التشغيب الفكري على صحيح البخاري


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

من التشغيب الفكري لدى دعاة التنوير الطعن في الكتب المعتمدة، حتى تجرؤوا أخيرًا على الطعن في صحيح البخاري حيث قاموا بالتشكيك فيه بعبارات سمعها الناس فوقعت على قلوبهم كالأسنة؛ فاستنكر العقلاء والحكماء والعلماء وأصحاب الفطر السليمة هذه الكلمات الهجينة في حق صحيح البخاري، فجاءت -ولله الحمد- الردود من كل مكان بعد أن أثارت هذه الكلمات الرأي العام.

فحاول أهل التنوير التلاعب بالألفاظ فقالوا: “الشكُّ بمعنى التَّضعيف، وقد ضعف العلماء كالدارقطني والألباني بعض الأحاديث في صحيح البخاري، بل البخاري نفسه شكَّ في أحاديثه وطرحها“.

فردَّ عليهم المتخصصون بأن الأئمة كالدارقطني والألباني ما شكَّكوا في صحيح البخاري كما زعمتم؛ وإنما حكموا على النَّزر اليسير من الأحاديث حسب قواعد علمية لا أهواء فكرية، مع تبجيلهم وتقديمهم لصحيح البخاري على جميع الكتب المصنفة.

والملفت للنظر هنا استدلالهم على فكرتهم بكلام الألباني، مع أنهم لا يرتضون الألباني، بل ومنهم من يراه في عداد الظلاميين!، ظانين إيراد كلامه حذاقة في الردِّ، وما علموا أن فيه منقصة للعقل.

وأما طرح البخاري للأحاديث؛ لأنه شكَّ فيها -حسب قولهم-؛ فمغالطة واضحة خرجت ممن لم يعرف صنعة الحديث أو تناسى تلك الصنعة؛ فالبخاري خرَّج في الصحيح ما التزمه على نفسه من شرطه في الصحيح، ولهذا خرَّج كثيرًا من الأحاديث مما ليس في صحيحه في كتاب (الأدب المفرد) و(خلق أفعال العباد) و(بر الوالدين) وغيرها من الكتب.

فلما لم يجدوا مناصًا خرج أهل التشغيب في الإعلام بدعوى أدهى من المغالطة الأولى، فزعموا أن داعش استدلت بأحاديث من البخاري ، بل بلغ بهم الأمر إلى أن زعموا أن في البخاري أحاديث أساءت للنبي -صلى الله عليه وسلم كلام يكفي في ردِّه نقله، وكلُّ تلك المحاولات لترسيخ التشكيك في صحيح البخاري، بل ولطرح فكرة خطيرة وهي الوصول إلى التشكيك في السنة النبوية على طريقة فكر القرآنيين وأصحاب الأفكار المنحرفة؛ فجاء الردُّ من دولة الإمارات العربية المتحدة في خطبة الجمعة مبينة منزلة السنة والصحيحين وجهود العلماء في حماية السنة، وقام العقلاء والحكماء وطلاب العلم الشرعي بالردِّ على هذه الفكرة المغلوطة والشبهة المطروحة.

والعجيب في الأمر أن أصحاب الشغب الفكري طبَّلوا لهذه الفكرة، وبعضهم قام محاميًا يريد تخفيف التهور الذي صدر من بعضهم فحوَّل الخطاب من التشكيك إلى المطالبة بالتنقيح مساهمة منه في ستر تلك المغالطة المكشوفة، ظانين أن قلب الكلام ينطلي على الناس؛ فانقلب السحر على الساحر، وكُشفت تلك الأطروحات التي لا مصلحة للمجتمع فيها إلا زعزعة لُحمته.

شغبٌ فكري أدَّى إلى صيحة إعلامية أضحكت الثكلى، وجرأت بعض الإخوان المسلمين، وقوت كلام المستشرقين، وهم في هذا كلِّه مصرِّين على فكرتهم الشاذة، مبررين سوء فكرتهم بقبيح استدلالهم.

والذي يستدعي الوقوف عليه قيام أصحاب الشغب الفكري بأساليب قد استخدمها الإخوان المسلمون من قبل، منها:

(1) الاستعانة بالإعلام الخارجي لتأييد فكرتهم، والوقوف معهم؛ وضد من؟ ضد أبناء دولتهم للأسف.

(2) طعن بعضهم في بعض رموز الدولة والحامين عنها، ورميهم بسيء الألفاظ، ثم يبررون سوء ألفاظهم بأن الإمارات تزدهر بحرية التعبير! متناسين أنها دولة ذات عدل وحماية لحقوق الإنسان وكرامته.

وهذا الأسلوب في الطعن في رجال أمن دولتنا يذكرني بأسلوب الإخوان المسلمين، وبالتحديد عبد الحميد كشك الإخواني الذي كان يوظف منبره للسخرية من رجال الأمن.

  • والأمر الخطير الذي لا بدَّ أن يوضع في الحسبان أن خطر هذه الأفكار يكمن في الأمور التالية:

الأول: أنها سبب لزعزعة اللحمة الوطنية، وأنت ترى الصراعات التي تقع في المجتمعات بسببهم.

الثاني: أنها سبب لفتح باب التطرف؛ لأن أفكارهم مشتركة مع أفكار الإخوان المسلمين، ومهما انطوت فلا بد وأن تظهر على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم، والتشكيك في البخاري أنموذجٌ في ذلك، إذ التشكيك فيه شماعة لأهل التطرف لردِّ أحاديث السمع والطاعة، وذم الخوارج، وحرمة قتل الذميين، وغيرها من الأحاديث الصحاح التي هي قاصمة ظهر التكفيريين والدواعش.

الثالث: أنها سبب لفتح باب الإلحاد الذي تحاربه جميع الدول فضلًا عن العقلاء بل فضلًا عن المسلمين.

الرابع: أنها سبب لجلب استعداء التكفيريين والحساد والأعداء على دولتنا، وها أنت ترى اليوم استغلال فئام من الحساد والمتطرفين هذه الأحداث للطعن في دولة الإمارات.

وقد أحسن الوصف وصدق في القول معالي الفريق ضاحي خلفان -حفظه الله- حين قال: “جماعة الإخوان والجماعة الليبراليين متحدين مع هذه المنظمات، ويحاولون أن يخلقوا شيئًا من البلبلة في المنطقة“.

فهو تحالف إخواني ليبرالي لإسقاط أنظمة الدول، فالهدف واحد وإن اختلفت الأساليب وتغيَّرت الوجوه.