الإرهابُ، مفهومهُ وأسبابهُ وصُورُه وموقفُ الإسلام منه وطرقُ مكافحتهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
· تعريف الإرهاب:
الإرهابُ مصدرٌ من كلمة (رَهَب) ويُقصدُ بها الخوفُ والفزعُ.
قال تعالى {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الأنبياء: 95.
* الإرهاب في تعريف المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكّةَ في 26/10/1422هـ:
(هو العُدوانُ الّذي يمارسُه أفرادٌ أو جماعاتٌ أو دولٌ، بغيًا على الإنسان في دينه و دمِه وعقله ومالِه وعرضِه، ويشملُ صنوفَ التخويف والأذى والتهديد والقتلِ بغيرِ حقّ، وما يتَّصلُ بصور الحرابةِ وإخافةِ السبيل وقطعِ الطريق، وكلُّ فعلٍ من أفعالِ العُنفِ أو التهديد يقعُ تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي، أو جماعي، ويهدُفُ إلى إلقاء الرُّعب بين الناسِ، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريضِ حياتهم أو أمنهم للخطرِ، فكل هذا من صور الفسادِ في الأرض الّتي نهى اللهُ عزّ وجلّ عنها. قال تعالى {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} القصص: 66.
* أسبابُ الإرهاب:
إنّ من العواملِ الّتي تُساعدُ على القضاءِ على مشكلةِ الإرهاب في الدّول هو فهمُ دوافِعِ وأسبابِ هذه المشكلةِ ومعرفةُ الأجواء الّتي يظهرُ فيها الإرهابُ وينتشرُ. حتى يَسْهُلَ القضاءُ عليه من جذورهِ في المجتمع، وأهَمُّ هذه الأسباب هي الأسبابُ الدينية الفكريّةِ أو السياسيّةَ أو الاجتماعية والتربويّةَ والنفسيةَ وغيرها. وأهمُّ أسباب الإرهابِ تفصيلاً:-
1- الجهلُ بالأحكامِ الشرعيَّةِ وعدمُ فهمُ النّصوصِ فهمًا صحيحًا موافقًا لمقاصِدِ الشريعةِ. وعدمُ الرّجوع إلى العلماءِ الثقاتِ الكبار في الأمور العامّةِ والقضايا المصيريّة للأُمّةِ. وقد أدّى ذلك إلى تَصَدُّرِ الجهلةِ وأصحاب الأفكار والعقائد المنحرفةِ لتعليم الناسِ وتربيتهم واستغلالَ عواطفهم وتحميلهم أفكارًا أدّت إلى تحميسهم وإثارتهم بلا ضابطٍ ولا رادعٍ، ولا رجوعٍ لأهل العلم الّذين فقهُوا الأمور وعلموا أحكامها.
2- الغلوُّ في الدّين:
ومن الغُلُوّ المذموم الغُلوُّ في تطبيق أصل الولاء والبراءِ في الدين، فما زاد عن حدوده الشرعية فهو غلوّ، فليس معنى البُغضِ في الله، ظلمُ الآخرين والتعدّي عليهم وتخويفهم وتهديدهم بالقتل بغير حقٍّ، وليس من البُغضِ في الله: إلقاءُ الرُّعب بين الناس أو تعريضِ حياتهم أو أمنهم للخطر، فهذا من الفسادِ في الأرضِ الّذي نهى عنه الإسلام.
3- التناقض بين القرارات الدوليَّة:
الّذي أدّى إلى الإحباط في نفوس بعض المتضرّرين ممَّا تسبّب في اجتهادات غير صحيحة تميل إلى الانحراف والإرهاب والانضمام إلى الجماعات الإرهابية.
4- الفسادُ بأنواعهِ:
الّذي أدّى إلى ضياع الحقوق وتَسبَّبَ في صور من المخالفات، أدّى ذلك إلى حالةٍ من العجز في التغيير عند البعض، فلجأ بغير بصيرةٍ إلى العُنف والتطرّف والإرهاب.
5- مشكلة البطالة:
وعدمُ توفير فرص العمل المطلوبة، في بعض المجتمعات، ممّا أدى ذلك إلى زيادة نسبةُ العاطلين، فتسبب ذلك في فتح أبوابٍ من الخطرِ من امتهان الجريمةِ والمخدّرات والاعتداء والإرهاب.
6- ضعفُ الثقافة الدينية:
والتوعيةِ بأخطار الغُلوّ والتطرُّف المؤدِّي للعنف والإرهاب, فلو اكتسب المواطنُ في بلدهِ العقيدة الإسلامية الصافية وحقّق الإيمان باللهِ تعالى، وحقق الوفاء والإخلاصَ لدينه ولوطنه الإسلامي، لما تأثّر بالأفكار الإرهابية والتكفيريّةَ.
6- عدمُ الاهتمام بغرس الأخلاق والآداب الإسلامية:
كالرفق والتسامح وحُبّ الآخرين ومراعاةُ حقوقهم، والسلام والتعاون والرحمة، وغيرها ممَّا يدعم الأمن والمحبَّةَ والعدالة في المجتمعات.
* من صور الإرهاب:
- نشر الرُّعب والخوفِ العام في المجتمعات.
- الانضمام إلى جماعات إرهابية محظورة.
- اعتناق فكر إرهابي حسب تعريف الإرهاب السابق.
- استغلال الوسائل الإعلامية لنشر الفكر الإرهابي.
- القتلُ والاغتيال والتفجير والأعمال التخريبيَّة.
- اختطاف الأفراد ووسائل النقل وحجز الرهائن لدوافع إرهابية.
- ترويج الأفكار والشائعات لإثارة الفتنة بين الناسِ.
- الإرهاب الإلكتروني بالدخول إلى أنظمة الكمبيوتر في المؤسسات التعليمية أو الصحيَّة أو العسكريَّة أو الاقتصادية أو غيرها على سبيل الانتقام من المجتمع.
موقفُ الإسلام من الإرهاب:
الإسلامُ سبقَ جميع الأنظمةِ في التصدِّي للإرهاب, وإنّ المعنَى الشرعي للإرهاب يتمثّل في مفهوم البَغي والحرابةِ والفسادِ في الأرض, ومذهب الخوارج والبغيُ هو الظلمُ والعدولُ عن الحقِّ والتطاول على شريعة الإسلام والقوانين والأنظمة في المجتمع.
والحرابةُ: هي قطعُ الطريقِ ومحاربةُ وإرهابُ الناسِ ومنعُ الناسِ من حقوقهم بغير حقٍّ.
والفسادُ في الأرضِ وترويع الآمنين فيها وقتلهم بغير حقٍّ من المحرَّمات الكبائر في شريعة الإسلام ومذهبُ الخوارج قديمُ خرج عن مبادئ الإسلام في كثير من أصوله، ومن صفاتهم التعدِّي على ولي الأمر المسلم والخروج عن أمرِه والتحزّبُ والأنشطة السرِّيّةَ، والطعنُ في العلماء وقلّةُ التفقُّهِ في الدين والغلوّ والتشدّدُ في الطاعات والعبادات، وسوء الظن بالمجتمع وعدمُ مراعاة عواقب الأمور، والتعاملُ مع الأمور بطيش وجهل وعاطفةٍ وانفعالٍ لا بالشريعة والعقل والحكمةِ.
ومن صفاتهم استباحة دماءِ الناسِ الأبرياء، وتكفيرُ صاحب الكبيرة وكل من يتعاملُ مع المعاهدين وغيرهم.
وكلٌّ من البغي والحرابة والفساد في الأرض ومذهب الخوارج حرَّمهُ الإسلامُ وتصدَّى له.
* طرق مكافحةُ الإرهاب والقضاءِ عليه:
1- وضع القوانين والأنظمة الّتي تبيّن مفهوم الإرهاب وصوره، وتعالجُ أسبابَه. وتحدّد العقوبات الصارمة لمن اعتنقَه أو ساهم في نشره، والتصدّي له من قبل جميع المؤسسات والهيئات والأفراد في المجتمع.
2- الاهتمام بنشرِ العقيدة الصحيحةِ ومحاسنِ الإسلام وأخلاقهِ، وتشجيع الفقه في الدِّين لتحصين المجتمع من الأفكار الإرهابية، وذلك بإفساح المجال للعلماء للقيام بواجبه.
3- الرّجوعُ إلى العلماءِ الثقاتِ في الأمور العامَّةِ والقضايا المصيريّةَ للأمّةِ.
4- العنايةُ بالمناهج الدراسية وسلامةِ مصدرها وتنقيتها من المخالفات الشرعية، ومن كل صور وأشكال وأسباب الإرهابِ والحقدِ والكراهيةِ وغيرها.
5- تعزيز الانتماء للوطن المسلم والدفاع عنه وحمايتهِ من الأفكار الإرهابية، والمحافظة على ثرواتهِ ومؤسساتِه، وبذلُ الجهود في خدمتهِ طاعةً لله تعالى.
6- التعاونُ مع ولاةِ الأمرِ والجهاتِ المختصّة بمكافحة الإرهاب والمحافظة على الأمنِ في المجتمع، وذلك يتمثّل في اجتناب كلّ فكر أو منهج أو جماعةِ أو فرقةِ تتبنّى العنفَ والإرهاب، والإبلاغ عنها والتحذيرُ منها، لوقايةِ المجتمع وسلامتهِ من شرِّ الإرهاب بأنواعه.
7- القيام بحملةٍ إعلامية بالتنسيق والتعاون مع الجهاتِ الشرعيةِ والدينية في المجتمع لبيان خطورة الإرهاب والتحذير من أفكار الإرهابيين والردّ على شبهاتهم، ومنع كتبهم وإغلاق مواقعهم، والاستفادة من شبكة الانترنت من قبل المختصّين الثقات لنشر الإسلام الصافي والرد على الفرق الضالة والإرهابية وتفنيد الاجتهاداتِ الخاطئةِ.
8- معالجة أسباب الإرهاب كالفسادِ والبطالةِ والغُلوِّ والجهل بأحكام الشريعة، وخُلوِّ المناهج التعليمية من مسائل العقيدةِ الصحيحةِ والإيمانِ، وضعف التوعية بخطر الإرهاب.
وبذلك يحفظُ الله تعالى البلاد والعباد من شرِّ الإرهاب.
والحمد للّه ربّ العالمين.