من أحكام صلاة الاستسقاء


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد...

إن صلاة الاستسقاء سنة مشروعة حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله إذا تأخر نزول المطر وأجدبت الأرض، فمن أهم الأحكام المتعلقة بها:

حكم صلاة الاستسقاء:

سنة مؤكدة لقول عبد الله بن زيد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة. متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ فوُضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجبُ الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن أوان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)، ثم قال: (الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين).ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحاباً فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).أخرجه الحاكم وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ".

واالكِنّ: هو ما يُجعل من المساكن ليُتقى به شدة الحر والبرد.
 

صفة الخروج إليها:               

يخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً لقول ابن عباس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ويخرج معه أهل الدين، والصلاح، والشيوخ - كبار السن - لأنه أسرع لإجابتهم، والصبيان المميزون لأنهم لا ذنوب لهم.

صفة صلاة الاستسقاء:

كصلاة العيدين في صفتها، وأحكامها، وموضعها، وبتكبيراتها، فتسن في الصحراء كالعيدين وأيضاً من غير أذان، ولا إقامة.

صفة الخطبة:

يخطب الإمام خطبة واحدة بعد الصلاة، ويكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11)﴾ [سورة نوح]، ولأن الاستغفار سبب لنزول المطر.
ويرفع يديه استحباباً في الدعاء لقول أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع حتى يُرى بياض إبطيه) متفق عليه.

وظهور كفيه نحو السماء لحديث: (أشار بظهر كفيه إلى السماء) رواه مسلم، أي مبالغة في الرفع لا قصداً منه.

دعاء الاستسقاء:

ثم يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما رواه ابن عمر: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً عاماً سحاً طبقاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق).

(اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأْواءِ والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، و أسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك, اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً).

ويسن أن يستقبل القبلة إذا فرغ من خطبته ويدعو ثم يحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم حوّل إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه. ولمسلم: حول رداءه حين استقبل القبلة. ويفعل الناس كذلك.

ويدعو سراً -غير الدعاء في الخطبة- ويقول: (اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا).

فإن سقوا وإلا عادوا ثانياً وثالثاً.

ما معنى تحويل الرداء؟ وما الحكمة منه؟

تحويل الرداء، هو أن يقلبه، فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، والحكمة من ذلك: تفاؤلاً بأن يحول الله الحال إلى الأفضل.

يستحب قبل الخروج إلى صلاة الاستسقاء

- التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، والخروج من المظالم، لأنها من أسباب حلول النقم، وقحط المطر قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]. وقال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].    وينبغي أيضاً الإكثار من الاستغفار والتوبة، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10 -12].

- وينبغي على كل مسلم أن يتحلل من صاحبه إن كانت بينهما شحناء وخصومة، فإن ذلك من أسباب جلب النقم، وحلول المحن، والنبي صلى الله عليـه وسلم أخبر أن من الثلاثة الذين لا تُرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً (أَخَوانِ مُتصارمان) رواه ابن ماجه، أي: متخاصمان، فالصلاة والدعاء لا يرتفعان مع التشاحن.

- ويستحب الإكثار من الطاعات التي تجلب محبة الله للعباد كالصيام والصدقة، فإن الصائم مجاب الدعوة، والصدقة تطفئ غضب الرب. وكذلك إخراج الزكاة فقد صح في الحديث: (وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا). قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى-: "ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة وإقبال على الخير، ومُجانبةً للشر، ونحو ذلك من طاعة الله تعالى" [المجموع:ج5 ص68]

هذه بعض الأحكام المهمة المتعلقة بهذه السنة العظيمة، فأسأل الله أن ينفع بها قارئها.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين