تدبر القرآن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله r، وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله r.
أما بعد:
فنحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، وعلى نعمة الصحة والأمان، هذه المحاضرة التي هي بعنوان: "تدبر القرآن".
وسنتكلم من خلال هذه المحاضرة حول العناوين التالية:
- تعريف التدبر.
- أهمية تدبر القرآن.
- حكم تدبر القرآن.
- أسباب عدم تدبر القرآن.
- الأمور المعينة على تدبر القرآن.
- ثمرات وفوائد تدبر القرآن.
أما تعريف "تدبر القرآن": فالتدبر في لسان العرب جاء مصدرًا مشتقًا من الفعل الماضي: تدبر، والتدبر هو فعلٌ مزيدٌ اُشتق من الفعل المجرد الماضي: دبر، ودبر النهار أو صيف انصرم، مضى وانقضى، ودبر الشيء: جاء بعده وخلفه، وتدبر الأمر تدبرًا: نظر في أدباره أي عواقبه، أي: في عواقبه وتفكر فيه، والتدبر يأتي بمعنى: النظر في أدبار الأمر، يعني التأمل في عواقبه، أو ما يؤول إليه، وتدبر الأمر: رأى في عاقبته ما لم يره في صدره، قال عز وجل: ﵟ أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ ٦٨ﵞ ﵝالمُؤۡمِنُون : ﵘﵖﵜ أي: ألم يتفهموا ما خوطبوا به في القرآن العظيم؟
فخلاصة التدبر في أصل اللغة: هو النظر في عاقبة الأمر، والتفكر فيه.
أما تدبر القرآن اصطلاحًا عند العلماء فيقول الألوسي رحمه الله في كتابه: "روح المعاني" - في المجلس الخامس - يقول: "أصل التدبر التأمل في أدبار الأمور وعواقبها، ثم اُستعمل في كل تأمل سواءً كان نظرًا في حقيقة الشيء، أو أجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه"([1]).
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره في المجلد الأول يقول في معنى "تدبر القرآن"، قال: "هو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه، وعواقبه، ولوازم ذلك"([2]).
إذًا هذه الخلاصة في معنى تدبر القرآن: تفهم معاني ألفاظه، والتفكر فيما تدل عليه آياته من الإشارات والتنبيهات، وانتفاع القلب بذلك بخشوعه عند مواعظه، وخضوعه لأوامره ونواهيه، وأخذ العبرة منه.
هذه خلاصة عنوان المحاضرة: "تدبر القرآن". أي: تفهم معاني ألفاظه، التفكر فيما تدل عليه آياته، وانتفاع القلب بذلك.
أما أهمية التدبر؟ فتبرز أهمية تدبر القرآن في أمورٍ كثيرة، في أولها: أن تدبر القرآن وتفهم علومه من النُصح لكتاب الله تعالى، لذلك قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وأما النصيحة لكتاب الله فشدة حبه وتعظيم قدره، إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية لتدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، ويقوم به له بعد ما يفهمه".
ثم قال: "وكذلك الناصح من العباد يتفهم وصية من ينصحه، وإن ورد عليه كتاب منه عُني بفهمه، ليقوم عليه بما كتب به فيه إليه، فكذلك الناصح لكتاب ربه يُعنى بفهمه، ليقوم لله بما أمر به كما يحب ويرضى، ثم ينشر ما فهم في العباد، ويديم دراسته بالمحبة له، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه"([3]).
انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله.
هناك أمور ذكرها أهل العلم تُبين لنا أهمية تدبر القرآن:
أولها: حاجة القلب إلى تدبر القرآن، القلب فيه وحشةٌ لا تُزال إلا بالأُنس بكتاب الله تعالى، والتأمل في آياته، فمن أراد أن يخشع قلبه وينشرح صدره فلا غنى له عن التفكر والتمعن في الآيات الكريمات.
قال الآجري رحمه الله: "فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله، وما قَبُح فيه، فما حذره مولاه حذره، وما خوفه به من عقابه خافه، وما رغب فيه مولاة رغب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوته ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهدًا وشفيعًا وأنيسًا وحرزًا، ومن كان هذا وصفه نفع نفسه ونفع أهله وعاد على والديه وعلى ولده كل خيرٍ في الدنيا والآخرة"([4]).
انتهى كلام الآجري رحمه الله.
ثم قال بعدها قال: "كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً، فَاسْتَغْنَى بِلا مَالٍ، وَعَزَّ بِلا عَشِيرَةٍ، وأَنِسَ بِمَا يَسْتَوحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ تِلاوَةِ السُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا: مَتَى أَتَّعِظُ بِمَا أَتْلُو؟ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ: مَتى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ: مَتى أَعْقِلُ عَنِ اللهِ الْخِطَابَ؟ مَتى أَزْدَجِرُ؟ مَتى أَعْتَبِرُ؟ لأَنَّ تِلاوَتَهُ لِلْقُرْآنِ عبادة، والعبادة لا تَكُونُ بِغَفْلَةٍ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ لِذَلِكَ " ([5]). إذًا قراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب واستقامته، وفي هذا الشأن يقول ابن القيم رحمه الله: "فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامعٌ لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه". قال: "فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواه، فإذا قرأه بتفكر، حتى إذا مر بآيةٍ وهو محتاجٌ إليها في شفاء قلبه كررها ولو مئة مرة، فقراءة آية بتفكرٍ وتفهم خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبرٍ وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن، فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب"([6]).
إذًا مما يدل على أهمية تدبر القرآن:
أولًا: حاجة القلب إلى تدبر القرآن.
ثانيًا: الدخول فيمن أثنى الله عليهم بتدبر القرآن، فالمتدبر للقرآن، المتفهم لمعانيه، العامل بأوامره، مجتنب نواهيه يدخل فيمن أثنى الله عليهم بتدبر القرآن في مواضع كثيرة من القرآن، منها قوله عز وجل: ﵟ إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٢ﵞ ﵝالأَنفَال : ﵒﵜ. وهكذا آياتٌ كثيرة، فمن تدبر القرآن دخل فيمن أثنى الله عليهم، وهذا يدل على أهمية تدبر القرآن.
ثالثًا: مما يدل على أهمية تدبر القرآن: عدم التعرض إلى الذم لترك التدبر، فقد ذم الله تعالى حال من هجر تدبر القرآن، ولم يفقه الآيات، ولم يدبر القول في صيغٍ مختلفة في كتابه عز وجل، قال عز وجل عن المنافقين: قال: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ ٨٢ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵒﵘﵜ;.
قال القرطبي رحمه الله: "عاب المنافقين بالإعراض عن التدبر في القرآن، والتفكر فيه، وفي معانيه"([7]). كما في تفسيره لهذه الآية من سورة {النساء} الآية الثانية والثمانون.
وزاد العلامة الشنقيطي رحمه الله في كتابه: "أضواء البيان" في المجلد السابع زاد الأمر توضيحًا وبيانًا، قال: "ما تضمنته الآيات الكريمة من التوبيخ والإنكار على من أعرض عن كتاب الله جاء موضحًا في آيات كثيرة، ومعلومٌ أن كل من لم يشتغل بتدبر القرآن، وتدبر آيات هذا القرآن العظيم، ويتفهمها، ويُدرك معانيها إن كان الله أعطاه فهمًا يقدر به على التدبر، فإنه مُعرضٌ عنها، غير متدبرٍ لها، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكور في الآيات". هذه الآيات المذكورة يقول: "تدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به أمرٌ لابد منه للمسلمين" ، ثم قال: "وإعراض كثير من الأخطار عن النظر في كتاب الله، وتفهمه، والعمل به، وبالسُنة الثابتة المُبينة له من أعظم المناكر وأشنعها"([8]).
انتهى كلام الشنقيطي رحمه الله.
إذًا هذه أدلةٌ تدل على أهمية تدبر القرآن، فما هو حكم تدبر القرآن؟ الله عز وجل أوجب التدبر، والتفكر، وإمعان النظر لفهم معاني آيات الكتاب، عاب على المنافقين إعراضهم عن تدبر القرآن في آياتٍ كثيرة قال عز وجل: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵒﵘﵜ. وقال تعالى: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤ﵞ ﵝمُحَمَّد : ﵔﵒﵜ. وقال تعالى: ﵟ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٢٩ﵞ ﵝص : ﵙﵒﵜ. آياتُ كثيرة تدل على وجوب تدبر القرآن، لذلك أجمع المفسرون على وجوب تدبر القرآن.
قال الطبري رحمه الله: "في حث الله عز وجل عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ والبينات، ما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يُحجب عنهم تأويله من آية"([9]). انتهى كلامه كما في تفسيره رحمه الله.
وهكذا القرطبي رحمه الله في تفسيره لقول الله عز وجل:" ﵟ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ ﵞ. قال: "وجوب معرفة معاني القرآن" ([10]).
وقال أيضًا: "ودل قوله تعالى: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ ﵞ دل على وجوب التدبر في القرآن ليُعرف معناه" ([11]).
وهكذا قال الشوكاني أيضًا رحمه الله في كتابه في تفسيره: "فتح القدير"، قال: "دلت هذه الآية وهي قوله تعالى: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤ﵞ ﵝمُحَمَّد : ﵔﵒﵜ دل على وجوب التدبر للقرآن ليُعرف معناه، والمعنى: أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفًا غير مختلف، صحيح المعاني، قوي المباني، بالغًا في البلاغة إلى أعلى درجاتها"([12]).
ومع هذه الكثرة الكاثرة من النصوص والأدلة التي تأمر بتدبر القرآن، ومع إجماع المفسرين على وجوب تدبر القرآن نجد أن غالب المسلمين اليوم قد اكتفوا بألفاظٍ يرددونها، وأنغامٍ يلحنونها في المآتم والمقابر والدور، وبمصاحف يحملونها نسوا، أو تناسوا أن بركة القرآن العظمى إنما هي في تدبر آياته وتفهمها والتأدب بها والوقوف عند أوامرها والبعد عن نواهيها ومساخطها.
أما أسباب عدم تدبر القرآن عند كثيرٍ من الناس فنختصرها في بعض الأسباب وهي كثيرة، وهذه أسباب عدم تدبر القرآن تختلف من شخصٍ إلى آخر، ولربما اجتمعت أكثر من سبب في شخصٍ واحد.
أول أسباب عدم تدبر القرآن: الإصرار على الذنوب، إصرار العبد على الذنب، وارتكابه إياه من أعظم الأسباب التي تحول دون تدبر القرآن وفهم معانيه، فينبغي لمن أراد تدبر القرآن أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي، أن يتوب إلى الله عز وجل ويجتنب كل ما نهى عنه الله عز وجل، ونهى عنه رسوله r، ولا شك أن الذنوب تؤثر في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، كما أن القلب المريض ينتفع بالأغذية فكذلك أيضًا القلب أيضًا الغافل أيضًا ينتفع بتدبر القرآن، فالإصرار على الذنوب من أعظم ما يصد عن اتعاظ القلب وانشراح الصدر بمواعظ القرآن وحكمه وأحكامه، ولذلك الله عز وجل يقول: ﵟ سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ١٤٦ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵖﵔﵑﵜ.
يقول ابن قدامة رحمه الله: "وليتخلى التالي عن موانع الفهم" - التالي للقرآن - قال: "وليتخلى التالي عن موانع الفهم، ومن ذلك: أن يكون مُصرًا على ذنب، أو متصفًا بكبر، أو مبتلًا بهوىً مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدأه، فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل جلاء المرآة"([13]).
إذًا من أعظم ما يصد القلب عن تدبر القرآن: الإصرار على الذنوب، والتعلق بشهوات القلب، وتمكن البدع من القلب، وفي ذلك يقول الزركشي رحمه الله في تفسيره "البرهان في علوم القرآن" في كتابه: "البرهان في علوم القرآن"، يقول: "اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقةً، ولا يظهر له أسراره وفي قلبه بدعة، أو كبر، أو هوىً، أو حب الدنيا، أو هو مُصرٌ على ذنب، أو غير متحقق بالإيمان، أو ضعيف التحقيق، أو يعتمد على مفسر ليس عنده علم، أو راجع إلى معقوله، هذه كلها حُجبٌ وموانع بعضها آكد من بعض"([14]).
هذا السبب الأول: الإصرار على الذنوب، وتمكن البدع، وشهوات الدنيا من القلب، هذه من أعظم أسباب عدم تدبر القرآن.
السبب الثاني: انشغال القلب، القلب المشغول عن القرآن بغيره لا يتأثر، لا يتأثر، غفلته عن تدبر كتاب الله أشغلته كيف يحصل له ذلك؟ لا يمكن للقلب المشغول عن القرآن بغيره أن يتدبر قلبٌ غائبٌ ليس بحاضر.
وأشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله عندما تكلم عن أنواع القلب حال سماع القرآن، كما في كتابه: "مدارج السالكين".
قال: "الناس ثلاثة: رجلٌ قلبه ميت، الثاني: رجلٌ له قلبٌ حي لكنه مشغول ليس بحاضر، فهذا أيضًا لا تحصل له الذكرى، والثالث: رجل حي القلب مستعد تُليت عليه الآيات فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر القلب، ولم يشغله بغير فهم ما يسمع، فهو شاهد القلب، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات"([15]).
إذًا حضور القلب وعدم انشغاله شرطٌ في الانتفاع والتذكر في القرآن وتدبر آياته.
السبب الثالث من أسباب عدم تدبر القرآن: الجهل باللغة العربية، فالله عز وجل أنزل هذا القرآن بلسانٍ عربيٍ مبين، لأن اللغة العربية أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأديةً للمعاني، ولهذا أنزل أشرف الكتب سبحانه وتعالى بأشرف اللغات.
فإذا كان القارئ لا يعرف شيئًا عن لغة العرب، لا يدرك أساليب كلامهم فأنى له أن يتدبر القرآن، والله عز وجل يقول: ﵟ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٢ﵞ ﵝيُوسُف : ﵒﵜ. فاللغة العربية مهمةٌ لتدبر القرآن، وهذا الذي جعل العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "ومعلومٌ أن تعلم العربية وتعليم العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجابٍ أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسُنة"([16]).
فجعل أهل العلم معرفة العربية شرطًا لمن أراد أيضًا تفسير القرآن، لذلك قال الإمام مالك رحمه الله: قال: "لا أوتى برجلٍ غير عالمٍ بلغات العرب يُفسر كتاب الله إلا جعلته نكالًا"([17]).
وذكره أيضًا العلماء في كتبهم كالسيوطي ذكره في "الإتقان في علوم القرآن" في المجلد الثاني.
إذًا المقصود الأعظم من تعلم اللغة العربية: هو معرفة كلام الله تعالى، وكلام رسوله r، ومن فاته تحقيق هذا المقصد فقد أمضى عمره في غير ما طائل، بل ربما كان تعلمه حُجةً عليه كحال الذين يتعلمون العربية للطعن في القرآن وعلوم الشريعة من المستشرقين وأذنابهم.
إذًا الجهل باللغة العربية من أسباب عدم تدبر القرآن.
السبب الرابع من أسباب عدم تدبر القرآن: ترك التدبر تورعًا.
من الناس من يترك تدبر القرآن خوفًا من القول على الله بغير علم، هكذا يعتقد، يعتقد أن تدبر القرآن مهمة المفسرين والعلماء ليكتفي بالقراءة هاجرًا تدبر القرآن، ولا ريب أن هذه مكيدة من مكائد الشيطان حتى يصرف الناس عن الانتفاع بتدبر آيات القرآن.
وفي ذلك يقول ابن هُبيرة رحمه الله: "ومن مكائد الشيطان: تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقعٌ عند التدبر، فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم بالقرآن تورعًا"([18]).
وأنكر ابن القيم رحمه الله على من هذا حاله أن يترك تدبر القرآن تورعًا.
قال ابن القيم: "ومن قال: أن له تأولًا لا نفهمه ولا نعلمه، وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج"([19]). وهكذا لابد من تدبر القرآن.
الرابع من أسباب عدم تدبر القرآن: هجر كتب التفسير، من هجر كتب التفسير ولم يطالعها، ولم يعرف أسباب النزول، أو الناسخ من المنسوخ ونحو ذلك من علوم القرآن كيف يحصل له تدبر القرآن؟! صاحب هذا المنهج لا يسلم غالبًا من الخطأ في فهم الآيات، والاستدلال بها، أو الخطأ في العمل ببعض الآيات، فهجر كتب التفسير من أسباب عدم تدبر القرآن.
الخامس: التشاغل بكثرة التلاوة، من الناس من يشتغل بكثرة التلاوة عن تدبر القرآن، والآيات، والأحاديث في فضائل التلاوة تشجع على الإكثار منها لا شك، وفي الحث على التدبر آيات وأحاديث أكثر عددًا من مثيلاتها الدالة على فضل القراءة، بل أقوى حُجةً وأعمق أثرًا، فكثرة التلاوة المؤدية إلى هجر التدبر حالةٌ ليست بمحمودة، بل هي من تلبيس إبليس على القراء، كما ذكر ذلك الحافظ ابن الجوزي رحمه الله في كتابه: "تلبيس إبليس"، قال: "وقد لبس على قومٍ بكثرة التلاوة فهم يهذُّون هَذًّا من غير ترتيلٍ ولا تثبت، وهذه حالة ليست بمحمودة"([20]).
والحافظ أيضًا النووي رحمه الله في كتابه: "الأذكار"، قال: "ينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، فاستحباب كثرة التلاوة". ([21])
إذًا هذا سبب من أسباب عدم التدبر: التشاغل بكثرة التلاوة عن التدبر.
نأتي أيضًا في ذِكر الأمور المعينة على تدبر القرآن، بعد أن علمنا أهمية التدبر وحكم تدبر القرآن وأسباب عدم تدبر القرآن نتكلم في الأمور التي تعين على تدبر القرآن:
هناك سُبل لتدبر القرآن يُحصل بها من أراد التدبر مبتغاه، ويجني بها قلبه المعارف من القرآن، وبدون هذه السُبل التي تساعد على التدبر سيتعثر يتعذر عليه مبتغاه، وفي ذلك يقول الزركشي رحمه الله: "من لم يكن له علمٌ وفهمٌ وتقوى وتدبرٌ لم يُدرك من لذة القرآن شيئا"([22]).
إذًا هناك أسبابٌ، سُبل، أمور معينة على تدبر القرآن، أولها: تحسين التلاوة، فالله عز وجل أمر بترتيل القرآن، قال عز وجل: ﵟ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤ﵞ ﵝالمُزَّمِّل : ﵔﵜ . وحث النبي r على التغني بالقرآن، التغني بالقراءة، تحسين القراءة، في قوله r: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»([23]).
في صحيح البخاري: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن». يعني يُحسن القوت بالقراءة، بالتلاوة.
قال ابن كثير رحمه الله: "المطلوب شرعًا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن، وتفهمه، والخشوع والخضوع، والانقياد للطاعة"([24]).
وهكذا القرطبي رحمه الله أيضًا في تفسيره يقول: "الترتيل أفضل من الهذ، إذ لا يصح التدبر مع الهذ"([25]).
وهكذا أيضًا يقول الحافظ النووي رحمه الله يقول: قال العلماء: "والترتيل مستحبٌ لتدبر وغيره". قال: "لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام، وأشد تأثيرًا في القلب" ([26]).
إذًا الأمر الأول الذي يعين على تدبر القرآن: تحسين التلاوة.
الأمر الثاني: قراءة الليل، قراءة القرآن بالليل يُعين على تدبر القرآن، والتأمل في آياته ومواعظه وعِبره، ولذلك قال الله عز وجل: ﵟ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا ٦ﵞ ﵝالمُزَّمِّل : ﵖﵜ. كما في سورة المزمل.
وعن ابن عباسٍ، رضي الله عنه، قال: "وقوله: ﵟ وَأَقۡوَمُ قِيلًا ٦ﵞ هو أجدر أن يفقه في القرآن"([27]). في الليل قراءة القرآن في الليل.
هذا الأثر عن ابن عباس في تفسير قول الله عز وجل هنا: ﵟ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا ٦ﵞ ﵝالمُزَّمِّل : ﵖﵜ. ﵟ وَأَقۡوَمُ قِيلًا ٦ﵞ قال ابن عباس: "أجدر أن يفقه في القرآن"، لأن قيام الليل أصوب قراءة، وأصح قولًا من النهار لسكون الأصوات في الليل فيتدبروا في معاني القرآن، ومن أجل ذلك كان جبريل عليه السلام يُدارس النبي r كل ليلةٍ من رمضان، كل ليلة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن هذه المدارسة المباركة: "المقصود من التلاوة: الحضور والفهم، لأن الليلة مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية" ([28]).
إذًا مما يُعين على تدبر القرآن ثانيًا: قراءة الليل، قراءة القرآن بالليل.
الثالث مما يعني على تدبر القرآن: الإنصات عند سماعه، فالله عز وجل أمر عباده المؤمنين بالاستماع والإنصات عند قراءة القرآن، لكي ينتفعوا به، ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح، وقال عز وجل: ﵟ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٢٠٤ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵔﵐﵒﵜ.
قال الطبري في تفسيره لهذه الآية من سورة الأعراف قال الطبري: "أُصغوا سمعكم لتتفهموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، أنصتوا إليه لتعقلوه وتتدبروه، ولا تلغوا فيه فلا تعقلوه، ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعِبره"([29]).
فالملازم للاستماع والإنصات عند تلاوة القرآن سينال خيرًا كثيرًا، وعلمًا غزيرًا، وهدىً متزايدًا، وبصيرةً في دينه.
مما يعين على تدبر القرآن رابعًا: حُسن الابتداء والوقف، والتفكر في معانيه، مراعاة حُسن الابتداء والوقف أثناء التلاوة، هناك بعض الآيات لها تعلق بما قبلها، أو بعدها، كثير من القُراء لا يراعون حُسن الابتداء أو الوقف، لا يتفكرون في ارتباط الكلام بعضه ببعض، لا يتأملون بمعاني القرآن، معاني الآيات، بل جُلّ عملهم هو التقيد بالأعشار والأحزاب والأجزاء، مما يُفوت فهم كثيرٍ من الآيات على وجهها الصحيح.
إذًا حُسن الابتداء والوقف يُعين على تدبر القرآن.
خامسًا مما يعين على التدبر: فهم المعاني، فهم المعاني لأن الجهل بمعاني القرآن يصرفه عن تدبره، وتلذذ القلب بقراءته، لذلك يقول الطبري رحمه الله: "إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، كيف يلتذ بقراءته!". فهم معانيه، فهم تفسير القرآن، تفسير معاني القرآن مهم جدًا مما يعين على التدبر.
وكلام الطبري رحمه الله: "إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، لم يعلم تفسيره، كيف يلتذ بقراءته!" ([30]).
إذًا تعلم معاني القرآن أولى من تعلم حروفه، وهكذا، إذًا هذا هو الخامس مما يعين على تدبر القرآن: فهم معانيه، معرفة تفسير آيات القرآن.
السادس مما يعين على التدبر: الوقوف عند المعاني، الوقوف عند المعاني يقف القارئ عند المعنى، لا يتجاوزه إلى غيره، متأملًا له، متفكرًا فيه، هذا أمر مهم.
والسابع مما يعين على التدبر: ترديد الآية المؤثرة في القلب، هذا يعين على تدبر القرآن ترديد الآية المؤثرة في القلب من أبرز صور الوقوف عند المعاني، والنبي r، والأسوة الحسنة كما يقول أبو ذر، رضي الله عنه: "قام النبي r بآيةٍ حتى أصبح يُرددها، والآية: ﵟ إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١١٨ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵘﵑﵑﵜ([31]).
هذه الآية كان يرددها النبي r حتى أصبح كما يقول أبو ذر، رضي الله عنه.
"قام النبي r بآيةٍ حتى أصبح يرددها، والآية: ﵟ إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١١٨ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵘﵑﵑﵜ.
إذًا ترديد الآية المؤثرة في القلب يعين على التدبر.
ولذلك قال ابن قدامة رحمه الله: "وإن لم يحصل التدبر إلا بترداد الآية فليرددها"([32]).
إذًا هذه أمور سبعة تعين على تدبر القرآن.
وهناك أيضًا أمور أخرى تعين على التدبر، منها: النظرة الكلية الشاملة للقرآن، وإنه شاملٌ لجميع مصالح الدين والدنيا، وهكذا تدارس القرآن يعين على التدبر كما دارس النبي r جبريل عليه السلام في رمضان، فهذا أعظم ما يعين على المسلم على فهم القرآن وتدبره تدارس القرآن، معايشة معاني الآيات، التمكن من أساسيات علوم التفسير، وأيضًا علوم القرآن والاطلاع على علوم القرآن، وعلوم التفسير، وأصول التفسير، فهذا أيضًا يعين على التدبر إجمالًا، والقراءة في الكتب المتخصصة في هذه المواضيع في تدبر القرآن.
نختم بعنوان أخير لهذه المحاضرة: "ثمرات وفوائد تدبر القرآن".
بعد أن علمنا أهمية التدبر ووجوب تدبر القرآن، والأسباب لعدم تدبر القرآن، والأمور التي تعين على تدبر القرآن، نذكر في ختام هذه المحاضرة "ثمرات وفوائد تدبر القرآن" فوائد كثيرة لتعميق جذور الإيمان، فتدبر القرآن تجعل المؤمن يزداد يقينًا بأن هذا القرآن كلام الله عز وجل، وهو من عند الله عز وجل، لأن المتدبر للقرآن يستعرض القرآن من أوله إلى آخره، فلا يجد فيه اختلافًا، أو تناقضًا، أو تعارضًا، وهكذا، يتعمق الإيمان في قلبه، يزداد الإيمان في قلبه، حتى يصل العبد إلى درجة اليقين والعلم بأن هذا القرآن كلام الله عز وجل، لأنه يراه يصدق بعضه بعضًا، ويوافق بعضه بعضًا، فترى الحكم والقصة والأخبار تُعاد في القرآن في عدة مواضع، كلها متوافقة، متصادقة، لا ينقض بعضها بعضًا، فيعلم كمال القرآن، تعمق جذور الإيمان في قلب العبد، وهذا من ثمرات تدبر القرآن أولًا.
ثانيًا: معرفة الرب جل جلاله سبحانه وتعالى من أعظم ثمرات تدبر القرآن، لأن المتدبر للقرآن يعرف ربه سبحانه وتعالى، وهذا ما أشار إليه العلامة السعدي رحمه الله عن فوائد التدبر، قال: "يُعرف بالرب المعبود، وما له من صفات الكمال، وما يُنزه عنه عن سمات النقص، ويُعرف الطريقة الموصلة إليه، وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه، ويُعرف العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريقة الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وكلما ازداد العبد تأملًا فيه وتدبرًا ازداد علمًا وعملًا وبصيرة"([33]).
إذًا من ثمرات تدبر القرآن: ثانيًا: معرفة الرب جل جلاله.
الثالث من فوائد تدبر القرآن: تحقيق العبودية لله تعالى، فتدبر القرآن وسيلةٌ لمعرفة ما يريد الله منا، كيفية عبادته تبارك وتعالى، معرفة ما أنزل الله إلينا، لأن القرآن منهج حياة أنزله الله عز وجل، وهو أساس التشريع.
لذلك يقول ابن القيم رحمه الله: "فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، تحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، تحثه على التضمر والتخفف للقاء اليوم الثقيل، تهديه بظُلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، تصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، تبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل، تبصره بحدود الحلال والحرام، تثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل، تُسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل"، إلى أن قال ابن القيم رحمه الله: "وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه أضعاف، أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد، وبالجملة فهو أعظم الكنوز"([34]).
رابعًا مما يعين على تدبر القرآن، أو من ثمرات وفوائد تدبر القرآن: أن التدبر غذاءٌ وعلاجٌ وسلاح. من ثمرات وفوائد تدبر القرآن رابعًا: التدبر غذاءٌ وعلاجٌ وسلاح.
علاجٌ يُشفي النفوس من عِللها، يُكسبها المناعة القوية إذا أحسن المؤمن تدبر القرآن، ولذلك الله عز وجل يقول: ﵟ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا ٨٢ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵒﵘﵜ.
وقال عز وجل: ﵟ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ ٤٤ﵞ ﵝفُصِّلَت : ﵔﵔﵜ. فهذا التدبر يُخرج المتدبر من الحيرة والقلق النفسي، كما يزحزحه من حال التعاسة إلى السعادة، وراح البال، كما أن التدبر سلاحٌ يدفع الأخطار المحدقة بالفرد والمجتمع من الداخل والخارج، فوائد كثيرة، ثمرات كثيرة لتدبر القرآن.
خامسًا من ثمرات وفوائد تدبر القرآن: أن هذا التدبر فيه تربية للعقول، معرفة ما أنزل الله عز وجل من أعظم ما يُربي العقول، ويجعلها تفهم الحقائق النافعة فتتبع، ويعرف أيضًا الحقائق الضارة فيجتنب، هذا العقل، فلا تميل هذه العقول لا تميل بها الأهواء والأغراض والخيالات والخرافات الضارة المُفسدة للعقول، فالتدبر مفتاح كل خير، تدبر القرآن يعين على فهم المراد من كلام الله، يفسح أمام العقل آفاق العلم والمعرفة.
وقال السعدي رحمه الله: "فإن في تدبر كتاب الله مفتاحًا للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير، وتستخرج منه جميع العلوم"([35]).
هذا ما أردنا أن نذكره من خلال هذه المحاضرة في تعريف تدبر القرآن، وبيان شيءٍ من أهمية التدبر، وحكم تدبر القرآن، وأسباب عدم تدبر القرآن، وما هي الأمور التي تعين على تدبر القرآن، ما هي الفوائد والثمرات في تدبر القرآن؟.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على تدبر القرآن، كما أسأله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شرٍ وفتنة، ونسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) روح المعاني (4/150).
([2]) تفسير السعدي (1/ 189).
([3]) عظيم قدر الصلاة (2 /639)؛ جامع العلوم والحكم (1 /209).
([4]) أخلاق حملة القرآن، ص: (39).
([5]) أخلاق حملة القرآن، ص: (40).
([6]) "مفتاح دار السعادة"؛ (1/ 187).
([7]) تفسير القرطبي ( 5/290(.
([8]) "أضواء البيان"، ج: 7، ص: 257.
([9]) تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن) 1-13 ، ج1.
([10]) انظر: تفسير القرطبي (15/ 192)؛ أضواء البيان (7/ 428).
([11]) تفسير القرطبي (5/ 290). وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 503) (4/ 180)؛ تفسير السعدي (1/ 189).
([12]) فتح القدير (1/ 491).
([13]) "مختصر منهاج القاصدين"، ص: (56).
([14]) "البرهان في علوم القرآن"، المجلد الثاني (180).
([15]) "مدارج السالكين". المجلد الأول (442).
([16]) مجموع الفتاوى، المجلد الثاني والثلاثين، (252).
([17]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، رقم (2287).
([18]) "ذيل طبقات الحنابلة"، المجلد الثالث (273)
([19]) "التبيان في أقسام القرآن" ص: (144).
([20]) "تلبيس إبليس" ص: (175).
([21]) "الأذكار"، المجلد الأول (87).
([22]) البرهان في علوم القرآن، المجلد الثاني: (171).
([23]) الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم (7527) خلاصة حكم المحدث [صحيح]
([24]) "فضائل القرآن" صفحة (195).
([25]) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي (15/ 192) المجلد الثامن، طبعة مناهل العرفان.
([26]) "التبيان في آداب حملة القرآن"، ص: (46).
([27]) هذا الأثر عن ابن عباس، رواه أبو داود في السنن (1304). وهكذا البيهقي في السنن الكبرى أيضًا، وحسنه الألباني في صحيح سُنن أبي داود (1304).
([28]) فتح الباري: (9/45).
([29]) تفسير الطبري (204).
([30]) "معجم الأُدباء"، المجلد الخامس (256).
([31]) الحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح سُنن النسائي (1009)، وفي صحيح سنن ابن ماجة (1118).
([34]) مدارج السالكين (1/ 450).
([35]) تفسير السعدي، الجزء الأول، ص: 26.