العلمانية خطر على الدين و الوطن
الحمد لله الذي بين الدين وهدى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اتبع الهدى. أما بعد،
فإن التيارات الفكرية المخالفة للدين والأخلاق لها أثر كبير على المجتمعات، وقد كان فكرُ الإخوان المسلمين في المرحلة السابقة هو الذي يهدِّد مجتمعاتنا بما لديه من أفكار تكفيريَّة وأساليب تهيجية وتجميعيَّة، وبما لديه من تلوَّنات وتحزبات وسريات،؛ يسعون بها للوصول إلى الثورة الإسلامية -بزعمهم- وفكّ العلاقة بين الحكام وشعوبها، وأما اليوم فإن الفكر الذي يهدِّد مجتمعاتنا هو الفكرُ العَلمانيُّ، وهو لا يقلُّ خطورة عن الفكر الإخواني؛ إذ الفكر الإخواني يشوِّه صورة الإسلام والفكر العلمانيُّ يريد -بزعمهم- إطفاء نور الإسلام، وأنى لهم ذلك والله تعالى يقول: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} التوبة:32، وليت شعري إذا أُطفأ النور فما الذي يحلِّ بعده إلا الظلام الذي ينتشر فهي الدواب والهوام.
إن الفكرَ العلمانيَّ أشعل شمعة تنويره على إثر ثورة ضدّ الطغيان الكنسيِّ الأوربيِّ الذي حارب العلم والعقل كردَّة فعل له، وقرر أن يفصل الدِّين عن السياسة والحياة، لظنِّه أن الدين يحارب تطور الحياة، وإن كان ذلك الظن صحيحًا في الدين الكنسي، فليس ذلك بصحيح في الدين الإسلامي الذي قام على العدل والرحمة والوسطية فحافظ على العقائد الصافية، والعبادات الميسرة، والأخلاق الحميدة، ورغب في عمارة الأرض، وإعمال العقل، والحث على العلم.
لكن لما نشأ نشء من أهل الإسلام لا يعرفون كماله وشموله وأحكامه، فتلقف بعض أفراده تلك الفكرة الغربية ليطبقها في المجتمعات الإسلامية مع الفارق العظيم بين الدين الإسلامي والتسلط الكنسي وقع الخطر على الدين والوطن، والعجب من بعض من تبنَّاه أنه لم يرَ إلا داعشًا أو العلمانية فضيقوا على الناس الخناق بهذا الإرهاب الفكري فمن لم يكن معهم فالحكم عليه مباشرة أنه داعشي، ولم يكن هذا منهم إلا لأنهم لم يروا نور شمس الإسلام، بل نظروا إلى شمعتهم التنويرية وقارنوا بها السراديب الظلامية الداعشية، فاضطروا لفرط جهلهم أن يختاروا التنويرية!.
ثم قام منهم من ينعق في كلِّ وادٍ ينادون بتلك الأفكار العَلمانية متبنين تلك الأفكار الغربية من التشكيك في السنة النبوية، والطعن في العلماء المعتدلين الربانيين، مزعزعين للحمة الوطنية، ممهدين لقيام الإخوانية، غير مبصرين لتلك الأخطار الأمنية والمهددات العقدية والمفاسد الأخلاقية التي تنتج عن هذا الفكر والتي لم يستطع العالم الأوربي التنويري إصلاحها ولا علاجها مع ما وصولوا إليه من تطور وحضارة، وأي حضارة تنفع إذا كانت العقائد والأخلاق في المجتمعات كقاع بلقع.
اللهم إنا نسألك أن تسلم بلادنا ومجتمعاتنا من هذه الأفكار الدخيلة والدسائس الرذيلة.