الصدقُ مع الله
الحمد لله وكفى، والصلاةُ والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى، وبعد
روى النسائي في سننه بسند صحيح أن أعرابياً جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، فآمن به وَاتَّبَعَهُ، ثم قال: أُهاجِرُ معك .. فلما كانت غَزوةُ خيبر، غَنِم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئا، فأعطاه سهمه من الغنيمة. فقال الأعرابي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما على هذا اتَّبَعْتُكَ، ولكن اتَّبَعْتُكَ على أنْ أُرْمى إلى هَا هُنا -وأشارَ إلى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ فأموتَ فأَدْخلَ الْجنَّةَ، فقال: «إنْ تَصْدُقِ اللّهَ يَصْدُقْكَ»، ثم نهَضُوا في قتال العَدُوِّ، فأُتِى به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُحْمَلُ، قد أصَابهُ سَهْمٌ حيثُ أشار، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَهُوَ هُوَ» قالوا: نعم، قال: «صَدَقَ الله فَصَدقَهُ».
فهذا الأعرابي جعل الجنة نصب عينيه، وبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يدخلها، فلما صدق مع الله في عزيمته؛ صدق الله تعالى معه، فأعطاه ما أراد.
إن الصدقَ مع الله، خلقٌ عظيم، ومطلبٌ جليل، أمر الله به عباده المؤمنين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119]، أي كونوا مع الذين يصدقون في قولهم وفي عملهم وفي حالهم.
والصدق مع الله هو رأس الفضائل وأساسها، وضرورةٌ من ضروراتِ الحياة الاجتماعية.
إن حقيقةَ الصدقِ مع الله تعالى هي الخوفُ منه - سبحانه وتعالى - ظاهراً وباطناً، فتكون الإرادات والأعمال والأقوال؛ كلها محكومة بشرع الله عز وجل، لا تخالطها أهواء نفسية، ولا تخالجها مصالح شخصية، ولا تحكمها نزعات دنيوية، بل المرد في ذلك كله في المنشط والمكره، والعسر واليسر؛ هو تحقيقُ شرع الله، وامتثالُ أمره.
يقول إبراهيم الخوّاص رحمه الله تعالى: الصادق؛ لا تراه إلا في فرض يؤديه، أو فضل يعمل فيه.
وقال بعض أهل العلم: من لم يؤدِّ الفرض الدائم؛ لم يقبل منه الفرض المؤقت. قيل: وما الفرضُ الدائم؟ قال: الصدق.
فالصدق مع الله هو الطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه؛ كان من المنقطعين الهالكين، فبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وأصحاب الجنان من أصحاب النيران .. وهو سيف الله في أرضه الذي ما وُضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه، من صال به لم تُردّ صولته، ومن نطق به؛ علت على الخصوم كلمته.
فعلينا جميعاً؛؛ كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً، فقراء وأغنياء، تجاراً وموظفين، مربين ومتعلمين، - علينا جميعاً - أن نتحلى بالصدق في القول والعمل والإرادة ... لتعود إلى النفوس الثقة التامة التي تجلب الأمن والحب والسعادة والاستقرار.
وما أجدر المربين أن يربوا أبناءهم وبناتهم على الصدق حتى ينشأوا كراماً مطبوعين على الجرأة والعفة والأمانة.
وليحذر الأباء والأمهات من الكذب على أطفالهم أو أن يعودوهم عليه، حتى ولو كان لإسكاتهم من بكاء، أو تهدئتهم من غضب، فإن ذلك تعويد لهم على أقبح خلق عند الله عز وجل.
فهنيئا لمن صدق في قوله وعمله وحاله، هنيئاً له هذا الفوز العظيم، والنعيم المقيم، والرضى الأبدي، والخلود السرمدي ...
جعلنا الله منهم بمنه وفضله ورحمته، إنه رؤوف رحيم جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.