ولا يفلح الساحر حيث أتى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد؛
فقد قال الله سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث القدسي: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا» ([1])، فلذلك معاشر الفضلاء، أرسل الله سبحانه وتعالى على عباده الرسل وأنزل عليهم الكتب ليبينوا للناس طريق الخير وطريق الحق من طريق الضلال وطريق الغواية والفساد، ويخرجوهم من الظلمات إلى النور كما قال سبحانه: ﵟرُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵕﵖﵑﵜ ، فأرسل الله سبحانه وتعالى هؤلاء الرسل بالبينات والزبر وبالكتاب المنير الذي يبين لهم طريق الخير والفلاح من طريق الشر والضلال، وأرسل سبحانه وتعالى هؤلاء الرسل بالبينات الواضحات الصريحات التي تبين للناس طريقهم، وتزيل عنهم الغشاوة وتدلهم على سواء الصراط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ اُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ »([2]) ، فما من نبي أرسله الله سبحانه وتعالى إلى قوم من الأقوام إلا وأيده الله سبحانه وتعالى بالمعجزات الباهرات التي تدل على صدقه وصدق رسالته التي أرسل بها والتي هي من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه مرسل من رب العالمين سبحانه وتعالى، فأيد الله عز وجل رسله بالآيات المعجزات والبينات الواضحات التي تكون دليلا على صدق رسالة هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمثلا في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام حينما انتشر الطب وبرع الناس فيه أيد الله سبحانه وتعالى هذا النبي الكريم عيسى عليه الصلاة والسلام بما يعجز عنه هؤلاء الناس من أمور في الطب يعجزون عنها، فكان عليه الصلاة والسلام يبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، بل وكان مما سخر الله سبحانه وتعالى وأيده به أن كان يحيي الموتى بإذن الله عز وجل، ففي هذا تأييد من الله عز وجل لهذا النبي الكريم ليبين لهم صدق رسالته وأن هذا الذي أتى به إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى، وهكذا في زمن موسى عليه الصلاة والسلام فيما قبل ذلك حينما أرسله الله سبحانه وتعالى إلى فرعون وقومه، وكان في ذاك الزمان قد انتشر بين الناس السحر وبرزوا في هذا الجانب، وبرعوا في هذا الجانب في جانب السحر، وخاضوا في جانب الباطل، وارتكبوا ما ارتكبوا من هذه الأمور التي فيها إيذاء وفيها ما فيها مما يغضب الله سبحانه وتعالى، ومما يكون فيه من الشرك والضلال والبعد عن دين الله عز وجل، فأرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الناس لفرعون وقومه وأيد الله سبحانه وتعالى موسى عليه الصلاة والسلام بالمعجزات التي تدل على صدق رسالته، فكان عليه الصلاة والسلام إذا ألقى عصاه كانت حية تسعى، ثم إذا أخذها بيده عادت مرة أخرى عصا كما كانت في يده، وهكذا كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها فإذا هي بيضاء من غير سوء أي من غير مرض أو من غير عيب ونحو ذلك، فأيده الله سبحانه وتعالى بهذه المعجزات التي تدل على صدق رسالته، ولذلك لما رأى فرعون هاتين الآيتين عاند واستكبر وقال: ﵟإِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ ١٠٩ يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ ١١٠ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵙﵐﵑ - ﵐﵑﵑﵜ ، فهذه الأمور التي أرسلها الله سبحانه وتعالى أرسل بها الرسل وأيدهم بها من هذه المعجزات التي تدل على صدق رسالتهم كانت مما كان قد حصل في تلك الأزمنة ما حصل في زمن موسى عليه الصلاة والسلام من رده على هؤلاء السحرة، وبيانه لضعفهم وعجزهم وحري بنا معاشر الفضلاء أن نقف مع هذه الآيات في هذه الليلة لنتعلم شيئا مما جاء في هذه الأمور وفي هذه المسائل التي قد دخل فيها بعض الناس بل وضعف جانب الدين عند كثير من الناس في القراءة أو في الاطلاع أو في الوقوف على شيء من هذه الأمور التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها بل وحذر منها الكتاب الكريم وحذر منها نبينا صلى الله عليه وسلم، فحري بنا أن نقف في هذه الليلة مع قول الله عز وجل: ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ ﵝطه : ﵙﵖﵜ نقف مع هذه الآية وقفات نتبين من خلالها ما كان في هذه الآية من خلال سياقها وما حصل في تلك الآيات المعجزات التي أيد الله بها موسى عليه الصلاة والسلام لنقف ونتبين شيئا من هذه الدلالات التي دل عليها كتابنا الكريم لا سيما وهي مسألة خطيرة مسألة السحر، وما يكون فيها من شرك بالله سبحانه وتعالى ومن مناقضة ومضادة لدين الله وتوحيد الله عز وجل الأمر الذي يكون فيه خروج الإنسان من ملة الإسلام، أو يكون فيه ما يكون من خدش لجناب التوحيد، وجناب حق الله سبحانه وتعالى، فحري بك أيها المسلم أن تقف وقفات عند هذه الآية متأملا ما فيها من عظات وعبر، وما فيها من جوانب يكون فيها ما يكون من توحيد لله سبحانه وتعالى، وتسليم الأمر لله عز وجل وتفويضه إليه عز وجل، وبيان حقيقة السحر وما يكون عليه حال هذا الساحر الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ ﵝطه : ﵙﵖﵜ فنقف معاشر الفضلاء هذه الوقفات متأملين متدبرين لشيء مما جاء في كتاب الله، هذا الكتاب الكريم الذي يهدينا سواء الصراط، ويهدينا الطريق الأقوم ويهدينا لما فيه الخير والصلاح والفلاح لنا ويهدينا لما فيه حياة هذا القلب لا سيما من ابتلي بشيء من هذه الأعراض، أو ابتلي بشيء من هذه الأمراض، أو ابتلي بشيء من هذه الابتلاءات، فحري به أن يقف هذه الوقفة متأملا مستذكرا شيئا مما جاء في هذه الآيات ليتقوى بها جانب إيمانه ويتقوى بها جانب توحيده، وليعلم أن الأمور مردها إلى الله عز وجل لا إلى هؤلاء العاجزين الذين يزعمون ما يزعمون من قوة ومن غير ذلك مما يزعمونه، فقف أيها المسلم وقفي أيتها المسلمة مع هذه الآيات متأملين ما فيها مما دل عليه هذا الشرع المطهر من هذه الجوانب العظيمة، فهلم بنا لنقرأ ونستذكر شيئا مما جاء في سياق هذه الآيات التي جاءت في قصة موسى عليه الصلاة والسلام.
كان مما جاء في هذه القصة التي كانت بين موسى وفرعون الطاغية الذي بين الله سبحانه وتعالى عناده واستكباره، وكيف أن هؤلاء الرسل موسى عليه الصلاة والسلام ومعه هارون عليه الصلاة والسلام كيف أنهما ترفقا به وقالا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، لكنه عاند واستكبر وعصى ونال ما نال من عذاب الله سبحانه وتعالى فيما بعد ذلك، فالله سبحانه قد بين في كتابه فقال: ﵟوَلَقَدۡ أَرَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ ٥٦ﵞ ﵝطه : ﵖﵕﵜ ، أي أنه قد تبينت له الآيات وتبين له الحق من الباطل لكنه كذب وعاند وأبى واستكبر فكان مما قاله لموسى عليه الصلاة والسلام حينما عجز عن الرد عليه وعجز عن أن يثبت أن ما جاء به موسى باطل قال هذه المقالة التي فيها من التعالي وفيها من العلو و إرادة الاستكبار والعلو في هذه الأرض بغيا وعدوا، ﵟقَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ يَٰمُوسَىٰ ٥٧ﵞ ﵝطه : ﵗﵕﵜ فقال لموسى عليه الصلاة والسلام هذه المقالة الباطلة الجائرة: ﵟقَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ يَٰمُوسَىٰ ٥٧ فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى ٥٨ﵞ ﵝطه : ﵗﵕ - ﵘﵕﵜ أي: اجعل لنا موعدا نتفق فيه ونأتي لنري الناس ما أنت عليه من باطل، وحاشا هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يكون ما أتى به باطلا، بل هو من عند الله سبحانه وتعالى ولكن فرعون تكبر واستكبر وعاند وافترى على الله عز وجل هذه الفرية، وهو أن ما جاء به موسى إنما هو سحر، وأن ما جاء به موسى باطل وسيثبت للناس أن هذا هو الأمر الباطل، فاتفق مع موسى عليه والسلام أن يأتي الناس إلى مكان مستو يظهر فيه المكان لجميع الناس يتأملون وينظرون، ويترقبون ما يكون فيه بطلان قول موسى عليه الصلاة والسلام وحاشاه عليه الصلاة والسلام ﵟقَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى ٥٩ﵞ ﵝطه : ﵙﵕﵜ فقال موسى عليه الصلاة والسلام رادًا عليه: ﵟقَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ ﵞ ﵝطه : ﵙﵕﵜ أي: في يوم العيد الذي يجتمع فيه الناس ويكون فيه أعداد الناس تكون فيه أعداد الناس كثيرة، يحضرون ويجتمعون ويكون ذلك في وقت الضحى، وهذا إشارة إلى أن الساحر إنما يضعف أثره في وقت النهار، والسحرة عادة إنما يقومون بأعمالهم في وقت الظلمة أو في مكان الظلمة أو في وقت الليل لاشتداد قوتهم في ذلك الوقت، وانتشار الشياطين في ذاك الوقت، فلذلك قال موسى عليه الصلاة والسلام: ﵟ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى ٥٩ﵞ ﵝطه : ﵙﵕﵜ أي: في وقت لا تقوى فيه شوكتهم بل يكون فيه ضعفهم وهذا فيه إشارة إلى أن وقت النهار إنما هو وقت ضعف السحر والسحرة قال: ﵟفَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ ٦٠ﵞ ﵝطه : ﵐﵖﵜ نادى فرعون في قومه وأمر بجمع كل سحار عليم، أي: أمهر السحرة، فتجمع له من السحرة في ذاك اليوم العدد الكبير بالآلاف كما ذكر أهل التفسير، جمع في ذلك اليوم العدد الضخم الكبير من هؤلاء السحرة ليتفقوا ويعزموا أمرهم على هزيمة موسى عليه الصلاة والسلام، ويكون منهم ما يكون من إظهار من إظهار قوة فرعون وقومه ﵟفَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ ٦٠ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيۡلَكُمۡ لَا تَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاﵞ ﵝطه : ﵐﵖ - ﵑﵖﵜ ، وهذا كعادة أهل الخير والصلاح وأهل التقوى وأهل الخير والفلاح، أنهم يعظون الناس ويذكرونهم بالله سبحانه وتعالى، يذكرونهم بالأمر الذي خلقوا لأجله أي أنك خلقت أيها الإنسان، مهما كابرت ومهما استعليت على أوامر الله عز وجل تذكر أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليك، وأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بما تقوم به علما، وأحاط بك سبحانه وتعالى قوة، وأحاط الله عز وجل بك ما يكون فيه عجز وإظهار لمدى بغيك وعدوانك وضعفك، فاتق الله ولا تبحث عما فيه سخط الله سبحانه وتعالى ﵟقَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيۡلَكُمۡ لَا تَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗاﵞ ﵝطه : ﵑﵖﵜ اتقوا هذا الكذب واتقوا عصيان أوامر الله سبحانه وتعالى والاستمرار في هذا الافتراء، والاستمرار في طريق الباطل وطريق الكذب وطريق الفساد ﵟلَا تَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا فَيُسۡحِتَكُم بِعَذَابٖۖ وَقَدۡ خَابَ مَنِ ٱفۡتَرَىٰ ٦١ﵞ ﵝطه : ﵑﵖﵜ فبين لهم موسى عليه الصلاة والسلام بهذه الموعظة البليغة ما يكون فيه صلاح أحوالهم، والبعد عما فيه غضب الله سبحانه وتعالى قال: ﵟلَا تَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا فَيُسۡحِتَكُم بِعَذَابٖۖ ﵞ ﵝطه : ﵑﵖﵜ أي: يصيبكم الله سبحانه وتعالى ويشملكم بعذاب من عنده ﵟوَقَدۡ خَابَ مَنِ ٱفۡتَرَىٰ ٦١ﵞ ﵝطه : ﵑﵖﵜ أي: أنكم تزعمون أن هذا الطريق الذي تسعون فيه إنما هو طريق الفلاح والصلاح، وهو طريق الخيبة والخسران وقد خاب من افترى، فحذرهم هذا النبي الكريم وهذا الرسول المرسل من عند الله سبحانه وتعالى موسى عليه الصلاة والسلام أن طريقهم هذا طريق الخيبة وطريق الفرية وطريق الباطل، فاتقوا الله ولا تفتروا على الله كذبا، فقالوا وتحدث بعضهم فيما بينهم وبين البعض مع أنه قد أثر الكلام في بعضهم إلا أن البعض منهم أراد أن لا يظهر هذا الجانب جانب الضعف في بعض السحرة وجانب الاستجابة من بعض السحرة لكلمة موسى وموعظة موسى عليه الصلاة والسلام، فحاولوا أن يُجمِعُوا أمرهم فقالوا: ﵟأَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ يَٰمُوسَىٰ ٥٧ﵞ ﵝطه : ﵗﵕﵜ فردوا على موسى عليه الصلاة والسلام بهذا الرد، وهو أن هذا الذي جئت به إنما هو ماذا؟ إنما هو سحر فلذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﵟفَتَنَٰزَعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَىٰ ٦٢ﵞ ﵝطه : ﵒﵖﵜ أي: أنهم تحدثوا فيما بينهم وأجمعوا أمرهم على ألا يظهروا جانب الضعف الذي ظهر في بعض هؤلاء السحرة، وفيه ما فيه من نوع من الاستجابة لكلام موسى عليه الصلاة والسلام ﵟقَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ ٦٣ﵞ ﵝطه : ﵓﵖﵜ أي: أن هذا الذي جاء به موسى عليه الصلاة والسلام إنما هو سحر وسنتصدى لهذا السحر ﵟفَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ ٦٤ﵞ ﵝطه : ﵔﵖﵜ فاتفقوا على أن يجمعوا أمرهم، وتكون مواقفهم موقفا موحدا ليهزموا موسى عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم، وفي ذلك الموقف الصعب وفي ذلك اليوم الذي تجمع فيه الناس ضحى قالوا: ﵟوَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ ٦٤ﵞ أي: أن من أراد الفلاح فهو الذي سيسلك مسلكهم هم هذا المسلك الذي هم عليه؛ لأن هذا المسلك هو مسلك ماذا؟ المسلك الذي فيه الفلاح على حد زعمهم ﵟوَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ ٦٤ﵞ يعني أن من سلك هذا المسلك وهو الذي عليه فرعون وقومه قد ماذا؟ قد أفلح ﵟقَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ ٦٥ﵞ ﵝطه : ﵕﵖﵜ ، فخيروا موسى عليه الصلاة والسلام بين أن يلقوا هم بما في أيديهم من العصي ومن هذه الأمور التي معهم وهذه الحبال التي معهم، أو أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام هو المبادر في الإلقاء ﵟقَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ ٦٦ﵞ ﵝطه : ﵖﵖﵜ أي: أنه من شدة سحرهم وقوة سحرهم يخيلون إلى الناس أن هذه العصي وهذه الحبال إنما هي حيات تسعى، وهذا فيه إشارة إلى نوع من أنواع السحر وهو ما يكون من سحر فيه التخييل في أعين الناس وفيه التخييل لأعين الناس أن هذه الحبال أو هذه العصي إنما هي حيات، وهذا نوع من أنواع السحر، ومن أنواع السحر كذلك كما ذكر العلم ما يكون من الصرف والعطف، أي: ما فيه جلب لقلب المحبوب إلى حبيبه أو فيه التفريق بين الرجل وزوجته وفيه ما فيه من الصرف أو العطف، وهذا نوع آخر من أنواع السحر، فقال موسى عليه الصلاة والسلام: ﵟقَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ ٦٦ فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ ٦٧ﵞ ﵝطه : ﵖﵖ - ﵗﵖﵜ أي: أن موسى عليه الصلاة والسلام خاف في بداية الأمر وهذا أمر طبيعي، وهو كما يقال عند أهل العلم من الخوف الطبيعي ﵟ فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ ٦٧ﵞ لذلك جاءت الطمأنينة له من رب العالمين: ﵟقُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٦٨ﵞ ﵝطه : ﵘﵖﵜ ، هكذا معاشر الفضلاء حينما يتذكر هذا المسلم حينما يتذكر المسلم والمسلمة هذه الآيات وكيف أن المسلم قد يصاب بشيء من الخوف من هؤلاء الضعفاء العاجزين من هؤلاء السحرة الماكرين، حينما يوجس المسلم في نفسه خيفة يتذكر قول الله سبحانه وتعالى لهذا النبي الكريم: ﵟقُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٦٨ﵞ ﵝطه : ﵘﵖﵜ أي: أن ما عندك من الحجة وما عندك من الإيمان والصدع بالحق والقوة والثقة بالله سبحانه وتعالى إنما هو أعظم مما جاءوا به، وما عندك من قوة اليقين والتوكل على الله سبحانه تعالى أعظم وأكبر وأعلى مما يأتي به هؤلاء المبطلين، فاعتمد على الله عز وجل وكن متيقنا مستوثقا بالله سبحانه وتعالى صاحب يقين وإيمان وتصديق لما جاء به ربك سبحانه وتعالى، وما جعله في قلبك من هذه الجوانب الإيمانية التي تجعلك أنت الأعلى وأنت الأقوى وأنت صاحب الحجة الأعلى ﵟقُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٦٨ وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ ﵝطه : ﵘﵖ - ﵙﵖﵜ أمره الله سبحانه وتعالى أن يلقي هذه العصا التي بيمينه ﵟوَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖﵞ فألقاها عليه الصلاة والسلام، واستجاب لأمر الله سبحانه وتعالى، ولما رأى السحرة هذا الأمر وهي أن هذه العصا التي ألقاها موسى عليه الصلاة والسلام أكلت حبالهم وعصيهم، وهي حية حقيقية لا حية كما كانوا يخيلون إلى الناس من أفعالهم آمنوا وعرفوا أن هذا الذي قام به عليه الصلاة والسلام ليس من عنده إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى ﵟوَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖﵞ ﵝطه : ﵙﵖﵜ أي: هذا الذي جاءوا به إنما هو من مكايد السحرة ومن مكايد المبطلين، ومن مكايد الشيطان ومن مكايد العاجزين الذين لا يصلون، ولا يساوون ما يكون من رب العالمين، ولا يقارن هذا بذاك، فشتان بين ما يأتي به هؤلاء السحرة الكاذبين، وبين ما يكون من رب العالمين سبحانه وتعالى الذي يكون معه الحق ومعه النور ومعه تلك الحجة البالغة ﵟوَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ ﵝطه : ﵙﵖﵜ ،.
تأملوا معاشر الفضلاء، تأملوا هذه الكلمات التي هي موجزة في عباراتها، موجزة في أحرفها لكنها عظيمة المعنى في دلالتها، وفيما قد ما دلت عليه هذه الكلمات اليسيرات دلت على معان عظيمة دلت على معان كبيرة ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ نفى الله سبحانه وتعالى الفلاح عن هذا الساحر حيثما كان وفي أي زمان كان وفي أي مكان كان ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ مهما كان سحره سواء كان سحر تخييل أو سحر صرف أو سحر عطف، أو كان غير ذلك فلا يفلح هذا الساحر، ونفي الفلاح أي أنه نفي لكل خير وكل صلاح وكل منفعة تحصل من هذا الساحر، فهو منفي عنه هذا الفلاح وهذا الخير وهذه المنفعة، فلا يفلح هذا الساحر، وهذه الكلمة إنما هي من ربك أيها المسلم، وهذه الكلمة إنما هي من ربك أيتها المسلمة فتأملوا فيها، ولا يكن الواحد منا ضعيف القلب خائفا من هؤلاء العاجزين من هؤلاء المبطلين، بل يتذكروا قول الله سبحانه وتعالى: ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ لا يفلح مهما كان، نفي الله عز وجل عنه لهذا الفلاح هو نفي مؤكد من رب العالمين سبحانه وتعالى، فلا تخف ولا تحزن ولا يصيبك مكروه ولا يصيبك قلق ونحو ذلك من الأمور التي تصيب نفس المسلم يخاف ويفزع من كيد ساحر ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ نفي من رب العالمين لهذا الفلاح، بل إثبات للخيبة والخسارة في صنع هذا الساحر وفي كيد هذا الساحر وفي كيد هؤلاء الشياطين، فالله سبحانه وتعالى قد نفى عنه هذا الفلاح، وأثبت له الخسارة والخيبة في جميع أموره وفي جميع أسحاره أينما كان وفي أي زمان كان، وفي هذا النفي فيه إثبات لبطلان ما يسمى عند الناس بالنُشرة، وهو حل السحر بالسحر، البعض من الناس ينخدع بعبارات رنانة وبعبارات قد يكون من من بعض الناس فيها تزيين لهذه الكلمة، وهي أنك لا تريد بهذا السحر لا تريد به إيذاء الناس لكنما تريد به حل السحر عنك، أو حل السحر عن فلان وفلان، وهذا من تلبيس إبليس على بعض البشر، فالله سبحانه حينما ينفي الفلاح عن هذا الساحر ينفي الفلاح عنه بأي طريقة كانت، وبأي وسيلة كانت فهو معدوم الفلاح، بعيد عن جلب المنفعة لك، بعيد عن جلب الخير لك، نفى الله سبحانه وتعالى عنه هذا الفلاح، ولا يفلح هذا الساحر مهما كان سحره من أنواع السحر لإيذاء شخص لفكِّ سحر عن شخص لكذا أو كذا، فالله سبحانه وتعالى قد أثبت له عدم الفلاح، فإذا كان هذا الساحر منفي عنه هذا الفلاح، فمن يذهب إليه ومن يأتي إليه فهو كذلك منفي عنه هذا الفلاح الذي يسعى إليه، لذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ([3]) .وجاء في حديث آخر : «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» ([4]) .
فعلى المسلم أن يتأمل هذه النصوص، ويتأمل هذه الآيات العظيمة وهذه الكلمات التي ينبغي على المسلم أن يتأمل فيها، وأن يتعظ بها وبما دلت عليه، وألا يغتر بكلام البعض ممن يزين شيئا من الباطل، ويبين أن السحر منه ما هو لفك السحر عن المسحور وإزالة الأذى عنه أنه لا بأس به يقال له ولا يفلح الساحر حيث أتى، فهذا النفي من رب العالمين سبحانه وتعالى فيه من بيان بطلان فعل الساحر، وأنه في خيبة وخسارة وعدم فلاح في أي زمان وفي أي مكان وفي أي نوع من أنواع السحر، وبأي نوع من أنواع السحر قام به، فهو منفي عنه الفلاح والنفع والخير والمصلحة لمن يأتي لهذا الساحر، وكذلك نفي الفلاح ونفي الخير والمنفعة كذلك عن من يأتي إليه طالبا منه هذه المنفعة، فحري بالمسلم أن يكون متأنيا في هذه الأمور التي فيها خدش للتوحيد بل قد تكون ناقضا من نواقض توحيده وإيمانه، فليحذر أشد الحذر من الانخداع والاغترار بهذه الأمور التي فيها إيمان وفيها شرك وكفر بالله سبحانه وتعالى، فالله عز وجل قد قال: ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ، فلما رأى هؤلاء السحرة هذا الأمر، وأن هذا الذي جاء به موسى عليه الصلاة والسلام إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى وليس صنع بشر ولا صنع ساحر ماذا فعلوا؟ ﵟفَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ ٧٠ﵞ ﵝطه : ﵐﵗﵜ فلما رأوا هذا الأمر عرفوا بطلان فعلهم، وعرفوا خسارة ما قاموا به وما كانوا عليه من أمور باطلة، وأن الكلمة التي قد قالوها قبل ذلك: ﵟوَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ ٦٤ﵞ ﵝطه : ﵔﵖﵜ كانت كلمة باطلة لأن الفلاح لا يكون إلا ممن تعلق بالله، وممن كان مع الله وممن جاء بما أمر به الله عز وجل، فهذا الذي يستحق الفلاح، وأما من تعلق بالكفر والشرك بالله وتعلق بالشياطين وتعلق بالسحرة وتعلق بما فيه باطل فهو إنما معه من الخيبة والخسران ما معه، فلذلك عرفوا بطلان قولهم: ﵟوَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ ٦٤ﵞ ﵝطه : ﵔﵖﵜ وأن الكلمة الحق هي أنه كما قال الله عز وجل: ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ ، فعلى المسلم أن يتأمل في هذه الآية لتعطيه الثقة والطمأنينة بالله سبحانه وتعالى، وأن الفلاح والصلاح والمنفعة والخير إنما هي في تعلقك بالله عز وجل، كما حصل مع موسى لما كاده هؤلاء كلهم ما نفعهم كيدهم، ونصر الله عز وجل عبده موسى عليه الصلاة والسلام، وأيده بهذه المعجزة وأيده بهذا الفلاح وأيده بهذا الخير وأيده بهذه النصرة، وهذا الأمر ليظهر أن ما عند الله خير وأبقى، ويظهر أن ما عند الله عز وجل هو الذي يجب عليك أيها المسلم أن تتمسك به، ولا تغتر بهذا الكيد مهما عظم شأنه، ومهما كان هذا الذي يكيده مهما كان في قوته، وفي إظهار جبروته وفي إظهار سطوته ما كان، فلا تغتر به بل كن على يقين من ربك سبحانه وتعالى، واثقا بنصر الله مطمئن البال مستيقنا بأمر الله سبحانه وتعالى، مستيقنا بأن ما وعدك الله سبحانه وتعالى إنما هو الحق وإنما هو الفلاح.
ﵟوَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ ٦٩ﵞ فهي كلمة عظيمة بينها الله سبحانه وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام لبث الطمأنينة في قلبه، وإظهار أن القوة إنما هي القوة بالله، لذلك شرع لك أيها المسلم أن تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله لأن الحول والقوة والثقة والطمأنينة إنما تكون بالله عز وجل ومن الله سبحانه وتعالى، فلا ملجأ من الله إلا إليه سبحانه وتعالى، لذلك أمرك بالفرار إليه وبالتعلق به سبحانه وتعالى ﵟفَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِﵞ ﵝالذَّارِيَات : ﵐﵕﵜ هذا الذي يطلب من المسلم، تريد النجاة تريد الفلاح تريد الخير تريد الصلاح تريد المنفعة كن ممن يفزع إلى الله عز وجل في هذه الشدائد، كن ممن يطمئن بوعد الله عز وجل، وممن يثق بأمر الله وبكلام الله سبحانه وتعالى.
فلذلك حريّ بك أيها المسلم وحريّ بك أيتها المسلمة أن تكونوا مطمئنين واثقين من وعد الله سبحانه وتعالى، هذه الكلمة وهذه المعاني العظيمة لا يفهمها ولا يدرك حقيقتها إلا من عرف ما دلت عليه هذه الآيات، واطمأن قلبه لذكر الله عز وجل.
لذلك معاشر الأحبة ومعاشر الفضلاء يحسن بنا في معرض حديثنا عن هذه الآية أن نأتي إلى شيء مما ذكره أهل العلم في أسباب الوقاية، وأسباب البعد عن هذه الأمور التي تجعل القلب مطمئنا واثقا من أمر الله سبحانه وتعالى، بعيدا عن الخوف من هؤلاء المبطلين السحرة الكاذبين الذين يقومون بما يقومون به إنما هو من إيذاء للناس ومن إيصال الضرر لهم، والسحر معاشر الفضلاء كما بين أهل العلم له حقيقة كما سبق أن ذكرنا.
والسحر حق وله تأثير لكن بما قدره الخبير
الله سبحانه وتعالى بين أن سحرهم قد يصيب هذا المسحور، فهذه الرقى والعقد الأمور التي يقومون بها قد يصاب بها هذا المسحور، ويصاب بها هذا هذا الإنسان الذي أرادوا الإضرار به لكن على المسلم أن يتحصن بربه سبحانه تعالى، يتحصن من هذه الأمور الباطلة بما دلت عليه الشريعة وما دل عليه كلام نبينا صلى الله عليه وسلم لئلا يكون فريسة سهلة لمثل هؤلاء المبطلين، فكلما كنت قريبا من نور ربك سبحانه وتعالى أحرق هذا النور هذا الباطل الذي يأتي به هؤلاء السحرة، وكلما ابتعدت عن نور ربك سبحانه وتعالى وعن نور الوحي الذي جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما عرضت نفسك لشيء من تسلط هؤلاء الأعداء عليك، فكن حذرا قريبا من ربك سبحانه وتعالى، ولا تسلم نفسك إليهم ببعدك عن الله وبعدك عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليك أن تعلم مدى فضل هذه السنة، وفضل هذا العلم وفضل هذا الكتاب العظيم وفضل هذا الوحي الذي أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى نبيك، فضل هذه الأمور عليك، وأن فيها الخير والصلاح والفلاح لك، فعلى المسلم أن ينتبه لمثل هذه الأمور، ويتعلم الأسباب التي تقيه بإذن الله سبحانه وتعالى من هذه الشرور وهذه الآفات ومن هذا السحر ومن هذه الشياطين حتى ومن الحسد ونحو ذلك، تبعده وتقيه من هذه الشرور والآفات.
من الكلمات النافعة البديعة التي دونها أهل العلم رحمهم الله تعالى في كتبهم، وكلام أهل العلم كثير في هذا الباب، من أجمل ما كتب في هذا الشأن ما كتبه الإمام الهُمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه بدائع الفوائد، فيما ذكر فيه من أسباب عشرة تقي المسلم من الوقوع في خطر هؤلاء السحرة وحتى في حسد الحاسدين ونحو ذلك من هذه الشرور وهذه الآفات، يحسن بنا أن نقف مع هذه الأسباب العشرة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه بدائع الفوائد، ونستعرضها بشكل سريع حتى نتعلم وندرك أهمية هذه الأمور وهذه الأسباب العشرة التي تقي المسلم بإذن الله وبفضل من الله سبحانه وتعالى من هذه الشرور والآفات من الشياطين ومن الحاسدين ومن السحرة والكاذبين.
فنبدأ بهذه الأسباب ونستعين بالله سبحانه وتعالى في ذكر هذه الأسباب بشكل موجز:
أول هذه الأسباب معاشر الأفاضل: هو التعوذ بالله سبحانه وتعالى من شر كل ساحر ومن شر كل حاسد كما قال الله سبحانه وتعالى: ﵟوَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ٥ﵞ ﵝالفَلَق : ﵕﵜ ﵟقُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ١ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ٢ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ٣ وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ ٤ﵞ ﵝالفَلَق : ﵑ - ﵔﵜ وهم الساحرات، وهذا فيه دلالة على كثرة ما يقع هذا السحر من النساء، سواء في القديم أو في الأزمنة المعاصرة، فكثير من السحر إنما يقع من الساحرات من النساء، فلذلك على المسلمة أن تكون حذرة من هذه الأمور التي تناقض توحيدها وإيمانها بالله سبحانه وتعالى ﵟوَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ فِي ٱلۡعُقَدِ ٤ﵞ ﵝالفَلَق : ﵔﵜ أي: تنفث الواحد منهن في العقدة تعقدها، تعقد العقدة وتنفث فيها لتسحر بها هذا ا الإنسان أو هذه المرأة، وأمرنا الله سبحانه وتعالى بالتعوذ من هذه الشرور، وقال سبحانه وتعالى: ﵟفَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ٣٦ﵞ ﵝفُصِّلَت : ﵖﵓﵜ فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالاستعاذة، فالاستعاذة تقي المسلم من هذه الشرور ﵟقُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ١ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ٢ﵞ ﵝالفَلَق : ﵑ - ﵒﵜ فعلى المسلم أن يحرص على مسألة الاستعاذة، وهي الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى والتحصن بهذا الحصن العظيم وهو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، ليقيك شر هذه الشياطين وشر هؤلاء السحرة وشر حتى الحاسد إذا حسد، فالله سبحانه وتعالى شرع لك أيها المسلم أن تستعيذ بالله سبحانه وتعالى من هذه الشرور، وتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى من هذه المكائد وهذه الأمور التي تراد لك ﵟفَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ٥٦ﵞ ﵝغَافِر : ﵖﵕﵜ كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم، فهذا إذا أول أمر ينبغي على المسلم أن ينتبه حتى يقيه من هذه الشرور والآفات.
السبب الثاني: تقوى الله سبحانه وتعالى وحفظ الله عز وجل في السر والعلن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» ([5]) ، هذه الكلمة معاشر الفضلاء من يتأملها يدرك مدى عظيم حفظ الله عز وجل لعباده، وأن العبد كلما كان أتقى لله كلما كان الحفظ له أعظم، فمن حفظ الله سبحانه وتعالى في سره وفي علانيته حفظه الله سبحانه وتعالى من كل سوء ومن كل شر، فتقوى الله عز وجل فيها إبعادٌ للمسلم عن هذه الشرور وعن هؤلاء الشياطين وسحرهم وإفكهم وما يقومون به من أعمال سيئة تؤذي به هذا المسلم، فالله سبحانه وتعالى قد شرع لك أن تتحصن بهذا الحصن وهو تقوى الله عز وجل، وحفظ الله سبحانه وتعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك» يحفظك من كل شر يحفظك من كل سوء، بحفظك لله وبتقواك وبعدك عما يغضب الله سبحانه وتعالى واستجابتك لأوامر الله سبحانه وتعالى فيه إبعاد لك عن الشرور والآفات.
السبب الثالث: الصبر على عدوه، يصبر المسلم على عدوه ولا يقابله بالإساءة ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلا، لا يحدث هذه النفس بهذه الأذية أصلا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه والتوكل على الله، ما نصر أحد كما يقول أهل العلم بمثل ماذا؟ بالصبر على عدوك والتوكل على الله، ولا تستطل هذا الأمر ولا تقل إنه قد تأخر علي الفرج، وتأخر علي العلاج، فهذا الأمر يزيدك ضعفا بل كن واثقا بالله صابرا على هذا العدو، فما نصرت بشيء أعظم من هذا الصبر والتوكل على الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى قد شرع لك هذا الصبر لأن الصبر يرجع هذه السهام التي تخرج من هذا الساحر، ومن هذا الحاسد ومن هذا الشيطان يرجعها وترد على هذا الكائد لك ترجع عليه بفضل من الله وبعون من الله سبحانه وتعالى، فعلى المسلم ألا يكون ضعيف البصيرة، لا ينظر لهذه المعاني الدقيقة التي بينها رب العالمين سبحانه وتعالى بل عليه أن يكون صبورا ومتيقنا بالله سبحانه وتعالى أن هذا الصبر عاقبته حميدة ومن صبر ظفر كما قيل.
السبب الرابع: التوكل على الله سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: ﵟوَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓﵞ ﵝالطَّلَاق : ﵓﵜ ، فربك سبحانه وتعالى كافيك، وهو ناصرك سبحانه وتعالى وهو معينك وهو مغيثك سبحانه وتعالى، وهو الذي يقيك من هذه الشرور وهذه الآفات، فكن مستوثقا متيقنا من وعد الله سبحانه وتعالى.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال بهذا العدو والتفكر فيه، بل أشغل قلبك بمحبة الله سبحانه وتعالى، أشغل قلبك بما فيه النفع والصلاح لك، ولا تشغل قلبك بالتفكر في هذا العدو وبالالتفات إليه وبأنه كذا وكذا، بل كن واثقا من وعد الله عز وجل وأن الساحر لا يفلح، وهذا الذي قد أراد إيذائك لا يفلح حيث أتى، فإنما الله سبحانه وتعالى قد وعدك، وأمرك بأن تصبر وتتوكل على الله وأن يكون هذا القلب منشغلا بالله سبحانه وتعالى، منشغلا بما فيه النفع والصلاح له، والله سبحانه وتعالى هو ناصرك وهو الذي بعونه وبفضله سبحانه وتعالى هو الذي يكفيك هذه الشرور.
السبب السادس: الإقبال على الله والإخلاص له سبحانه وتعالى، فلا ترض لنفسك أن يكون قلبك منشغلا بهذا الذي قد قام بهذه الأضرار لك وبهذا الإيذاء لك، بل علق قلبك بالله سبحانه وتعالى، واجعل محبة الله سبحانه وتعالى هي التي تعمر قلبك واجعل اليقين هو الذي يعمر هذا القلب كما سبق في النقطة السابقة، فهذا القلب ينبغي أن يكون فارغا من الانشغال بهذا العدو مليئا بمحبة الله سبحانه وتعالى، مليئا بالإقبال على الله عز وجل، كما قال الله سبحانه وتعالى حينما قال إبليس: ﵟقَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ ٨٢ﵞ ﵝص : ﵒﵘﵜ ماذا قال الله؟ قال الله عز وجل مبينا هذا الأمر قال: ﵟإِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٨٣ﵞ ﵝص : ﵓﵘﵜ لما قال هذا الأمر قال الله سبحانه وتعالى: ﵟإِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌﵞ ﵝالحِجۡر : ﵒﵔﵜ فالمؤمن المخلص لله سبحانه وتعالى لا يسلط عليه هذا العدو، وإن سلط عليه فبسبب التفاته في شيء من الأمور إلى هذا العدو فارجع إلى ربك، واستعن بالله ولا تعجز وكن قوي القلب مستعينا بالله واثقا من وعد الله عز وجل: ﵟوَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ٦٠ﵞ ﵝالرُّوم : ﵐﵖﵜ فلا يلتفت المسلم إلى مثل هذه الأمور التي فيها الإضعاف لقلبه، وفيها من ضعف اليقين وضعف التوكل على الله، بل عليه أن يكون قوي القلب متعلقا بالله سبحانه وتعالى كما قال الله عز وجل عن يوسف عليه الصلاة والسلام: ﵟكَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ ٢٤ﵞ ﵝيُوسُف : ﵔﵒﵜ فالإخلاص لله سبحانه وتعالى يصرف عنك السوء، ويصرف عنك الشرور والآفات.
السبب السابع: تجريد التوبة لله عز وجل من الذنوب التي سلط هذا العدو عليك بسبب هذه الذنوب ﵟوَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡﵞ ﵝالشُّورَى : ﵐﵓﵜ ﵟأَوَ لَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵕﵖﵑﵜ فعلى المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يترك هذه الذنوب التي تجعله فريسة سهلة لهذا العدو الذي يريد التسلط عليك ويريد إيذائك.
السبب الثامن: الصدقة والإحسان، الإحسان بقدر ما تستطيع أن تكون محسنا فالله سبحانه وتعالى يجازيك بهذا الإحسان أضعافا مضاعفة، ومهما تسلط هذا العدو عليك فإن المحسن يضعف تسلط هذا العدو عليه، فما يكاد صاحب العين أو الحسد أو الذي يريد إيذاءك يتسلط على محسن متصدق كما قال أهل العلم؛ لأن الإحسان لا يأتي لك إلا بإحسان مثله، فالمحسن والمتصدق إنما هو في رعاية الله، وفي كنف الله سبحانه وتعالى، هذا الإحسان جعل له الوقاية وجعل له جنة وكأنه في حصن بل هو في حصن حصين من هذه الشرور وهذه الآفات.
السبب التاسع: وهو كما قال ابن القيم من أصعب هذه الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا وله نصيحة وعليه شفقة، كما قال الله عز وجل: ﵟوَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ ٣٤ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ٣٥ﵞ ﵝفُصِّلَت : ﵔﵓ - ﵕﵓﵜ وهذا كما قال الإمام ابن القيم هو من أصعب الأسباب، لذلك كان هذا الذي يقوم به صاحب قامات عالية عند الله عز وجل، وتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم حينما آذاه قومه وأدموه ماذا قال: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» ([6]) واجه هذا العدوان وهذا البغي وهذا الأذى بأي شيء؟ بالإحسان إليهم، فالله سبحانه وتعالى يكون لعبده كما يكون العبد مع الناس، وتأمل هذا الأمر وتذكر أن هذا مقام عظيم إذا تأمله الإنسان واستذكره فإنه ينال به المقامات العظيمة عند الله عز وجل، وتدفع عنه من الشرور والآفات بقدر ماذا؟ بقدر إحسانه إلى هذا الذي آذاه، والجزاء من جنس العمل كما يقول أهل العلم.
السبب العاشر: وهو الجامع لذلك كله وهو ماذا؟ تجريد التوحيد لله عز وجل بأن يكون هذا القلب فيه من التوحيد لله سبحانه وتعالى، لذلك من الأدعية التي أمرنا وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نقولها حين يصاب الإنسان بهم أو هم أو كرب أو نحو ذلك يقول: الله الله ربي لا أشرك به شيئا، فيه من التوحيد واليقين بالله سبحانه وتعالى أن هذا التوحيد يصرف عنك بفضل من الله يصرف عنك هذه الشرور وهذه الآفات: ﵟوَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦﵞ ﵝيُونُس : ﵗﵐﵑﵜ والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين فيما قاله صلى الله عليه وسلم: « واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» ([7]) ، فعلى المسلم أن يعظم جانب التوحيد وينتبه لهذا الأمر، ومما ينبغي على المسلم أن يستحضره في هذا الأمر هو أن يقوي جانب علمه بتوحيد الله عز وجل، ويكون مطلعا على ما جاء في كتب التوحيد التي كتبها أهل العلم، ويطلع على شيء مما ذكره أهل العلم في هذا الجانب، وهو ما فيه بيان عقيدة أهل السنة لأن جانب التوحيد جانب عظيم، يجعل قلبك قلبا قويا متيقنا سبحانه وتعالى، واثقا بما أمرك به الله عز وجل واثقا من نصر الله وإعانته، مستحضرا لعظمة الله متيقنا من ضعف عدوك، وأن الساحر وهذا المؤذي الذي يريد إيذاءك لا يفلح الساحر حيث أتى، فهذا الجانب وهو جانب التوحيد ينبغي على المسلم أن لا يغفله، ولا يهمله بل عليه أن يكون قويا في جانب التوحيد مطلعا على ما كتبه أهل العلم، وقاموا مثلا بشرحه أو نحو ذلك من كتب للتوحيد، ككتاب التوحيد للشيخ محمد ابن عبد الوهاب ونحو ذلك من الكتب الجميلة النافعة في هذا الجانب، على المسلم أن يطلع على هذه الكتب ويستمع للشروحات النافعة التي تكون من أهل العلم الموثوقين أهل السنة الذين شرحوا هذه الكتب وبينوا معانيها الجميلة العظيمة، عليك أيها المبتلى وأيتها وأيتها المرأة التي قد ابتلاك الله عز وجل بشيء من هذه الأمور بالأسحار أو من الحسد أو الأذى أو نحو ذلك، عليك أن تقوي جانب التوحيد وذلك بتعلم هذه العقيدة الصحيحة عقيدةأهل السنة والجماعة، ولا يكون تلقيها إلا على أيدي العلماء المعروفين الذين قد عرفوا بهذا الجانب، وهو جانب الاستقامة في العقيدة والاستقامة في المنهج ونحو ذلك.
فهذه الأسباب العشر بينها أهل العلم حتى تكون فيها بإذن الله وقاية للمسلم من هذه الشرور وهذه الآفات.
نختم كلامنا معاشر الأفاضل بأسباب أو بأمور نافعة، وبأسباب يستطيع المسلم في يومه وليلته أن يقوم بها حتى يحصل له اندفاع هذه الشرور، وتكون له كالحرز من هذه الشرور وهذه الآفات، من هذه الأمور النافعة كما سبق أن ذكرنا: الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى، هذا الأمر الأول، والاستعاذة بالله سبحانه وتعالى تجعلك بعيدا عن هذه الشرور فهي إذا هذه التي يسميها أهل العلم الحرز الشرعي الذي يكون من المسلم في يومه وليلته حتى يحصن نفسه من هذه الشرور وهذه الآفات، فالأمر الأول هو الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى.
الثاني: قراءة المعوذات لا سيما سورة الفلق وسورة الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تعوذ الناس بأفضل منهما» ([8]) فقراءة المعوذات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها مع سورة الإخلاص في كل ليلة عند النوم، وكذلك في دبر كل صلاة فهي من الأمور التي تقيك في يومك وليلتك من هذه الشرور.
الأمر الثالث: قراءة آية الكرسي،كما ثبت في الأحاديث الصحيحة التي دلت على فضل هذه الآية آية الكرسي، وهي أنها تجعل المسلم في حصن حصين من الشيطان ومن هذه الشرور والآفات.
الأمر الرابع: قراءة سورة البقرة، فالبيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان، فعلى المسلم أن يكون حريصا على قراءة سورة البقرة، أو كذلك الاستماع إليها في بيته حتى يبعد الشرور والآفات وشر الشياطين والسحرة وشر الحاسدين عن بيته وعن أسرته.
الأمر الخامس: خواتيم سورة البقرة، ﵟءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦﵞ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ»([9]) فهي تكفيه من كل سوء ومن كل شر.
الأمر السادس: قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة في اليوم والليلة، فهذه الأمور وهذه الأذكار التي يأتي بها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كانت له حرزا من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي([10]) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لك أن هذه حرز لك من الشيطان ومن أثره ومن ضرره عليك.
الأمر السابع: كثرة ذكر الله عز وجل، فكلما كان المرء كثير الذكر لله كلما كان الشيطان وشره أبعد عنه هذا.
الأمر الثامن: الوضوء والصلاة فكلما كان الإنسان على وضوء وعلى صلاة كان الشيطان منه أبعد لذلك حث النبي عليه وسلم الغاضب أن يتوضأ حتى يبعد الشيطان عنه.
الأمر التاسع: إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، ففضول النظر وفضول الكلام وفضول الطعام وكثرة الخلطة للناس التي لا داعي لها إن كانت الخلطة نافعة للإنسان كحضور مجالس العلم والمجالس الطيبة وزيارة الأرحام ونحو ذلك، هذه المخالطة طيبة لكن المخالطة التي فيها ضرر أعظم أو فيها من الضرر ما يكون مما يحصل من الناس من الخلطة التي تحصل مثلا في أمور تغضب الله سبحانه وتعالى، كما يكون مثلا من بعض الناس في شيء من الحفلات أو الأعراس أو نحو ذلك مما فيه من المنكرات، ثم يصيب الواحد منهم ما يصيبه وخاصة جانب النساء ما يصيبها من عين أو شر، فأنت قد عرضت نفسك لهذه الأذية وعرضت نفسك لمثل هذه الشرور والآفات، فكثرة الخلطة التي تجلب الضرر للإنسان وفيها من معصية الله عز وجل ما فيها أنت قد تسببت على نفسك بأن تكون فريسة سهلة لهؤلاء المؤذين وهؤلاء السحرة وهؤلاء الشياطين، فعلى المسلم أن يكون قريبا من ربه سبحانه وتعالى قريبا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بعيدا كل البعد عما يغضب الله، بعيدا كل البعد عما فيه نهي من ربك سبحانه وتعالى ومن نبيك صلى الله عليه وسلم عن هذه الآفات وهذه الشرور وهذه المسالك الخطرة، كن متحصنا بربك سبحانه وتعالى وبما جاء في كتاب الله وما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفلح وتربح.
هذا وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) رواه مسلم (2865).
([2]) رواه البخاري (7274)، ومسلم (152).
([3]) رواه مسلم (2230).
([4]) رواه أحمد (9536)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3387).
([5]) رواه الترمذي (2516).
([6]) رواه البخاري (3477)، ومسلم (1792).
([7]) رواه الترمذي (2516).
([8]) رواه النسائي (5429).
([9]) رواه البخاري (4008)، ومسلم (808).
([10]) رواه البخاري (3293)، ومسلم (2691).