أحكام الحيوانات ، ما يجوز أكله، وما لا يجوز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
مقدمـــة:
فقد حث الإسلامُ على الأكلِ الحلالِ، وحذَّر مِن الأكلِ مِن الحرامِ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة:172].
فلما كان لإطابة المطعم أثرٌ كبيرٌ على الإنسان في سلوكه وحياة قلبه وقبول دعائه، بخلاف المطعم الخبيث الذي هو بضد ذلك، أَرَدْتُ الحديثَ عن أنواع الحيوانات المشهورة بين الناس، ما يحلُّ أكله منها وما يحرُم، لكي نكون على بصيرةٍ وعِلمٍ في هذا الجانب من الأطعمة.
وحتى نحيط بهذا الموضوع من جوانبه: سيكون الكلام فيه بذكر القواعد المستخلَصةِ مِن أقوال العلماءِ، والتي تُفيدُ في معرفة أحكام هذه الحيوانات، وبعد قراءتي لكتاب الأطعمة من (سُبل السلام)، وكتاب (الأطعمة) للدكتور صالح الفوزان، بالإضافة إلى الرجوع إلى بعض كتب الفقه وشروح كتب الحديث والتخريج وغيرها.
فهذه خمس عشرة قاعدة لمعرفة أحكام الحيوانات
القاعدة الأولى: للأكل من الطيبات آثارٌ على النفوس والأبدان، وللأكل من الخبائث المحرمات آثارٌ ضارةٌ بالأبدان والعقول والأخلاق، فالطيبات التي أباحها الإسلام هي المطاعم النافعة.
وللأكل الحلال وطِيب المطعم أثرٌ عظيم من صفاء القلب واستجابة الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها.
قال الله تعالى عن اليهود: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}[المائدة41 :42]، أي: أكَّالون للحرام.
ومَن كانت هذه صفته كيف يطِّهرُ اللهُ قلبه، وأنَّى يستجيب لدعائه؟.
وقال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا،... ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)([1]).
فالمؤمن يحرص على أكل الطيبات لآثارها الطيبة على النفوس والأبدان ويبتعد عن أكل الحرام لآثاره الضارة فلا يأخذ الرشوة ولا يغش الناس ولا يسرق منهم ولا يتغذى بالمحرمات فإن ذلك يؤثر على استقامته وحياته .
القاعدة الثانية: الأصل في الحيوانات أنها مباحة الأكل إلى أن يدل دليل خاص أو عام على تحريمها، وهذا ما عليه جمهور العلماء.
وهو الراجح، لِما يلي:
أ- قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة:29] ولا يمتَنُّ عزَّ وجلَّ إلا بمباح.
ب- وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام:119]، فالله عز وجلَّ وبَّخَهُم على ترك الأكل مما ذُكر اسم الله عليه، وهذا دليل على إباحته، ولو كان حراماً لم يوبخهم على تركه، فالأصل هو الإباحة، وكذلك: فإنه سبحانه فصَّل لهم ما حرَّم عليهم، فما لم يُبيِّن تحريمه ليس بمحرَّم.
ج- وفي الحديث المتفق عليه: (إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ)([2]).
ووجه الدلالة: أن الأشياء لا تُحرَّم إلا بتحريم خاص، وإلا فالأصل أنها مباحة.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: (فالأصلُ في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالاً مطلقاً للآدميين، وأن تكون طاهرةً لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها)([3]).
ومن أمثلة الحيوانات المباحة بناءً على هذه القاعدة ما يلي:
البط بأنواعه، والظبي بأنواعه، والطاووس والبطريق والببغاء والحمام بأنواعه، والنعام ومالِك الحزين والبلبل بأنواعه، واليربوع (يشبه الفأر لكنه طويل الرجلين قصير اليدين جداً)، والزرافة والسنجاب (يشبه اليربوع) والكنغر، والقنفذ؛ لأنه مستطاب لا يتقوى بنابه كالأرنب، والسلحفاة والسحلية وهي مثل الضب، والفيل، وغيرها.
ومن الحيوانات ما جاء النص بإباحتها مثل:
1- الخيل: يجوز أكله لحديث جابرٍ رضي الله عنه قال: (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الخَيْلِ)([4]).
ولحديث أسماء رضي الله عنها قالت: (نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ)([5]).
2- بهيمة الأنعام: وهي الإبل بأنواعها، والبقر بأنواعها، والماعز بأنواعها، والضأنُ بأنواعها.
قال الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}[المائدة:1].
3- الأرنب: يجوز أكلها لحديث أنس رضي الله عنه قال: (أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، " فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا - أَوْ قَالَ: بِفَخِذَيْهَا - إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهَا)([6]).
4- الجراد والسمك بأنواعه حياً وميتاً: لحديث: (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ. فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ)([7]).
5- الحمار الوحشي: لما روى الشيخان عن أبي قتادة أنه رأى حماراً وحشياً في طريق مكة فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم؛ لأنهم مُحرِمُون، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: (إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ)([8]).
6- الدجاج بأنواعه: لما قال أبو موسى رضي الله عنه: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ دَجَاجًا)([9]).
7- الضَّبُ: يجوز أكله لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: أحرامٌ هو؟ أي الضب ، قال: (لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ)([10]).
8- الضبع: يجوز أكلها لحديث عبد الرحمن بن أبي عمَّار قال: (قُلْتُ لِجَابِرٍ: الضَّبُعُ صَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَقَالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ)([11])، والقول بالجواز: هو قول الشافعي، وأحمد، وغيرهما؛ لما ورد من أحاديث تدل على جوازها.
ومن الحيوانات ما ورد النص بتحريمه مثل:
1- البغل: وهو المتولد بين الحمار والفرس، ولا يجوز أكله لحديث جابر رضي الله عنه قال فيه: (ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ، وَالْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَلَمْ يَنْهَنَا عَنِ الْخَيْلِ)([12]).
2- الحمار الأنسي الأهلي: لا يجوز أكله لما سبق من حديث جابر.
3- الخنزير: قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ }[المائدة:3].
القاعدة الثالثة: كلُّ طيبٍ من الحيوانات فهو حلالُ الأكلِ، وكل خبيثٍ فهو حرام.
دليل عام: قال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:157].
ويُعرف طيب الحيوان وخبثه: بصفاته وأكله، ولا شك أن كل ما حرَّمه الله عز وجلَّ أو نصَّ على خُبثه فهو خبيث ضارٌ في البدن والدين.
لكن يبقى الإشكال في الأشياء التي لم يُنص على تحليلها ولا تحريمها أو خبثها: والصحيح أن التحليل يتبع الطِيب والمصلحة، والتحريم يتبع الخُبيث والمضرَّة في ذات الأشياء لا في اعتبار الناس؛ لأن الناس قد يتلذذون بما يضرهم من السموم والميتة وغير ذلك، وقد يكرهون من الطعام ما ينفعهم، فكل حيوانٍ أكلُهُ طيِّبٌ وليس في أكله مضرَّةٌ فهو حلال ما لم يرد نص بتحريمه، وكل حيوان أكلُهُ خبيثٌ وفيه مضرَّةٌ فهو حرام لأنه من الخبائث.
ومن أمثلة الحيوانات المستخبثة والضارة لمن أكلها:
1- الدود الذي يتغذى على النجاسات، والأوساخ، وغيرها مما يضر البدن.
2- الذباب، والبعوض، وغيرها؛ لأنه ثبت ضررها على جسم الآدمي.
3- القرد: لا يجوز أكله لخبث لحمه، قال ابن عبد البر: ( لا أعلمُ بين علماء المسلمين خلافاً أنَّ القرد لا يؤكل)([13]).
القاعدة الرابعة: لا صلة بين تحريم الحيوانات وبين ما يستخبثه العرب، فليس كل ما استخبثه العرب يكون حراماً.
قال ابن تيمية: (ولا المراد بالطيب التذاذ طائفة من الأمم كالعرب، ولا كون العرب تَعَوَّدَتْهُ، لا يُوجب أن يحرم الله على جميع المؤمنين ما لم تعتده طباع هؤلاء، كيف وقد كانت العرب قد اعتادت أكل الدم والميتة وغير ذلك، وقد حرَّمه الله تعالى، وفي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قُدِّم إليه لحم ضب فرفع يده ولم يأكل فقيل: أحرامٌ هو؟ قال: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) فعُلم أن كراهة قريش وغيرها لطعام من الأطعمة لا يكون موجِباً لتحريمه على المؤمنين، وأيضاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يُحرِّم أحدٌ منهم ما كرهته العرب)([14]).
القاعدة الخامسة: كلُّ ذي نابٍ من السباع فهو محرم الأكل، وهو قول الجمهور ورواية عن مالك.
لما روى أبو ثعلبة الخشني: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ)([15])، والناب هو السِّن التي يتقوَّى بها السبعُ ويعدو بها على الناس وعلى الحيوان فيصطاده.
والمعتبر في المحرَّم مِن السباع اشتماله على وصفين: كونه ذا نابٍ، وكونه يعدو بهذا الناب.
قال ابن القيم رحمه الله: (إنما حُرِّم ما اشتمل على الوصفين: أن يكون له نابٌ، وأن يكون من السباع العادِيَة بطبعها، كالأسد والذئب والنمر والفهد، وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين، فليست من السباع العادية)([16]).
ومن الأمثلة للحيوانات ذوات الأنياب من السباع التي لا يجوز أكلها:
الأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والكلب، وغيرها، وكذلك الثعلب، وابن آوى (يشبه الذئب والثعلب، له نابٌ ومستخبث، ويأكُلُ الجِيَف)، والدُّب، والقط، وغيرها.
القاعدة السادسة: كل ذي مخلبٍ من الطير فهو محرم الأكل، وهو قول الجمهور ماعدا مالك.
لحديث ابن عباس رضي الله عنه قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ)([17]).
والمخلب للطير: بمنزلة الظفر للإنسان، والمراد بذلك: إذا كان قوياً يعدو به على غيره ويصطاد بمخالبه.
ومن أمثلة ذلك: العقاب، والبازي، والصقر، والشاهين، والبومة، وغيرها.
القاعدة السابعة: كل ما أُمر بقتله من الحيوانات فإنه محرم أكله على القول الصحيح.
فكل شيءٍ أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله بغير الذكاة الشرعية فهو محرم الأكل، إذ لو كان الانتفاع بأكله جائزاً لما أَذِنَ في إتلافه.
قال النووي: (ما أُمر بقتله من الحيوانات فأكله حرام)([18])، وهذه قاعدة اجتهادية ليس عليها نصٌ، ولذلك اختلف فيها أهل العلم.
ومن أمثلة الحيوانات التي أُمرنا بقتلها ما يلي:
1- في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الفَأْرَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالحُدَيَّا، وَالغُرَابُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ)([19])، والحُدَيَّا: طائر من الجوارح.
2- بناتُ عِرس: نوع من الفأر، وهي من الفواسق.
3- الحيةُ بجميع أنواعها: لحديث: (اقْتُلُوا الحَيَّاتِ)([20]).
قال ابن تيمية: (أكلُ الحيات والعقارب حرامٌ بإجماع المسلمين)([21]).
4- الوزغُ: لحديث عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا)([22]).
القاعدة الثامنة: كل حيوان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله فإنه محرم أكله على الصحيح؛ لأنه لو كان حلالاً لما نُهي عن قتله.
قال الخطابي رحمه الله: (فكل منهي عن قتله من الحيوان فإنما لأحد أمرين: إما لحرمته في نفسه كالآدمي، وإما لتحريم لحمه كالصُّرَد والهدهد ونحوهما)([23])، وهذه قاعدة اجتهادية أيضاً كالقاعدة السابقة.
ومن أمثلة الحيوانات التي نُهينا عن قتلها:
1- النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ)، وذكرها([24]).
2- الضفدع: لحديث: (نَهَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ للدَوَاءِ)([25]).
قال الخطابي: (في هذا دليلٌ على أن الضفدع محرَّم الأكل، فكل منهي عن قتله لتحريم لحمه)([26]).
القاعدة التاسعة: كل حيوان يعيش في البحر فهو حلال الأكل حياً أو ميتاً بنص القرآن.
قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}[المائدة:96].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن البحر: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ)([27]).
فالآية والحديث يدلان على حِل جميع ما يعيش في البحر بلا استثناء، إلا الضفدع، لما ورد سابقاً من النهي عن قتله ولو للتداوي.
وما يعيش في البحر نوعان:
(أ) ما يعيش في الماء وإذا خرج منه مات: كالسمك بأنواعه.
(ب) ما يعيش في الماء وفي البر أيضاً: كالتمساح والسرطان وغيرهما.
وكل ذلك مباح أكله إلا الضفدع: بسبب النهي عن قتله ولو للتداوي، وهو الراجح كما قال النووي في المجموع([28])، وقال المالكية والراجح من مذهب الشافعية: بحِل جميع حيوان البحر بدون استثناء، أما الحنابلة: فقد استثنوا الضفدع والتمساح والحية.
ومن أمثلة الحيوانات التي تعيش في الماء أو في الماء والبر ويحل أكلها على الصحيح: التمساح والسرطان والسلحفاة، وجميع أنواع السمك، وكلب الماء وغيرها.
القاعدة العاشرة: يجوز أكل جميع طيور الماء بشرط التذكية لأنها تعيش في البر والبحر.
قال ابن قدامة: (لا نعلم فيه خلافاً)([29])، واستثنى العلماء طائر اللقلق لأنه يأكل الثعابين والخبائث.
قال النووي في المجموع: (طير الماء كالبط والأوز ونحوهما حلال، ولا يحل ميتته بلا خلاف، بل تشترط ذكاته)([30]) وكذلك اشترط الذكاة ابن قدامة في المغني([31]).
القاعدة الحادية عشر: لا يجوز أكل كل حيوان أو طير يأكل الجيف والنجاسات إلى أن يطيب لحمه، بدليل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلَّالة إلى أن يطيب لحمها([32]).
ولأن مطعمه خبيث فيسري هذا الخبث في لحمه فيضر الإنسان إذا أكله، وكل ما يتغذى بالجيف والنجاسات ينبت لحمه من الحرام، فيكون خبيثاً داخلاً في عموم النهي عن الخبائث.
ومن أمثلة الحيوانات التي لا يجوز أكلها لأنها تأكل النجاسات:
1- ابن آوى: وهو حيوان فيه شبهٌ من الذئب ومن الثعلب، وله نابٌ، وهو مستخبث غير مستطاب ويأكل الجيف.
2- الجُعل: وهو دويبة أكبر من الخنفساء، تألف مواضع الروث وتدحرجه إلى جحرها، ومِن العجيب أنه يموت من ريح الورد!
3- الحِرباء: حيوان له سنام ولسان يطول، يتغذى على الحشرات وغيرها.
4- الخنفساء: حشرة تتغذى على القاذورات وغيرها.
5- الجَلَّالة: من الطيور ودواب البيوت التي تأكل من العذرة والنجاسات والزبالات (لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا)([33]) وفي رواية: (نهى عن الجلالة أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا، أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا من ألبانها)([34]).
وجمهور العلماء على أن الجلَّالة هي التي غالب أكلها من النجاسات: فإنه يتغير لحمها، فإذا حُبست فترة يغلب الظن عليها ذهاب أثر النجاسة فإنها تؤكل بعد ذلك على الراجح.
القاعدة الثانية عشر: كل الحشرات محرم أكلها إلا ما استثني بالنص؛ لأنها مستخبثة وتتغذى على الأوساخ والنجاسات والقاذورات غالباً.
ويُستثنى منها: الجراد بالنصِّ، وما لا يتغذى على النجاسات والقاذورات.
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: (وهذه خبائث لا يكاد طبع سليم يستسيغها فضلاً عن أن يستطيبها)([35])
ومن أمثلة هذه الحشرات التي لا يجوز أكلها:
الذباب والبعوض، والصراصير والدود، والبرغوث والخنفساء وغيرها.
القاعدة الثالثة عشر: ما تولَّدَ مِن الحيوانات بين مأكولٍ وغير مأكول فهو حرام الأكل.
وذلك كالبغل المتولد بين الحمار الإنسي والخيل، وكذلك: السمعُ المتولد بين الذئب والضبع.
القاعدة الرابعة عشر: أسباب تحريم بعض الحيوانات كما قال ابن تيمية رحمه الله.
1- إما القوة السبعية التي تكون في نفس الحيوان، فأكلها يورث أخلاقها في الناس.
2- وإما خُبثُ مطعمها كمن يأكل الجيف من الطير وغيره.
3- أو لأنها في نفسها مستخبثة كالحشرات([36]).
القاعدة الخامسة عشر: يجوز أكل الحيوانات المحرمة في حال الاضطرار عند الخوف من الهلاك، فيأكل منها بقدر ما يأمن معه من الموت، ولا يزيد على ذلك.
قال ابن تيمية: (وإباحتها للمضطر؛ لأن مصلحة بقاء النفس مقدمة على دفع هذه المفسدة)([37]).
هذا معظم ما يتعلق بالقواعد المتعلقة بأحكام الحيوانات
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
([1]) صحيح مسلم برقم (1015).
([2]) رواه البخاري برقم (7289) واللفظ له، ومسلم برقم (2358).
([3]) الفتاوى: (21/535).
([4]) رواه البخاري (5520).
([5]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5519) ومسلم برقم (1942).
([6]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5535) واللفظ له، ومسلم برقم (1953).
([7]) رواه أحمد برقم (5723)، وهو في صحيح الجامع برقم (210).
([8]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (2914)، واللفظ له، ومسلم برقم (1196).
([9]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5517) ومسلم برقم (1649).
([10]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5391)، ومسلم برقم (1945).
([11]) رواه الترمذي برقم (1791)، وصححه الألباني في الإرواء برقم (2493).
([12]) رواه أحمد برقم (14840)، وأبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (3789).
([13]) التمهيد (1/157).
([14]) الفتاوى: (17/178).
([15]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5530)، ومسلم برقم (1932).
([16]) إعلام الموقعين (2/117).
([17]) رواه مسلم (13/83).
([18]) المجموع (9/22).
([19]) رواه البخاري برقم (3314)، ومسلم برقم (1198).
([20]) رواه البخاري برقم (3297) ومسلم برقم (2233).
([21]) الفتاوى (11/609).
([22]) صحيح مسلم برقم (2238).
([23]) معالم السنن (4/204).
([24]) رواه أحمد برقم (3066)، وهو في صحيح سنن أبي داود برقم (4387).
([25]) رواه أحمد برقم (16069)، وأبو داود والنسائي وغيرهما، وهو في صحيح الجامع برقم (6971).
([26]) معالم السنن (4/204).
([27]) رواه أحمد برقم (8735)، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2877).
([28]) المجموع (9/32).
([29]) المغني (9/329).
([30]) المجموع (9/32).
([31]) المغني (11/83).
([32]) سنن أبي داود (3785)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6855).
([33]) رواه أبو داود برقم (3785)، وهو عند الترمذي وغيره، وفي صحيح الجامع برقم (6855).
([34]) أبو داود برقم (3787)، والحاكم، وهو في صحيح الجامع برقم (6875).
([35]) أضواء البيان: (2/266).
([36]) الفتاوى (21/585).
([37]) الفتاوى (20/341).