أحكام الخارج من الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛
فإننا نحمد الله عز وجل نعمة الإسلام، هذه المحاضرة هي بعنوان: "حكم الخارج من الإنسان".
إن من نعم الله تعالى علينا أن جعلنا من هذه الأمة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الأمة ذات الدين الشامل لجميع ما نحتاجه في حياتنا الدنيوية والأخروية، ومن ذلك ما يتعلق بالأحكام لما يخرج من الإنسان، وسبب اختيار الكلام عن الأحكام الشرعية لكل ما يخرج من الإنسان: أولا: عناية الشارع الحكيم بهذه الأحكام الشرعية، الأحكام التي تتعلق بكل ما يخرج من الإنسان من داخل الإنسان، وكذلك أيضا عناية هذا الدين العظيم بأحكام النجاسات؛ لأن هذا الموضوع يتعلق بباب النجاسات، الخارج من الإنسان حكمه من حيث الطهارة والنجاسة، وهكذا حكمه فيما يتعلق بالطهارة للصلاة، وهل هذا ما يخرج من نواقض الوضوء أم لا؟ فهذه أحكام مهمة تحتاج إلى علم تحتاج إلى فهم، تحتاج إلى معرفة لكل مسلم، ولذلك نتكلم عن هذا الموضوع كذلك أيضا لجهل كثير من الناس بالنجاسات وأحكامها، ومن جهل كثير من الناس بهذه الأحكام تطرأ عليهم الوسوسة، اجتناب النجاسة وما يشتبه بها، الوسوسة في النجاسات آفة خطيرة على الدين والعقل؛ لأنه يترتب عليها إرهاق العقل والبدن، يترتب عليها ترك الصلوات أو تأخيرها عن أوقاتها، أو تحريم ما أباح الله تعالى من الطاهرات لذلك لا بد من معرفة الأحكام الشرعية لهذه الأشياء التي تخرج من الإنسان، وأيضا من أسباب اختيار هذا الموضوع الحرج الذي يقع فيه بعض المسلمين، كثرة الأسئلة حول ما يخرج من الإنسان، عدم تفريق من الناس بينما هو طاهر وما هو نجس من هذه الأشياء، وهكذا أيضا من الأسباب أن هذه الأحكام الشرعية التي تتعلق بما يخرج من الإنسان هي متفرقة، بيانها وأحكامها متفرقة عند الفقهاء في أبواب الطهارة والصلاة والأطعمة ونحوها، فنذكر هذه الأشياء الخارجة من الإنسان، ونبين أيضا ما ترجح لدينا من أحكامها من حيث الطهارة والنجاسة.
الخارج من الإنسان حكمه من حيث الطهارة والنجاسة لا فرق بين مسلم وكافر، هذه فائدة مهمة في هذه المقدمة، الخارج من الإنسان هو ما ينفصل عنه بخروجه، وما يكون في جوفه غير ظاهر إلا في حالة الانفصال عنه، هذا الخارج من الإنسان ما ينفصل عنه بخروجه عنه، يخرج عن الإنسان وينفصل عنه، أو يكون في جوفه غير ظاهر إلا إذا انفصل عنه، هذا هو موضوع محاضرتنا: بيان الأحكام من حيث الطهارة والنجاسة في كل ما يخرج من الإنسان، ما ينفصل عنه بخروجه، الخارج من الإنسان ينقسم حسب محل خروجها من جسمه إلى ثلاث أقسام: أشياء تخرج من الرأس ومن الفرج ومن بقية الجسد، وقبل ذكر هذه الأقسام الثلاثة والأمثلة عليها نذكر ما دَوَّنَهُ العلماء في كتب القواعد الفقهية، ذكروا ثلاث قواعد في مبحث حكم الخارج من الإنسان هذه القواعد هي:
القاعدة الأولى: أن الأصل طهارة جميع الأعيان إلا ما قام الدليل على أنه نجس، الأصل طهارة جميع الأعيان إلا ما قام الدليل على نجاسته، هذه القاعدة ذكرها أهل العلم، ويحكم بها ابتداء على الأشياء بالطهارة أو النجاسة، واتفق الفقهاء على أن الأصل في الأشياء هو الطهارة، وذكر هذا الاتفاق ابن عبد البر رحمه الله في كتاب الاستذكار([1]) قال: « والأصل في الأشياء الطهارة ولا ينجس»، ثم قال: «إلا أن تصح سنة بذلك»، يعني الأصل في الأشياء أنها طاهرة لا تنجس إلا إذا جاءت سنة، جاء الدليل على نجاستها، وهكذا أيضا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « إن الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة» ([2]) ، وهكذا ذكر الاتفاق صديق حسن خان في كتابه الروضة الندية، وهكذا الشوكاني أيضا في كتابه سيل الجرار([3]) ثم قال الشوكاني رحمه الله في كتابه الدراري المضية([4]): «اعلم أن كون الأصل الطهارة معلوم من كليات الشريعة المطهرة وجزئياتها، ولا ريب أن الحكم بنجاسة شيء يستلزم تكليف العباد بحكم، والأصل البراءة من ذلك ولاسيما من الأمور التي تعم بها البلوى»، إذًا هذه القاعدة الأصل طهارة جميع الأعيان إلا ما قام الدليل على نجاسته، ويؤكد ذلك أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: « إن الطاهر ما حل ملابسته ومباشرته وحمله في الصلاة، والنجس بخلافه وأكثر الأدلة السالفة تجمع جميع وجوه الانتفاع بالأشياء...فثبت دخول الطهارة في الحل» ([5])، الأدلة على هذه القاعدة قول الله عز وجل: ﵟهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵙﵒﵜ ففي هذه الآية أن الله عز وجل خلق جميع ما في الأرض وأضافه إلى الناس باللام ﵟ خَلَقَ لَكُمﵞ وهذه توجب اختصاص المضاف بالمضاف إليه، وهذا المعنى يعم موارد استعمالها، ولا يحصله أن يكمل الانتفاع إلا بما كان طاهرا ما لم ينص الشارع على نجاسته، فدل على أن الأصل في الأشياء الطهارة، هكذا أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَتْ لِي اَلْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ([6]) ، في هذا الحديث أن عموم الأرض محل للصلاة، والطهارة لهذه الأمة فلزم أن تكون جميع أجزاء الأرض طاهرة إلا ما خص بالدليل وأكثر المخلوقات هي من الأرض، كما قال عز وجل: ﵟسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ ٣٦ﵞ ﵝيس : ﵖﵓﵜ ، فدل على أن الأصل في الأشياء الطهارة، وهذا الأصل في جميع الأعيان الأصل الطهارة ذكر العلماء الاتفاق على هذه القاعدة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ» ([7]) ، أيضا هذا من الأدلة لهذه القاعدة أن الأصل طهارة جميع الأعيان إلا ما قام الدليل على نجاسته هذه القاعدة الأولى.
القاعدة الثانية عند الفقهاء: يقولون كل ما خرج من الفرج فهو نجس هذه القاعدة منقوضة بالدليل والتعليل، وقد دلت الأدلة على طهارة المني وهو خارج من الفرج، وهكذا طهارة الإفرازات المهبلية عند المرأة وهي خارجة من الفرج، ودلت الأدلة على طهارتها، إذًا هذه القاعدة منقوضة بالدليل والتعليل، فليس كل ما خرج من الفرج فهو نجس قاعدة غير صحيحة.
القاعدة الثالثة أيضا يذكرونها: كل ما أوجب وضوءً أو غسلا فهو نجس، أيضا هذه القاعدة منقوضة بالدليل والتعليل كل ما أوجب وضوءًا أو غسلا فهو نجس هذه القاعدة غير صحيحة مخالفة للدليل منقوضة بالدليل والتعليل، وفصل ذلك الشوكاني رحمه الله في كتابه السيل الجرار([8]) ، كذلك لا تلازم بين الخروج من الفرج ونقض الوضوء منه، وبين النجاسة لا تلازم لعدم الدليل على ذلك، لا يوجد دليل على التلازم بين الخروج من الفرج ونقض الوضوء منه وبين النجاسة، فليس كل ما يخرج من الفرج نجس هذا غير صحيح ما قالوه ما ذكروه، فليس كل ما خرج من الفرج فهو نجس كما سيأتي.
نتكلم عن أحكام الخارج من الإنسان من حيث مكان الخروج، أشرنا إلى أن الخارج من الإنسان ثلاثة أقسام: الخارج من الرأس والخارج من الفرج والخارج من بقية البدن، نتكلم عن هذه الثلاث الأقسام مع الأمثلة والأدلة عليها.
القسم الأول: الخارج من الرأس من العين والأذن والأنف والفم، الدمع هو ماء العين من حزن أو سرور والإجماع على طهارته، الثاني: القذى وهو الغمص يخرج من العين، هو ما ترمي به العين مثل الزبد الأبيض هذا غمص والأصل فيه الطهارة ولم يقل أحد بنجاسته، الثالث: الشمع والسوائل المائية من الأذن والأصل فيها الطهارة، الرابع: المخاط من الأنف وهي إفرازات لزجة تفرزها أغشية الأنف، وقد نقل الإجماع على طهارته -طهارة المخاط- وممن نقل الإجماع الزركشي كذلك ابن قاسم كما في حاشية الروض المربع([9]) ، الخامس مما يخرج من الرأس: الريق واللعاب والبصاق، وهو ماء الفم فما دام في الفم فهو ريق، وإذا سال فهو لعاب، وإذا طرح فهو بصاق أو بزاق أو بساق كما في معجم لغة الفقهاء، وقد دلت السنة على طهارته كما في حديث فعل الصحابة وابتدارهم بساق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد في المسند([10]) وغيره، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري([11]) : «وقد نقل بعضهم الإجماع»، -أي على طهارته- هذا الخامس الريق واللعاب والبصاق فالإجماع على طهارته، السادس مما يخرج من الإنسان: النخامة هي ما يدفعه الإنسان من صدره أو نفسه من بلغم أو نحوه، وقد دلت السنة على طهارتها كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في المسجد وأقبل بيده فأقبل على الناس فقال: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ، أو تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا» وَوَصَفَ الْقَاسِمُ فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ([12]) ، فلو كانت النخامة نجسة لما أمره أن يمسحها بثوبه وهو في الصلاة، وهذا دليل على طهارتها وقد نقل غير واحد الإجماع على طهارتها كالزركشي وغيره، السابع مما يخرج من الإنسان: ما يخرج من فم النائم من لعاب قد يخالطه شيء من المعدة أو يتغير لونه أو طعمه، قال ابن قاسم رحمه الله: «وما سال من الفم وقت النوم طاهر بالاتفاق» ([13]) ، الثامن مما يخرج من الإنسان: الجشاء وهو البخار الخارج من الجوف، وقد نقل ابن القاسم أيضا الإجماع على طهارته كما في حاشية الروض المربع، التاسع مما يخرج من الإنسان: الصفراء، الصفراء هو ماء الحرارة أصفر يخرج من المعدة يشبه صبغ الزعفراني، أيضا هذا الأصل فيه الطهارة، العاشر: القَلْس ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه عند الجشاء غالبا، وقد اختلفوا في طهارة ونجاسة القَلْس، والصحيح الراجح أنه طاهر كما عند المالكية والحنفية وابن تيمية والشوكاني، الأصل أنه طاهر لعدم دليل النجاسة، لا دليل على نجاسته، فهنا تأتي القاعدة الأولى المتفق عليها الأصل في الأشياء الطهارة، الحادي عشر مما يخرج من الإنسان: القيء، القيء ما حذفته المعدة مما فيها عن طريق الفم، وقال بنجاسته جمهور العلماء، وقال ابن تيمية والشوكاني والألباني وغيرهم بطهارته لعدم وجود الدليل الصحيح الثابت، وهذا القول الراجح القيء طاهر؛ لأن الأصل الطهارة ولا يوجد دليل صحيح صريح ثابت على نجاسة القيء، الثاني عشر مما يخرج من الإنسان ومما يخرج من الفرج: البول، البول هو نجس بالسنة والإجماع، الإجماع الذي نقله كثير من أهل العلم، فالبول نجس بالإجماع، بول الإنسان ولا فرق بين بول الآدمي الكبير والصغير والرضيع والذكر والأنثى كله نجس، الثالث عشر مما يخرج من الإنسان: الغائط العذرة، ويسمى الخرء والبراز، وقد اتفق العلماء على نجاسته، ودلت السنة على ذلك، الرابع عشر مما يخرج من الإنسان: المذي، المذي: هو ماء رقيق يخرج من القبل عند المداعبة والتقبيل والنظر بشهوة ولا دفق له، ولا فرق بين الرجل والمرأة، وقد اتفق العلماء على نجاسة المذي ،كما نقل ذلك ابن المنذر والنووي والصنعاني وغيرهم الاتفاق على نجاسته، المذي ماء رقيق يخرج من القبل عند المداعبة والتقبيل والنظر بشهوة ولا دفق له هذا تعريفه، الخامس عشر مما يخرج من الإنسان: الودي، الودي: ماء رقيق أبيض يخرج من الذكر بعد البول أو عند حمل شيء ثقيل، وقد وقع الاتفاق على نجاسته كما نقل النووي وابن المنذر والزركشي وغيرهم، وقال الشوكاني رحمه الله: «والودي قام الدليل الصحيح على غسله، فأفاد ذلك نجاسته ولم أجد من قال بطهارة الودي» ([14]) ، السادس عشر مما يخرج من الإنسان: المني: هو ماء غليظ أبيض يخرج من القبل عند اشتداد الشهوة، وهو من المرأة ماء رقيق أصفر، وقد اختلف العلماء في حكمه، المني هل هو طائر أو نجس؟ قال كثير من أهل العلم بل الجمهور على نجاسة المني، وقال الشافعي وأحمد في المشهور عنه وهو اختيار ابن تيمية والشوكاني وغيرهم من السلف والخلف، قالوا بطهارة المني قالوا لأن المني أصل الآدمي فكيف يكون نجسا؟ أما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل المني فهو على الاستحباب للأدلة الثابتة من بقاء المني على ثيابه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولو كان نجسا ما صلى به صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على طهارة المني، إذًا السادس عشر مما يخرج من الإنسان المني قال الجمهور بنجاسته، وقال الشافعي وأحمد في المشهور عنه واختاره ابن تيمية والشوكاني وغيرهم من السلف والخلف قالوا بطهارة المني؛ لأنه أصل الإنسان، فكيف يكون أصل الآدمي نجس، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل المني للاستحباب للأفضل؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثيابه مني وهو يصلي، فلو كان نجسا ما صلى به صلى الله عليه وسلم، السابع عشر مما يخرج من الإنسان: العلقة والمضغة والمشيمة هذا عند النساء، إذا حملت المرأة في أوائل الأيام العلقة والمضغة والمشيمة بداية تكوّن الجنين في رحمها، فخرج منها فما هو الحكم؟ الصحيح أنها طاهرة العلقة والمضغة والمشيمة طاهرة لعدم الدليل على النجاسة، ولو كانت دما فهي طاهرة لعدم الدليل على النجاسة ولأن الأصل في الأشياء الطهارة، ولم يأت دليل على نجاستها، الثامن عشر مما يخرج من الإنسان: الماء الخارج عند أو قبيل الولادة عند المرأة قبل الولادة أو عند الولادة، يخرج ماء من المرأة هذا أيضا طاهر على الأصل لعدم وجود الدليل على نجاسته، ويخرج من القبل من الفرج ماء يخرج قبل الولادة أو عند الولادة، ولا يوجد دليل على نجاسته فهو طاهر، التاسع عشر مما يخرج من الإنسان: الدود والحصى وما في حكمهما، يخرج من الدبر الدود والحصى يخرج من الفرج الدود والحصى وما في حكمهما، أيضا هذا الأصل فيها الطهارة إلا إذا خالطته نجاسة صار نجسا مثلها، العشرون مما يخرج من الإنسان: القصة البيضاء عند المرأة بعد النفاس أو الحيض علامة الطهر، القصة البيضاء: هي البياض الخالص الذي تعرف المرأة انتهاء حيضتها أو نفاسها بإدخال قطنة، فإذا خرجت بيضاء كالقصة فقد انتهى حيضها ونفاسها وطهرت، فهذه القصة البيضاء الراجح أنها طاهرة مطلقا لعدم الدليل على نجاستها، لا يوجد دليل على نجاستها، الواحد والعشرون مما يخرج من الإنسان: الإفرازات رطوبات الفرج، وهو ما تخرجه المرأة من سوائل من غدد تفرزها وهذه طبيعية، غدد تفرز هذه الإفرازات وهذه الرطوبة، اختلف العلماء في طهارتها أو نجاستها، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني([15]) : «وفي رطوبة فرج المرأة روايتان: إحداهما نجاسته؛ لأنه بلل في الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذي، والأخرى -يقول الرواية الأخرى- طهارته لأن المني طاهر لما بينا وإذا كان من جماع فلا بد أن يصيب رطوبة الفرج ولأننا لو حكمنا بنجاسته لحكمنا بنجاسة منيها»، فهو يرجح رحمه الله طهارة هذه الإفرازات، وقال أيضا ابن عابدين رحمه الله في كتابه رد المحتار([16]) : «إن رطوبة الفرج كرطوبة الفم والأنف والعرق»، هذا القول بطهارة هذه الإفرازات رطوبة الفرج هو الراجح لعدم الدليل على النجاسة أولا، ولأن هذه الإفرازات كانت معلومة ولم يأت أمر فيها، والأصل في الأشياء وفي الأعيان الطهارة ولا دليل على نجاستها، الثاني والعشرون مما يخرج من الإنسان: الدم، واختلف العلماء في حكمه وقال الجمهور بنجاسة الدم مطلقا، والصحيح التفصيل حسب الدليل، فقد ثبت الدليل والإجماع على نجاسة دم الحيض والنفاس، فالنفاس تبعا للحيض، قال الشوكاني رحمه الله: «ولا يصح قياس غيره عليه-لا يصح قياس الدم غير دم الحيض والنفاس، لا يصح قياس الدم الآخر على دم الحيض- لأنه من قياس المخفف على المغلظ» ([17])، ثم قال: «لم يصح في كون كل الدم نجسًا شيء في السنة» ([18]) ، إذًا قال الجمهور بنجاسة الدم مطلقا نجاسة دم الحيض والنفاس وغيرها من الدماء، ونجاسة دم الحيض والنفاس بإجماع العلماء عليه، دم الحيض والنفاس أجمع العلماء عليه لكن اختلفوا في الدم الآخر الذي يخرج من الإنسان من جرح أو من أنفه أو من غير ذلك، فالجمهور على نجاسة الدم مطلقا وأما غيرهم كالشوكاني وغيره على طهارة الدم الآخر غير دم الحيض والنفاس، قالوا لأن الأصل في الأشياء الطهارة، ولم يقم دليل على نجاسة جميع أنواع الدم، لم يرد الأمر بغسله إلا دم الحيض، وما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم كما روى البخاري عن الحسن، الشهداء لا تغسل دماؤهم مما يدل على الطهارة، طهارة الدم وهو الراجح، السادس والعشرون مما يخرج من الإنسان: دم الاستحاضة، دم الاستحاضة: دم يسيل عند المرأة في غير أيام الحيض والنفاس والراجح القول بطهارته لعدم الدليل على وجوب غسله، ولأن دم الاستحاضة دم عرق نزيف كبقية الدماء، فهو طاهر على الراجح دم الاستحاضة لذلك أجاز العلماء للزوج أن يأتي امرأته إذا كانت مستحاضة، وهذا من الأدلة أيضا على الطهارة وما يقوي القول بطهارة دم الاستحاضة، الرابع والعشرون مما يخرج من الإنسان: الصفرة والكدرة، هذا عند النساء سوائل غير صافية تميل إلى الصفرة أحيانا، أو تكون داكنة كدرة تخرج من النساء سواء وقت الحيض والنفاس أم الطهر والاستحاضة، فإذا كانت هذه الصفرة والكدرة وقت الحيض والنفاس فلها حكم دم الحيض والنفاس وهو النجاسة بالإجماع، وإذا كانت هذه الصفرة والكدرة وقت الطهر والاستحاضة فلها حكمهما وهو الطهارة، هذا تفصيل جيد عند بعض العلماء، فهذه الصفرة والكدرة سوائل التي تميل إلى الصفرة أحيانا أو تكون دكنة كدرة تخرج من النساء، فإذا كانت هذه الصفرة الكدرة خرجت وقت الحيض والنفاس، فلها حكم دم الحيض والنفاس نجسة، وإذا كانت وقت الطهر والاستحاضة فلها حكمها وهي الطهارة، الخامس والعشرون مما يخرج من الإنسان: القيح والصديد، القيح: هو المِدَّةُ لا يخالطها دم، هذا يسمى قيح والصديد هو ماء الجرح الرقيق إذا تخثر يسمى صديد، ماء الجرح الرقيق إذا تخثر يسمى صديد وقد يختلط بالدم، هذا القيح والصديد أكثر العلماء على نجاستها لوجود الدم الذين يقولون بنجاسته كما مر معنا، وقال ابن تيمية([19]) والشوكاني وغيرهما لم يقم دليل على نجاسة القيح والصديد، وهذا القول الصحيح أن القيح والصديد الأصل فيه الطهارة، دليله البراءة الأصلية لعدم وجود دليل على نجاسته كما قال ابن تيمية وتبعه في ذلك أيضا الشوكاني رحمه الله وغيرهم، لم يقم دليل على نجاسة القيح والصديد، السادس والعشرون مما يخرج من الإنسان: العرق، نقل الإجماع على طهارته ابن المنذر والنووي وابن جرير والزركشي وغيرهم، وإجماعهم على طهارة العرق مطلقا ولو من جنب أو حائض أو كافر، ودليل الإجماع البراءة الأصلية، فالعرق طاهر بالإجماع من مسلم أو من كافر أو من طاهر أو من حائض أو من جنب طاهرٌ بالإجماع، السابع والعشرون والأخير مما يخرج من الإنسان: اللبن، لا نعلم من قال بنجاسته لعدم الدليل على النجاسة، ولأن اللبن ضرورة الحياة للطفل ولم يأت أمر بالتحرز منه أو بغسله ولا في حديث واحد، فاللبن الذي يخرج من المرأة عند الرضاع طاهر، وقد يخرج أيضا من بعض الرجال، فاللبن طاهر سواء كان من ذكر أو أنثى ولو صغيرة، إذ لا يليق بكرامة الآدمي أن يكون منشأه نجسا.
إذًا الخلاصة مما سبق أن ما يخرج من الإنسان الكثير وأن كل ما خرج من الجسم فهو طاهر هذا الأصل، ما عدا ما ذكرنا البول والغائط ودم الحيض والنفاس والمذي والودي، هذه ستة كلها تخرج من الفرج.
نأتي لمسألة نختم بها هذه المحاضرة، وهي مسألة ما ذكر مما يخرج من الإنسان حكمه من حيث الوضوء أو الاغتسال، حكم ما ذكر مما يخرج من الإنسان من حيث وجوب الوضوء ووجوب الغسل، القيء والقلس ورد حديث صحيح عند بعض أهل العلم لكن الراجح أنه ضعيف، حديث: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فليتوضأ» ([20]) هذا الحديث أخذ به بعض أهل العلم وقالوا بنقض الوضوء من القيء والقلس، لكنه حديثٌ ضعيف لا يستدل به : «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فليتوضأ» ، ولذلك اختلف العلماء في نقض الوضوء بالقيء، والراجح عدم النقض لضعف الحديث، ولأن الأصل عدم النقض ولا دليل صحيح، وهذا القول بطهارة القيء هو قول مالك و الشافعي وغيرهما لكن يستحب الوضوء من القيء ولا يجب، يستحب لما ثبت عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم: «قاء فتوضأ» ([21]) ، فهذا من فعله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن تيمية رحمه الله: «استحباب الوضوء من القيء متوجه ظاهر، والفعل إنما يدل على الاستحباب» ([22]) ، إذًا القيء والقلس لا دليل على أنه ينقض الوضوء لكن يستحب الوضوء من القيء لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي، خروج البول والغائط هما ناقضان للوضوء بالدليل وبالإجماع لكن لا توجب الغسل، خروج البول والغائط وخروج الريح هذه كلها تنقض الوضوء بالدليل والإجماع، لكن لا توجب الغسل يكفي الوضوء، خروج المذي والودي، المذي والودي نجسان كما مر معنا، وهما ناقضان للوضوء بالإجماع على نجاستهما وناقضان للوضوء ولا يوجبان الغسل، المذي والودي ينقض الوضوء لكن لا يوجب الغسل، خروج المني ناقض للوضوء وهو حدث أكبر يوجب غسل الجنابة ولا يكتفى بالوضوء، دم الحيض والنفاس خروجه حدث أكبر يوجب الغسل بعد الطهر من الحيض والنفاس لا يكتفى بالوضوء منهما، وهذا أجمع عليه العلماء، إذًا ذكرنا مما يخرج من الإنسان من حيث الوضوء منه أو الاغتسال القيء والقلس والبول والغائط المذي والودي والمني ودم الحيض والنفاس، هذه عرفنا الآن ما هو الحكم من حيث الوضوء والغسل، أما بقية مما يخرج من الإنسان مما ذكرنا فالأصل أنه لا ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل لعدم الدليل على ذلك، بقية مما يخرج من الإنسان مما ذكرنا في هذه المحاضرة الأصل أنه لا ينقض الوضوء، ولا يوجب الغسل لعدم الدليل على ذلك كخروج الدم من الجسم أو في الاستحاضة أو ما يخرج من العين أو الأذن أو الأنف أو الفم أو ما يخرج من الفرج والدبر كالدود والحصى والإفرازات أو الصفرة أو الكدرة بعد الطهر من الحيض والنفاس أو القيح والصديد وغيرها فلا تنقض الوضوء، ولا توجب الغسل، بهذه الفائدة نكون قد انتهينا مما أردنا وشاء الله عز وجل أن نذكره من خلال هذه المحاضرة التي تتعلق بالأحكام الشرعية للخارج من الإنسان، وأشرنا إلى حكم هذه الأشياء الخارجة من الإنسان من حيث الطهارة والنجاسة، ومن حيث أيضا نقض الوضوء ووجوب الغسل، أشرنا إلى أن ما يخرج من جسم الإنسان ثلاثة أقسام ذكرناها بأمثلتها، ما يخرج من الرأس وما يخرج من الفرج وما يخرج من بقية البدن، ذكرنا سبعة وعشرين أو أكثر من هذه الأشياء وبيّنا حكمها من حيث الطهارة والنجاسة من خلال هذه المحاضرة.
نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم بما سمعنا نسأله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه وأن يرزقهم البطانة الصالحة اللهم إنا نسألك علما نافعا وقلبا خاشعا ودعاء مستجابا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) (1/294).
([2]) مجموع الفتاوى (21/542).
([3]) (1/43).
([4]) الدراري المضية (1/27).
([5]) مجموع الفتاوى (21/541).
([6]) رواه البخاري (335)، ومسلم (521).
([7]) رواه الترمذي (1726)، وابن ماجه( 3367)، وهو في صحيح الجامع الصغير (3195).
([8]) (1/43).
([9]) (1/364).
([10]) رقم (18928).
([11]) (1/466).
([12]) رواه مسلم (3008).
([13]) حاشية الروضة المربع (1/365).
([14]) السيل الجرار (1/25).
([15]) (2/65).
([16]) (1/166).
([17])السيل الجرار (1/31).
([18]) المصدر نفسه (1/30).
([19]) مجموع الفتاوى (21/ )
([20])ضعفه الإمام أحمد وغيره، وضعفه الألباني أيضا في ضعيف سنن ابن ماجه (225)، وضعفه أيضا في ضعيف الجامع الصغير (5434).
([21]) رواه الترمذي (87)، وهو في صحيح سنن الترمذي (76)، وصححه الألباني أيضا في تمام المنة (ص111).
([22]) مجموع الفتاوى (20/526).