يا بني احذر الفكر الإلحادي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد ...
أعظم نعمة يُرزقها العبد معرفته ربه، والإيمان به، وأداء الحقوق الخاصة به، وفي المقابل فإنّ أعظم خسارة تلحقه جهله بربه وبما يجب له من الواجبات والحقوق .
ومعرفة العبد ربه وخالقه يسيرة وسهلة، فإن الفطرة والعقل والحس السليم كلها دالة على وجود الله سبحانه وتعالى، وعلى أنه متفرد بالخلق وبتدبير شؤون العالم العلوي والسفلي، وأن الخلق على اختلاف أجناسهم وأنواعهم محتاجون له وهو غني عنهم، فلا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
فلا يشك في وجود الله وفي قدرته إلا من انحرفت فطرته وعميت بصيرته ولو كان صحيح البصر، فما من شيء في هذا العالم إلا وفيه دليل على وجود خالق مستكمل الصفات، قادر قوي لا يغلبه شيء، عالم حكيم خبير بكل شيء.
ولأنه أمر معلوم لدى كل أحد استنكرت الرسل والأنبياء التشكيك فيه، قال تعالى : " قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ" [إبراهيم:10]
ولكن للأسف وُجد عبر التاريخ وحتى في زماننا هذا ومن المتعلمين، بل بعضهم ممن يشار إليهم بلقب العالم والبروفسور من أنكر وجود الخالق جملة وتفصيلا، ومنهم من شكك في وجوده، وظهر ما يسمى بالفكر الإلحادي.
فعلى الرغم من علمهم التجريبي البحت إلا أن الشبهات والشهوات غطت على قلوبهم فصاروا يرون الباطل حقاً، والحق باطلاً، ثم عمدوا إلى نظريات اختلقوها من عند أنفسهم ليبرهنوا على عدم وجود خالق قادر لهذا الكون، وبالتالي يطعنون في الدين وفي تعبد الناس لربهم.
وقد تأثر بهم وللأسف بعض المسلمين ممن نطق بالشهادتين وصلى وصام ، ولكن لم يعرف ربه حق المعرفة، ولم يؤمن به الإيمان الذي يقوي قلبه أمام عواصف الفتن، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا " رواه مسلم.
ولذلك أوجه هذه النصائح لأبنائي وإخواني حتى لا يتأثروا بالفكر الإلحادي، فأقول :
يا بني احذر الإلحاد :فإن العالمين منذ أن خلقهم الله وإلى عهد عيسى عليه السلام كلهم يقر بوجود خالق مدبر لهذا الكون، وإنما الخلاف مع رسلهم كان في إفراد الله بالعبودية وحده دون سواه، ولم يخالف في هذا الإيمان إلا النمرود وفرعون، إذ ادعى كل منهما أنه رب العالمين.
فهل كان باطلاً إيمان الخَليقةِ بوجودِ إله خالق مدبر لهذا الكون، وتواتر ذلك على مر الأزمان وتعاقب الدهور، وإنكار النمرود وفرعون كان حقاً ؟!
يا بني احذر الإلحاد: فإن عصور الفلاسفة ومدعي تحكيم العقول خلت من الفكر الإلحادي، فقد أثبت المؤرخون خلو العصر اليوناني والروماني والعصور الوسطى وعصر النهضة والإصلاح حتى منتصف القرن السابع عشر من تبني الفكر الإلحادي، ولم يظهر هذا الفكر الشاذ إلا في منتصف القرن السابع والقرن الثامن عشر الميلادي وهو ما يسمى بعصر التنوير، حيث ظهر الفكر الإلحادي وظهر من يتبناه من الفلاسفة ولكن بصورة ضعيفة وعلى مستوى ضيق، إذ بقي هذا الفكر الشاذ منحصراً في عقول بعض المثقفين والفلاسفة ولم ينتشر إلا في القرن التاسع عشر.
فهذا كله يدلك على إجماع الخَليقةِ على وجودِ إلهٍ خالقٍ مدبرٍ لهذا الكون، وأنه ما خالفَ في ذلك إلا أهلُ الشذوذ، فلا تكن منهم .
يا بني احذر الإلحاد: فالملحد يتعامل مع نفسه ومع الآخرين وفق هواه وشهواته؛ لأنه لا يؤمن بدين وشرع يحكمه، وما يذكرونه من الخير والشر، والصواب والخطأ راجع إلى ميولهم واتجاهاتهم، فما يحبونه ولو كان محرماً في جميع الشرائع يعتبر من الخير والصواب، وما يكرهونه ولو كان مباحاً في جميع الشرائع فهو الشر والخطأ.
فالملحد يفتقر للأساس الذي ينطلق منه في أخلاقه وتعاملاته مع الآخرين في هذه الحياة، ولذلك يقول بعض منظري الإلحاد : " إذا لم يكن الإله موجوداً فكل شيءٍ مباح ".
فخطر الملحد على نفسه وعائلته ومجتمعه ودولته كبير جداً، إذ تجده متمرداً على الجميع حتى على قوانين بلده بحجة الحرية التي يطلبها.
يا بني احذر الإلحاد: فالفكر الإلحادي لا يقدم للنفس البشرية العلم الذي يروي ظمأها، أو يشبع جوعها لمعرفة أهم الأسئلة التي لا استقرار لهذه النفس إلا بالعلم بإجاباتها على وجه اليقين لا الشك، فكيف بالذي يجهل الجواب تماما.
الفكر الإلحادي لا يملك الجواب عن سؤال من خلقك ؟
ولا عن سؤال من خلق الكون ؟
ولا عن سؤال الغاية من الخلق ؟
وهذا الأمر يُوجِدُ خواء روحياً في النفس البشرية يفضي بها إلى السير في هذا العالم بلا هدف ولا غاية، مما قد يشعر الفرد بالإحباط والإصابة بالاضطرابات والاكتئاب والشعور بالحزن الذي قد يفضي به إلى انهاء حياته بالانتحار .فأي سعادة حصلها من هذا الفكر ؟
يا بني احذر من الإلحاد: فالفكر الإلحادي يتعارض مع الفطرة التي خُلق عليها الناس من وجود إله تتقرب إليه وتعبده .
يتعارض مع القواعد العقلية التي يتفق عليها العقلاء من أن لكل حادث محدث، ولكل فعل فاعل.
يتعارض مع ما أثبتته الفطرة والعقل والحس والعلم التجريبي من وجود خالق لهذا الكون متصف بصفات الكمال والعلم والحكمة، مستحق للعبادة وحده دون سواه.
ثم ترى الملحد يتمسك بنظريات غربية لا يزال الخلاف محتدماً بين علمائهم في إثباتها أو إنكارها.
والعجيب أن الكثير من الملاحدة سلبي في سبب إلحاده وعدم إيمانه، فيقولون بلا مبالاة مبررين موقفهم: بأنهم غير مقتنعين بأدلة وجود الله تعالى ، دون أن يقدموا أي دليل ولو كان هشاً على فكرهم .
يا بني احذر الإلحاد: فإن من أسبابه الصورة المشوهة للإسلام، فالأعداء نجحوا في تشويه صورة الإسلام بتمويل جماعات متطرفة كالقاعدة وداعش، منطلقين من مبدأ ( هدم الأصل بذات الأصل) فاستعملت هذه الجماعات المستأجرة الدين لتشويه سماحة الإسلام ويسره ومحاسنه، وذلك باستخدامهم خطاباً منسوباً للدين - والدين منه براء- صفته التشدد والغلو، ونتيجته الإرهاب والقتل، مما أدى إلى كراهة البعض للإسلام، واعتباره دين قتل وعدوان ووحشية، فرموه وراء ظهورهم وانتهجوا الإلحاد فكراً نتيجة ذلك .
وقد تناسى هؤلاء أن عدد قتلى الحرب العالمية الأولى تجاوز 37 مليون نسمة، وعدد القتلى في الحرب العالمية الثانية ما بين 50 إلى 70 مليون نسمة، وهي حرب لا صلة لها بالتدين ولا بالإسلام.
فأيهما أولى بالكراهية والبراءة ؟
يا بني احذر الإلحاد: فإن من أسبابه استعمال العقل فيما لا يحسنه ويطيقه بدعوى العقلانية والتحرر من التقليد ونقد الموروث، فبدأ بالبحث في حِكم التشريع الإلهي، وفي أفعال الله تعالى، وفي الأمور الغيبية، حتى وصل إلى درجة اتهام الله سبحانه وتعالى – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا- بالظلم وعدم العدل والرحمة والعجز وعدم القدرة.
في حين أن نظرهم العقلي قاصر؛ لأنه يقوم على المعطيات التي يُتعرف عليها ببقية الحواس القاصرة، فيكون حكمه قاصرا من أساسه.
كما أنك تعجب من عقول أصحاب الفكر الإلحادي الذين يدعون العقلانية، وأنهم لا يؤمنون إلا بما دلّ عليه الحس والعلم التجريبي، ثم تراهم يؤمنون بنظريات وفرضيات دل العلم على نقضها أو التشكيك فيها.
ومن ذلك نظرية داروين التي وضعها تشارلز داروين التي تؤصل لمبدأ خلق الكائنات الحية على وجه الأرض من خلية واحدة تطورت عبر ملايين السنين لتكون هي أساس تطور الكائنات الحية، في حين أن داروين ومن اعتقد نظريته إلى غاية اليوم لم يقدموا دليلاً علمياً تجريبياً صحيحاً سالماً من النقد على هذه النظرية، ولم يثبت عبر التاريخ أنّ العلماء وجدوا أثراً لما يسمى بالتطور الكبير، عوضاً عن إثبات تطور القرد إلى إنسان، في حين أن العلم الحديث التجريبي وبعد اكتشاف الحمض النووي في الكائنات الحية يثبت استحالة التزاوج بين نوعين مختلفين يحملان حمضاً نووياً مختلفاً، لا بالطريقة الطبيعية ولا المخبرية، ومع ذلك يدافع عن هذه النظرية أرباب الفكر الإلحادي.
ومثلها نظرية الأكوان المتعددة القائمة على فرضية أنّ الكون قد أصابه تضخم عند ما يسمى بالانفجار العظيم حتى أصبح كفقاعة الصابون، وهذه الفقاعة انفجرت إلى فقاعات، وهكذا إلى ما لا نهاية، وبناء على ذلك توجد أكوان غير الكون الذي نعيش فيه، وللإنسان على وجه الأرض نسخة أخرى في كل كون من هذه الأكوان، وكل نسخة تختلف عن الأخرى .
فعلى الرغم من الخيال الذي بنيت عليه هذه النظرية إلا أنّ الملاحدة يؤمنون بها مع اعتقادهم باستحالة إثباتها علميا.
أخي القارئ : إن سعادة النفس واطمئنانها وراحتها في معرفتها لخالقها والإيمان به، واتباع شرعه، والإيمان برسوله.
ويكفيك أخي المسلم للدلالة على بطلان الفكر الإلحادي النظر في خلق نفسك وخلق السموات والأرض من حولك، فإنها دالة على وجود إله متصف بصفات الكمال، مستحق للعبادة دون سواه .
يكفيك أخي المسلم أن تنظر في كتاب الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة وقد حفظه الله من التغيير والتحريف والتبديل، ليدلك على وجود إله مستحق للعبادة .
وعليك باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى لطلب الهداية والثبات عليها حتى تلقاه.
فاللهم اهدنا الصراط المستقيم .
والحمد لله رب العالمين