وصايا للتجار


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،

فقبل الدخول في  الموضوع نذكر أنفسنا بأمور مهمة قبل أن يقدم الإنسان على أمر التجارة فليتذكر أن رزقه مضمون

، قال الله عز وجل: ﵟإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ ٥٨ﵞ ﵝالذَّارِيَات : ﵘﵕﵜ ، فهو سبحانه كثير الرزق، فما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها، وقال سبحانه: ﵟوَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ ١٣٢ﵞ ﵝطه : ﵒﵓﵑﵜ ، فرزق العباد تكفل به ربهم عز وجل كما تكفل بأرزاق الخلائق كلها، والمطلوب من الإنسان أن يجتهد في عبادة ربه، فأمر الرزق محسوم من الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب في تحصيل هذا الرزق، كما قال عز وجل: ﵟفَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ١٧ﵞ ﵝالعَنكَبُوت : ﵗﵑﵜ ، فهو سبحانه الميسر لهذا الرزق المقدر له المجيب لدعوة من دعاه، فهكذا يطلب المسلم رزقه من ربه عز وجل مجتهدا في طلبه من حله ومما يكون من الطرق المشروعة، فأمر ربنا عز وجل ﵟفَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَﵞ  فالاستعانة بالله في طلب الرزق وغيره من الأمور هو أصل عظيم من أصول الإسلام، ورزق الإنسان مقدر ومكتوب، ففي حديث الصادق المصدوق عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «أنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما أو أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد»([1]) ، فرزق الإنسان مكتوب، والرزق كما أشار العلماء أنه نوعان: رزق يقوم به البدن ورزق يقوم به الدين، فالرزق الذي يقوم به البدن هو الأكل والشراب واللباس والمسكن وما يحتاجه من وسائل الانتقال وما أشبه ذلك، والرزق الذي يقوم به الدين هو العلم والإيمان، فالمسلم يطلب الرزق الذي يقوم به البدن من الله كما يطلب الرزق الأعظم وهو العلم والإيمان من ربه عز وجل، وفي الحديث: «أنَّ نَفسًا لَنْ تَموت حَتَّى تَستكمِل أَجَلَهَا وَتَسْتَوعِب رِزْقهَا، فاتَّقُوا الله وأَجْمِلُوا في الطَّلب، ولاَ يَحْمِلنَّ أَحَدكم استبطَاء الرِّزْق أن يَطلبه بمعْصِية الله فإنَّ الله تَعالى لا يُنَال مَا عِندَه إلا بِطَاعَتِه»([2]) ، فالأرزاق مقسومة ومقدرة كالآجال ولو فر الإنسان من رزقه كما يفر من أجله لأدركه رزقه كما يدركه أجله، فعلى المسلم أن يقدم أمر عبادة الله وطاعته، ولا يشغله ما ضمن له من الرزق بحيث يصل إلى مرحلة فيها جزع وقلق على أمر الرزق فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان، فما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا، والمسلم مأمور بالسعي لكسب الرزق الحلال، فالله عز وجل شرع لنا الكسب وأمرنا أن نبحث عن وسائل الكسب التي أباحها لنا وكره منا البطالة والتعطل عن العمل كما كره المسألة إلا لعاجز مضطر، قال سبحانه: ﵟهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦﵞ ﵝالمُلۡك : ﵕﵑﵜ ، فذلل لنا الأرض وسهلها ننتقل بين أرجائها نطلب الرزق بالعمل والتجارة، وقال عز وجل: ﵟفَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ١٠ﵞ ﵝالجُمُعَة : ﵐﵑﵜ ﵟفَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِﵞ ، يعني تنقلوا واذهبوا فيها مشتغلين بالأمور التي تجلب لكم أرزاقكم من التجارة ونحوها، ولما كانت التجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله أمرنا ربنا عز وجل بالإكثار من ذكره فقال: ﵟوَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَﵞ لأن الإكثار من ذكر الله أكبر وأعظم أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة، والتجارة لها فضل بينه النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٌ مَبْرُورٌ»([3]) ، فالبيع المبرور هو البيع الحلال الخالي من المحرمات ليس فيه شبهة ولا غش خداع، فهو من أفضل أنواع المكاسب، وهو الذي ينشأ منه الربح كالتجارة ونحوها، والنية الصالحة في التجارة أمرها عظيم كما هي في سائر الأعمال، فالأعمال بالنيات، فالتاجر المسلم يستحضر النية الصالحة في عمله أنه ينوي أن يكسب الرزق الحلال فيعف نفسه وأهله عن الحرام وأن عمله وتجارته تكون وسيلة لمرضاة ربه تبارك وتعالى، فهذه وصايا مهمة لمن أراد التجارة نذكرها ونتفكر في ما جاء فيها:

 الوصية الأولى: الصدق والأمانة وعدم الغش، قال تعالى: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵙﵑﵑﵜ، وفي الصحيحين من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البَيِّعَانِ بالخِيَار مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، -أوْ قالَ: حتَّى يَتَفَرَّقا-  فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما»([4])، فكلٌّ من البائع والمشتري عليه أن يبين ما يحتاج إلى بيانه من ذكر العيوب التي تكون في السلعة والبضاعة وبيان الثمن والصدق في ذلك حتى لا تمحق البركة من هذا البيع فتذهب زيادته ونماؤه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أصَابَتهُ السَّمَاءُ يَا رسول الله-يعني أصابه المطر-، قَالَ: «أفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوقَ الطَّعَامِ حَتَّى يرَاهُ النَّاسُ! من غشَّ فليس منِّي» ([5])، أي يجعل ما فيه عيب ظاهر أمام الناس حتى يشتري الإنسان وهو يرى هذا العيب فلا يشتري ثم يذهب ويقول قد غشني هذا البائع في ذلك ففي هذا الحديث زجر عن الغش في كل الأمور وخاصة في أمر المعاملات والتجارة والبيع والشراء، وفيه ضرورة بيان عيب السلعة للمشتري، ومن الصدق والأمانة توفية الكيل والميزان، قال تعالى: ﵟوَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ إِذَا كِلۡتُمۡ وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلٗا ٣٥ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵕﵓﵜ ، وقد حذرنا ربنا من هذا الفعل الشنيع فقال عز وجل: ﵟ وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ ١ ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ ٢ وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ ٣ أَلَا يَظُنُّ أُوْلَٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبۡعُوثُونَ ٤ لِيَوۡمٍ عَظِيمٖ ٥ يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٦ﵞ ﵝالمُطَفِّفِين : ﵑ - ﵖﵜ.

 الوصية الثانية: الحرص على الكسب الحلال لأن الإنسان مسئول عن هذا المال الذي يكسبه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لاَ تزولُ قدَمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّهِ حتّى يسألَ عن خمسٍ: وذكر منها-  وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ»([6]) ، هل اكتسبت هذا المال من حلال وأنفقته وصرفته في الحلال، فالمسلم لا يحمله حب المال على طلبه والحصول عليه من غير طرقه الشرعية؛ لأنه يعلم أن الدنيا زائلة وأنه موقوف ومسئول بين يدي الله تعالى عن كل ما اكتسبه وكل ما أنفقه، والمسلم إذا حرص على الكسب الحلال كان هذا من أسباب قبول صدقته إذا تصدق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بعَدلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيبَ، فَإنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ»([7])  لماذا لأنها كانت من كسب حلال طيب.  الوصية الثالثة: عدم الانشغال عن ذكر الله وعن عبادته وعن أداء الصلاة والفرائض بأمر التجارة، قال تعالى: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٩ﵞ ﵝالمُنَافِقُون : ﵙﵜ ،

 فأمرنا ربنا تبارك وتعالى بالإكثار من ذكره والحذر مما يلهي، ومع أن محبة الأموال والأولاد مما جبل عليه الإنسان لكن نبهنا ربنا أن لا نقدم هذه المحبة على محبته، وألا تلهينا عن ذكره حتى لا نكون من الخاسرين الذين خسروا السعادة الأبدية والنعيم المقيم؛ لأنهم آثروا ما يفنى على ما يبقى ونبينا صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا في المحافظة على أداء الفرائض وأداء الصلاة، فلما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ - يعني: خِدمَة أهلِه - فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ([8])، ومن جميل ما جاء في أخبار الصالحين ما قاله أبو داوود رحمه الله: كان إبراهيم الصائغ رجلا صالحا ، وكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء سيبها، كان حدادا رحمه الله والحداد يستخدم المطرقة فيرفعها ثم يضرب بها، فكان إبراهيم الصائغ إذا رفع المطرقة ليضرب بها وسمع النداء -سمع الأذان- وقد رفعها تركها على جنب يعني سيبها لم يضرب بها حتى هذه الضربة، وهذا من شدة حرصهم على الاستجابة لأمر الصلاة، فالله عز وجل خلق الخلق لعبادته وخلق الرزق لهم ليستعينوا به على عبادته.

 الوصية الرابعة: الحذر من منع زكاة المال وزكاة التجارة والبخل بها، قال عز وجل: ﵟخُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٠٣ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵓﵐﵑﵜ ، فهذه الآية دلت على وجوب الزكاة في جميع الأموال ومنها التجارة الظاهرة، فهذه الأموال تنمو ويكتسب بها، فكان من العدل أن يواسى منها الفقراء بأداء ما أوجب الله فيها من الزكاة، وقال عز وجل: ﵟوَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤ يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ ٣٥ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵔﵓ - ﵕﵓﵜ ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبيلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ»([9])  ، فالحذر الحذر من منع الزكاة، فهي جزء يسير من المال يؤديه المسلم طاعة لربه وشكرا له، فالأمر خطير في منع الزكاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما في البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالاً، فلم يؤد زكاته مُثّل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلِهزمتيه - يعني بشدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك، ثمّ تلا: ﵟوَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵐﵘﵑﵜ »([10])  ، فالمسلم إذا أغناه ربه وفتح له أبواب الرزق وأبواب الخير فليكن شاكرا لنعمة ربه، وليكن حاله كحال ذاك الرجل من بني إسرائيل الذي كان أعمى فرد الله عليه بصره هو ومن كان معه من الأقرع والأبرص، فلما جاء الملك في اختبار الأعمى قال له الملك: «رَجُلٌ مِسْكِينٌ وابنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بيَ الحِبالُ في سَفَرِي، فلا بَلاغَ اليومَ إِلّا باللَّهِ ثُمَّ بكَ، أَسْأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شاةً أَتَبَلَّغُ بها في سَفَرِي، فَقالَ: قدْ كُنْتُ أَعْمى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفقِيرًا فقَدْ أَغْنانِي، فَخُذْ ما شِئْتَ، فَواللَّهِ لا أَجْهَدُكَ اليومَ بشَيءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقالَ: أَمْسِكْ مالَكَ؛ فإنَّما ابْتُلِيتُمْ، فقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ على صاحِبَيْكَ»([11])، وليتذكر المسلم قوله تعالى: ﵟوَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ ٧ﵞ ﵝإِبۡرَاهِيم : ﵗﵜ ، فليحرص على الشكر طلبا لمرضاة ربه ولزيادة فضل الله عز وجل عليه.

 الوصية الخامسة: الاهتمام والحرص على تعلم أحكام البيع والتجارة وسؤال العلماء عما يشكل ويستجد من معاملات، ومن ذلك معرفة شروط صحة البيع وما يخل به ومن أهمها التراضي بين البائع والمشتري، قال تعالى: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵒﵜ ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ»([12])  ، فلابد من تحقيق الرضا بين البائع والمشتري، ولا يكون الأمر مبنيا على الإكراه، ومن الشروط أن يكون البائع مالكا لهذه البضاعة وللمبيع أو قائما مقام المالك كالوكيل والوصي، فلا يصح أن يبيع الشخص شيئا لا يملكه، فقد قال عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام رضي الله عنه: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»([13]) ، ومن الشروط أن يكون ما يراد بيعه مما يباح الانتفاع به من مأكول ومشروب وملبوس أو من وسائل النقل والمركوبات والعقارات ونحوها، فلا يبيع المسلم ما يحرم الانتفاع به كالخمر والخنزير وغيرها، ففي الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ»([14])  ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله إذا حرّم على قوم أكل شيء، حرم عليهم ثمنه»([15]) ، ومن الشروط المهمة أن يكون المعقود عليه التي هي البضاعة المباعة معلومة الصفات واضحة ليس فيها خفاء، فله إما يشاهدها أو يكون وصفها مميزا لها عن غيرها حذرا من  الجهالة؛ لأن الجهالة غرر، والغرر منهي عنه  وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ»([16]) ، ومن الشروط أن يكون ثمن هذه البضاعة معلوما بتحديد السعر والقيمة حتى لا يحصل النزاع بين البائع والمشتري بعد ذلك، والشروط الأخرى غير ذلك كثيرة ينبغي سؤال العلماء عنها وتعلمها خاصة لمن أراد التجارة.

 الوصية السادسة: الوفاء بالعقود والعهود والالتزام بها، قال عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵑﵜ ، فأمرنا ربنا تبارك وتعالى بالوفاء بالعقود، وذلك بإكمالها وإتمامها وعدم نقضها ونقصها، وهذا شامل لأنواع العقود ومنها عقود المعاملات كالبيع والإجارة ونحوها، وأمرنا ربنا عز وجل فقال: ﵟوَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا ٣٤ وَﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵔﵓ - ﵕﵓﵜ ، فالأمر هنا أن يوفي الإنسان بالعهد بينه وبين الناس لأن العهد مسئول أي مسؤول عن الوفاء به وعدمه، فإذا وفى به كان له الأجر العظيم، وإذا لم يوف كان عليه الإثم العظيم، كما أن الوفاء من علامات البر والإيمان قال سبحانه: ﵟوَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵗﵗﵑﵜ وقال عز وجل:  ﵟوَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ ٨ﵞ ﵝالمُؤۡمِنُون : ﵘﵜ ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوفاء بالعهد، كما في البخاري في قصة ذهاب أبي سفيان رضي الله عنه لما حكى ذلك أنه ذهب إلى هرقل فقال له هرقل سألتك ماذا يأمركم؟ أي النبي صلى الله عليه وسلم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال: وهذه صفة نبي، كما أن خلف الوعد وعدم الالتزام به من علامات النفاق، ففي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»([17])  .

الوصية السابعة: التحلي بالأخلاق الكريمة في البيع والشراء، فالمسلم سمح في بيعه وشرائه سهل في التعامل حتى في طلب حقه وطلب ما له يكون هينا لينا، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»([18])  ، ومن الأخلاق الكريمة إنظار المعسر والتجاوز عنه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه »([19]) ، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أظَلَّهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ»([20])  ، فيحرص الإنسان إذا أتاه معسرا عاجزا عن السداد فقيرا لا يجد شيئا يسد به قيمة البضاعة ونحو ذلك إن كان عليه دين ونحوه فيحرص أن يتجاوز عنه إما عن كامل المبلغ أو التخفيف عنه أو إعطاءه المهلة لعل الله عز وجل أن يتجاوز عنه في وقت يحتاج إلى تجاوز الله عنه، ومن في الأخلاق كذلك والآداب الإقالة في البيع، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ اللهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([21])  ، فربما يشتري كثير من الناس بعض البضاعة ونحوها والسلع ثم يتحسر ويندم يتمنى أنه لم يشتري فيأتي ليرد البضاعة تكون سليمة فهنا ينبغي قبول عذره ورد المال له، وهذا ليس على الإلزام فليس البائع آثما لو رفض لكن هذا الأكمل والأنفع والأفضل أن يقيل أخاه المسلم حتى يقيل الله عثرته وخطأه وذنبه في يوم يحتاج فيه إلى رحمة الله عز وجل وفي هذا التحلي على التسامح في المعاملة بين المسلمين.

 الوصية الثامنة: الحذر من التعامل بالربا، فالربا محرم في كتاب الله تعالى، قال جل شأنه: ﵟوَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵕﵗﵒﵜ ، وقال عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٢٧٨ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵘﵗﵒﵜ ، وتوعد ربنا تبارك وتعالى المتعامل بالربا بأشد الوعيد فقال عز وجل: ﵟٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵕﵗﵒﵜ ، وهذا كما فسر بأنه عند القيام من القبور للبعث يكون حاله كحال المصروع عند قيامه، والنبي صلى الله عليه وسلم عد الربا من الكبائر ولعن كل المتعاملين بالربا على أيّ حال كانوا فعن جابر رضي الله عنه قال: لَعَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ وقال هم سواء([22])، كما أن الأمة أجمعت على تحريم الربا، والربا فيه حب للذّات واستغلال لحاجة الضعفاء والمساكين وأخذ لأموالهم دون أن يستفيدوا شيئا في المقابل، فيزيد هذا المرابي أمواله على حساب الفقراء كما أنه يعود المرابي الكسل والخمول والابتعاد عن الاشتغال بالتجارة المباحة النافعة والمشاريع التي تنمي المجتمع المسلم، فينبغي ويجب على التاجر يعرف نوعي الربا وهما ربا الفضل وربا النسيئة حتى يجتنبهما في تجارته ومعاملاته، ويحذر من الوقوع فيهما.

 الوصية التاسعة: الحذر من أنواع البيوع المنهي عنها والمعاملات المحرمة، فقد نهت الشريعة عن بعض أنواع البيع إذا كان يترتب عليها تضييع لما هو أهم كأن تشغل عن أداء عبادة واجبة أو فيها ضرر بالآخرين، ومن هذه البيوع المنهي عنها: البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة، فلا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه صلاة الجمعة بعد الأذان الثاني لقوله تعالى: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَﵞ ﵝالجُمُعَة : ﵙﵜ  اتركوا البيع، نهانا الله عز وجل عن البيع في هذا الوقت فليحذر المسلم من هذا الأمر الذي نهى عنه الله عز وجل، ومن البيوع المنهي عنها أن يبيع المسلم الأشياء لمن يستعين بها على معصية الله وهو يعلم ذلك أو يبيع البضاعة التي هي السلع المحرمة قال تعالى: ﵟوَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵒﵜ  ، ومن البيوع المنهي عنها أن يبيع المسلم على بيع أخيه أو يشتري على شراء أخيه، فيأتي لمن اشترى بضاعة مثلا بمئة فيقول له أنا أبيعك مثله بأرخص منه أو أبيعك أحسن منه بنفس الثمن، وهذا النهي لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ»([23]) وكذلك الشراء على الشراء فيقول لشخص مثلا باع شيئا وباع بضاعة مثلا باع منزلا فيأتي له يقول له افسخ البيع وأنا أشتريه منك بأكثر وهذا بعد أن حصل الاتفاق بين البائع والمشتري على الثمن، ومما جاء النهي عنه بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها فلا يجوز بيع الثمرة قبل أن يظهر ويبدو صلاحها خوفا من تلفها أو حدوث عيب قبل أن يأخذها المشتري فعن أنس رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ بِمَا يَأْخُذُ أَحَدُكُم مَالَ أَخِيه»([24]) ، ومما ينبغي الحذر منه في أمر البيع والتجارة النجش وهو أن يزيد في ثمن السلعة المعروضة للبيع وهو لا يريد شراء وليس له نية في شرائها، إنما قصده أن يغرّ غيره ويخدع غيره ويرغبه فيها ويرفع سعر هذه السلعة فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش، وكذلك مما ينبغي الحذر منه في التجارة الاحتكار، فعن معمر ابن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ»([25]) ، أي من يحتكر موصوف بالمعصية والإثم، وهذا فيه تحريم الاحتكار وهو كما نبه العلماء متعلق بأمر الطعام والقوت الذي يحتاج إليه عامة الناس، فلا يخزن هذه البضاعة ليرتفع ثمنها ويستغل حاجة الناس، فهذا المنهي عنه وكذلك يحذر المسلم من أن يحلف في البيع لأجل أخذ أموال الناس بالباطل أو من باب تنفيق السلعة وتصريف البضاعة فيستخدم اليمين دعاية لبضاعته، فينبغي أن يحذر سواء كان صادقا أو الأعظم من ذلك يحذر من الكذب والزور في بيان أوصاف البضاعة فيحلف مثلا أن هذه البضاعة لا يوجد مثلها في السوق وأن هذا الثمن لن تجد أرخص منه فيحذر المسلم أن يجعل اليمين سببا لنيل شيء من متاع الدنيا قليل، قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو عليها فاجرٌ، لقي الله وهو عليه غضبان»([26])  ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ، فَإنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ»([27])  ، وقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» - وذكر منهم- وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكاذِبِ»([28]).

 الوصية العاشرة: توثيق الديون والحقوق والحرص على سدادها وأدائها، فالتوثيق والشهادة وسيلة إلى حفظ الحقوق وعدم ضياعها قال تعالى: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵒﵘﵒﵜ  فأمر سبحانه بكتابه جميع أنواع العقود التي تترتب عليها ديون، وهذا الأمر إما على الوجوب أو الاستحباب لشدة الحاجة إلى الكتابة لأنها بدون الكتابة يدخلها الخطأ والغلط والنسيان والنزاع والمشاجرة وفي ذلك شر عظيم، والمسلم إذا أخذ مال إنسان واقترض منه وهذا يحصل في التجارة والقروض والديون فليحرص على أدائها ولتكن نيته نية خير من البداية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا ، أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا ، أَتْلَفَهُ اللهُ»([29])  ، فهو يريد أداءها يقصد ردها إلى من أقرضه فإن الله عز وجل يؤدي عنه فييسر له ما يؤدي من فضله، ومن أخذها يريد إتلافها لا يقصد قضاءها أتلفه الله فأذهب ماله في الدنيا وعاقبه على هذا الدين في الآخرة كان معرضا لهذا الأمر العظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من عدم إعطاء الأجير أجره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ الله تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ-وذكر منهم- وَرَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ»([30])  ، ففي التجارة يحتاج الإنسان إلى استئجار الأجراء والعمال فليحرص على أن يعطيهم حقوقهم فكما أنه استوفى منه أي أخذ العمل الذي استأجره من أجله وأن العامل أدى هذا العمل فليعطه أجره كاملا ولا ينقص منه، ولا يستغل حاجة هذا ويظلمه ما دام أنه قد أدى العمل الذي استأجره من أجله، وكذلك يحذر المسلم من المماطلة في أداء الحقوق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ»([31])  ، والمطل هو التسويف والتأخير في قضاء الدين، فإن الغني الذي يجد ما يسد به دينه ويقوم بالتأخير ويماطل فإن هذا من الظلم لأنه قادر على السداد ورد المال فلما منع المال وأخذ يماطل كان ظالما.

 وفي الختام أذكر نفسي وإخواني بأهمية شكر النعم، فمن آتاه الله مالا وفتح له أبواب الرزق والتجارة فليحرص على الإنفاق في سبيل الله، وليبذل ماله لوجه الله لينفع نفسه ويكون قربة له عند مولاه تبارك وتعالى، فعن عبد الله بن الشخّير رضي الله عنه قال: أتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مالي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟!»([32]) ، ومعنى أمضيت أي أبقيت لك ويكون أجرا وثوابا لك إذا تصدقت، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»([33]) .

 أسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم رزقا طيبا مباركا فيه، وأن يثبتنا على دينه، والله تعالى أعلى وأعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين

 


 


([1]) رواه البخاري (7454)، ومسلم (2643).

([2]) رواه ابن نعيم في الحلية، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085).

([3]) رواه أحمد (17304)، والحاكم (2160)، وهو في صَحِيح الجَامِع (1033).

([4]) رواه البخاري (2079)، ومسلم (1532).

([5]) رواه مسلم (102).

([6]) رواه الترمذي (2416).

([7]) رواه البخاري (1410)، ومسلم (1014).

([8]) رواه البخاري (676).

([9]) صحيح مسلم (987).

([10]) رواه البخاري (1403).

([11]) رواه البخاري (3464)، ومسلم (2964).

([12]) رواه ابن ماجه (2185).

([13]) رواه أبو داود (3503)، والترمذي (1232)، والنسائي (4613)، وابن ماجه (2187).

([14]) رواه البخاري (2236)، ومسلم (1581).

([15]) رواه أحمد (2961).

([16]) رواه الترمذي (1230)، وأبو داود (3376)، وابن ماجه (2194).

([17]) رواه البخاري (33).

([18]) رواه البخاري (2076).

([19]) رواه البخاري (2078)، ومسلم (1562).

([20]) رواه الترمذي (1306).

([21]) رواه ابن حبان (5029).

([22]) رواه أبو داود (3333)، وابن ماجه (2277)، والترمذي (1206).

([23]) رواه مسلم (2564).

([24]) رواه البخاري (2198)، ومسلم (1555).

([25]) رواه مسلم (1605).

([26]) رواه البخاري (2356).

([27]) رواه مسلم (1607).

([28]) رواه مسلم (106).

([29]) رواه البخاري (2387).

([30]) رواه البخاري (2227).

([31]) رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564).

([32]) رواه مسلم (2958).

([33]) رواه مسلم (1631).