حكم الصور على الثياب و الفرش و الستور و الأواني
إن قضية الصور صناعةً و استخداماً من المسائل التي عمّت بها البلوى في حياة الناس وواقعهم , بل أن أغلب المصنوعات و المنتوجات من ملبوس و مفروش وغير ذلك لا تكاد تخلوا من صور ذوات الروح فيها , مما يوجب على العلماء و طلبة العلم بيان الأحكام المتعلقة بها .
وسأذكر في هذه المسألة حكم الصور على الثياب و الفرش و الستور و الأواني فقط :
الفرع الأول: حكم لبس الثياب التي فيها صور ذوات الروح :
اختلف العلماء في حكمها إلى ثلاثة أقوال: التحريم والكراهة والجواز , و الراجح هو القول بالتحريم وهو قول جمهور الشافعية كما في (مغني المحتاج (3/247) وفتح الباري (4/381)) ورواية في مذهب الحنابلة كما في (المغني(1/590))
واستدلوا بما يلي :
1- حديث (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة ) متفق عليه .
وعدم دخول الملائكة إنما هي عقوبةُ الذي تسبب في وجود الصورة ، والعقوبة لا تكون إلا على محرم .
2- وبحديث قصة الستر الذي كان في بيت عائشة ، وعليه تصاوير فهتكه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال (إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة و يقال لهم : أحيوا ما خلقتم ) متفق عليه , وهذا يدل على تحريم التصوير في سائر أنواع الثياب الملبوسة و المعلقة .
3- إن لبس الثياب التي فيها صور ذوات الروح فيه تشبه بعبَّاد الصور و الأصنام وقد نُهينا عن التشبه بالكفرة والمشركين .
4- إن استخدام الصور ذريعةٌ إلى الشرك بالله تعالى , وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ( لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) رواه مسلم (93) , و الحديث يفيد تحريم استخدام الصور , و الإبقاء عليها مطلقاً سواء كانت في ثوب أو بيت أو غيرهما، ما عدا الممتهنة كالتي على البسط و الفرش ونحوهما – كما قال النووي في شرح صحيح مسلم (14/81) وابن قدامة في المغني (7/6)
5- إن القول بتحريم لبس الثياب التي فيها صور ذوات الروح فيه سدٌّ لذريعة التشبه ومنع الترويج للصور .
الفرع الثاني : حكم استخدام الفرُش و السجاجيد ذات الصور :
اختلف العلماء فيها على قولين : الجواز والتحريم , والراجح القول بالجواز وهو قول جماهير العلماء من الصحابة و التابعين و الأئمة الأربعة (بدائع الضائع (1/337) و المدونة الكبرى (1/91) و شرح صحيح مسلم للنووي (14/81) والمغني (7/6)).
قال ابن عبد البر في التمهيد (21/196) "وهذا هو أعدل المذاهب كلها ..."
واستدلوا بما يلي :
1- حديث عائشة قالت : ( دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترتُ سهوة لي بقرام فيه تماثيل , فلما رآه هتكه وتلون وجهه و قال يا عائشة : أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله , قالت : فقطعناه فجعلناه وسادتين منتبذتين ) متفق عليه وفي رواية أنه قال (فكان رسول الله يرتفق عليهما ) مسلم (2/1669) .
قالوا (فلما جعلت عائشة القرام وسائد يتكأ عليها لم يكرهها لكونها مما يوطأ و يمتهن بخلاف المنصوب ) التمهيد (21/198) و الاستذكار (27/178) , وهذا الحديث صريح في إقراره صلى الله عليه وسلم في الوسادة و نحوها مما يمتهن .
2- حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أتاني جبريل عليه السلام فقال : إني أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل عليك البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل , فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة , و مر بالستر يقطع فجعل منه وسادتان توطآن ...) رواه مسلم وأبو داود .
قالوا : أمر بقطع الستر الذي كان مرفوعاً و جوز الانتفاع فيما يوطأ ويمتهن ولو كان فيه صورة ذي روح لأن وطأها ذل لها وهو نقيض قصد من يعظمها من أهل الجاهلية .
3- ثبت عن كثير من السلف أنهم كانوا لا يرون بأساً باستعمال البسط و السجاجيد ذات الصور إذا كان مما يفرش و يوطأ بالأقدام ومنها عكرمة كما في التمهيد (21/199) وفتح الباري (10/402) و عروة بن الزبير كما في التمهيد (21/199) وذكر فيه آثاراً أخرى .
4- إن القول بجواز اتخاذ الصور الممتهنة فيه جمع بين الأدلة و سلامة لها من التعارض و القول بعموم المنع من ذلك كله يستلزم إبطال العمل بالأدلة الأخرى .
الفرع الثالث : حكم استخدام الستور المعلقة ذات الصور :
اختلف العلماء فيها على قولين التحريم والكراهية , والراجح هو القول بالتحريم وهو مذهب الشافعية (مغني المحتاج 3/247) ورواية في مذهب الحنابلة (المغني 7/6) واستدلوا بحديث قصة الستر الذي كان في بيت عائشة حيث هتكه النبيُّ صلى الله عليه وسلم حينما كان معلقاً بل غضب وتلون وجهه ووقف عند الباب ولم يدخل هذا دليل التحريم ، وكذلك استدلّوا بحديث قصة جبريل عليه السلام وامتناعه من دخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يقطع الستر الذي كان مرفوعاً فيجعل منه وسادتين توطآن ….
الفرع الرابع : حكم استخدام الآنية ذات الصور :
أما الآنية على شكل تمثال حيوان عاقلاً أو غير عاقل يعد استعمالها محرماً للأدلة التالية :
1- أجمع العلماء على تحريم صور ذوات الروح المجسمة دون أن يستثنوا ما كان مستعملاً أو ممتهناً إلا ما ورد في لعب البنات لورود الدليل الخاص باستثنائها .
2- إن هذه الأواني التي على شكل الحيوانات شبيهة جداً بالأصنام التي كانت تنصب و تعبد من دون الله فاتخاذ مثل هذه الأواني يعد إحياء لمظهر الوثنية يجب البعد عنه .
3- إن إتخاذ الأواني التي على هيئة ذوات الأرواح المجسمة فيه تشبه بأفعال اليهود و النصارى ممن ملئوا بيوتهم بالصور و التماثيل تعظيماً و تقديساً لها .
4- إن وجود مثل هذه الصور يمنع دخول الملائكة إلى البيت .
5- إن تلك الأواني ليست مهانة بل إنها محترمة ولذلك نجد كثيراً من الناس يتفاخرون ويتباهون بها ويضعونها في دواليب خاصة و نظيفة كأنها جزء من زينة البيت 0
وأما استخدام الآنية التي تنقش عليها صور ذوات الأرواح فتنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أواني منزلية في مظهرها وصورتها ولكنها في حقيقتها تتخذ للزينة في إدراج ودواليب البيت الزجاجية للمنظر أمام الناس أو في غرفة الإستقبال أو غرفة الطعام , ويكون لهذه الأواني من العناية و الصيانة والاهتمام ما ليس لغيرها وقد تستخدم نادراً و المقصود منها الزينة دون الاستعمال , فهذه أواني غير ممتهنة وبالتالي تكون الصور التي فيها أو عليها محرمة نظراً لتكريمها ولعموم الأدلة الشرعية التي تدل على أن الصورة متى وضعها مشعراً باحترامها فإنها تكون محرمة في أي شيء كانت (شرح صحيح مسلم للنووي (14/18) وفتح الباري (10/401) و المغني (7/6) ونيل الأوطار (2/164)) 0
القسم الثاني : أواني منزلية مستعملة وبكثرة ولكنها تشبه القسم الأول من بعض الوجوه من حيث أنها فخمة وذات منظرٍ أنيقٍ وشكل جميل وفيها مباهاة و تفاخر .
وهذا القسم وإن كان يستعمل في الأغراض المنزلية إلا أن فيه شبهاً بما يتخذ للزينة من الأواني نظراً للاعتناء بها و صيانتها أكثر من غيرها و الصورة تبع لما هي فيه ولذلك فلها حكم الأواني في القسم الأول .
القسم الثالث : ما يكون من الأواني المنزلية ممتهنا واضحاً دون أن يتطرق إليه قصد الزينة ودون أن يكون مرتفعاً , فهذا القسم من الأواني إذا وجد فيه صور لذوات الأرواح فإنها تكون مهانة بالفعل تبعاً لإهانة ما هي عليه وبالتالي تكون هذه الصور جائزة لامتهانها فيجوز استعمال الأواني التي تكون عليها وبقاؤها داخل البيت من غير إثم ولا حرج إن شاء الله تعالى .
ولكن مع ذلك كله فإن البعد عن جميع أشكال و أنواع الصور أولى وأسلم و أحوط بما في ذلك المهان منها ...
والله أعلم ، والحمد لله