْرَجُكُمَا مِنْ بَيْتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَة -لاحظ الجواب قالا: الجوع، أبو بكر وعمر يخرجان من البيت يبحثان عن لقمة يأكلانها، وأشد من هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا -فالنبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته بسبب الجوع فقال-: قُومُوا، فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَار فَإذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِه - أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأنصار فما وجده في البيت- فلما رأته امرأة هذا الرجل قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري والنبي صلى الله عليه وسلم عند الباب، فنظر إلى النبي الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافًا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال: كلوا من هذه وأخذ المدية -يعني السكين- ليذبح شاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيَّاكَ وَالحَلُوب -يعني لا تقرب ذات اللبن- فذبح لهم شاة، فأكلوا منها ومن ذلك العذق وشربوا من اللبن، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: « والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،-أيّ نعيم...عذق وشاة ولبن؟!، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:  أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَبْتُمْ مِنْ هَذَا النَّعِيمِ» ([1]) .

 لاحظ هذا الموقف العظيم، إذا كان أبو بكر وعمر أفضل الأمة سيسألون عن هذا النعيم، وهذا النعيم كان شاة وعذق نخلة ولبنًا، أكلاه بعد جوع فما بالك بمن النعم عنده يوميًا لا يخلو بيته من رطب ولبن وماء ولحم ودجاج وسمك في بيت هانئ، نعم كثيرة سنسأل عنها، مسكن واسع، مركب جميل، زوجة أولاد خدم أجهزة بين أيدينا، ملبس جميل، وكل يوم تبدل هذا الملبس من الملبس إلى ملبس آخر ومحفظتك لا تخلو من النقود، والعيشة هنية رغدة، والبلاد آمنة تركب وتذهب وترجع بكل أمان، هل تتوقعون أننا لن نسأل عن هذا النعيم، بلى والله لنسألن عن هذا النعيم فيما فعلنا فيه، وكيف استخدمناه، وهل شكرنا الله عليه، وهل أدينا حق الله فيه، بعض الناس ملّ من النعمة التي عنده، يقول لك كل يوم نحن نجلس على نفس الفراش، وكل يوم نأكل نفس هذا الأكل، وبين سنة وسنة يملّ من سيارته، ويريد سيارة أخرى، وهكذا ملول من النعم، لا يشعر بها، بعض الأزواج وبعض الزوجات ما شعر بنعمة الأولاد، ملّ منهم فما أحسن تربيتهم وما شكر الله على هذه النعمة وهكذا.

 الملل من النعم وعدم شكرها سبب لزوالها، يقول الله سبحانه وتعالى في قصة سبأ: ﵟلَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ ١٥ فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ ١٦ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ ١٧ وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمۡ وَبَيۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَا قُرٗى ظَٰهِرَةٗ وَقَدَّرۡنَا فِيهَا ٱلسَّيۡرَۖ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ١٨ﵞ ﵝسَبَإ : ﵕﵑ - ﵘﵑﵜ ، أمنٌ في الطريق، ملّوا من هذه النعمة ﵟفَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ ١٩ﵞ ﵝسَبَإ : ﵙﵑﵜ  ملوا النعمة لماذا الطريق سهل والقرى من حولنا عامرة، باعد بيننا وبين أسفارنا، بيننا وبين هذه المدن، ملوا النعم أعرضوا عن الله كفروا نعمة الله، ما أطاعوا الله ما شكروا النعمة، فترتب على ذلك زوال النعمة.

*   من صور عدم شكر النعم.

 عندنا بعض الصور التي هي ليست من شكر النعم، ماء مهدور وطعام يرمى في النفايات فائض، وملبس جديد يرمى، هذه بعض الصور التي ليس فيها شكر النعم، إسراف في المال عند بعض الناس، فهذا خطر على ديمومة هذه النعم.

 وضع قاعدة مهمة في قلبك، أول بداية زوال النعم تغيرك الداخلي، كيف؟ إن شعرت بملل تضايقت من النعم التي عندك، رأيت أن هذه النعم ليست بنعم نظرت إلى النعم الأخرى التي في أيدي الناس الآخرين، بدأت تتغير من الداخل فاعلم أنه قد تتغير عليك هذه النعم ﵟ ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٥٣ﵞ ﵝالأَنفَال : ﵓﵕﵜ، لن يغير الله عليك حتى تتغير، فإن تغيرت ستتغير النعم عليك، ولاحظ آخر الآية: ﵟ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞﵞ  سميع بما تقول إن أردت التبديل والتغيير، وعليم بما في داخلك إن نويت أن تغيَّر هذه النعم.

*   أسباب تعين على شكر النعم.

 وإن أردت أن تكون في عافية فعلّم نفسك كيف تشكر القليل من النعم، فمن شكر القليل سيشكر الكثير ومن لم يشكر القليل لن يشكر الكثير، علّم نفسك تنظر إلى من هو دونك، انظر إلى بعض الناس الذين هم في الصحة أقل منك، في المال أقل منك في العيال أقل منك في الملبس أقل منك، فستشكر الله سبحانه وتعالى على النعم التي عندك.

 تذكر حالنا قبل سنوات، اجلس مع الآباء اجلس مع كبار السن، انظر هم قبل خمسين سنة كيف كان؟ من الفقر والجوع والتقشف والعيشة الصعبة، انظر إلى بعض المجتمعات التي كانت غنية قوية، وانهارت فأصبحت فقيرة ضعيفة.

 لابد أن تعالج نفسك وضروري جدًّا أن تربي أبناءك على محبة هذه النعم وتقديرها، وشكر الله عليها؛ لأن بعض الأبناء ينشأ في نعمة وفي خير فيظن أن هذه النعم ملك له لن تزول، ولم يشعر بأهميتها وصعوبة الحصول عليها، فيتساهل فقد يأتي جيل يكون سبب لزوال النعم.

 أحبتي إذا كنا سنسأل عن النعيم الدنيوي فهناك نعيم أعظم سوف نسأل عنه وهو النعيم الديني، جنة القلب إذا كان الملبس والمأكل والمشرب وغير ذلك نعيم سنسأل عنه، فإن العقيدة الصحيحة والصلاة وقراءة القرآن والعبادة وطاعة الله سبحانه وتعالى وبر الوالدين والإحسان إلى الجيران وإكرام الضيف كل ذلك سنسأل عنه، فأول ما سيسأل عنه الإنسان في قبره عن ربه دينه وعن نبيه، لن تزول قدمه حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن ماله وعن شبابه، فيقين سنسأل فكن مستعدًّا للسؤال، ومحضرًا له جوابًا صحيحًا.

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الشاكرين، وأن يعيننا على شكر نعمه، والاستمرار في تثبيتها، وأن نكون ممن قدّرها واحترمها، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم لكل خير، وأن يحفظنا ويحفظ بلادنا، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.


 

([1]) رواه مسلم (2038).