تطوير الذات وتزكية النفس في القرآن والسنة

نسخة (PDF)

التصنيفات

الشيخ: 

د. سعيد بن سالم الدرمكي

القسم: 

توجيهات في المنهج

القسم: 

تزكية النفس

القسم: 

وصايا ونصائح

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الْحَمْد لله نحمده ونستعين بالله ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

ثم أما بعد: -

فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أولًا: ما سبب الحديث عن هذا الموضوع؟

اخترت الكلام حول هذا الموضوع بسبب ظهور مصطلح ما يسمى بالتنمية البشرية وتطوير الذات وصار له دورات ومحاضرات وله مراكز تدريب تختص به، وللأسف استعمل هذا المصلح كبوابة لعبور كثير من الأفكار والفلسفات التي تتعارض مع العقيدة الصحيحة.

 وأصبح لتطبيقات دورات تطبيقات تطوير الذات انتشارًا واسعًا بين كافة فئات المجتمع، وأثرت على أفكارهم بطريقة سلبية، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى التشجيع على الطلاق والتفكك الأسري بحجة الحرية والاعتماد على النفس وأطلق المارد الذي في نفسك والتخلص من المسئوليات والسلطة كما يقولون لبعض النساء، التخلص من السلطة الذكورية وأنت حر وهو حرٌ.

طبعًا هم يقصدون الحرية بمعناها الذي يريدون وإلا لم يكن في يوم من الأيام أن الزوج والزوجة عبيد لبعض.

بل لكلٍ حق وعلى كل واجب كما قال الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟوَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةٞۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٢٢٨ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵘﵒﵒﵜ ؛ لكنهم يغزون الناس بهذه الأفكار المستوردة ويهدمون أسرًا وقيمًا نراهم يرفعون شعارات ظاهرها الخير لكن باطنها الشر، تراهم ينادون بتعظيم الذات البشرية لدرجة أنهم وصفوا هذه الذات بأوصاف لا تصلح إلا للإله الخالق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

يقولون: ذاتك ذات عظيمة قادرة على أن تصنع قدرها؛ يقول أحدهم، قادرة على أن تجلب كل خير للإنسان وأن تدفع عنه كل شر، هذه الذات الذي يريدونها يمكنها الاستغناء عن الدعاء وعن اللجوء إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

دورة من دورات تطوير الذات المدرب يُلقن المتدربين استعمال بعض الألفاظ التي يكررونها صباحًا ومساءًا مثل أنا الأعظم، أنا جذاب أنا واثق، غيرها من هذه الألفاظ تكرر صباحًا ومساءًا بدل من أذكار الصباح والمساء لأجل أن يتبرمج العقل الباطني عليها.

يقول أحد المتدربين في إحدى هذه الدورات: إنك ببساطة سيد حياتك.

والكون مسخر لطاعة أوامرك هذا كله كلام باطل غير صحيح.

كما أن مصطلح تطوير الذات والتنمية البشرية كان وسيلة لتمرير عقائد وثنية ومن أراد أن يراجع ما في هذه الدورات أو ما يسمى بالعلاج بالطاقة الريكي وقانون الجذب وغيره من مخالفات شرعية.

فقد تكلمت عنها في أربعة محاضرات، عُنون لها باسم: [العلاج بالطاقة بين الجذب والكذب] لمن أراد أن يراجع ذلك.

في حين أن هناك جانب مهم في برامج التنمية البشرية وتطوير الذات هو الذي ينبغي التركيز عليه، هو تعلم المهارات اللازمة للارتقاء بالنفس الإنسانية لتحقق المقصود من وجودها في هذا الكون وهو توحيد الله وعبادته وإعمار الأرض بما يحقق للإنسان السعادة والحياة الكريمة فيستثمر ما خلقه الله -عَزَّ وَجَلَّ- في هذا الكون من المسخرات.

يهتم بنفسه لينظر في مواطن الضعف فيقويها والنقص فيكملها، نأتي الآن إلى المحور الثَّانِي: وهو ما المقصود بالذات والنفس؟

لما نقول تطوير النفس، تطوير الذات.

* أولًا: النفس عظيمة.

لأن الله هو الذي خلقها يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ- وقد أقسم بها: ﵟوَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠ﵞ ﵝالشَّمۡس : ﵗ - ﵐﵑﵜ ؛ فخالق النفس هو الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهو الأعلم بما يصلحها وينميها ويزكيها، وتأمل معي الآية السابقة.

تجد أن تسوية النفس خلق النفس من شأن الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قال:  ﵟوَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ﵞ.

 في حين أن تزكية النفس وإفسادها مسئولية العبد، قال: ﵟقَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠ﵞ ﵝالشَّمۡس : ﵙ - ﵐﵑﵜ ؛ فأسند الفلاح إلى من قام بتزكية نفسه.

وأسند الخيبة إلى من دساها.

يقول ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَاَلَى- فعبر عن خلق النفس بالتسوية أو عن خلق النفس بالتسوية للدلالة على الاعتدال والتمام، ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى.

وأن ذلك نالها منه امتحانًا واختبارًا ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها.

ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياؤه وأولياؤه وهي التقوى، ثم حكم بالشقاء على من دساها، فأخفاها وحقرها وصغرها وقمعها بالفجور.

ونجد ذلك في قوله -تَعَاَلَى-: ﵟوَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١ﵞ ﵝالنَّازِعَات : ﵐﵔ - ﵑﵔﵜ .

تزكية النفس أخواني المستمعين من المهام الموكلة للأنبياء والمرسلين، هم الذين يبينون طريقة تزكية النفس وتهذيب النفس.

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟرَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٢٩ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵙﵒﵑﵜ.

وقال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟلَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ١٦٤ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵔﵖﵑﵜ.

فالمصطلح المعاصر الذي هو تطوير النفس أو تطوير الذات يقابله في الشرع مصطلح تزكية النفس وتهذيبها.

والنفس وصفها الله -عَزَّ وَجَلَّ- بثلاث صفات:

النَّوْعُ الْأُوْلَى: النفس المطمئنة.

قال الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟيَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ ٢٨ﵞ ﵝالفَجۡر : ﵗﵒ - ﵘﵒﵜ.

النَّوْعُ الثَّانِي: النفس اللوامة.

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟوَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ ٢ﵞ ﵝالقِيَامَة : ﵒﵜ.

النَّوْعُ الثَّالِث: النفس الأمارة بالسوء.

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟ۞ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٥٣ﵞ ﵝيُوسُف : ﵓﵕﵜ.

يقول شارح الطحاوية: "والتحقيق أنها نفس واحدة لها صفات فهي أمارة بالسوء إذا عارضها الإيمان صارت لوامة، تفعل الذنب ثم تلوم صاحبها، وتلوم بين الفعل والترك، فإذا قويَّ الإيمان صارت مطمئنة".

فالنفس إذا أردنا أن ننظر في تنميتها وتزكيتها وتطويرها علينا أن ننظر في كلام خالقها، وهو الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، ولا يمكن أن يهذب النفس وأن نزكيها دون أن ننظر إلى خالقها –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والأحكام التي أنزلها في كتابه لأجل إصلاح هذه النفوس.

المحور الثَّالِث:

كيف سعت الشريعة الإسلامية إلى تطوير النفس البشرية؟

قبل أن أتكلم على ذلك لا بد أن أركز على جوانب:

*الجانب الأول: المسلم ينطلق في حكمه على ما هو جديد من عقيدته وإيمانه بالله -تَعَاَلَى-ومن أحكام شريعة الإسلام، لا نقبل كل ما هو جديد ولا نرفضه بحجة أنه جديد.

حتى نعرض مضمونه على شريعتنا الإسلامية.

فإن أمكن قبوله قبلناه، وربما وجدنا فيه ما يتعارض مع الشريعة ومع أسس العقيدة فنصحح ونعدل مضمونه بما يتوافق مع شريعتنا لأن الشريعة هي الأصل، وإن كان مناقضًا لأسس الدين وأحكام الشريعة رددناه ولم نقبل به.

والمسلم عند نظره في موضوع تطوير الذات والتنمية البشرية لا بد وأن يكون منطلقه توحيد الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أن يكون منطلقك عبادة الله -عَزَّ وَجَلَّ- وتحقيق العبودية.

ما السبب؟

لأن الغاية من وجودك في هذا الكون هو توحيد الله وعبادته وليس فقط إعمار الأرض.

إعمار الأرض تابع لتحقيق العبودية لله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قال -تَعَاَلَى-: ﵟوَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ ٥٧ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلۡقُوَّةِ ٱلۡمَتِينُ ٥٨ﵞ ﵝالذَّارِيَات : ﵖﵕ - ﵘﵕﵜ.

التطور والقوة التي لا تخدم هذه الغاية ناقصة وضعيفة ولو كانت في الظاهر قوية، لأن مآلها إلى اضمحلال وزوال.

تأمل معي في كتاب الله ستجد ذكر أمم كانت قوية لكن كفرت بأنهم الله فأهلكها الله -عَزَّ وَجَلَّ- وأزالها.

عندك قوم عاد، قوم صالح، قوم لوط، قوم موسى، فرعون ومن معه، يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟأَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦ﵞ ﵝالفَجۡر : ﵖﵜ.

ولو نظرنا في كتاب الله لوجدنا أممًا قد دمرها الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- رغم قوتها، وحضارتها لكن خالفت الغاية التي لأجلها خلقهم الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، عندك مثل قوم عاد وقوم صالح وجماعة قوم لوط -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام- كذلك فرعون ومن معه.

الحضارة الفرعونية من أشهر الحضارات وأقواها، ولكن ما أغنت عنهم من الله -عَزَّ وَجَلَّ- شيئًا.

يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟأَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦ إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ ٧ ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ ٨ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ ٩ وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ ١٠ ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ١١ فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ ١٢ فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ١٣ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ ١٤ﵞ ﵝالفَجۡر : ﵖ - ﵔﵑﵜ.

والمشرك بربه في الحقيقة جاهل بنفسه مهما بلغ من علوم الدنيا، والمؤمن الموحد خير منه مهما قل نصيبه من الدنيا، فالمعيار ليس معيار تطور حضاري وتقدم اقتصادي وسياسي وعسكري، بقدر ما هو تحقيق عبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟوَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵑﵒﵒﵜ.

هذا الأمر اَلْأَوَل.

*الأمر الثَّانِي: تطوير النفس والذات ينطلق مع الحفاظ على القيم والأخلاق.

فلا يكون تطور وتقدم على حساب الأخلاق والقيم البشرية والمجتمعية، فلما نزكي أنفس الناس ونطورهم وندعوهم إلى تطوير أنفسهم وذواتهم ما نسعى إلى تخريب بيوتهم وتخريب أسرهم، والله إن بعض هؤلاء المدربين خصوصًا مدربات تطوير النفس يعقدن برامج للطلاق ما قبل الطلاق وما بعد الطلاق.

وفي الحقيقة هي تساهم في الطلاق بصورة كبيرة، تدخل في درجة تكون مخببة، تخبب النساء على أزواجهن ويخببن الرجل كذلك على أسرته بحجة الخروج من قيود الأسرة والتحرر منها وكم وقفت على تصريحات لبعض الزوجات اللواتي ندمن.

أصابهن الندم بسبب استماعهن أو حضورهن دورة لفلانة وعلانة تدعو فيها لقضية تخلصوا من السلطة الذكورية كما يقولونها والقوامة الزوجية التي شرعها الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كتابه.

لماذا؟ وأنت لما تلقين هذه الدورة التدريبية في هذا المركز فأنت ملتزمة بضابط ولما تدخلين الجامعة لتدرسين ملتزمة بضابط عليك واجبات ولك حقوق، ولما تداومين في أي جهة تستلمين منها راتب في آخر الشهر فإنك تلتزمين بواجباتك وتطالبين بحقوقك إلا الأسرة تريدينها بدون واجبات ولا حقوق؟!

هذا خلاف الفطرة السليمة وخلاف أحكام الشريعة وأحكام القانون وما عليه العادات والتقاليد، ولذلك النساء اللواتي استمعن ووقعن في مصيدة هؤلاء النسوة المدربات اللواتي ينادين بالحريات وكوني حرة وغير ذلك.

في الحقيقة تسقط في عبودية الشهوات دون أن تشعر، تريد الحرية وإذا بها تقع فيما هو أطم من ذلك.

كذلك تطوير النفس ما يأتي مع إهلاكها بالشهوات والمعاصي والذنوب، مثل البعض يرى أن تطوير النفس في تناوله المخدرات، أو الخمور أو الوقوع في الزنا أو الشذوذ ويعتبر هذا من تطوير النفس ويرى أن منعه يعتبر تقييد النفس بقيود وحرمانها مما تشتهيه.

لا بل هذا إذلال النفس وتعبيدها للشهوات والأموال.

* الأمر الثَّالِث: الإسلام بمجمله وأحكامه وسيلة لتطوير الذات وتنمية النفس، الذي سأذكره لكم بعد قليل في المحور الأخير هو مجرد نبذ عن كيف سعت الشريعة الإسلامية لتطوير النفوس وتهذيبها، لكن أحكام الشريعة كلها جاءت لتحقيق مقاصد عظيمة للنفس البشرية.

*فمن أعظم مقاصد التشريع الإسلامي: جلب المصالح للعبد في الدنيا والآخرة وتكثيرها، ودفع المفاسد عنه في الدنيا والآخرة وتقليلها، وهذا في الحقيقة هو الثمرة المرجوة من تطوير الذات.

لكن لا يعلم ذلك إلا من نظر في أسس الدين وفي تشريعاته ومقاصده، فمن أول مقاصده تخليص النفس البشرية من العبودية لغير الله -تَعَاَلَى-، أن توحد معبودها وهو الله -عَزَّ وَجَلَّ-، تأمل معي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.

لما سأله النجاشي ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم؟ ولم تدخلوا في ديني؛ أي دين النصرانية ولا في دين أحد من هذه الأمم؟

أجابه إجابة عارف بالنعمة، قال: أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، نأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه.

فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن وآباءنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، نهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وذكر الحديث.

فكان من يأتي من الأعراب ويستمع ما يدعو إليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- كان يُسلم لأنه يرى في ذلك سلامة فطرته ونفسه من كل بلية وشر، لكن اليوم للأسف بعض من غره المال والذهب والتطور الاقتصادي والسياسي والعسكري لبعض الدول غير المسلمة رأى أن الإسلام سبب من أسباب التخلف.

وسبب من أسباب الرجعية، وهذا الكلام باطل من وساوس وخطوات الشيطان، بل الإسلام هو المهذب بأحكامه ومقاصده وأسسه وعقيدته للنفس، والمطور للذات.

وبعد ذلك يقول:

أولًا: سعت الشريعة الإسلامية إلى تنمية النفس وتطوير الذات وذلك بتخليصها من عبودية غير الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومن تعلقها بغيره.

ولا يكون ذلك إلا بالكفر بكل ما عُبِد من دون الله، مع إخلاص العبودية لله الواحد القهار.

الشرك أعظم ما تنجس به النفوس وأعظم تزكية لها تطهيرها منه.

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟقُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ ٦ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ٧ﵞ ﵝفُصِّلَت : ﵖ - ﵗﵜ.

يقول ابن القيم: "قال أكثر المفسرين من السلف ومن بعدهم هي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان الذي به يزكو القلب فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب وذلك طهارته".

وإثبات إلهيته –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهو أصل كل زكاء ونماء، فإن التزكي إنما يحصل بإزالة الشر، فلهذا صار التزكي يقتضي الأمرين جميعًا فأصل ما تزكو به القلوب والأرواح التوحيد انتهى الكلام.

ولذلك ينبغي إخواني الأفاضل للعبد أن يتعلم العقيدة الصحيحة وأن يعلمها أولاده كما كان يفعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، تسأل الولد عن أركان الإسلام والإيمان فلا يعلم الفرق بينهم وهذه مصيبة.

تسأل المسلم عن معنى لا إله إلا الله، فلا يعلمها ولا يعلم معناها، وهذه مصيبة، تسأل عن عقيدته في الروح وعقيدة المسلم في اليوم الآخر فلا يجد معرفة ولا علم فيأتي مدرب التنمية أو التطوير أو العلاج بالطاقة ويدخل عليه ثقافة وثنية تتعلق بموضوع الكارما أو عقيدة التناسخ فيقبلها؛ لأنه يطرحها بطريق منطقي بالنسبة له، أنت تفعل الخير تحصل خير، تفعل شر تجازى بالشر.

هذا الكلام الظاهر منطقي صحيح لكن هم يبثون في سط هذا الكلام عقيدة التناسخ، وأن روحك لا بد أن تجازى بالخير أو الشر.

أنت مت وما جزيت تنتقل روحك إلى شخص آخر أو إلى حيوان تُنعم بناء على الخير الذي فعلته وعلى الشر الذي فعلته وهذه عقيدة وثنية غير صحيحة تتناقد مع أسس الدين.

لكن أنت عندك عقيدة صحيحة سليمة أن الروح تُنفخ في العبد في بطن أمه لا تتلقى من روح آخر وإذا مات تصعد روحه إلى السماء وتنعم إن كان أهل إيمان وتُعذب إن كان من أهل النار وإن كان من أهل المعاصي عُذبت وعندنا شيء في القبر عذاب ونعيم.

ولها أطوار ولها مراحل ذكرها الله في كتابه والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- في سنته، كيف يعرف الإنسان هذا إلا بتعلم العقيدة الصحيحة.

لما يأتيك المتكلم في قانون الجذب يقول لك: أنت آمن واسأل وتلقى والكون سيجيبك، أنت تعلم أن عقيدتك وأن الذي يجيب هو الله، وليس الكون، فلن تنطوي عليك هذه الأكاذيب وهذا الدجل يأتيك ويقول: والله نحن الآن نرسل النيات إلى الآخرين وأنا أنقل لك النية الآن أنقلك لها عن طريق ذبذبات وترددات وموسيقى وأرقام 3: 6: 9 وغيرها من هذه الأمور التي ليس عليها دليل شرعي بل تناقض أصول الدين، عقيدتك تمنعك من تصديق هذا، لكن كيف يكون هذا؟ يكون بتعلم العقيدة الصحيحة.

ابن عباس يقول: كنت خلف رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»، ما قال استعن بالكون، ما قال إن الكون يلبي طلباتك واحتياجاتك، علق قلبه بالله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ما علقه بنفسه.

وقال أنت نفسك عظيمة وأنت نفسك فيها المارد ونفسك هي المارد العظيم، لا بل الإنسان ضعيف إلا بالله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو الذي يقويك ويعطيك ويمنحك.

قال: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف»^([1]).

لذلك فإن من المسئولية على الأبوين أن يهتمون بجانب تعليم أبنائهم العقيدة الصحيحة، يقول واحد أنا أعمل درس في البيت، ليست قضية درس.

* أولًا: احرص على ربط أبنائك بكتاب الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-،

عندك جزء عم، جزء عم تأصيل للاعتقاد، سور قصيرة ولكن فيها تأصيل عظيم، اقرأها من تفسير ابن كثير، تفسير الشيخ السعدي، كل يوم أخذ سورة من السور نقرأها ونتدبر ما فيها من الأحكام وننظر في تفسير أهل العلم لها بيننا وبين أولادنا في جلستنا الأسبوعية مثلًا.

هذه لها أثرها في تعميق العقيدة في نفوس الأبناء العقيدة تعمقت في نفوس الأبناء حصناهم ضد أي فكر دخيل معارض لأسس الدين الإسلامي.

* ثانيًا: تزكية النفس بالعبادات.

 جاءت الشريعة الإسلامية بعبادات لها أثرها على تزكية النفس وتهذيبها، مثل الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج.

هذه العبادات إذا أديت بطريقة صحيحة كما أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- وبيَّن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- لها أثرها على نفس الإنسان وعلى سلوكه.

خذ مثلًا الصلاة قال الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﵟقَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥ﵞ ﵝالأَعۡلَى : ﵔﵑ - ﵕﵑﵜ.

وقال: ﵟٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ ٤٥ﵞ ﵝالعَنكَبُوت : ﵕﵔﵜ.

وروى الإمام أحمد والبزار وغيرهم، وحكم على الإسناد، الشيخ الألباني بالصحة، أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قيل له أن فلانًا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق، قال: «سينهاه ما تقول»، أو قال: «ستمنعه صلاته»^([2])، فالصلاة التي تؤدى بطريقة صحيحة بخشوعها وأركانها وواجباتها وطمأنينتها لها أثرها في تهذيب النفس ومنع النفس عن الحرام.

تنهى عن الفحشاء والمنكر.

الزكاة قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيها: ﵟخُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَاﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵓﵐﵑﵜ.

لأن حب المال من أسباب ضياع النفس وهلاكها وإصابتها بالأمراض النفسية والبخل والشح يورث العداوة والبغضاء، والزكاة تطهير للنفس من هذه الأدران ومن هذه الأمراض، الصيام من أسباب تحقيق التقوى.

قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»^([3])، محافظتك على الفرائض وتكميل ذلك بالنوافل من أسباب صلاح حالك كله، تأمل معي في هذا الحديث القدسي الذي رواه البخاري.

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: «من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه»^([4])،

تقوية الوازع الديني في القلب وهو أساس صلاح النفس، القانون يحاسبكم إذا ما تم القبض عليك وتقديمك إلى الجهات المختصة لكن إذا ما خلوت يومًا فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب.

فيعلم الإنسان أنه مراقب من الله ومحاسب فيستقيم حاله وتستقيم نفسه، فشريعتنا الإسلامية تهذب النفوس وتزكيها بحثها على فعل هذه العبادات لله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وبالطريقة الصحيحة.

*ثالثًا: تزكية النفس وتطويرها بالابتعاد عن المحرمات والذنوب والمعاصي.

هذه الذنوب والمعاصي لها أثرها السيء على النفوس وعلى القلوب، يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟ۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ٢١ﵞ ﵝالنُّور : ﵑﵒﵜ.

لما ذكر الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الأمر بغض البصر وحفظ الفرج عن الحرام بيَّن أن له أثر في تزكية النفس، قال: ﵟقُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠ﵞ ﵝالنُّور : ﵐﵓﵜ.

فالشهوات والمعاصي والذنوب لها أثرها الشنيع والذميم على تطهير النفوس وتهذيبها، ولذلك جاءت الشريعة بمنع الناس من الوقوع فيها بتحريمها.

وللعلم الشريعة الإسلامية ما حرمت شيئًا على العباد إلا وفساده وأثره السيء أعظم مما فيه من صلاح.

* رابعًا: تزكية النفس وتطويرها وتهذيبها.

 بمجاهدتها ومنعها مما يضرها في الدنيا والآخرة، كما يتداول ذلك في بيت من الشعر يقول:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على   ***      حب الفطام وإن تفطمه ينفطم

يقول الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وقول الله أبلغ: ﵟوَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١ﵞ ﵝالنَّازِعَات : ﵐﵔ - ﵑﵔﵜ.

النفس تشتهي ربما المحرم، فأنت لما تمنعها عن هذا المحرم وتجاهدها على فعل الطاعة فأنت تهذبها، أنت لما تقوم إلى صلاة الفجر وتصلي الفجر مع الجماعة، وأنت الآن في وقت تأخر الفجر إلى الساعة الرابعة والرابعة والنصف، وأنت متعب وتشتهي النوم لكن تقوم إرضاءً لربك –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فأنت تهذب نفسك على عبوديتها لله عَزَّ وَجَلَّ.

صيامك مع طول النهار وقصر الليل ومع الحر تهذب نفسك، نفسك تأمرك بأخذ المال وادخاره وأنت تخرج منه ليس كله تخرج منه صدقة وزكاة، هذا مما تزكو به النفس وتطهر.

* خامسًا: تزكية النفس باللجوء إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

 والاستعاذة من الشيطان الرجيم ومن شرور النفس.

يقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟوَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٢٠٠ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ ٢٠١ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵐﵐﵒ - ﵑﵐﵒﵜ.

والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- كان يبدأ خطبه بخطبة الحاجة وفيها: إن الْحَمْدُ لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

فالنفس لها شرور فأنت لا بد أن تلجأ إلى الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لكي يقيك من شرور نفسك، وكان من دعاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- ما جاء عن زيد بن أرقم قال: «لَا أَقُولُ لَكُمْ إلَّا كما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ؛ كانَ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا»^([5]).

* سادسًا: تزكية النفس بالأخلاق الحسنة والبعد عن الأخلاق الذميمة

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟخُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ١٩٩ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵙﵙﵑﵜ.

وقال -عَزَّ وَجَلَّ-: ﵟوَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٩ﵞ ﵝالحَشۡر : ﵙﵜ.

فتحليك بالأخلاق الحسنة تهذيب للنفس والأخلاق على ضربين على نوعين:

- أخلاق فطرت عليها.

- وأخلاق مكتسبة.

فقد تفطر أنت على ماذا؟ على الحلم والأناة والخلق الطيب وقد تفطر على عكسه، هل تستطيع تهذيب هذا الخلق السيء؟ نعم.

جاء في الحديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قال: «إنما الحلم بالتحلم»^([6])، تريد أن تكون حليمًا وأنت سريع الانفعال والغضب والعصبية تحلم، جاهد نفسك باكتساب هذا الخلق الطيب.

هذا تزكية للنفس، أن تلزم نفسك محاسن الأخلاق وأن تمنعها مساوئ الأخلاق.

* سابعًا: رغبت الشريعة العباد على نبذ الكسل.

 مع الاستعاذة بالله من العجز والسعي إلى العمل.

قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «احرص على ما ينفك واستعن بالله ولا تعجز»^([7])، وكان من دعاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَأعوذ بك من عَذَابِ القَبْرِ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»^([8]).

الشريعة الإسلامية لا تحث على الكسل بل تحث على استغلال الوقت والجهود وبذل الطاقة، أي: الطاقة الجسدية وليست الطاقة الكونية، الطاقة الجسدية طاقة العبد في طاعة الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وفي أمور الدنيا.

ما جاءت الشريعة أن يبقى الناس في مساجدهم رهبانًا يتعبدون بل حثت على العمل.

والنصوص في الحث على العمل كثيرة جدًا بل حتى نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- كان قبل الدعوة قبل النبوة كان يعمل بالتجارة وكان يعمل بالرعي.

أبو بكر، عمر، عثمان، علي، رضي الله عنهم، كلهم كانوا يعملون بالتجارة، كان لهم عملهم. فالشريعة كانت تنبذ الكسل وتحث على العمل.

* ثامنًا: العناية بالقلب الذي هو أساس التزكية.

 قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ»^([9])، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يعتني بجانب القلب عناية كبيرة، وكان يكثر من دعاء: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك.

وإذا تأملت الأحاديث التي ذكر فيها النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- ما يصلح القلوب لوجدناها كثيرة جدًا لأن أساس تهذيب النفوس أساس تهذيب السلوك، أساس عملك ما يكون في قلبك.

* تاسعًا: العناية بأمر التوبة والاستغفار.

لأن العبد يلحقه شيء من الخطأ والزلل الناتج عن طبيعته البشرية وعن تسلط الأعداء عليه الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- كريم تواب رحيم فتح لك باب التوبة والاستغفار ونبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وهو أكمل البشر وأعبدهم لله كان يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة.

والله -عَزَّ وَجَلَّ- تواب يتوب عن العبد.

* عاشرًا: محاسبة النفس:

من وسائل تطوير النفس وتهذيبها في الشريعة الإسلامية الأمر بمحاسبتها، ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ١٨ﵞ ﵝالحَشۡر : ﵘﵑﵜ.

لأن الدنيا ليست دار إقامة أنت في دار انتقال ستنتقل في أي لحظة وتغادر هذه الدنيا إلى الآخرة والآخرة حساب ولا عمل جنة أو نار.

يقول ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَاَلَى-: "محاسبة النفس حتى تعرف ما لها وما عليها ولا يدعها تسترسل في الحقوق استرسالا فيضيعها ويهملها وأيضا فإن زكاتها وطهارتها موقوف على محاسبتها فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح ألبتة إلا بمحاسبتها".

* الأمر الحادي عشر: اللجوء إلى الله وعدم الاعتماد على النفس

لأن النفس ضعيفة، في سورة الفاتحة تقول: ﵟإِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥ﵞ ﵝالفَاتِحَةِ : ﵕﵜ.

فأنت تستعين بالله في جميع شأنك، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اسال الله الإعانة.

الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول: ﵟ۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ ١٥ﵞ ﵝفَاطِر : ﵕﵑﵜ.

أنت فقير إلى الله نفسك ضعيفة.

وكان من دعاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين واصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت»^([10])، ليس الذي يقول أيقظ المارد الذي في نفسك، أي مارد هذا؟ أنت متأثر بأفلام الرسوم المتحركة وعلاء الدين والمصباح السحري!

يا أخي نفسك ضعيفة تقويها بالإيمان، تقويها بالأخلاق والعبادة والطاعة باللجوء إلى الله –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، أنت ضعيف فلذلك اخواني الأفاضل لا بد أن نحذر مما يُذكر في مثل هذه الدورات وليس في تحذيرنا هذا رفض لكل ما هو جديد كما يقول عرابهم هؤلاء المتشددون يرفضون كل ما هو جديد.

لا بل الجديد يعرض على كتاب الله وعلى سنة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فما كان فيه من خير قبلناه.

لما تأتي دورات التنمية الذاتية وتطوير الذات والنفس وتبين لنا طريقة استغلال الوقت طريقة السرعة في إنجاز الأعمال، طريقة السرعة في التغلب على فنون إدارة الانفعالات.

فنون التعامل مع الآخرين، هذه الدورات مطلوبة، ولا بأس منها لأن يعطيك فيها بعض المهارات التي أنت قد تغفل عنها وتحتاجها.

أما يأتيك شخص يعطيك دورات تنمية ذاتية لتتخلص من زوجتك ومن أولادك بحجة الحرية ويدخلك في موضوع العلاج بالطاقة وتسأل القانون وقانون السر وقانون الجذب أو إرسال النيات أو قانون التجلي، أو استعمال الذبذبات، والأرقام التي هي قائمة على الدجل 3: 6: 9 أو أرقام معينة مع الموسيقى هذا كله من الدجل ليس له علاقة بتهذيب النفس ولا بتطوير الذات ولا بالتنمية بالبشرية بل هذا غرس لعقائد وثنية في نفوس الناس، لإبعادهم عن دين الله وعن عقيدة التوحيد.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم لكل.