المناهي اللفظية - ( الجزء ١ )


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فمحاضرة اليوم بعنوان: "المناهي اللفظية"، وهو الجزء الأول من سلسلة محاضرات فيما يتعلق بالمناهي اللفظية، ألفاظ وعبارات وكلام يتداوله الناس على ألسنتهم، فما هو الجائز منه وما هو الممنوع؟

 والمعلوم لدى كل مسلم مسئولية الكلمة، فهذه المحاضرة دعوة لتصحيح ألفاظنا كما نصحح نياتنا، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الكلام من أعمال المسلم التي يحاسب بمقتضاها، وأنه يترتب على الكلام من الثواب أو العقاب ما الله به عليم، فالله عز وجل يقول: ﵟمَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ﵞق : ﵘﵑﵜ ، فالأقوال مكتوبة، وكل ما يتلفظ به الإنسان من عبارات وكلمات فهو مسؤول عنها، وقال عز وجل: ﵟسَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡـَٔلُونَ ١٩ﵞ الزُّخرُف : ﵙﵑﵜ ، وقال عز وجل: ﵟ سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْﵞآل عِمرَان : ﵑﵘﵑﵜ ، فأقوال الإنسان وعباراته وألفاظه مكتوبة يحاسب عليها، إن كانت خيرا فقد أصاب خيرا، وإن كانت غير ذلك فلا يلومنّ إلا  نفسه.

آيات وأحاديث تبين خطورة الكلمة، والكلام في دين الله عز وجل، وأن هذه الكلمة معدودة على قائليها مسجلة عليهم، وأنهم محاسبون على ما يتكلمون؛ لأن الكلام من جملة الدين الذي يسأل الإنسان عنه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف علينا من ألسنتنا، ويأمرنا بالاستقامة التي يدخل فيها استقامة اللسان، فقد طلب سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبا قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، فَقَالَ: قُلْ: آمَنْتُ بِاللهِ ، ثُمَّ اسْتَقِمْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا» ([1]) .

 أيها المسلم احذر أن تخرج من فمك الألفاظ الضائعة لا تعي معناها، فقد تكون من كلام الشر والسوء الذي يضرك في دنياك وآخرتك، والله عز وجل يقول: ﵟوَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ ١٥ﵞالنُّور : ﵕﵑﵜ، ولقد فقه سلفنا الصالح مسؤولية الكلمة، عرفوا أمانتها ووعوا خطورتها، فهذا صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام، كان يشير إلى لسانه ويقول: «هذا الذي أوردني الموارد» ([2])، وهكذا علم سلفنا الصالح أن النجاة في كف اللسان إلا بالخير، ولهذا سأل عقبة ابن عامر الجهني رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: «يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا النَّجَاةُ؟، قَالَ:  أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» ([3]) ، فأمره بإمساك لسانه وخاصة عند الفتن، يقول الحافظ النووي رحمه الله: «اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء» ([4]) .

 إذًا تصحيح الألفاظ مهم جدا، تقويم العبارات والألفاظ التي تخرج من ألسنة الناس أمر مهم، ولما سئل العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «عما يقوله بعض الناس من أن تصحيح الألفاظ غير مهم مع سلامة القلب؟

فأجاب بقوله: إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح، فإنه لا يهم من جهة سلامة العقيدة أن تكون الألفاظ غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوماً وسليماً، أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم، ولا يمكن أن نقول للإنسان: أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة بل نقول: الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية»([5]).

 إذًا الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية، كيف نحفظ ألفاظنا وعباراتنا وكلامنا، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي([6]) : «وأما اللفظات: فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، -يبين لنا كيف نحفظ ألفاظنا- فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها ربح وفائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح، نظر هل تفوته بها كلمة أربح منها، فلا يضيعها بهذه، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلب، فاستدل عليه بحركة اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب، شاء صاحبه أم أبى، قال يحيى بن معاذ: القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها.

 فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك بما في قلبه، حلو وحامض، وعذب وأجاج، وغير ذلك، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه، أي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته، كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه، فتذوق ما في قلبه من لسانه، كما تذوق ما في القدر بلسانك، وفي حديث أنس المرفوع: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه»([7])، وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: « الفم والفرج»([8]).

إذًا نحفظ ألفاظنا بأن لا نتكلم إلا بالصحيح من الألفاظ والعبارات الموافقة للشرع، وعلمنا أن الكلام يكتب، يكتبه الملكان، أيّ لفظ ينطق به المرء المكلف يدور في واحد من الأحكام التكليف الخمسة الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب أو الحرام أو المكروه، ولا خلاف يؤثر في أن جميع ما يتكلم به المرء من خير يؤجر عليه واجبا كان أو مستحبا، إما من شر تلحقه تبعته محرما كان أو مكروها أن الملكين الموكلين به يكتبانه، وإنما الخلاف في الكلام المباح هل يكتبه الملكان أم لا؟ على قولين عند أهل العلم، والصحيح الذي عليه عامة المحققين أنهما يكتبانه، يكتبان الكلام المباح أيضا لعموم قول الله تعالى: ﵟمَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ﵞق : ﵘﵑﵜ، فكله يكتب، فالملكان يكتبان كل ما ينطق به الإنسان، أما النية الباعثة له فلا اطلاع له ما عليها والله يتولاها، وهذا فيه بيان خطورة اللسان وما يصدر عنه من عبارات وألفاظ، فمن ارتكب شيئا أو تكلم أو تلفظ بشيء من العبارات المحرمة فما هي الكفارة؟

 القاعدة الشرعية: أن من ارتكب منهيا عنه في الشرع كفارته التوبة منه بشروطها المعروفة، فعلى كل من تلفظ بلفظ أو تكلم بعبارة محرمة منهي عنها عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه، لعموم قول الله عز وجل: ﵟوَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٣١ﵞالنُّور : ﵑﵓﵜ، وأعلم من وقع فيما نهى الله عنه من نزغات الشيطان أن يستعيذ بالله، كما قال عز وجل: ﵟوَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ ﵞالأَعرَاف : ﵐﵐﵒﵜ فمن تلفظ بهذه العبارات وعلم الحكم الشرعي فعليه التوبة والاستغفار، هذه مقدمة لهذه السلسلة التي فيها ذكر المناهي اللفظية العبارات والألفاظ التي يتلفظ بها الإنسان، وهي في مجملها ألفاظ في بعضها ألفاظ مولدة دخيلة، وهكذا ألفاظ عربية طرأ عليها تحريف بالحذف، ألفاظ مفردة يحرم إطلاقها أو يكره، وهكذا هناك ألفاظ شاعت على ألسنة الناس أو وضعت غير موضعها، وبعض الألفاظ نقدها بعض أهل العلم واختلفوا فيها، وهناك بعض الألفاظ البشعة تساهل الناس في إطلاقها على الآخرين، وقد صنفت مصنفات في ذكر الأغلاط الشائعة وعثرات الأقلام واللسان ومناهي الألفاظ وهي كثيرة نأخذ من هذه المصادر ما يكفي من خلال هذه السلسلة في ذكر المناهي اللفظية.

 فنبدأ اليوم بذكر بعض هذه المناهي اللفظية في هذا الجزء الأول:

 أولها خطأ شائع يدور على بعض المثقفين: بعض الناس يقولون: الإنسان خليفة الله في أرضه ويستدلون بقوله عز وجل: ﵟ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗﵞالبَقَرَةِ : ﵐﵓﵜ ، وهذا فهم خاطئ لهذه الآية من هؤلاء، يبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول: «ولهذا لا يصلح أن يقال: إن الله يستخلف أحدا عنه، فإنه حي قيوم شهيد مدبر لعباده منزه عن الموت، والنوم، والغيبة ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لست خليفة الله، بل خليفة رسول الله، وحسبي ذلك، والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل»([9]) ، وقال في حديث الدجال: «والله خليفتي على كل مسلم»([10])، وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله. كقوله: ﵟثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمﵞ [يونس: 14]، وقال تعالى: ﵟٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖﵞ [الأعراف: 69]، وقال تعالى: ﵟوَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡﵞ النور: 55] ، وكذلك قوله: ﵟإِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗﵞ  [البقرة: 30] أي: عن خلق كان في الأرض قبل ذلك، كما ذكر المفسرون، وغيرهم، وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية، وغيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل وضلال» ([11]) .

 إذًا قول الإنسان خليفة الله في الأرض قول فيه جهل وضلال كما قال شيخ الإسلام.

 الثانية من الألفاظ الذي التي يذكرها الناس وخاصة في مجالسهم أو عند استقبال ضيوفهم: يقولون: زارتنا البركة، سئل الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله عن قول العامة: تباركت علينا، زارتنا البركة، فأجاب رحمه الله قائلا: «قول العامة (تباركت علينا) لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله - عز وجل - وإنما يريدون أصابنا بركة من مجيئك، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان، قال أسيد بن حضير: لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال: "ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر"، وطلب البركة لا يخلو من أمرين:

 الأمر الأول: أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم مثل القرآن الكريم قال الله تعالى: ﵟوَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ ﵞ الأَنعَام : ﵕﵕﵑﵜ ، فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح، فأنقذ الله به أمما كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشرة حسنات وهذا يوفر للإنسان الجهد والوقت.

 الأمر الثاني: أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم، مثل العلم فهذا الرجل يتبرك به بعلمه ودعوته إلى الخير، قال أسيد ابن حضير: ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر.

 وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدجالون أن فلاناً الميت الذي يزعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك، فهذه بركة باطلة لا أثر لها، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدو أن تكون آثاراً حسية بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة. أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟ فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدع فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره، أما إن كان مخالفا للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله» ([12]) .

 إذًا هنا زارتنا البركة كلمة ينبغي الابتعاد عنها إلا إذا أريد بها بركة علم هذا الذي زارهم البركة في العلم وفي الدين.

هنا أيضا أمر ثالث من العبارات المتداولة عند الناس يقولون: الزمن غدار، وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله عن هذه العبارة عبارات: هذا زمن أقشر أو الزمن غدار أو يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه، هذه العبارات سئل عنها فأجاب: «هذه العبارات التي ذكرت في السؤال تقع على وجهين:

الوجه الأولى: أن تكون سبا وقدحا في الزمن فهذا حرام، ولا يجوز؛ لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل، فمن سبه فقد سب الله، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار»([13]) .

والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار فهذا لا بأس به، ومنه قوله تعالى عن لوط عليه الصلاة والسلام: ﵟوَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ ٧٧ﵞهُود : ﵗﵗﵜ أي: شديد، وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور وليس فيه شيء. وأما قول: "هذا الزمن غدار" فهذا سب؛ لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز، وقول: "يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه" إذا قصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس فيه، وليس سبا للدهر، وإن قصد الزمن أو اليوم فهذا سب فلا يجوز»([14]) .

 إذًا تفصيل الشيخ هنا في هذه العبارات أنه إذا وقعت في حالة السب والقدح في الزمن فهذا حرام لا يجوز، ينبغي أن تترك، وإذا كانت على سبيل الإخبار فهذا لا بأس به يقول الشيخ، واستدل بقول الله عز وجل عن لوط عليه السلام: ﵟوَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ ٧٧ﵞ أي: شديد، فهذا يخبر عن هذا اليوم بأنه عصيب فيجوز يقول الشيخ، أما إذا كان بنية السب فهذا لا يجوز سب الزمن أو الأيام أو الزمان فهذا لا يجوز، هذا تفصيل جيد من الشيخ العثيمين رحمه الله.

 أيضا مما ينبغي أن يتجنبه الناس من العبارات والألفاظ مقولة: كوارث طبيعية، يقولون عن الفيضانات والزلازل وغيرها يقولون: كوارث طبيعية، يقول العلامة أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله: «من الملاحظ أن كثيرا من الناس يسمون الكوارث من زلازل مدمرة أو أعاصير مهلكة أو فيضانات وغير ذلك يسمون هذه الأمور كوارث طبيعية، وهذا يعتبر شركا أو قد يكون من الشرك الأكبر حينما ينسبون هذه الكوارث إلى الطبيعة، وينسون خالق هذا الكون والمتصرف فيه» ([15])، إذًا ينبغي اجتناب هذه اللفظة: كوارث طبيعية.

 أيضًا هناك عبارة يتداولها خطباء المساجد أو غيرهم عبارة: صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فسئل العثيمين عن حكم قول بعض الخطباء هذه المقولة فأجاب: «غير صحيح ، وقد حملهم عليه السجع ، وليس النبي صلى الله عليه وسلم  هو ذات الرحمة في الآية : ﵟوَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧ﵞالأَنبِيَاء : ﵗﵐﵑﵜ ، بل المراد : لنرحم العالمين بإرسالك إليهم» ([16]).

 إذًا هذه عبارة ينبغي أيضا أن لا تقال: صلوا على الرحمة المهداة، ويستدلون بالآية: ﵟوَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧ﵞ، فالشيخ يقول: المراد بالآية لنرحم العالمين بإرسالك إليهم،

هناك أيضا عبارة يتداولها الناس يقولون: الله ورسوله أعلم، قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله: «يُشرَع للمسئول إذا لم يكن عنده جواب أن يقول: لا أدري، أو الله أعلم؛ لصلاحية ذلك لكلِّ سؤال، بخلاف: الله ورسوله أعلم، فلا تصلح لكلِّ سؤال، فلو سأل سائل: متى تقوم الساعة تعيَّن في الجواب قول: الله أعلم؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وأيضاً فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يعلم بما يحصلُ لأمَّته من بعده» ([17])، إذًا هذه العبارة إذا أمر يتعلق بأمور الغيبيات أو بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، أمر يتعلق بحياة الناس فلا ينبغي أن يقال: الله ورسوله أعلم يقال: الله أعلم، أما ما يتعلق بالشريعة بأمور الاعتقاد والأحكام الشرعية فيقال: الله ورسوله أعلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، أرسله للناس كافة وأمره بتبليغ هذا الدين للناس، فهو يعلم بهذه الشريعة صلى الله عليه وسلم.

 أيضا من العبارات التي يتداولها الناس: العصمة لله وحده، فسئل العثيمين رحمه الله عن هذه العبارة قال: «هذه العبارة قد يقولها من يقولها يريد بذلك أن كلام الله عز وجل وحكمه كله صواب، وليس فيه خطأ وهي بهذا المعنى صحيحة، لكن لفظها مستنكر ومستكره؛ لأنه كما قال السائل قد يوحي بأن هناك عاصمًا عصم الله عز وجل،  والله سبحانه وتعالى هو الخالق، وما سواه مخلوق، فالأولى أن لا يعبر الإنسان بمثل هذا التعبير، بل يقول: الصواب في كلام الله، وكلام رسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ([18])، إذًا ينبغي تجنب هذه العبارة: العصمة لله وحده، وإذا كان يريد بهذه اللفظة أن كلام الله عز وجل وحكمه صواب كله بهذه النية ليس هناك خطأ في حكم الله عز وجل وفي كلامه بهذا المعنى، يقول العبارة صحيحة العصمة لله وحده، لكن هذه اللفظة مستنكرة ومستكرهة يقول الشيخ: فالأولى أن لا يعبر الإنسان بمثل هذا التعبير.

 أيضا من العبارات: قول البعض هذه سنة الحياة عندما يصاب بمصيبة أو يحدث شيء في حياته يقول: هذه سنة الحياة، قال العلامة العثيمين رحمه الله: « لا يجوز قول هذه سنة الحياة، بل يقال سنة الله تبارك وتعالى» ([19]).

 من الألفاظ أيضا الخاطئة الشائعة في حياة الناس قول السائل: ما رأي الدين، قال الألباني رحمه الله: « اللفظة الخاطئة الشائعة أن يقول السائل رأي الدين، لا يقال رأي الدين يقال: رأي الشيخ الدين ما عنده رأي الدين عنده حكم عنده قضاء والقضاء نافذ، أما الرأي فنحن عندنا آراء قد نصيب وقد نخطئ، فإن كان ولا بد من ذكر الرأي فإنما ينسب إلى الشيخ أو العالم أو المسؤول، ويقال ما رأيك يا فلان ما رأيك يا شيخ ما رأيك يا أستاذ، وإذا كان لا بد من ذكر الدين فترفع لفظة "الرأي" ويقال حكم الدين، هكذا يجب أن نكون دقيقين في ألفاظنا حتى نتأدب بأدب نبينا صلى الله عليه وسلم» ([20]) .

 أشرنا إلى بعض العبارات من خلال هذا الجزء الأول من سلسلة محاضرات في المناهي اللفظية، وهناك بقية في محاضرات أخرى.

 نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، ونسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة.

 ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

 


 

([1]) رواه الترمذي (2420)، وابن ماجه (3972)، وهو في صحيح الجامع الصغير للألباني (4395).

([2]) رواه مالك في الموطأ (2825).

([3]) رواه الترمذي (2406)، وهو في صَحِيح الْجَامِع (1392).

([4]) رياض الصالحين - باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان- (ص421).

([5]) مجموع فتاوى ابن عثيمين (ص67).

([6]) (ص230 وما بعدها).

([7]) رواه أحمد (13048).

([8]) رواه الترمذي (2004)، وابن ماجه (4246).

([9]) رواه مسلم (1342).

([10]) رواه مسلم (2937).

([11]) منهاج السنة (7/353).

([12]) المناهي اللفظية (ص41-43).

([13]) رواه البخاري (4826)، ومسلم (2246).

([14]) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (1/198).

([15]) شرح موجز لكتاب التوحيد (ص299).

([16]) ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين (ص12).

([17]) شرح حديث جبريل في تعليم الدين (ص79).

([18]) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (3/119).

([19]) فتاوى سؤال على الهاتف (1/148).

([20]) سلسلة الهدى والنور (273).