فوائد قرآنية - (٠٣) أعظم حق على العباد
أَوْلى الحقوق وآكدها، ولها يجب أن يسعى كل من يريد النجاة لنفسه في الدنيا والآخرة هو حق الله تعالى، الذي خلق الخَلْق لأجله، ولتقريره وبيانه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وهو عبادته تعالى وطاعته، والإقرار له بالتوحيد دون سواه، فإنَّ القرآن كله في التوحيد، ومن أراد صدق ذلك فليتدبر كل آية من آيات كتاب الله، فما أجملَ تغذية القلب بأداء هذا الحق كل يوم، فهذا من أنفع الوسائل وأشرفها لصلاح القلب ونقائه وصفائه وسلامته من كل آفة وبدعة ومعصية ودسيسة سوء.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولاً كلياً: إنَّ كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه.
فإنَّ القرآن: إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري.
وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي.
وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته.
وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده.
وإما خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمَّن خرج عن حكم التوحيد.
فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم، فـ{الحمد لله} توحيد، {رب العالمين} توحيد، {الرحمن الرحيم} توحيد، {مالك يوم الدين} توحيد، {إياك نعبد} توحيد، {وإياك نستعين} توحيد، {اهدنا الصراط المستقيم} توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد الذين أنعم الله عليهم، {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} الذين فارقوا التوحيد"([1]).
فخذها فائدة جليلة من هذا الإمام العالم، وأقبِل على كتاب الله بقلبك وجوارحك واصدق في معرفة هذا الحق وتحقيقه، فتدبر آيات التوحيد التي أشار إليها، وقِف عندها، واعرِضْ نفسك عليها، وانظر في عملك بها، وقيامك بحقها، فبهذا يرفعك الله، ويعلي شأنك في الدنيا والآخرة.