عبدة الكون ( الجزء ١ )
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مقالات في بيان حقيقة أدعياء العلاج بالطاقة ( الريكي ) وما يتفرع عنهم من فروع
المقال الأول : عبدة الكون - الجزء الأول
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أما بعد ..
فإنّ الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسله إلى الناس ليدعوهم إلى عبادته وحده دون سواه، وترك الشرك به والكفر بالطواغيت التي عُبدت مع الله، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
والأمر بعبادة الله سبحانه وتعالى يقتضي إخلاص التوجه والقصد له بكل ما شرعه، قال الله سبحانه : "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ " [البينة: 5].
ومن تلكم العبادات التي أمر الله بإخلاصها له دون سواه عبادة الدعاء، فإنه من أعظم العبادات التي أمر الله بها، بل يُحب عبدَه أن يسأله ويدعوه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ . " ثم تلا قول الله سبحانه وتعالى : "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: 60] رواه أبوداود والترمذي.
بل عاب الله على من سأل غيره، فقال : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" [غافر: 60]، فتأمل كيف أمر بدعائه، وسمى الدعاء عبادة، ثم توعد المستكبرين عن الدعاء بقوله : " إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ. "
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يرشد الصحابة رضوان الله عليهم إلى سؤال الله والتوجه إليه بجميع حاجاتهم، فقال لابن عباس : " إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ " رواه الترمذي
أما كفار قريش فقد كانوا يدعون الأصنام والأوثان ويسألونها حاجتهم، من طلب رزق، أو جلب نفع، أو دفع ضر، ومنهم من يسأل الكواكب والنجوم، ومنهم من يسأل الجن ويستعيذ بهم، والله عز وجل اعتبر ذلك شركاً وكفراً، فقال : " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 13، 14]
وكان في العرب من يعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر، ويتقرب لها بالسجود، وقد نهاهم الله عن ذلك فقال : "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" [فصلت: 37]
وقد ذكر بعض أهل التاريخ طرفاً من أخبارهم في ذلك، فالصنم ( ود) يرمز إلى القمر، كما تألهوا كوكب الزهرة وأطلقوا عليه اسم " عثتر و عثتار "
ينظر : " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام . (3/114) "
قال الدكتور جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : " وألّه بعض الناس الظواهر الطبيعية؛ لتوهمهم أن فيها قوى روحية كامنة مؤثرة في العالم وفي حياة الإنسان، مثل الشمس والقمر وبعض النجوم الظاهرة، وقد كانت الشمس والقمر أول الأجرام السماوية التي لفتت أنظار البشر إليها، ... فكانا في مقدمة الأجرام السماوية التي ألهها الإنسان، عبدهما مجردين في بادئ الأمر، أي دون أن يتصور فيهما ما يتصور من صفات ومن أمور غير محسوسة هي من وراء الطبيعة.
فلما تقدم وزادت مداركه في أمور ما وراء الطبيعة، تصور لهما قوى غير مدركة، وروحًا، وقدرة، وصفات من الصفات التي تطلق على الآلهة. فخرجتا من صفتهما المادية البحتة ومن طبيعتهما المفهومة، وصارتا مظهرًا لقوى روحية لا يمكن إدراكها، إنما تدرك من أفعالها ومن أثرهما في هذا الكون.
وإذا كانت هذه العبادة قد اقتصرت على الظواهر الطبيعية البارزة المؤثرة، فإن هناك توسعًا في هذه العبادة تراه عند بعض الأقوام البدائية، يصل إلى حد تقديس الأحجار والأشجار والآبار والمياه وأمثال ذلك؛ إذ تصوروا وجود قوى روحية كامنة فيها، فعبدوها على أن لها أثرًا خطيرًا في حياتهم. " ا.هـ
(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. (11/22) باختصار)
فجاءت شريعة الإسلام وأمرت بتوحيد الإله المعبود وهو الله سبحانه وتعالى، والكفر بكل ما اتخذ آلهة معه، وهذا هو معنى كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله) والتي تتضمن نفياً وإثباتاً، نفي الإلهية عن كل ما عُبد من دون الله، وإثباتها لله سبحانه وتعالى، قال الله سبحانه: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ " [الحج: 62]
وفي الآونة الأخيرة ظهر من يدعو لتلكم الوثنية، ولدعاء غير الله بصورة عصرية وتحت شعارات براقة ومسميات جديدة، كالعلاج بالطاقة الكونية، وقانون السر أو الجذب أو الطلب أو الطب البديل أو الرياضة الروحية (اليوغا) ونحو ذلك .
وحقيقة العلاج بالطاقة (الريكي) وقانون الجذب ونحوها تتمركز حول الكون، مع إعطاء صفة الربوبية والإلهية له .
وبنظرة خاطفة على أبرز عناوين مقاطع العلاج بالطاقة أو قانون الجذب في الشبكة العنكبوتية يظهر ذلك جلياً، فيطلقون على برامجهم عناوين مثل : رسالة من الكون، وآخر أطلق على برنامجه اسم : فهم الرسائل الموجه إليك من الكون، وغيرها كثير.
وأثناء استماعي لهذه المقاطع شدني الخلط العجيب بين الدعوة لسؤال الكون وبيان قدرة الكون على تلبية طلبك بمجرد النية دون التلفظ، وبين الاستدلال على هذه الشركيات بآيات من كتاب الله وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لتضليل المستمع والمتابع، وإيهامه بأن سؤال الكون واستجابته لك مما قررته الشريعة وورد في القرآن، لدرجة أن أحد منظري هذا الفكر يقول : " لديه مائة دليل على مشروعية قانون الجذب من الكتاب والسنة. "
في حين أن قانون الجذب مأخوذ من كتاب السر للكاتبة روندا بايرين - استرالية الجنسية، تعمل كاتبه ومنتجة تلفزيونية من مواليد 1951م -، وهذا الكتاب ذاع صيته وانتشر تحت مظلة تطوير الذات .
فكيف لهذه الكاتبة غير المسلمة أن تهتدي لأمر غاب عن علماء المسلمين، وتُظهر للعالم قانوناً قد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة عليه، ولكن للأسف لم يتنبه له علماء المسلمين، إنّ هذا لشيء عجاب !!
كيف يكون سؤال غير الله مشروعاً، وقد تظافرت الأدلة النقلية والعقلية على بطلان سؤال غيره، بل في إقرار هذا القانون ( قانون الجذب) هدم لكافة الشرائع، وطعن في دعوة جميع الرسل والأنبياء .
سأتطرق بإذن الله في المقال القادم -بإذن الله - إلى صور عبادة الكون عند دعاء الطاقة الكونية (الريكي) ودعاة استعمال قانون الجذب، لكشف حقيقة هذا العلم الزائف .
والحمد لله رب العالمين .