حكم أبوال وأرواث الحيوانات
بسم الله الرحمن الرحيم
النجاسة : هي كل عين حرم تناولها مع إمكانه , لا لحرمتها , ولا لاستقذارها , ولا لضرر بها في بدن أو عقل , و الأصل في الأشياء الطهارة .
*قال ابن حزم رحمه الله (من ادَّعى نجاسة أو تحريماً لم يصدَّق إلا بدليل من نص قرآن أو سنة صحيحة ) ([1]).
*وقال ابن تيمية رحمه الله (الفقهاء كلهم اتفقوا على أن الأصل في الأعيان الطهارة , وأن النجاسات محصاة مستقصاة , وما خرج عن الضبط و الحصر فهو طاهر ).([2])
*وقال أيضاً (الأصل الجامع : طهارة جميع الأعيان حتى تتبين نجاستها , فكل مالم يبين لنا أنه نجس فهو طاهر ).([3])
وفي هذا البحث المختصر مسائل :
المسألة الأولى : في بول الآدمي و عذرته :
*أجمع المسلمون على نجاسة بول و غائط الآدمي الكبير , ونقل الإجماع كثير من العلماء منهم الطحاوي في شرح معاني الآثار ([4]) , وابن رشد في بداية المجتهد ([5]) , و النووي في المجموع ([6]) , وابن المنذر في الإجماع ([7]), و الصنعاني في سبل السلام ([8]) , و الشوكاني في نيل الأوطار ([9]) و غيرهم .
*أما بول الصبي و الجارية فقد اختلفوا على قولين , و الراجح ما عليه الجمهور بأن بول الصبي الذي لم يأكل الطعام وكذلك الجارية أنه نجس للأوامر الكثيرة بنضحه و غسله , ولو أن نجاسته أخف من نجاسة بول الكبير , وقد رخص في نضح بول الصبي ورشه و عفا عن غسله تخفيفاً لملازمة حمله .
المسألة الثانية : في بول وروث الحيوان غير المأكول :
اختلف العلماء على قولين و الراجح ما عليه المذاهب الأربعة أنه نجس , وأدلتهم أن هذه الحيوانات محرمة لأن لحمها خبيث فكذلك بولها و روثها , وكذلك بما أننا نهينا عن أكل الجلالة التي تأكل النجاسات فهذه الحيوانات قد خبث لحمها بنفسه وليس عن طريق أكل العذرة , ولأن الإسلام رخص في سؤر الهرة لأنها من الطوافين علينا , فعلم بأن المقتضي لنجاستها قائم وهو كونها محرمة , وإذا كان هذا في سؤرها فما بالك في بولها وروثها فإنه أشد نجاسة من سؤرها .
المسألة الثالثة : في بول و روث الحيوان المأكول : فيه قولان :
القول الأول : طاهر و هو الراجح :
وهو قول مالك , وداود و أحمد وبعض السلف وابن تيمية والشوكاني و الصنعاني , للأدلة التالية :
1-حديث العرنيين في الصحيحين عن أنس : (وأن أناساً من عرينه قدموا إلى المدينة فتضرروا بالإقامة فيها , فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة , ويشربوا من أبوالها و ألبانها , فلما صحوا , قتلوا الراعي وسرقوا الإبل , فقبض عليهم , وفعل بهم مثل متت فعلوا بالراعي ).([10])
*قال الشوكاني (فإذا أطلق الإذن في ذلك , ولم يشترط حائلاً بقي من الأبوال , وأطلق الإذن في الشرب لقومٍ حديثي العهد بالإسلام , ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما يصيبهم منها لأجل صلاة ولا غيرها , دل ذلك على مذهب القائلين بالطهارة ).([11])
*قال ابن باز (ولو كانت الأبوال من الإبل ونحوها نجسة لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل أفواههم عنها وأوضح لهم حكمها ...).([12])
*وقالوا : وتحليل التداوي بها دليل على طهارتها , فأبوال الإبل وما يلحق بها طاهرة , لأنه لا يجوز التداوي بحرام .
*ولقول ابن مسعود (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ).([13])
2- حديث (صلوا في مرابض الغنم) ([14])
وعن مسلم عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصلي في مرابض الغنم ؟
قال :نعم).
قالوا : ولو كانت أزابلها و أبوالها نجسة لما أمرهم بالصلاة فيها , فهذا دليل على طهارتها .
3- ما ثبت واستفاض من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته وأدخلها المسجد الحرام , ولا يخفي ما يقع من تلويث المسجد بأبوالها و أرواثها , فلو كانت نجسة لبيَّن ذلك .
*قال ابن عباس (طاف النبي على بعير )([15]), (وكذلك أمر أم سلمة أن تطوف من وراء الناس وهي راكبة )([16]).
*قال ابن بطال (وفي هذا الحديث : جواز دخول الدواب التي يؤكل لحمها المسجد لأن بولها لا ينجسه بخلاف غيرها من الدواب )([17]).
4-ومن الأدلة : أن هذه الأعيان لو كانت نجسة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم , ولم يبينه فليست كذلك , وذلك لأن هذه الأعيان تكثر ملابسة الناس لها , فالإبل و الغنم غالب أموالهم , فلو كانت نجسة يجب غسل الثياب و الأبدان و الأواني منها , ويجب تطهير الأرض مما فيه ذلك كما طهرت من بول الأعرابي , و يجب غسل اليد التي أصابها البول أو البعر ... إلى غير ذلك من أحكام النجاسة , فلو كانت نجسة لبينها رسول الله , وذلك دليل على طهارتها .
5- ومن الأدلة : أن الأشياء على الطهارة حتى يأتي نص بتحريم شيء أو تنجيسه , ولا نص ولا إجماع في تنجيس بول و روث ما يؤكل لحمه .
*قال الشوكاني (والظاهر طهارة الأبوال و الأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه , تمسكاً بالأصل واصطحاباً للبراءة الأصلية , و النجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل بالبراءة , فلا يقبل قول مدَّعياً إلا بدليل , ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلاً كذلك ...) ([18]).
*قال ابن تيمية (وأجماع الصحابة و التابعين ومن بعدهم على دياس الحبوب من الحنطة وغيرها بالبقر و نحوها , ومن للقطع ببولها وروثها على الحنطة , ولم يذكر ذلك منكر , ولم يغسل الحنطة لأجل هذا أحد , ولا احترز عن شيء مما في البيادر لوصول البول إليه , ولا أعلم لمن يخالف هذا شبهة ). ([19])
*وسئل شيخ الإسلام عن بول ما يؤكل لحمه , هل هو نجس ؟
فأجاب : أما بول ما يؤكل لحمه وروث ذلك , فإن أكثر السلف على ذلك ليس بنجس , وهو مذهب مالك وأحمد و غيرهما , و يقال أنه لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجيس ذلك بل القول بنجاسة ذلك قول محدث , لا سلف له من الصحابة , وقد بسطنا في هذه المسألة في كتاب مفرد , وبينا فيه بضعة عشر دليلاً شرعياً , وأن ذلك ليس بنجس , و القائل بتنجيس ذلك ليس معه دليل شرعي على نجاسته أصلاً ...)([20]).
القول الثاني : أن بول و ورث ما يؤكل لحمه نجس :
وهو قول أبي حنيفة و الشافعي وابن حزم في (15) صفحة في المحلى ([21]) .
واستدلوا بما يلي :
1-حديث (استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ) صححه ابن خزيمة عن أبي هريرة قالوا : بول الإنسان نجس بالإجماع فيقاس عليه غيره من الأبوال .
2-حديث عائشة (أمر رسول الله ببناء المساجد في الدور و أن تطيب و تنظف) ([22]) .
قالوا : وهذا يوجب الكنس لها من كل بول و بعر و غيره من الأبوال .
3-حديث أنس (" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا ، فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ، ثم ينضح ، ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونقوم خلفه فيصلي بنا) ([23]) .
قالوا : فهذا أمر بكنس ما يصلي عليه و نضحه ليطهر من كل شيء .
4-ما ورد عن بعض السلف في الأمر بغل أبوال الإبل و نحوها كابن عمر و جابر بن زيد و الحسن و سعيد بن المسيب و الزهري وابن سيرين و غيرهم .
5- وقال ابن حزم (قوله عليه السلام : لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها خلقت من الشياطين ) , هذا النهي دليل على نجاسة أبوالها و أبعارها .
6-وقال أيضاً (إما إباحة شرب أبوال الإبل في حديث العرنيين فهو على سبيل التداوي من المرض و التداوي بمنزلة الضرورة ).
والله أعلم .
كتبه
إبراهيم بن عبد الله المزروعي
([1])المحلي مسألة 394
([2])الفتاوى (21/542/591)
([3])مجموع الفتاوى (21/536)
([4])(1/109)
([5])(2/175 , 192)
([6])(2/567)
([7])ص34
([8])(1/34)
([9])(1/61)
([10])فتح الباري (1/339)
([11])نيل الأوطار (1/62)
([12])فتح الباري (1/339)
([13])علقه البخاري بصيغة الجزم – فتح 78- السلسلة الصحيحة للألباني 1633
([14])الترمذي – إرواء الغليل رقم (176)
([15])البخاري معلقاً (464)
([16])البخاري 1619
([17])فتح (464)
([18])(1/61) نيل الأوطار
([19])الفتاوى (21/583)
([20])الفتاوى (21/613)
([21])(1/168 -182)
([22]) أخرجه أبو داود حديث:389
([23]) أخرجه مسلم حديث:1089