حُكمُ لِبْسِ الملَابسِ الحمرَاء مُطلقًا للرِّجالِ
اختلفَ العلماءُ على سِتَّةِ أقوالٍ: يجوز مطلقاً، ويحُرمُ مطلقاً، ومنهم مَنْ قال بالتفصيل، أو الكراهية مطلقاً.
* وسببُ اختلافهم ما ورد من أحاديث عن أبي داود وغيره، يُفهَمُ منها منع اللباس الأحمر للرجالِ، ولكنَّ أكثرها أحاديث ضعيفة عند أهل العلم، ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (مَرَّ على النبيُ صلى الله عليه وسلم رجل عليه ثوبانِ أَحمرانِ، فسلّم عليه، فلمْ يردَّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم) ([1]) ويُحتملُ أنَّه كانت ثيابه معصفرةً كما هي عادة الأعاجم الذين نُهينا عن التشبُّهِ بهم؛ ولهذا قال الإمامُ الترمذي رحمه الله في سننه بعد أن رواه قال: (ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنَّهم كرهوا لِبْس المعصفَر، ويرون أنَّ ما صُبِغَ بالحُمرةِ بالمَدَرِ أو غيرِ ذلك فلا بأس به إذا لم يكنْ مُعصفراً)([2])
* وكذلك استدلَّ القائلون بالتحريم، بحديث رافع بن يزيد رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الشَّيطانَ يُحبُّ الحُمْرةَ، فإيَّاكمُ والحُمْرةَ، وكُلَّ ثوبٍ ذي شُهرة»([3])
* وممَّا استدل به المانعون للأحمر ما رواه البخاريُّ من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «نهانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن المياثر الحُمْر والقِسِّيِّ»([4]) .
قال الشوكانيُّ رحمه الله: (ولكنَّهُ لاَ يخفَى أنّ هذا الدليل أخَصُّ الدعوى، وغايةُ ما في ذلك تحريمُ المِيثَرَةِ الحمراء، فما الدليلُ على تحريم ما عداها، مع ثبوتِ لِبسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له – يعني الأحمر – مرّاتِ؟)([5]).
* والرَّاجحُ هو قولُ جمهورِ الفقهاء.
جَوَاز لُبس الرَّجل للملابس الحمراء بلا تحريم ولا كراهةٍ. لما يلي:
- قوَّة ما استدلّوا به من أدِّلةٍ صحيحةٍ وآثارَ ثابتةٍ عن الصحَابةِ والسلف تدُل على الجواز ولا معارضَ لها.
- ما رواه البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: (كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُربوعاً وقد رأيتهُ في حُلَّةِ حمراء ما رأيتُ شيئاً أحسَنَ»([6]) وترجم البخاري الحديث بقوله: «بأن الصلاة في الثوب الأحمر» وقال ابن رجب في شرحه للبخاري: (يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الأحمر.)
- وعن أبي داود عن عامر المزني رضي الله عنه قال: «رأيتُ رسولَ الله بمنىً يخطبُ على بَغْلةٍ وعليه بُردٌ أحمرُ» ([7])
- وغيرها من الأحاديث وقد ثبت لِبْسُ الأحمرِ عن الحسن والحسين وعن ابن عمر وعليٍّ وغيرهم من السلفِ رضي الله عنهم.
- وبعد حديث وهب بن عبد الله عند البخاري قال: (وخَرَج النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حُلَّةٍ حَمراءَ مُشَمِّرًا، صلَّى إلى العَنَزَةِ بالناسِ رَكعَتَينِ، ورأيتُ الناسَ والدَّوابَّ، يَمُرُّونَ مِن بينِ يَدَيِ العَنَزَة) ([8])
وقال البخاري رحمه الله: «فيه إباحةُ لِباسِ الحُمْرَةِ من الثياب، والردُّ على مَنْ كَرهَ ذلك، وأنَّه يجوزَ لباسُ الثياب الملوَّنةِ للسيِّد الكبير والزّاهد في الدنيا، والحُمْرةُ أشهرُ الملوِّنَاتِ وأجمل الزينةِ في الدنيا»([9])
- وقال الحافظ المَنْاوِيُّ عن حديث جابر رضي الله عنه في لبَس النبي صلى الله عليه وسلم بُرْدَهُ الأحمَر في العيدين والجمع قال: «فيه ردٌّ على مَنْ كرِهَ لِبْسَ الأحمرِ القاني – ومن زعم أن المراد بالأحمرِ هنا ما هو ذو خطوط تحكم لا دليلَ عليه ومَنْ أنكرَ لباسَ الأحمَر فهو مُتعَمّق جاهل»([10])
وبعد ثبوتِ لِبْسِ الأحمِر عن النبيِ صلى الله عليه وسلم ثبوتاً يدلُّ على الجواز، فلا يكونُ لبْسُه محرَّماً ولا مكروهاً في الإسلام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
([1]) رواه أبو داود وهو في ضعيف سنن أبي داود.
([2]) السنن (5/ 707).
([3]) أخرجه الهيثميَّ في مجمع الزوائد وضعَّفَهُ الطبرانيَّ مجمع الزوائد (5/ 130) وهذا الحديث باطل كما قال ابنُ حجر في الفتح (10/ 9) والمناوي في فتح القدير (2/ 442) وهو في ضعيف الجامع (1481).
([4]) صحيح البخاري: (5838)
([5]) نيل الأوطار (2/ 113)
([6]) صحيح البخاري: (5848)
([7]) صحيح سنن أبي داود : (4073)
([8]) صحيح البخاري: (376)
([9]) شرح صحيح البخاري: (2/ 39)
([10]) فيض القدير: (5/ 313)