الأطفال نعمة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله الذي زين الحياة بالأولاد، وأقر العيون بالذرية والأحفاد، وجعلهم للدنيا والأخرى خير زاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في السماوات والأرض وله الملك في الأولى ويوم التناد، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله المبعوث يدي الساعة بشيرا ونذيرا ورحمة للعباد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المحشر والمعاد، أما بعد؛

 فمع نعمة من نعم الله العظيمة، وهبة من هبات المولى الجليلة، نعمة تزين بها الدنيا وتعظم بها الأجور في الأخرى، أنس وزينة ومحبة تملأ البيوت، وسرور وبهجة ومتعة تقر العيون إنها نعمة الذرية، وغاية الحياة الأسرية، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رس ول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةُ اللهِ لَكُمْ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ» ([1])، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكرهوا البنات، فإنهنّ المؤنسات الغاليات»([2]) ، فلا أعز على الإنسان من ولده ولا أحب إليه من ثمرة قلبه ولا أغلى عنده من ضحكات طفله، والمرء مفتون بابنه ومفطور على حبه ورعاية مصالحه.

والذرية بصلاحها وطيبها وقرة الأعين بها، ولذلك من دعاء المرسلين والصالحين: ﵟ هَبۡ لِي مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١٠٠ﵞ ﵝالصَّافَّات : ﵐﵐﵑﵜ  ﵟهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵘﵓﵜ  ﵟهَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵔﵗﵜ ، فليس كل ذرية نافعة: فمن الأولاد من يكون وبالا على والديه، ﵟإِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ ﵞ ﵝالتَّغَابُن : ﵔﵑﵜ، فمن لم يكن طيبا كان عدوا ووبالا على أهله: ﵟ وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا ٨٠ﵞ ﵝالكَهۡف : ﵐﵘﵜ .

ولذلك عظمت المسؤولية في التربية لا سيما في زماننا حيث الفتن في كل ناحية متلاطمة، والشبهات فاشية متراكمة، والشهوات أودية جارفة وإن الله سائل كل راع ما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وغاية التربية ما قاله ربنا: ﵟقُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗاﵞ ﵝالتَّحۡرِيم : ﵖﵜ، تربية تقي من النار، وتحفظ من الشرور في دار الأخطار، وقد جاء ديننا في هذا بهدي قويم شامل، وطريق بين واضح كامل، لا يكفي لبيان عشر معشاره هذا المقام ولكن إشارة من العبارة تبل ظمأ من أراد الله له السعادة.

 ألا وإن من أهم أسباب الصلاح وعلامات حسن التربية، ودلائل طيب نبات الذرية: غرس الإيمان في النفوس وملئ القلوب بمعانيه، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عباس وكان غلاما خلفه على حمار: «يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ»([3]) ، وأعظم عون على ذلك: ﵟوَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵕﵔﵜ ﵟ وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ ﵞ ﵝطه : ﵒﵓﵑﵜ، ثم تعليقهم بالقدوات الصالحة، وقد كان السلف الصالح رحمهم الله يعلمون أولادهم السيرة النبوية العطرة وفضائل الصحب البررة كما يعلمونهم السورة من القرآن، وكانوا إذا نشأ لأحدهم ولد شغلوه بحفظ القرآن وسماع الحديث، فيثبت الإيمان في قلبه وكان العلماء يقولون لا تزال الأمة هذه بخير ما تعلم ولدانها القرآن .

وإذا أردتم الوقوف على معالم هذا الباب، فتأملوا حكم لقمان ووعظه لولده بالوصايا العظام:

 ﵟ وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ ١٣ﵞ ﵝلُقۡمَان : ﵓﵑﵜ هذه الوصية الأولى: القيام بحق الله تحقيق التوحيد، والحذر من الشرك، فالمربي الحكيم يبدأ بهذا ويغرسه في قلوب أولاده، وإذا انخرط عقد التوحيد من القلب إنفرض عقد التربية، فالإيمان أساس الخير.

 والوصية الثانية: ﵟوَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٖ وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ ١٤ وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٥ﵞ ﵝلُقۡمَان : ﵔﵑ - ﵕﵑﵜ الوصية بالوالدين عنوان التوفيق وباب السعادة الأعظم.

 والوصية الثالثة: ﵟيَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ ١٦ﵞ ﵝلُقۡمَان : ﵖﵑﵜ مراقبة الله وترك معصيته، فالله يراك فلا تجعله أهون الناظرين إليك، والمراقبة تثمر خلق الحياء الذي قيل فيه :من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه، وكانوا يقولون ومتى كان الصبي حييا رجي خيره.

 والوصية الرابعة: ﵟيَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ١٧ﵞ ﵝلُقۡمَان : ﵗﵑﵜ هذا قيام بطاعة الله، وفيه إصلاح للنفس وإصلاح للغير.

 والوصية الخامسة: ﵟوَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ ١٨ وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ ١٩ﵞ ﵝلُقۡمَان : ﵘﵑ - ﵙﵑﵜ قيام بحقوق الناس في تواضع تام وأخلاق حسنة.

 وهذه إشارات ودلالات من هذه الآيات، والمقام لبسطها لا يسع فمن أراد نفع الذرية فليحسن التربية وتأملوا: ﵟرَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا ٢٤ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵔﵒﵜ  لما ربياه وأحسنا تربيته صغيرا توجه إلى ربه داعيا لهما كبيرا.

 فاعرفوا دينكم، وتعلموا هدي نبيكم، وأحسنوا التربية، ولينوا في المعاملة وتقربوا بالمحبة وتعاهدوا بالنصيحة، واغرسوا القيم وتوددوا بالإحسان، واستعينوا بالدعاء، فدعاء الوالد لولده تفتح له أبواب السماء، وهو سياج التربية وسنة الرسل الماضية.

 فأسأل الله تعالى أن يحفظنا وذرياتنا، وأن يقر أعيننا بصلاحهم، وأن يجعلنا ممن آتاه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاه عذاب النار.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 


 

([1]) رواه الحاكم (3123).

([2]) رواه أحمد (17411).

([3]) رواه الترمذي (2516).