معاوية رضي الله عنه كاتب الوحي


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار.

إخواني الأفاضل: حديثنا اليوم عن الصحابي الجليل (معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنه.

سبب اختيار الموضوع: جرأة بعض من لا علم له بالشريعة ولا بالدين وأهله على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بل وصل الأمر إلى جرأة أصحاب الفنون كما يقال: الفن والمسلسلات والأفلام إلى أنهم أصبحوا مفلسين من جهة اختيار الشخصيات فلم يجدوا إلا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ليجعلوهم مصدرًا لكسبهم المال عن طريق هذه الأفلام والمسلسلات التي تؤدي إلى النيل من هؤلاء الصحابة في كل مرة يتناولون صحابيًا بالنقض والتجريح متبعين في ذلك أعداء الإسلام من المستشرقين الذين سعوا جاهدين في البحث في الشريعة الإسلامية عن مثالب وأخطاء لعلهم يظفرون بما يتمسكون به مما يظنونه أنه مستمسك للطعن في الشريعة وفي دين الإسلام.

ومن الصحابة الأكارم الذين طعنوا فيهم الصحابي الجليل: (معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنه وليس الطعن فيه رضي الله عنه بجديد بل لا يزال أهل البدع ومنذ القِدم يناولون من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك تصدى لهم العلماء وبينوا فضل الصحابة عمومًا وخصوصًا وردوا شبهات أهل البدع ها هو الصحابي الجليل (عبد الله بن المبارك) قال: معاوية ستر - يقول: "معاوية عندنا محنة" يعني محل امتحان "فمن رأيناه ينظر إليه شزرًا" أي: ينظر إليه باحتقار أو لا يعتبره شيئًا "اتهمناه عن القوم" يعني الصحابة.

وقال الربيع بن نافع الحلبي رحمه الله: "معاوية سترٌ لأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه".

والطعن في الصحابة عمومًا طعنٌ في دين الله لأنهم نقلة هذا الدين من الذي نقل لنا الكتاب؟ من الذي نقل لنا السُنة؟ هم الصحابة رضوان الله عليهم فإذا طُعن في الناقل طُعن في المنقول.

جاء عن أبو زرعة رضي الله عنه الرازي قال: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسُنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة"

وقد جاءت الآثار بإتباع سيرتهم وسُنتهم مع الثناء عليهم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من كان مُستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم "

فمن هو الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؟

قال الذهبي في "السير": (معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب أمير المؤمنين ملك الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصي. قيل: إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء وبقي يخاف من اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم من أبيه ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح).

وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب": (كان هو وأبوه وأخوه من مسلمة الفتح). وقد رُوي عن معاوية أنه قال: "أسلمت يوم القضية" يعني يوم عمرة القضاء "ولقيت النبي صلى الله عليه وسلم مُسلما".

 وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": (هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أبو عبد الرحمن القرشي الأموي خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين أسلم هو وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح).

وقد روي عن معاوية أنه قال: "أسلمت يوم عمرة القضاء ولكني كتمت إسلامي من أبي إلى يوم الفتح".

إذًا من خلال ما ذكره مؤرخو الإسلام ومؤرخو السيرة: معاوية صحابيٌ جليل وهذا باتفاق أهل الإسلام ووقع اختلافٌ في وقت إسلامه وهذا الصحابي الجليل له فضائل اقتصر على بعضها:

أولًا من أعظم فضائله: له فضيلة الصحبة وكفى بها فضيلة كونه صحابي هذه فضيلة فالله سبحانه وتعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم من حوله من الصحابة والصحبة فضيلةٌ عظيمةٌ للمسلمين ولو كانت يسيرة ولو التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم فترةً زمنيةً يسيرة فهي فضيلة ومعاوية رضي الله عنه صحابيٌ وأبوه أبو سفيان صحابيٌ وأمه هند صحابية إذًا الأسرة كلهم صحابة رضي الله عنهم أجمعين.

روى البخاري في صحيحه عن عثمان بن الأسود عن أبي مليكة قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال: دعه فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

يعني هذه فضيلة له فإنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن يحيى بن سعيد: "سئل ابن المبارك عن معاوية" ابن المبارك من التابعين ومن علماء التابعين فقال: "ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمن حمده فقال: ربنا ولك الحمد" يعني صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم "فقيل له: أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز؟" طبعًا عمر بن عبد العزيز معروف بأنه من خلفاء بني أمية وكان عادلًا ومعروفًا بصلاحه وتقواه فقال: "لترابٌ" يقول عبد الله بن المبارك: "لترابٌ في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرٌ  وأفضل من عمر بن عبد العزيز".

هذا قوله مأخوذٌ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: »خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم« ([1]).

فقرن الصحابة أفضل من قرن من بعدهم وهذا التفضيل قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره: "سئل المعافى بن عمران: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فغضب وقال للسائل: أتجعل رجلًا من الصحابة مثل رجلٍ من التابعين! معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله".

إذًا أول فضيلة لمعاوية رضي الله عنه: أنه من الصحابة أنه صحابي وقد أثنى الله على الصحابة في كتابه فقال سبحانه وتعالى: ﵟ وَٱلسَّٰبِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٠٠ﵞ [التوبة:100].

وقال: ﵟ ۞ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨ﵞ [الفتح:18].

وقال صلى الله عليه وسلم: »خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم«.

وقال صلى الله عليه وسلم: »لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه« ([2]).   إذًا الصحبة فضيلة وهذه أول فضائل معاوية رضي الله عنه.

ثانيًا: من الفضائل التي لمعاوية رضي الله عنه: قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فروى ابن حبان عن العِرْبَاضُ بن سارية السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب« ([3]). رواه ابن خزيمة وابن حبان والبزار وغيرهم. والحديث حَسن إسناده الألباني فقال: "حسنٌ لغيره" كما هو في السلسلة الصحيحة.

وروى الترمذي تحت باب مناقب معاوية رضي الله عنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: »اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهدِ به« ([4]).قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسنٌ غريب. قال الألباني رحمه الله معلقًا على كلام الترمذي رحمه الله وأقول: "رجاله كلهم ثقاة رجال مسلم". فكان حقه أن يُصحح والألباني رحمه الله جعله صحيح الإسناد.

 وروى كذلك الترمذي عن أبي إدريس الخولاني قال: "لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعيد عن حمص ولى معاوية فقال الناس: أذن عميرًا وولى معاوية فقال عمير: لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اهدِ به". وهذا كذلك حديثٌ قال عنه أبو عيسى الترمذي: هذا حديثٌ حسن والألباني صححه رحمه الله تعالى.

إذًا من فضائله أن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: »اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب« بل قال: »اللهم اجعله هاديًا مهديًا واهدِ به«.

 ثالثًا: من فضائل معاوية رضي الله عنه: ما رواه البخاري عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: "نام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا منيّ ثم استيقظ يبتسم فقلت: ما أضحكك؟ قال: أُناس من أُمتي عُرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسِرَّةِ قالت: فادعوا الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت مثل قولها فأجابها مثلها فقالت: ادعوا الله أن يجعلني منهم قال: أنتِ من الأولين". فخرجت أم حرام بنت ملحان خرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوهم قافلين نزلوا الشام فقُربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.

قال ابن حجر مُعلقًا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أُناس من أُمتي عُرضوا عليّ غزاة" يُشعر بأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان إعجابًا بهم وفرحًا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.

فالنبي صلى الله عليه وسلم ضحك وتبسم وهو راضٍ عن من وصفه ممن ركب البحر غازيًا وكان ذلك في زمن من؟ معاوية ودعا لأم حرام بنت ملحان بأن تكون معهم وقد خرجت مع معاوية رضي الله عنه فهذا يدلك على فضيلة من فضائل معاوية رضي الله عنه خصوصًا بعض أهل العلم فسر قوله: "كالملوك على الأسرة" قال: في الجنة.

وعنها رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: »أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا«([5]) أوجبوا ماذا؟ قال ابن الملقن: قوله: "أوجبوا" يعني: الجنة.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء: (أسألك موجبات رحمتك).

قال صلى الله عليه وسلم: »أول جيشٍ من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا« يعني الجنة.

قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: (أنتِ فيهم).

 ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: »أول جيشٍ من أمتي يغزون مدينة: "قيصر" مغفورٌ لهم فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا«. رواه البخاري.

وهذه الأحاديث فيها كذلك منقبة لمعاوية رضي الله عنه لأنه أول من غزا البحر.

رابعًا: من فضائل معاوية رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله كاتبًا يكتب له الوحي ويكتب له الكتب إلى الناس.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فتواريت ببابٍ فجاء فحطأني حطأةً ثم قال: اذهب فَادْعُ لي معاوية".قال في الرواية: "وكان يكتب له".وفي رواية:  "اذهب فَادْعُ لي معاوية وكان يكتب الوحي يقول: فذهبت ثم جئت فقلت: هو يأكل فردني فقلت: هو يأكل فردني فجئت فقلت: بل هو يأكل فقال: لا أشبع الله بطنك".

إذًا هذا الأثر الصحيح عن ابن عباس أو هذا الحديث الصحيح يدلنا على أن معاوية رضي الله عنه كان كاتبًا للنبي صلى الله عليه وسلم يكتب الوحي يكتب كلام الله فقال بعضهم: هذا الحديث فيه ذمٌ لمعاوية لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه فقال: "لا أشبع الله بطنه". قال أهل العلم: ليس في الحديث ذمٌ له لماذا؟ قال: لأنه قد ثبت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له وليس عليه.

 طيب هذا الحديث قالوا هذا مما جرى على لسان العرب لفظه ولا يقصدون معناه وورد مثل ذلك مع معاذ لما قال: »ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم «([6]). أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ثكلتك أمك)) دعاء بأن تفقدك أمك فهل النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو على معاذ بأن يهلك؟ الجواب: لا لكن هذا مما اعتاده العرب في جوابهم أو في ردهم في بعض الأحيان.

كذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: »اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة« ([7]).

فجاء أهل العلم فجعلوا هذا الحديث منقبة لمن؟ لمعاوية رضي الله عنه.

ولكن للأسف بعضهم يستنكر ويُنكر أن يكون معاوية كاتبًا لوحي النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أهل التاريخ أثبتوا أن معاوية كان كاتبًا للنبي صلى الله عليه وسلم لأن هذه الأمور إخواننا الأفاضل إنما تثبت بماذا؟ بالسند والنقل ولا تثبت بالعقل فعندنا هذا الأثر يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل معاوية كاتبًا كذلك أهل التاريخ قال ابن كثير في "البداية والنهاية" وهو يترجم لمعاوية: خال المؤمنين وكاتب وحي رسول رب العالمين.

وقال في موضعٍ آخر: والمقصود: أن معاوية كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من كتاب الوحي رضي الله عنه.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب وهو أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء في كتاب: "الدرة المضيئة" في السيرة النبوية لعبد الغني ابن عبد الواحد المقدسي رحمه الله كتب له صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعامر وعبد الله بن الأرقم ثم ذكر أقوامًا ثم قال وزيد بن ثابت ومعاوية وشرحبيل قال: وكان معاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت ألزمهم لذلك وأخصهم به.

إذًا الذي يدعي أن معاوية رضي الله عنه لم يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم كاتبًا للوحي أو لكُتبه فلا دليل عنده بل هي دعوة مجردة وأما قولهم: أنه قد بدأ يكتب بعد السَنة السادسة طيب ما المشكلة في ذلك أسلم بعد السَنة السادسة أو التاسعة ما المشكلة؟ فالقرآن الكريم لا يزال ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يكتبه يأمر الصحابة أن يكتبوه.

إذًا ثبت بالسند والنقل الصحيح أن معاوية رضي الله عنه كان كاتبًا للنبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم  لن يستكتب الوحي أو يكتب له إلى الناس إلا من فيه أمانة وفيه دين ولذلك الذين كتبوا لهم من هم؟ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي هؤلاء الخلفاء الأربعة وزيد بن ثابت ومنهم معاوية رضي الله عنه وعنهم أجمعين.

فهذا يدلك على مكانة معاوية عند النبي صلى الله عليه وسلم.

خامسًا: من فضائله رضي الله عنه: أنه من رواة حديث النبي صلى الله عليه وسلم فذكر بعض أهل العلم أنه روى ما يقرب من مئة وثلاثة وستين حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفق البخاري ومسلم على أربعة أحاديث وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.

ومن أشهر الأحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: »من أحب أن يمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار« ([8]).

وحديث: »إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فقهه في الدين« ([9]).

وروى أحمد في المسند عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس: أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعر بمشقصٍ فقلنا لابن عباس: ما بلغنا هذا إلا عن معاوية فقال: ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتهمًا.

وهذه شهادة من ابن عباس رضي الله عنه لمعاوية في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ثقة عدلٌ ضابطٌ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال ابن عباس: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهما". 

الفضيلة السادسة: من فضائله: شهادة ابن عباس رضي الله عنه لمعاوية بالفقه بأنه فقيه فجاء عن نافع بن عمر قال: "حدثني ابن أبي مليكة قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: إنه فقيهٌ ".

 وابن عباس من هو؟ حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم قال: »اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل« ([10]) يشهد لمعاوية رضي الله عنه بأنه فقيه وكفى بها شهادة ويظهر فقهه رضي الله عنه في سياسته وفي ملكه وكان مُتبعًا للسُنة يسأل عنها ويُطبقها.

ومن ذلك ما رواه البخاري عن وارد مولى المغيرة بن شعبة قال: "كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب ليّ ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة؟ فأملى عليّ المغيرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خلف الصلاة: »لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد« ([11]). وقال ابن جريج: أخبرني عبدة أن وارد أخبره بهذا ثم وفدت بعد إلى معاوية فسمعته يأمر الناس بذلك القول.

مُتبع للسُنة سمع من شعبة هذا الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فطبقه وأمر الناس به.

وروى أحمد في المسند عن ابن عباس: "أنه طاف مع معاوية بالبيت فجعل معاوية يستلم الأركان كلها" نحن نعرف الركن الذي نستلمه هوالركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود، معاوية كان يستلم الأركان كلها فقال له ابن عباس: "لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ قال معاوية: ليس شيءٌ من البيت مهجورا قال ابن عباس: ﵟ لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞﵞ  [الأحزاب:21] فقال معاوية: صدقت".

فهذا يدلك على إخلاصه وعلى رغبته في إتباع السُنة.

سابعًا: من فضائل معاوية رضي الله عنه: استعمله عمر بن الخطاب على ولاية الشام وأقره عثمان بن عفان كذلك إلى خلافة عليّ بن أبي طالب وهو على ولاية الشام وقد أثنى عليه أهل العلم وعلى سياسته في البلاد والعباد.

الذهبي رحمه الله يقول في ترجمة معاوية في "سير أعلام النبلاء": ثم جمع عمر الشام كلها لمعاوية وأقره عثمان قلت -يعني الذهبي-: حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليمٍ وهو ثغرٌ فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضي الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرةً منه وكذلك فليكن الملك". يعني الناس ما يرضون عليك لكن في عام سياسته الناس عنه راضية.

قال: وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا منه بكثير وأفضل وأصلح فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه، قال: "وله هنات وأمور والله الموعد". بحكم بشريته رضي الله عنه وكان محببًا إلى رعيته.

يقول الذهبي: "عمل نيابة الشام عشرين سَنة والخلافة عشرين سَنة ولم يهجه أحدٌ في دولته".

ما أحد تجرأ أن يهجوه ويذمه بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.

وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "فانعقدت الكلمة على معاوية وأجمعت الرعايا على بيعته في سَنة إحدى وأربعين فلم يزل مستقلًا بالأمر في هذه المدة إلى هذه السَنة التي كانت فيها وفاته والجهاد في بلاد العدو قائم وكلمة الله عالية والغنائم تَرِدُ إليه من أطراف الأرض والمسلمون معه في راحةٍ وعدل وصفحٍ وعفو".

وقال ابن تيمية رحمه الله: "واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك وكان ملكه مُلكًا ورحمة" كما جاء في الحديث: »يكون الملك نبوة ورحمة ثم تكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكٌ ورحمة ثم ملكٌ وجبرية ثم ملكٌ عضوض  «([12]).

"وكان في ملكه" - يقول ابن تيمية: "من الرحمة والحلم ونفع المسلمين ما يُعلم أنه كان خيرًا من ملك غيره" إلى آخر كلامه.

ثم قال: "واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة".

فإن قيل: قد وقع بينه وبين عليّ بن أبي طالب والصحابة ما وقع فالجواب؟ ما وقع بين عليّ بن أبي طالب وما بين معاوية قد أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليه وهذا من دلالة نبوته صلى الله عليه وسلم.

الأمر الآخر: اتفقت كلمة علماء الإسلام على الكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ويُوكل أمرهم إلى الله ويُترضى عنهم ويُدعى لهم بالرحمة ويُذب عنهم فهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

هذه كلمة العلماء قاطبة فلا يُدخل ولا يُحكم فيما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم بالذم والتنقص من أحدهم ومعاوية رضي الله عنه صحابي وعلي بن أبي طالب صحابي وما وقع بينهما أمره إلى الله سبحانه وتعالى يجازيهم برحمته ولكن المسلم قد سلم من هذه الفتنة بسيفه ودمه فليسلم لسانه وليعلم للصحابة فضلهم ومكانتهم عند رب العالمين سبحانه وتعالى ومكانتهم وفضلهم عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وأما حكم الطعن في معاوية سبه وانتقاصه: فهذا مما لا يجوز شرعًا بل هو مذموم.

أولًا: لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: »لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسيّ بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه« ([13]).

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الصحابة أيًا من كان.

ثانيًا: قال صلى الله عليه وسلم: »من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين« ([14]).

ثالثًا: قد وردت فضائل هذا الصحابي الجليل وورد الثناء عليه من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومن علمائهم بل جاء عن أهل العلم ذم من ذم معاوية رضي الله عنه.

أحمد بن حنبل سُئل قالوا له: ما تقول رحمك الله فيمن قال: "لا أقول معاوية كاتب الوحي ولا أقول: إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصبًا؟ فقال - رحمه الله تعالى - الإمام أحمد - قال:  "هذا قول سوء رديء يُجانب هؤلاء القوم ولا يجالسون ونُبين أمرهم للناس".

وقال ابن المبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال: "ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانًا قط إلا إنسانًا شتم معاوية فإنه ضرب أسواطًا".

وذكرت لكم في أول الكلمة هذه قول عبد الله بن المبارك: قال معاوية: "عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزرًا اتهمناه على القوم". يعني الصحابة.

وجاء عن الربيع بن نافع قال: "معاوية سترٌ لأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه". يعني أن من اجترأ على معاوية سيجترأ على غيره من الصحابة رضوان الله عليهم .

فلذلك على المسلم أن يعف بلسانه عن الطعن في معاوية رضي الله عنه ولا تجعل النبي صلى الله عليه وسلم خصمك يوم القيامة ولا تكن إمعة تستمع لأمثال هؤلاء الناس الذين ينتقصون الصحابة وهم أهل بدع وأهل ضلال وأهل انحراف وهدفهم الطعن في الصحابة للطعن في الكتاب والسُنة خصوصًا إذا علمت أن معاوية كان من كتبة الوحي فإذا طُعن في كاتب الوحي فالطعن في الوحي لازمٌ.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لكل خير وما ذكرته لكم في هذه الكلمة السريعة هو شيءٌ يسير من فضائل هذا الصحابي الجليل وما تركته كذلك كثيرًا وأهل العلم كلامهم متضافر متوافر في كتبهم وفي مصنفاتهم يدافعون عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم عمومًا وعن معاوية رضي الله عنه خصوصًا وعن غيره من الصحابة بأسمائهم ردًا على أهل الاستشراق وأهل البدع الذين يسعون للطعن في شريعة الله وفي دين الإسلام.

وفقني الله وإياكم لكل خير هذا والله أعلم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


 

([1])  أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب (19) . (ر: فتح الباري 5/258، 259) ، ومسلم 4/1962، 1964، والترمذي 4/433، والبيهقي في الدلائل 6/552، عن عمران بن حصين رضي الله عنه.

 ([2]) إسناده صحيح على شرط الشيخين. أبو معاوية: هو محمد بن خازم الضرير، والأعمش: هو سليمان بن مهران، وأبو صالح: هو ذكوان السمان.

وأخرجه ابن أبي شيبة 12/174-175، ومسلم (2540) (221) ، والترمذي (3861) ، وابن ماجه (161) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (990) (991) ، وأبو يعلى (1198) ، وابن حبان (7255) ، والبغوي (3859) من طريق أبي معاوية، بهذا الإسناد، إلا أنه وقع عند مسلم وابن ماجه: عن أبي هريرة، وهو وهم، نبه عليه المزي في "تحفة الأشراف" 3/343-344، والحافظ في "الفتح" 7/35-36، فراجعه لزاماً.

وعلقه البخاري (3673) عن أبي معاوية، به.

([3])  حديث السحور منه حسن، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الحارث بن زياد كما بينا في الرواية (17143) .

وأخرجه بتمامه ابنُ خزيمة (1938) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد.

([4])  رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أن سعيد بن عبد العزيز، الذي مدار الحديث عليه، اختلط في آخر عمره فيما قاله أبو مسهر ويحيى بن معين.

وغمز في هذا الحديث ابنُ عبد البر وابنُ حجر. انظر "الإصابة" 4/342-343، و"الفتح " 7/104.

([5])  هي: أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية خالة أنس صحابية مشهورة ماتت في خلافة عثمان.

صحيح: أخرجه البخاري في التعبير حديث 7002. باب 12. رؤيا النهار ومسلم في الإمارة حديث 1912. باب 49. فضل الغزو في البحر.

([6])  صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد منقطع، أبو وائل -وهو شقيق بن سلمة- لم يسمع من معاذ، وعاصم بن أبي النجود صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.

([7])  إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن بحر، فقد روى له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي، وهو ثقة.

وأخرجه مسلم (2602) عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، وقد سلف الحديث في مسند أبي هريرة برقم (9070) .

([8])  إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وهو مكرر (16830) ، إلا أن شيخ أحمد هنا هو مروان بن معاوية الفزاري.

([9])  إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن عثمان بن خثيم، فمن رجال مسلم، وهو صدوق. زهير أبو خيثمة: هو ابن معاوية.

([10])  انظر التخريج المتقدم.

([11])  رواه الإمام أحمد 1/ 270 مختصرًا، ومسلم (478) بتمامه، كلاهما من حديث ابن عباس، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رواه مسلم أيضًا (477).

([12])  أخرجه الدارمي في "السنن" "2/ 114"، ونعيم بن حماد في "الفتن" "1/ 98-99/ رقم 233، 235".

([13])  انظر التخريج المتقدم.

([14])  أخرجه ابن أبي شيبة (32959)، وابن الجعد (2010)، وأحمد في فضائل الصحابة (10)، وغيرهم من حديث عطاء بن أبي رباح، مرسل، وإسناده صحيح. وقد روي موصولا بإسناد ضعيف.