الحزمُ مع أهلِ الفتنةِ والتطرفِ واجبٌ شرعيٌّ ومقصدٌ أمنيٌّ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فمن أخطرِ ما يهدّد أمْن الدول وسلامة الشعوب؛ تلك الأفكار المتطرفة التي تُسقى من مستنقعات الإخوان المسلمين، والتي نبتت في أرضها السرورية، والبنائية والقطبية([1])، والقاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الإرهابية، والأفكار التطرفية، والجمعيات الحزبية، التي تسببت في سقوطِ دولٍ، وسفكِ دماءٍ، وقتلِ أبرياء، وهتكِ أعراضٍ، وسلبِ أموالٍ، التي ترى التّدميرَ تطوراً، والانهيارَ بناءً، والتفجيرَ شهادة، وقتلَ المعصومين جهاداً، ولا زالت تخطط، وتفكر، وتدبّر لإسقاط الدول زعماً أنها تنصر الإسلام، وتردُّ الحقوقَ للمسلمين من اغتصاب الحكام والطواغيت !!! وبالأخص دولِ الخليج، وبالتحديدِ -في الآونة الأخيرةِ- دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية تلك الدولتان اللّتان -بفضل من الله-وقفتا ضدَّ التطرف وقفةً حازمةً بحنكة قيادتهما، ورشد تصرفاتهما، وتعاونهما مع بعضهما، وتعاون شعوبهما معهما.
إلا أنّ أهلَ التطرف حاولوا بكلِّ وسائلِ المكرِ، والخداعِ، والتلونِ، والكذبِ، والفتنةِ، وبيعِ الذممِ، زعزعةَ أَمْنِ الدولتين الحبيبتين، والإرجاف في مجتمعاتهما، عن طريق أسماء دينية، ورجالٍ يلبسون ثياب الدعوة الإسلامية، وهم في الحقيقة دعاة إلى الفتنة.
فما كان من العلماء المعتدلين الربانيين إلا أنهم قاموا بواجبهم في تعرية دعاة الفتنة، وكشف باطلهم وبيان خطرهم وضررهم، وما كان من الأمراء والحكام إلا تتبع مخططاتهم وإبطالها، ومنع دعاتهم، والأخذ بيدهم بحزم وقوة؛ لقطع جريان أفكارهم المتطرفة، ومنع تغلغلها في أوساط المجتمعات، فقيام الحكام والعلماء بواجبهما يقطع الباطل ويدحره -بإذن الله-؛ لأن من أنفع أسباب كسر شوكة الفتن والشر؛ اجتماع حجة العلم وقوة الحُكْم.
يقول القاضي ابن جماعة الشافعي:” الشَّرِيعَة: هِيَ المحجة الَّتِي جَاءَ بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وسنّها وَأوجب اتباعها وصونها، وَهِي إِلَى الله أقصد سَبِيل، لِأَنّ مبناها على الْوَحْي والتنزيل، وَالْخَيْر كُلّه فِي اتباعها، وَالشَّر كُله فِي ضياعها.
وَقد جعل الله لَهَا حماة يُقِيمُونَ منارها، وَحَملَة يحفظون شعارها. فحماتها: الْمُلُوك والأمراء. وحفاظها: هم الْأَئِمَّة الْعلمَاء“([2]).
وإن ما تتخذه دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية من خطوات حازمة في منع دعاة الفتنة والشرّ والتطرف، وإدانتهم وتحجيم نشاطهم، وحبسهم؛ لهو موقف شرعي، اجتماعي، إنساني، دولي؛ يشكرون عليه؛ إذ إنه من المعروف شرعاً أن إقامة الدّين، وحفظ عقول المسلمين من الانحرافات، وصيانة مجتمعاتهم من الأخطار، وحفظ أنفسهم وأعراضهم من أهل الاعتداء والإجرام؛ من أعظم الواجبات على ولاة الأمر، وهو كذلك من الفضائل الجزيلة التي يؤجرون عليها -بإذن الله-، ولا يتمّ ذلك إلا بقطع ينابيع الفتن من دعاة الشرّ الذين يتسببون في انحراف المجتمعات عن منهج النبي r المعتدل، ويفسدون في الأرض بنشر أفكارهم المسمومة والاعتداء على الأنفس المعصومة.
يقول الماوردي الشافعي فيما يجب على السلطان من حقوق:” حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، فَإِنْ نَجَمَ مُبْتَدِعٌ أَوْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ، أَوْضَحَ لَهُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ؛ لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ خَلَلٍ، وَالْأُمَّةُ مَمْنُوعَةً مِنْ زَلَلٍ”([3]).
ويقول ابن الأزرق المالكي رحمه الله فيما يجب على الحكام وولاة الأمر:” الْوَاجِب الأول: حفظ أصُول الدّين وَقد تقدم مَا يَتَّضِح بِهِ أَن ذَلِك هُوَ الْمَقْصُود الْأَعْظَم من السُّلْطَان، وَالْغَرَض الْآن تَفْصِيل بعض مَا يكون بِهِ هَذَا النَّوْع من الْحِفْظ مَتى ظهر مُبْتَدعٌ أَو منجّم زائغٌ، وفرضه فِي مسَائِل:
الْمَسْأَلَة الأولى: الْقيامُ على المبتدعِ فِي الدّين بِمَا يكُفُّه عَن ضلالِ بدعتِه من نَاحيَة الْوُلَاةِ وَغَيرهم، وعَلى حِسَابِ موقعِ الْبِدْعَةِ فِي الْمُخَالفَة، يظْهرُ بِأَحْكَامٍ مُتَفَاوِتَةٍ الطّلبُ بِاعْتِبَارِ ذَلِك الْموقعِ، تجْرِي عَلَيْهِ إرشادًا أَو نكالاً“([4]).
وذكر -رحمه الله- جملةً ممّا يحكم به على أهل البدع والفتنة ، وهو راجع إلى حكمين:
الأول: إقامة الحجة بالعلم: إرشاداً، ونصحاً، وتوجيهاً؛ كنصح ابن عباس للخوارج.
الثاني: الحزم في العقوبة: منعاً، وهجرًا، وضرباً، وحبساً، وقتلاً؛ كضرب الفاروق صبيغاً، وحبس الحلاج، وقتل عليٍّ -رضي الله عنه- الخوارج الشاقين للعصا([5]).
فإذا قام ولاة الأمر بهذا الحقّ الواجب الذي فيه حماية الدّين، وحفظ عقول المسلمين؛ فعلى كافة أصحاب القرار، والمسؤولين، وحملة العلمِ الشرعي أن يعاونوا العلماء والأمراء في تحقيق هذا الهدف العظيم.
وعلى عامة الشعب السير على خطى حكامهم وعلمائهم في مواقفهم ضدّ رؤوس الإخوان المسلمين، وليحذروا من التعاطف معهم وإعانتهم؛ بترويج رسائلهم وكلماتهم المهيجة للعاطفة، المكتلة للناس حولهم، المعارضة لمواقف ولاة الأمر، كقولهم فيمن اعتُقل ومُنع من دعاة الفتنة أنهم مظلومون، وأن حكامنا يحاربون دعاة الإسلام، وغير ذلك من قلب الحقائق، وتهييج عواطف المسلمين؛ لأن تقبل ذلك ونشره يُعدّ ترويجاً للفتنة، ومخالفة للسنة، وسبباً في شق الوحدة، ومناقضة للسمع والطاعة.
أسأل الله أن يمكن من رؤوس الفتنة الذين عثوا في الأرض فساداً، ولوثوا عقول الشباب بالأفكار الإخوانية التهييجية.
وجزى الله خيراً ولاة أمرنا بدولة الإمارات على قمع هذه الأفكار المنحرفة،
وجزى الله خيراً حكام المملكة العربية السعودية على تحييد رؤوس الفتنة.
[1] هذه فروعُ الإخوان المسلمين، ومراحلهم على حسب الزمان والمكان، فالبنائية: نسبة لحسن البنا ومرحلته، وهي: مرحلة تكون الجماعة والبناء والعمل السري في حال قوة السلطان وسيطرته، والقطبية: نسبة لسيد قطب، وهي: مرحلة العنف والقوة والتكفير والتفجير في حال ضعف السلطان أو في حال إعلان الثورات والفوضى، والسرورية: نسبة لمحمد سرور، وهي: مرحلةٌ متلونةٌ، مخادعة، ماكرة، تتظاهر بالسنة، وهي تتبنى المنهج الإخواني في التكفير والخروج على الحكام وغيرها من الانحرافات، وتتلون بحسب المرحلة، فتهيج الشعب في حال ثورته ثم تتلون وتُظهر أنها مع الحكام وضد الفتن إن شعرت بقوة السلطان وحزمه.
[2] تحرير الأحكام (305).
[3] الأحكام السلطانية (1/81)، وينظر: تحرير الأحكام (274)، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي (1/89).
[4] بدائع السلك (2/579).
[5] ينظر: بدائع السلك (2/579)، والاعتصام للشاطبي (1/ 226).