تأخر المطر ابتلاء من الله والسبيل الشرعي في رفعه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
اقتضت سنة الله تعالى في عباده أن يبتلي عباده أحياناً بجدب الأرض وقلة المطر تمحيصاً لهم أو عقوبة عليهم.
يوقع الله سبحانه وتعالى هذا البلاء إما بسبب تفريطهم لأمر من أوامره، أو بسبب وقوعهم في ما حرمه الله تعالى عليهم كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
وقال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].
وقال صلى الله عليه وسلم : (يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن:
لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم.
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا.
ولم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم.
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله و يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) رواه ابن ماجه وهو صحيح.
وقد يرفع الله عنهم البلاء إن هم تابوا وأنابوا وأذعنوا إليه سبحانه، ولجؤوا إلى طلب ذلك بعبادة مخصوصة سنّها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الاستسقاء.
والاستسقاء يحصل إما بصلاة مخصوصة كهيئة صلاة العيد، وإما بالدعاء يوم الجمعة:
فمن الأول ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ فوُضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجبُ الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن أوان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)، ثم قال: (الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين).
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحاباً فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).
أخرجه الحاكم وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ".
والكَنّ: هو ما يُجعل من المساكن ليُتقى به شدة الحر والبرد.
ومن الثاني ما رواه البخاري في صحيحه أن رجلاً دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ منْ بابٍ كانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، ورَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِماً ثُمَّ قَالَ: يَا رسولَ الله، هَلَكَتِ الأمْوَالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادْعُ الله يُغِيثُنَا.
فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، أللَّهُمَّ أغِثْنَا).
قَالَ أنَسٌ: وَلاَ وَالله مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ ولاَ قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ سَلْعٍ [اسم جبل بالمدينة] مِنْ بَيْتٍ ولاَ دَار، قَالَ: فَطلعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلَ الترْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ فَلاَ وَالله مَا رَأيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذلِكَ البابِ فِي الجُمُعَةِ المقبلة ورَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ فاسْتَقْبَلَهُ قائِما فَقَالَ: يَا رسولَ الله هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُ الله يُمْسِكْهَا عَنَّا.
فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ).
قَالَ: فأقْلَعَتْ وخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ أهُوَ الرَّجُلُ الأوَّلُ فقالَ لا أدْرِي.
فينبغي علينا الرجوع إلى الله تعالى والإنابة إليه، والاستغفار عما بدر منا من زلل في حقه سبحانه، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10 -12].
واقتضت سنة الله تعالى في خلقه أن لا يغير ما حل بهم من بلاء وعقوبة حتى يُغيروا من أنفسهم كما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
ومن الأدعية المشروعة في هذا الباب ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلـم في ذلك:
(اللهم جَلِّلنا [أي عممنا] سحاباً كثيفاً قصيفاً [القصيف هو ذو الرعد] دلوقاً [أي متدفقاً بشدة] ضحوكاً [أي كثير المطر] تمطرنا منه رُذاذاً [الرذاذ هو دون الطش] قِطْقِطاً[وهو ما دون الرذاذ] سَحْلاً يا ذا الجلال والإكرام) رواه أبو عوانة من حديث سعد بن أبي وقاص.
(اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل) رواه أبو داود.
(اللهم أسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت) رواه أبو داود بإسناد جيد.
(الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته علينا قوة وبلاغاً إلى حين) رواه أبو داود.
فأسأل الله تعالى أن يوفقنا لذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يكرمنا بغيث عاجل غير آجل، يعم به البلاد، ويفرح به العباد، وينبت به الزرع، ويجعله متاعاً وقوةً لنا حتى حين، بمنه ورحمته وفضله إنه جواد كريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين