لماذا فترت عن طلب العلم ؟!
الحمد لله وبعد
لماذا فترتُ عن طلب العلم ؟!
سؤال يقضّ مضجعَ الكريم، ويضيقُ له صدرُ الحريص الفهيم.
كيف لا، وقد رأى قوافل الصالحين من العلماء، ومواكب المجتهدين من الفقهاء، تسير أمامه وقد تخلف عنها.
كيف لا، وهو يخشى أن تذهب لذّةٌ من قلبه، وسعادة من لُبّه، شعر بها حين كان يزاحم في مجالسِ العلم والفوائد، قد سوّد كتاب درسه بجميل اللطائف والفرائد.
وحتى لا يطول التحسر والهمّ، وتزيد على القلب الكآبة والغمّ، ويتوسع الخرقْ، فيصعب معه ترقيع الفتقْ.
انظر إلى ما يأتي؛ لعل فيه عونا لك على الإياب، وتيسيرا لك على الإقبال بعد الذهاب.
* أولا : تفقد نيّتك، وراجع في ذلك همّتك، فإن رأيت فيها خللا أو ضعفا؛ فقوّها بجميل النظر، في صحيح الأثر، وتأمل صحيح الحديث في فضل العلم والتحديث، ففيه لك دافعْ، وعن ضعف الهمة رافعْ.
* ثانيا: أقبِل على ربّك بالدعاء، وابدأ دعاءك بالثناء، أن يفتح الله للعلم قلبَك، ويحفظ لك عقلك ولُبَّك، فالدعاء هو العبادةْ، وبه ينال العبدُ منازل الفوز والسعادةْ، وربُّنا ممن دعاه قريبْ، ولمن طرق بابه سميع ومجيبْ.
* ثالثا: اقرأ سير السلف الصالحين، ولا سيما الصحابة المتقين ومن جاء بعدهم من كرام التابعين، ففي سيرهم في طلب العلم مواقف عجيبة، وهمم غريبة، تحسبها -من غرابتها- أساطير الأولين، ومخترعات القُصّاص والمؤلفين، والحقّ أن فيها جملا صحيحةْ، وقصصا مليحةْ، تدفع السآمة والملل، وتحفّز على النشاط والعمل.
* رابعا : تأمل في رفعة أهل العلم، ففي قوله تعالى ﴿یَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَـٰتࣲۚ ﴾ من جميل الجزاء والمكافآت، ومن عظيم النفع والهبات.
فلا ترض لنفسك بالبطالةْ، ولا تقبل بسبيل أهل الغفلة والجهالةْ.
* خامسا: ألزِم نفسك صحبةَ الأخيار. ومرافقة الأبرار، ممن علت في طلب العلم همتُه، وزاد للفقه محبتُه، فهو أنيس الطريق، ونعم الصاحب والرفيق.
وافرح في ذلك بمن سبقك في الطلب، لينفعك علمه، ويُسعِدك نصحه.
وإلا فمن كان في مستوى تحصيلك، ومقارنا لك في تأصيلك، لتدارسه الأقوالَ والمسائلْ، وتبادله جميل النكت والفضائلْ.
* سادسا : أحسِن اختيار الكتاب، فإنه أرفق بك في الخطاب، وأهدى لك إلى سبيل الصواب، ولا تستعجل الوصول، وتتخطى سبل الأصول، فتتعثّر خيلك عن مرافقة الصديق، وتضيع منك بوصلة الطريق.
* سابعا : أصلح في العاجلة ما يعينك على أمر الآجلة، وتزود من دار العمل والاكتساب، بما يفيدك في دار الجزاء والحساب، ولا تزد في دار العبور، ما يشغلك عن تحصيل علمك وعملك المبرور. فقد صح الحديث عن منهومين لا يشبعان، فكن مجتهدا غير كسلان.
* ثامنا: احرص على طلب العلم حضورا للسماع، فبذلك يتم الانتفاع، وإياك وتأجيل الدرس، فيغيب عنك درس اليوم كدرس الأمس، وهو مدعاة الكسل والخمول، ومفتاح الانقطاع والنكول، فاحتسب أجر حضورك للعلم، وأقبل على درسك إقبال مبتغ للفهم. ولا تستعض عنه بالتفقه بمطالعة الكتاب، فمغاليقه حيرت أولي الأفهام والألباب.
* تاسعا: كن رفيقا بوقتك، وأحسن تنظيم وقت عملك ودرسك، فالبعثرة داء، والترتيب لها دواء.
فقف لكل مقام بمقاله، وفز بجميل خصاله وخلاله.
* عاشرا: احذر سارق الساعات، ومشتت الأوقات، من برامج الجوال، ووسائل التواصل والاتصال، فخطرها جسيم، وضررها أليم، وهي عن طلب العلم من أكبر المعوقات، وأعظم الصوارف عن المهمات.
وكتبه: محمد بن غالب العمري
صبيحة منتصف شوال لعام ١٤٤١هـ.