هجر القرآن وأنواعه


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 
القسم: 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، كما نسأله عز وجل أن يجعل ذلك في موازين أعمالنا يوم القيامة، كتابة اليوم بعنوان :هجر القرآن وأنواعه.

  إن فضل القرآن وشرفه ورفيع قدره وعلو مكانته أمرٌ لا يخفى على المسلمين، فالقرآن كتاب الله عز وجل، وكلامه سبحانه وتعالى، فيه نبأً ما قبلنا وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، القرآن هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قسمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، القرآن حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن، لا يشبع منه العلماء، لا تنقضي عجائبه، من قال به صدق ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، اقتضت سنة الله تعالى في خلقه أن يكون اتباعهم للقرآن العظيم لنجاتهم، فقال عز وجل: ﵟفَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ ١٢٣ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤ﵞ ﵝطه : ﵓﵒﵑ - ﵔﵒﵑﵜ.

 فالبشرية في حاجة إلى نور القرآن، وأشد الناس احتياجا إلى القرآن هم المسلمون؛ لأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا قضايا عصرهم وزمانهم إلا بالقرآن العظيم، يقيمون أحكامه في حياتهم، ومن هنا تأتي أهمية هذا الموضوع موضوع الكتابة: هجر القرآن وأنواعه.

 نشهد اليوم هجرًا للقرآن العظيم في أنحاء شتى عند كثير من المسلمين، لقد هجر القرآن تلاوة وزهد الكثير في مذاكرته وحفظه وتدارسه، هجر القرآن المجيد استماعا وارتبط أكثر الناس باستماع القرآن في أذهانهم في الأحزان والمآتم بل هجره كثير من المسلمين، وأقبلوا على سماع اللهو و والغناء، هجر القرآن العزيز تدبرا ولو أنزله الله تعالى على الجبال الرواسي لتصدعت من خشيته، فقست القلوب وتحجرت العيون، وهجر القرآن العظيم عملا فبدل أن يكون منهج حياة متكامل يصبح في واقع الناس إلا من رحم الله يصبح آيات تقرأ عند القبور، ويهدى ثوابها للأموات، هجر القرآن العظيم تحاكما ووقع المسلمون في المنكر الأعظم في تنحية كتاب الله عن الحكم بين الناس، فاتهم شرع الله بالضعف والعجز والقصور والتخلف عن ركب الحضارة، هجر القرآن الكريم استشفاء وتداويا لجأ الناس إلى السحرة والعرافين والدجالين يطلبون منهم الشفاء والدواء لأمراضهم، فهل من عودة إلى القرآن لتلاوته و التحاكم إليه والعمل به، فمن أوجب الواجبات الاعتناء بدراسة القرآن العظيم معرفة أسراره، ولذلك اخترنا هذا الموضوع من خلال هذه الكتابة لتنبيه المسلمين من الغفلة عن القرآن العظيم حتى يتمسكوا به ويجتهدوا في تعلمه وتعليمه وتلاوته وحفظه وتدبره والعمل به.

 نتكلم من خلال هذه الكتابة من خلال العناوين التالية: معنى هجر القرآن، ذم هجر القرآن وأنواع الهجر للقرآن، ثم نختم بخلاصة هذه الكتابة.

 فأما معنى الهجر في لغة العرب: ضد الوصل التهاجر و التقاطع هجره يهجره هجرا وهِجرانا بالكسر صرمه و قطعه وهجر الشيء يهجره هجرا تركه وأغفله وأعرض عنه.

 أما في اصطلاح العلماء خلاصة ما ذكروه من معاني الهجر هو البعد عن الوصل الذي ينبغي، ومن معاني الهجر هذيان المريض مجانبة الشيء، الهاجرة هي  انتصاف النهار وهكذا.

 إذًا هذه الخلاصة من خلال ما أشرنا من كلام أهل العلم فهجر القرآن بمعنى البعد عنه وتركه والغفلة عنه، وعدم التحاكم إليه والعمل به، جاءت الأدلة في الكتاب والسنة في ألفاظ الهجر، فالله عز وجل يقول في كتابه: ﵟ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ٣٠ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵐﵓﵜ ، والمهجور المتروك  والمفارق، والمعنى أنهم تركوا القرآن فأعرضوا عنه ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه، وقد جاءت في الآيات أيضا من ألفاظ الهجر بمعنى الإفحاش في القول، وبمعنى انتقال من بلد إلى بلد وغيرها من المعاني لكن نخلص مما سبق: أن المقصود بهجر القرآن ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية من سورة الفرقان قال: «كان الكفار إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه» ([1])، والإمام ابن القيم رحمه الله ذكر في كتابه الفوائد أنواع هجر القرآن يقول: «هجر القرآن أنواع أحدها هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم، والرابع هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، والخامس هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به وكل هذا داخل في قوله: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُورًا"، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض» ([2]) ، إذًا المقصود بهجر القرآن ترك الإيمان به وعدم الالتفات إليه كلية، القول السيء في القرآن والزعم الباطل بأنه سحر أو شعر أو أساطير الأولين، الإعراض والبعد عن القرآن وعدم سماعه، ورفع الأصوات بالهذيان إذا قرئ لئلا يسمع ترك العمل به وعدم امتثال أوامره وعدم اجتناب زواجره، ترك تحكيمه والاحتكام إليه، ترك تدبره وتفهمه، ترك تلاوته وحفظه أو نسيانه بعد حفظه، ترك الاستشفاء والتداوي به، هذه كلها تدخل في معنى هجر القرآن.

 فما هو حكم هجر القرآن؟ وأهل العلم ذكروا أنه يختلف حكم هجر القرآن باختلاف نوع الهجر وحال الهاجر، وقد سبق كلام ابن القيم  رحمه الله مما أشرنا قبل ذلك من قوله: وإن كان بعض الهجر أهون من بعض ([3])، فهذا إشارة بأنه يختلف حكم هجر القرآن باختلاف نوع الهجر وحال الهاجر، والآلوسي رحمه الله في تفسيره ذكر اختلاف المفسرين في معنى الهجر المذكور في قوله عز وجل : ﵟ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ٣٠ﵞ ، هل المراد بهجره عدم الإيمان به وتركه تكذيبا بناء على أن الهجر بمعنى الترك والإعراض، أو أن الهجر بمعنى الهذيان فيه واللغو من الهُجر بضم الهاء، أو أن المراد بالهجر تعطيل القرآن وعدم النظر فيه وتعاهده، ثم قال بعد ذلك: «والحق أنه متى كان ذلك مخلا باحترام القرآن والاعتناء به كره بل حرم وإلا فلا» ([4]) ،

وجاء أيضا في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث للبحوث العلمية والإفتاء قالوا: « والإنسان قد يهجر القرآن فلا يؤمن به ولا يسمعه ولا يصغي إليه، وقد يؤمن به ولكن لا يتعلمه، وقد يتعلمه ولكن لا يتلوه، وقد يتلوه ولكن لا يتدبره، وقد يحصل التدبر ولكن لا يعمل به، فلا يحل حلاله ولا يحرم حرامه ولا يحكمه ولا يتحاكم إليه ولا يستشفي به مما فيه من أمراض في قلبه وبدنه، فيحصل الهجر للقرآن من الشخص بقدر ما يحصل منه من الإعراض» ([5]).  

 نذكره بعض الأدلة من الكتاب والسنة على ذمّ هجر القرآن، وقد مرت معنا الآية السابقة من سورة الفرقان من قوله تعالى: ﵟ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِي ٱتَّخَذُواْ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورٗا ٣٠ﵞ، فشكى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى ما يعانيه من عناد قومه واستكبارهم، وإعراضهم عن قبول دعوته، فقد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع أن الواجب عليهم الإيمان به والانقياد لحكمه. ذكر ذلك ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية ([6])، وهذه الآية تدل على ذمّ هجر القرآن، وهكذا أيضا يقول الله عز وجل: ﵟقَدۡ كَانَتۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ تَنكِصُونَ ٦٦ مُسۡتَكۡبِرِينَ بِهِۦ سَٰمِرٗا تَهۡجُرُونَ ٦٧ﵞ ﵝالمُؤۡمِنُون : ﵖﵖ - ﵗﵖﵜ، فبين الله تبارك تعالى أن المترفين من الكفار إذا أخذوا بالعذاب ضجوا وصاحوا واستغاثوا وبين أنهم لا يغاثون، وبين سبب ذلك كله أن آيات كتاب الله تعالى كانت تتلى وتقرأ عليهم في الدنيا واضحة مفصلة، فكانوا يكذبون بها، والآيات كثيرة التي تدل على تحريم هجر القرآن، منها قوله عز وجل: ﵟ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤ﵞ ﵝطه : ﵔﵒﵑﵜ، فأكثر المفسرين على أن المراد بالذكر هنا القرآن، فمن يعرض عن القرآن فإن له معيشة ضنكا، ومن أهل العلم قالوا عذاب القبر المعيشة الضنكا، ومنهم من قال المعيشة التي فيها الضيق والشدة، وأيضا أدلة دلت على تحريم هجر القرآن، ومنها قوله عز وجل :ﵟ وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُۚ إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن يَهۡتَدُوٓاْ إِذًا أَبَدٗا ٥٧ﵞ ﵝالكَهۡف : ﵗﵕﵜ، فالمراد هنا القرآن، فالله عز وجل يخبر أنه لا أعظم ظلما ولا أكبر جرما من عبد ذكر بآيات الله وبين له الحق من الباطل والهدى من الضلال، فأعرض عنها ولم يتذكر بما ذكر به.

 أما الأحاديث أيضا كثيرة، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من أفعال طائفة تأتي من بعدهم يقرؤون القرآن غير أن القراءة لا تتعدى حناجرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: «يخرج في هذه الأمة قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم، - أو حناجرهم - يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية»([7])، فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم أخبر عن هؤلاء أن قراءتهم للقرآن لا يرفعها الله تعالى ولا يقبلها لأنهم لا يعملون بالقرآن لا يثابون على قراءتهم لا حظ لهم من القرآن، ولذلك قال النووي رحمه الله: « ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب» ([8]) ، وهكذا أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»([9]) ، لا تجعلوا بيوتكم يعني خالية عن الذكر والطاعة تكون كالمقابر وتكونون كالموتى فيها، ففي الحديث الندب إلى كثرة قراءة القرآن في البيوت وعدم الانقطاع وهجر القرآن الكريم، والأدلة كثيرة من الكتاب والسنة التي تدل على ذمّ هجر القرآن، وسلفنا الصالح أيضا وردت عنهم الآثار الكثيرة في ذم هجر القرآن.

 أما أنواع هجر القرآن فذكر العلماء كما مر معنا من كلام ابن القيم رحمه الله ومن كلام ابن كثير وغيرهما أن هجر القرآن أنواع، وأكثر الناس لا يعرفون هذه الأنواع، فنسرد أنواع هجر القرآن مع ذكر بعض الأمثلة عليها، فأنواع الهجر للقرآن: هجر الإيمان به هجر تعظيمه، هجر الاستماع إليه هجر تعلمه وتعليمه هجر تلاوته، هجر حفظه هجر تدبره، هجر العمل به وهجر التحاكم إليه هذه إجمالا.

 أما هجر الإيمان به فمعناه الكفر به، والمعلوم أنه يجب الإيمان بالقرآن ومقتضيات القرآن، والأدلة دلت على ذلك الأدلة الكثيرة دلت على أن الإيمان بالقرآن هو أحد أصول الإيمان وأركانه أوجبه الله تعالى على العباد، لا يتم إيمان أحدا إلا إذا آمن بالقرآن وبالكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله، وأفضلها القرآن الكريم، ومما يدل على وجوب الإيمان بالقرآن أن الله عز و جل أمر المؤمنين بأن يؤمنوا به، أن يؤمنوا بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵖﵓﵑﵜ، فوجوب الإيمان بالقرآن دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة، فالقرآن رحمة الله عز وجل بعباده، وخص الله عز وجل هذا القرآن بمزايا عن الكتب السابقة، فأنزله سبحانه وتعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، وليس خاصا بقوم معينين، وتضمن هذا القرآن خلاصة التعاليم الإلهية وجاء مؤيدا ومصدقا لما جاء في الكتب السابقة، جاء هيمنا ورقيبا على ما سبقه من الكتب، وجاء بشريعة عامة للبشر فيها كل ما يلزمهم لسعادتهم في الدارين، كتاب متجدد لا تفنى عجائبه، لا تنتهي نوادره، نزل بأفضل الألسنة وأفصحها وأوسعها، وهو اللسان العربي المبين.

ما يقتضيه الإيمان بالقرآن عدة أمور: التصديق الجازم بأنه حق وصدق وأنه كلام الله تعالى، أن فيه الهدى والنور والكفاية لهذه الأمة أن نؤمن به كله، فلا يجوز أن نؤمن ببعضه ونتبعه ونترك البعض الآخر ولا نتبعه، يجب علينا أن نطيع الله تعالى في كل ما يأمرنا به، العمل بالقرآن والرضا به والتسليم له، الإيمان بأنه الكتاب الوحيد الذي حفظ من التغيير والتبديل والتحريف، أن نؤمن إيمانا قاطعا بما فصله القرآن من حديث عن الكتب السابقة، أن نؤمن أن القرآن هو مصدر التشريع، لا شيء في حياة المسلم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والفكرية والروحية يرجع فيه إلى مصدر آخر غير هذا الكتاب القرآن.

فإذا آمن المؤمن بالقرآن أثمر ذلك ثمرات منها: العلم بحكمة الله تعالى، التحرر من سوءات أفكار البشر، السير على طريق مستقيمة واضحة لا اضطراب فيها ولا اعوجاج، التحرر من الأوهام والتخبط العقدي، الفرح بهذا الخير العظيم شكر الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة والمنة الكبيرة، السعادة في الدارين هذه بعض ثمرات الإيمان بالقرآن، فيجب الإيمان بالقرآن ولا يجوز هجر الإيمان بالقرآن هذا النوع الأول من أنواع هجر القرآن: هجر الإيمان به.

 النوع الثاني من أنواع هجر القرآن: هجر تعظيمه؛ يعني الاستهزاء به، فالقرآن يجب تعظيمه لا يجوز الاستهزاء بالقرآن والسخرية كما فعل المشركون، فتعظيم القرآن من الواجبات ولتعظيم القرآن مظاهر، فأجمع العلماء على وجوب احترام المصحف وعلى تعظيمه وتكريمه، كما أجمعوا على حرمة امتهانه فيجب تعظيمه وإجلاله والذب عنه أمام تحريف الغاليين وانتحال المبطلين، ولما تضمنه القرآن من كلام الخالق سبحانه وتعالى تأكدت في حقه جملة من الآداب القولية والفعلية، هذه آداب لابد أن يتأدب المؤمن بها لتقوى عظمة القرآن في قلبه، فمن هذه الآداب: الطهارة استحباب الطهارة، اجتناب أكل المكروهات كالثوم والبصل قبل القراءة، يستحب لقارئ القرآن الطهارة، وأن يكظم ما استطاع من التثاؤب، يجتنب الضحك واللغط والحديث أثناء القراءة وسماعها، يستحضر القلب عند التلاوة ،يتدبر المقروء والمسموع، يتأدب مع المصحف، يحفظ هذا المصحف من القاذورات، يحذر من زخرفته أو كتابته بالذهب والفضة، أو اتخاذ هذا القرآن للمتاجرة به، هكذا آدابٌ ذكرها أهل العلم تقوي تعظيم القرآن، فلابد من تعظيم القرآن في القلب، وعدم السخرية من القرآن كما كان يفعل المشركون، وأيضا العناية بتعظيم القرآن واحترام هذا القرآن، وعدم الاستهانة بالمصحف، هذا النوع الثاني من أنواع هجر القرآن: هجره تعظيمه.

 النوع الثالث: هجر الاستماع له، الاستماع للقرآن من الغير هذا أمرٌ مطلوب والنبي صلى الله عليه وسلم استمع من عبد الله ابن مسعود ومن غيره، استمع القرآن فلا ينبغي أن يهجر المسلم استماع القرآن، هذا هجر استماع القرآن، فلابد من استماع للقرآن، كثرة سماع القرآن، ويكون هذا السماع سماع إدراك وسماع فهم وسماع قبول وإجابة، لا يكون سماعا يبغضه الله عز وجل، كما يفعل بعض أهل البدع والأهواء لابد أن يكون سماعا مشروعا، والناس ينقسمون في سماع القرآن إلى أقسام: فمن الناس من هو معرض ممتنع عن سماع القرآن هؤلاء أئمة الكفر، والصنف الثاني: سمع الصوت ولم يفقه المعنى، هكذا أيضا عامة الكفار من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وكذلك أيضا منهم من لا يفقه المعنى ولم يقبل المعنى كأهل الكتاب وغيرهم أيضا، أما المؤمنون فسماعهم للقرآن سماع فقه وقبول منقادون له ظاهرا وباطنا، والله عز وجل أثنى على المؤمنين في كتابه، قال عز وجل: ﵟوَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵓﵘﵜ،

 ويقول الله عز وجل عنهم: ﵟ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰنٗاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ١٢٤ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵔﵒﵑﵜ، فهذا هو سماع المؤمنين للقرآن، ولهجر استماع القرآن مظاهر عند الناس: الإعراض عن سماع القرآن، الاستكبار عن سماع القرآن، التواصي بعدم سماع القرآن، البطش بمن يقرأ القرآن، الاستهزاء حال سماع القرآن الضجر والتأفف، بغض سماع القرآن هذا من الكفار والمشركين، التهاون والتغافل عن سماع القرآن، أما مظاهر هجر استماع القرآن عند بعض المسلمين: التشاغل بالغناء عن استماع القرآن، الغناء واللهو سماع الطرب التشاغل عن استماع القرآن، لا يفقهون شيئا مما يسمعون، يتحدثون ويضحكون والقرآن يتلى على مسامعهم يلعبون وهكذا، سماع القرآن ليس بالتمني والتحلي والادعاء بمجرد السماع لكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فالمؤمن هكذا ينبغي له أن يستمع وينصت إذا تلي القرآن،

 وأهل العلم ذكروا آداباً لاستماع القرآن: استشعار عظمة الكلام، تعظيم المتكلم عز وجل، حضور القلب عند السماع، تدبر المسموع، تفهم الآيات المسموعة، التخلي عن موانع الفهم، التأثر بالآيات المسموعة الترقي في استماع القرآن وهكذا، أما فضائل استماع القرآن فهي كثيرة، الله عز وجل أمر بالاستماع والإنصات فقال عز وجل: ﵟ وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ ٢٠٤ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵔﵐﵒﵜ ، القرآن متعبد بسماعه، استماع القرآن سبب لهداية الثقلين، استماع القرآن سبب لخشوع القلب وبكاء العين، والأصل أن الاستماع إلى تلاوة القرآن حين يقرأ واجب إن لم يكن هناك عذر مشروع لترك الاستماع، وهكذا أيضاً الإعراض عن استماع القرآن مع عدم الإيمان به، هذا إعراض الكفار والمشركين، وقد يعرض المسلم أحيانا عن استماع القرآن مع إقراره بأن القرآن كلام الله عز وجل يجب اتباعه بسبب التكاسل والتهاون أو ضعف إيمان أو تشاغل بالدنيا، وربما تجد بعض المسلمين لا يستمعون إلى القرآن إلا نادرا في شهر رمضان أو في المناسبات أو عند نزول المصيبة أو غير ذلك، ولا شك أن هذا تقصيرٌ وهذا المسلم مؤاخذ بإعراضه عن استماع القرآن، أما من واظب على استماع القرآن ولم يهجر استماع القرآن فيحصل على ثمرات كثيرة، وآثار عظيمة ومن ذلك أنه إذا استمع القرآن زاده ذلك إيمانا وتقوى وثوابا عند الله عز وجل، توجل القلوب وتخاف، يتأثر القلب عند استماع القرآن ، هذا النوع الثالث من أنواع هجر القرآن: هجر استماعه.

 النوع الرابع: هجر تعلم القرآن وتعليمه، وهذا أيضا نوع من أنواع هجر القرآن، قلة احتساب الأجر ضعف النية في تعلم القرآن، العبث والفوضى في مجلس التعليم الانتظام لفترة وجيزة ثم ترك حلقة التعليم، كثرة الغياب التأخر في المجيء إلى حلقة تعليم القرآن، هذا كله من أنواع هجر تعلم القرآن، عدم التزام الأدب في حمل المصحف ووضعه أو الكتابة عليه، التقصير في الحفظ والمراجعة والأداء، عدم تخصيص أوقات لمراجعة القرآن الانقطاع عن حلقة التعليم، التسرب من حلقة التعليم، انحراف ذهن الطالب والانشغال باللعب واللهو في مكان حلقة التعليم، عدم استشعار فضائل تعلم القرآن، وهكذا مظاهر كثيرة لهجر تعلم القرآن،

ومظاهر هجر تعليم القرآن: إقبال المعلم على تعليم القرآن بسبب الدنيا بسبب المال، واعتبار تدريس القرآن وتعليم القرآن مجرد أداء لوظيفة، هذا من مظاهر هجر تعليم القرآن، وهكذا الإقبال على تعليم أبناء الأغنياء دون الفقراء، عدم استشعار فضائل تعليم القرآن عند المعلم، عدم تفرغ المعلم للحلقة ذهنيا أو زمنيا، كثرة غياب المعلم، سوء الخلق مع المتعلمين، عدم الرفق بهم، عدم الصبر على أخطائهم، سوء القيام بتأديب المتعلمين، وهكذا مظاهر ذكرها أهل العلم لهجر تعليم القرآن وتعلمه،

 وأهل العلم ذكروا آداب لمعلم القرآن: التمسك بمنهج السلف في الاعتقاد، الإخلاص لله تعالى عند التعليم، الاستقامة على دين الله تعالى، حسن الخلق مع المعلم ومع المتعلمين، بذل النصيحة للمتعلمين، التدرج في التعليم والتربية، الرفق بالمتعلمين، الصبر عليهم، تطهير القلب، الزهد في الدنيا التواضع من المعلم ومن المتعلم، الدعاء للمعلم والاعتراف بفضله هذه آداب ذكرها أهل العلم، اختيار المعلم الأصلح، التبكير إلى مجلس العلم، التحلي بالأدب في مجلس تعليم القرآن، هذه كلها آداب في فضل تعلم القرآن وتعليمه،

 أما الفضائل في تعلم القرآن فالآيات كثيرة والأحاديث كثيرة في فضل تعليم القرآن وتعلمه، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»([10]) ، وعند البخاري في لفظ: «إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه»([11]) ، خير الناس وأفضلهم من تعلم القرآن حق تعلمه علمه حق تعليمه، وهكذا تعلم القرآن وتعليمه خير من كنوز الدنيا، فينبغي عدم هجر القران و  تعلم القرآن وتعليمه.

 والنوع الخامس من أنواع هجر القرآن: هجر تلاوة القرآن، الانقطاع عن التلاوة لفترات طويلة، قلة التلاوة هجر التلاوة في البيوت، الجهل بأحكام التجويد اللازمة، عدم الحرص على تعلم أحكام التجويد، عدم الخشوع أثناء التلاوة، هذه كلها من مظاهر هجر التلاوة، ترك الالتزام بآداب التلاوة، عدم استشعار فضائل وثمرات تلاوة القرآن، ضعف الهمة و عدم الصبر على تلاوة القرآن، عدم الحذر من بدع التلاوة، هذا من هجر التلاوة ومن بدع التلاوة التنطع في القراءة، الوسوسة في مخارج الحروف، الخروج بالقراءة عن لحن العرب إلى لحون العجم، القراءة بألحان أهل الفسق والفجور هذه من بدع التلاوة الحذر منها، قراءة الأنغام والتمطيط قراءة التحزين والتطريب، قراءات التحريف هذ القرآن كهذّ الشعر، قراءة القرآن في مجلس شرب الدخان واللهو والغناء، وهكذا بعض البدع قول السامع للقارئ الله الله، التزام قول صدق الله العظيم بعد التلاوة، هناك بدع يذكرها أهل العلم للقراءة قراءة القرآن عند القبر، هذه أيضا من البدع تخصيص ذلك، فهذا النوع الخامس من أنواع هجر القرآن: هجر تلاوة القرآن،

ومن أسباب هجر تلاوة القرآن: الانشغال بالدنيا، ضعف الهمة، الجهل بثمرات قراءة القرآن، تقديم العلوم الأخرى على القرآن، فعلى المسلم أن يحرص على تلاوة القرآن أن يتأدب بآداب تلاوة القرآن: إخلاص النية لله العمل بالقرآن، إجلال القرآن وتعظيمه تلاوة القرآن على طهارة، اختيار الوقت المناسب المكان المناسب، حسن الجلسة، استحباب تنظيف الفم بالسواك، الاستعاذة عند تلاوة القرآن، البسملة حصر الفكر أثناء التلاوة، ترتيل القرآن، استحباب تحسين الصوت عند تلاوة القرآن، هذه آداب ينبغي أن يتأدب بها تالي القرآن، تدبر القرآن، البكاء أحيانا أثناء التلاوة، هذه آداب لابد من التأدب بها، كذلك أيضا ختم القرآن في كل شهر أو في كل أربعين يوما.

 أما فضائل  تلاوة القرآن فهي كثيرة معلومة تلاوة القرآن تجارة رابحة، الله عز وجل يقول: ﵟ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ﵞ ﵝفَاطِر : ﵙﵒﵜ، فتلاوة القرآن تجارة رابحة، هذا من فضائل تلاوة القرآن، تتنزل السكينة والرحمة والملائكة عند تلاوة القرآن، وهكذا صاحب التلاوة أيضا يكون مسرورا فرحا يقوى إيمانه، ويجازى الجزاء الأوفى في الدنيا وفي الآخرة، فضائل كثيرة، التلاوة كلها خير هذا إذًا النوع الخامس من أنواع هجر القرآن هجر تلاوته.

 النوع السادس: هجر حفظه وحفظ القرآن أمر مطلوب مرغب فيه لا شك في ذلك، ولحفظ القرآن آداب يذكرها أهل العلم: الإخلاص لله تعالى واستشعار عظمة القرآن ومعرفة أن الأصل في تلقي القرآن هو حفظه، الرغبة القوية الصادقة، التقلل من الدنيا والمعاصي، الدعاء الالتجاء إلى الله عز وجل، الخوف من الوقوع في الرياء، أيضا هذه آداب الخشية من العجب بالنفس والتعالي على الخلق هذا أمر مهم، ينبغي لمن يحفظ القرآن تعاهد القرآن الحذر من نسيانه للقرآن،

لحفظ القرآن فضائل كثيرة: علو درجة الحافظ ارتفاع منزلته عند الله عز وجل، له الكرامات الحافظ مع السفرة الكرام البررة، الحافظ للقرآن مقدم في الدنيا والآخرة على غيره، حافظ القرآن هو أولى بالإمامة من غيره، حافظ القرآن من أصحاب الشورى، مقدمون في البرزخ، حفاظ القرآن أهل الله وخاصته، ثناء الله عز وجل على الحفاظ للقرآن، إكرام الحافظ في الدنيا، الحفاظ لا تحرقهم النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان القرآن في إهاب، ما أكلته النار»([12])، وحفظ القرآن فرض كفاية على الأمة، فينبغي أن يهتم المسلمون بحفظ القرآن، وينبغي عدم نسيانه، وعدم هجره إذًا هذا النوع السادس: هجر حفظ القرآن.

 النوع السابع من أنواع هجر القرآن: هجر تدبر القرآن، وتدبر القرآن النظره في آياته وتفهم معاني ألفاظه، التفكر فيما تدل عليه آياته، وانتفاع القلب بذلك بخشوعه عند مواعظه وخضوعه لأوامره ونواهيه وأخذ العبرة منه، هذا معنى تدبر القرآن وله أهمية في ديننا، تدبر القرآن و تفهم علومه من النصح لكتاب لله عز وجل، القلب يحتاج إلى تدبر القرآن لتزول عنه الوحشة، يأنس قلب المؤمن بكتاب الله تعالى يتأمل في آياته ويتدبر هذه الآيات، والله عز وجل أوجب على تالي القرآن أن يتدبر يتفكر يمعن النظر، فقال عز وجل: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵒﵘﵜ، ولذلك يجب تدبر القرآن، أما هجر تدبر القرآن فله أسباب: الإصرار على الذنوب، انشغال القلب، الجهل باللغة العربية هذه أسباب، ترك تدبر القرآن يؤدي إلى هجر التدبر، هجر كتب التفسير، التشاغل بكثرة التلاوة بغض النظر عن التدبر، هذه كلها أسباب تؤدي إلى هجر القرآن.

 هناك أمور تعين على تدبر القرآن: تحسين التلاوة، قراءة الليل، الإنصات عند سماع القرآن حسن الابتداء والوقف، فهم معاني القرآن، الوقوف عند معانيه، ترديد الآية المؤثرة في القلب، هذه كلها تزيد في تدبر القرآن معرفة أساليب القرآن، وأيضا مما يعين على التدبر النظرة الكلية الشاملة للقرآن، تدارس القرآن، التمكن من أساسيات علوم التفسير، الاستعانة بعلوم القرآن لتدبر القرآن، فإذا تدبر المؤمن القرآن أثمر ذلك ثمرات: تعميق جذور الإيمان، معرفة الرب سبحانه وتعالى، تحقيق العبودية، التدبر غذاء وعلاج وسلاح، التدبر فيه تربية للعقول.

 النوع الثامن من أنواع هجر القرآن: هجر العمل بالقرآن، يجب العمل بالقرآن الكريم، والأدلة كثيرة في القرآن والسنة، فإذا عمل المؤمنون بالقرآن أنتج ذلك فضائل وثمرات كثيرة: الهداية في الدنيا والآخرة، الفلاح في الدنيا والآخرة، تكفير السيئات وإصلاح البال، النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالعمل بالقرآن في أحاديث كثيرة، وهكذا الصحابة يتواصون بالعمل بالقرآن.

النوع التاسع من أنواع هجر القرآن: هجر التحاكم إلى القرآن، وهو النوع الأخير من أنواع هجر القرآن، دلت الأدلة على وجوب التحاكم إلى القرآن، قال عز وجل: ﵟفَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵕﵜ، فالرجوع إلى القرآن تحاكم إليه فرض عين، فرض على المسلمين أن يتحاكموا للقرآن في جميع شؤونهم، والآيات كثيرة في ذلك،

فما هي أسباب هجر التحاكم إلى القرآن؟

 هناك أسباب منها: كراهية ما أنزل الله عند كثير من الناس، الاستكبار، اتباع الهوى، إيثار المتاع العاجل الدنيا، وهكذا هجروا القرآن، أما المؤمنون الذين لم يهجروا التحاكم إلى القرآن، تحاكموا إلى القرآن في جميع شؤونهم، فالله عز وجل وعدهم بالاستخلاف والتمكين والأمن والاستقرار والنصر والفتح والعزة والشرف، الهداية والتثبيت والفلاح والفوز والأجر العظيم والمغفرة، وتكفير السيئات ومرافقة الأنبياء والصديقين.

 

وبذلك انتهينا من ذكر أنواع هجر القرآن التسعة، وتبين لنا من خلال الكتابة أن هجر القرآن قد يكون بترك الإيمان به أو بالقول السيء فيه أو بترك العمل بالقرآن، وعدم امتثال أوامره، هجر القرآن يكون بترك تحكيمه والاحتكام إليه، هجر تدبره وتفهمه، ترك تلاوته وحفظه أو نسيانه بعد حفظه، ترك الاستشفاء والتداوي به، وهكذا علمنا حكم هجر القرآن، ومظاهر أيضا تكذيب القرآن عند المشركين، وبذلك ننتهي من هذه الكتابة.

 

نسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على تلاوة القرآن، والعمل به والتحاكم إليه وتدبره، ونسأله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء و فتنة، نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه وأن يرزقهم البطانة الصالحة.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم


 

([1]) تفسير القرآن العظيم (6/108).

([2]) الفوائد (ص123).

([3]) ينظر: الفوائد (ص124).

([4]) روح المعاني (19/13).

([5]) فتاوى اللجنة الدائمة (4/1041)، فتوى رقم (8844).

([6]) ينظر: تيسير الكريم الرحمن (ص582).

([7]) رواه البخاري (6931)

([8]) شرح النووي على صحيح مسلم  (6/105).

([9]) رواه مسلم (780).

([10]) رواه البخاري (5027).

([11]) رواه البخاري (5028).

([12]) رواه أحمد (17420)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (5282).