شروط وجوب الحج
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
الحجّ عبادة كسائر العبادات، لابد أن تتوفر فيه شروط، وهي ستة:
الشرط الأول: الإسلام: فلا يجب على الكافر.
الشرط الثاني: التكليف: أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا يجب على الصغير ولا على المجنون.
الشرط الثالث: الحرية: فلا يجب على المملوك.
والدليل على اشتراط التكليف والحرية قوله - صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أنْ يَحُجُّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجِّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى)([1]).
الشرط الرابع: الاستطاعة: وهي أعظم شروط الحج وأكثرها أهمِية، لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، وفسرت الاستطاعة بمُلك الزاد والراحلة، وهو مذهب جمهور العلماء.
وفُسّرتْ الاستطاعة بأنها الزاد والراحلة في عدة أحاديث فيها ضعف، وبروايات مختلفة عند الترمذي وابن ماجه والدارقطني وغيرهم، وقد حسنها بمجموع طرقها بعض العلماء كالشوكاني والألباني رحم الله الجميع، من ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-: وما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة) ([2]).
والحديث عمل بمعناه أهل العلم، قال الترمذي بعد إيراده لأحد ألفاظ الحديث: "والعمل عليه عند أهل العلم: أن الرجل إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج".
ولا بدّ في النفقة أن تكون زائدة على حوائجه الأصلية، لا تتعلق بحاجة عياله ومسكنه، لعموم قوله : (كفى بالمرء إثماً أن يُضيعَ من يقوت)(([3]).
ولا يلزمه تحمل الدين لأجل أن يحج، ففي الأثر عن ابن أبي أوفى t أنه سُئل عن الرجل يستقرض ويحج؛ قال: يسترزق الله ولا يستقرض. قال: وكنا نقول: لا يستقرض إلا أن يكون له وفاءً([4]).
(([5]).
قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ سَعَةٌ يَحُجُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَهُوَ لاَ يَجِدُ السَّبِيلَ"([6]).
الشرط الخامس: أمن الطريق، فلو خشي الحاج في الطريق على نفسه أو ماله لم يجب عليه الحج إجماعاً ([7]).
: وجود المحرم للمرأة، فإن لم يكن لها محرم؛ سقط عنها الوجوب لأنها غير مستطيعة، والله عز وجل يقول: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾. وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد وقالا بأن المحْرَمَ السبيل ([8]، فلو لم تجد مَحْرَماً فإنها تدخل في معنى قوله ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
ولعموم الأحاديث الدالة على تحريم سفر المرأة من غير محرم، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: (انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ)(([9])، وفي رواية عند البزار أن النبي - صلى الله عليه وسلم-(لا تَحُجُّ امرأةٌ إلا ومعها مَحْرَمٌ) فقال رجل: ... الحديث(([10])، وهذه الرواية نصٌّ في المسألة.
وذهبت طائفة من أهل العلم - منهم مالك والشافعي- إلى عدم اشتراط المحرم للمرأة في حج الفريضة إذا كانت الطريق آمنة، وكانت هناك رفقة مأمونة([11]).
قال ابن قدامة: "واشترط كل واحد منهم في محل النزاع شرطا من عند نفسه، لا من كتاب ولا من سنة، فما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم- أولى بالاشتراط، ولو قُدّر التعارض، فحديثنا أخص وأصح وأولى بالتقديم" ([12])، وعليه: فإنْ لم تجد المرأة محرماً فلا يجب عليها الحج كالذي لا يجدُ نفقة سواءً بسواء([13]).
الشروط والأوصاف التي يجب أن تتوفر في المحْرَم:
مِن المعلوم أنّ وجود الـمَحرم بالنسبة للمرأة أمرٌ مُهم حتى تتمكن من أداء حجها على أتمّ وجه، ولهذا اشترط العلماء في الـمَحرَم شروطاً، منها:
أن يكون مسلماً: فإن كان كافراً فليس بِمَحرم، أما الأب الكافر فيعتبر محرماً لابنته المسلمة عند أبي حنيفة والشافعي، بشرط أن يُؤْمَن عليها، ومنع ذلك أحمد لأنه لا يؤمن عليها أن يفتنها عن دينها كالطفل ([14]). واختار ابن عثيمين القول الأول ([15]).
أن يكون بالغاً: فالصغير لا يكفي أن يكون محرماً؛ لأن المقصود من المحرم حمايتها وصيانتها من المخاطر، ومن كان دون سن البلوغ لا يحصل منه ذلك. وقد سُئل الإمام أحمد: فيكون الصبي محرماً؟ قال: لا، حتى يحتلم؛ لأنه لا يقوم بنفسه، فكيف يخرج مع امرأة ([16]).
أن يكون عاقلاً: فالمجنون لا يصح أن يكون محرماً ولو كان بالغاً، لأنه أيضاً لا يحصل منه حماية المرأة وصيانتها.
مسألة: لو رفض مَحْرمُ المرأة مرافقتها لأداء الحج فلا يجب عليها، لكن لو بذلت له النفقة فهل يلزمه أن يحج معها؟
قولان لأهل العلم ([17]): أصحهما أنه لا يلزمه، لأنّ ذلك واجب على غيره، ولأنّ في الحج مشقة شديدة، وكلفة عظيمة، فلا تلزم أحداً لأجل غيره.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه: علي سلمان الحمادي
16 من ذي القعدة 1438
([1]) رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما وصححه الألباني في الإرواء.
([2]) حسنه الألباني في الترغيب برقم: [1131].
([3]) رواه أبو داود.
([4]) أخرجه البيهقي بسند صحيح.
([5]) التمهيد لابن عبد البر (9/135).
([6]) الأم للشافعي (2/127).
([7]) شرح زروق على الرسالة (2/43).
([8]) المغني لابن قدامة (5/30).
([9]) رواه مسلم.
([10]) رواه البزار في مسنده، والدارقطني في سننه، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (رقم: 3065).
([11]) الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (165)، والحاوي الكبير للماوردي (11/265).
([12]) المغني لابن قدامة (5/32).
([13]) انظر كتاب نوازل الحج لعلي الشلعان (89).
([14]) المغني لابن قدامة (5/34).
([15]) الشرح الممتع لابن عثيمين (7/41).
([16]) المغني لابن قدامة (5/34).
([17]) المغني لابن قدامة (5/34).